الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٤١ – ٦٠

فقال النبي إنهن خير منكم)، كانت هذه الجملة من أواخر الكلمات التي تلفظ بها رسول الله قبل أن تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها.وهذه الرواية الصحيحة والمتواترة عند القوم، والتي أجمع أهل بيت النبوة وأجمعت الأمة على وقوع أحداثها بالفعل، تثبت بأن الرسول الأعظم كان يأمر بكتابة وتدوين سنته، وأن الكتابة والتدوين هما الطريق الطبيعي وتكشف هذه الرواية أيضا بأن زعامات الأكثرية – التي حاربت الرسول حتى اضطرها للاستسلام فأسلمت – كانت ضد فكرة تدوين وكتابة سنة الرسول، وضد رواية أحاديث الرسول، لأن هذه الزعامات قد أدركت خطورة سنة الرسول على مشاريعها المتعلقة بالاستيلاء على ملك النبوة بعد وفاة النبي حيث لن تتمكن تلك الزعامات من تنفيذ مقاصدها وأهدافها إلا بغياب السنة، أو تغييبها، أو التشكيك بعدم شرعيتها، أو سحب الصفة الإلزامية منها، وهذا هو السر الكامن وراء نهيهم السري عن كتابة ورواية أحاديث الرسول أثناء حياة الرسول، وهذا هو السر الذي دفعهم للاستماتة للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته أثناء مرضه، لأنهم قد أيقنوا بأن الرسول إن كتب ما أراد سيفشل كافة مخططاتهم، أو سيفضحها على الأقل.

ومع أن الأكثرية كانت تقف وراء تلك الزعامات، إلا أنها لم تجرؤ على إعلان نواياها الحقيقية، بل كانت ترفع شعارات إسلامية لتبرر مقاصدها غير الإسلامية فمثلا عندما حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد وقالوا له أن تهجر وكسروا خاطره الشريف وهو على فراش الموت برروا هذا العمل الإجرامي المقيت بقولهم: (حسبنا كتاب الله) أي أن القرآن يغني عن الرسول وعن سنته!!! وعندما جمعوا المكتوب من سنة الرسول، ومنعوا كتابة ورواية سنة الرسول، لم يقولوا بأنهم ضد سنة الرسول إنما رفعوا شعار (حسبنا كتاب الله، وشعار لا كتاب مع كتاب الله!!! لقد صمموا أن يحققوا تحت خيمة الإسلام ما عجزوا عن تحقيقه في ميادين المقاومة والقتال أثناء.

 

٤١
مقاومتهم للنبي ولدينه قبل الهجرة ومحاربتهم لرسول الله ولدينه وللمؤمنين بعد الهجرة!!. 

الرواية الحادية عشرة:

وما يؤكد أمر الرسول للمسلمين كتابة وتدوين سنته، أنه كان يأمر بكتابة ما هو أقل أهمية من سنة الرسول. قال البخاري في صحيحه:

إن النبي قد قال: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل…) (١).

وقال الهيثمي: قدم وفد بجيلة على رسول الله فقال الرسول: (أكتبوا البجليين وابدؤوا بالأخمسين) (٢).

وعلق الشيخ علي الكوراني على ذلك بالقول بأن رسول الله هو أول من دون الدواوين وليس الخليفة عمر كما يذكر البعض) (٣).

 

الرواية الثانية عشرة:

لقد حث رسول الله على طلب العلم، ورغب في طلبه بكل وسائل الترغيب الشرعية، فأي علم أفضل من علمي الكتاب والنبوة، لقد أدرك المسلمون ذلك، وكتب كل قادر منهم ما رآه مهما من سنة الرسول، قال عبادة بن الصامت: (خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله ومعه غلام له…

ومعه ضبارة صحف) (٤).

 

 

(١) راجع صحيح البخاري ج ٤ ص ٣٣.(٢) مجمع الزوائد للهيثمي ج ١٠ ص ٤٨.

(٣) وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص ٢٣٢ – ٢٣٣.

(٤) المستدرك للحاكم ج ٢ ص ٢٨.

 

٤٢
وبعض المسلمين كان يكتب أسئلة ويرسلها يستفتي بها، من ذلك ما رواه البيهقي في سننه عن أبي الهذيل بقوله: (أمرني ناس من أهلي أن أسأل لهم عبد الله بن عباس عن أشياء فكتبتها في صحيفة، فأتيته، لأسأله فإذا عنده ناس يسألونه، فسألوه عن جميع ما في صحيفتي..) (١). 

آيات محكمات من القرآن الكريم:

لقد تكررت كلمة الكتابة ومشتقاتها في القرآن الكريم مئات المرات، في مئات الآيات المحكمات، ولم يرد نهي عن الكتابة في أي من تلك الآيات (٢) وكلها تؤكد بأن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة للتوثيق، ومن الملفت للنظر بأن أول آية نزلت من القرآن هي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق ١) وأن الله سبحانه كما سمى القرآن بكتاب الله، فهل يعقل أن يكون هنالك كتاب غير مكتوب!!

ثم إن القرآن الكريم قد أمر بكتابة وتدوين وتوثيق ما هو أقل أهمية من السنة النبوية فقال عز وجل:

(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق) وقال تعالى: (ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله) (٣) فهل يعقل أن يأمر الله ورسوله المسلمين بكتابة الدين صغيرا أو كبيرا، وأن يحرما على المسلمين كتابة

 

(١) سنن البيهقي ج ٩ ص ٢٤١، وتدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص ٢٣٥ – ٢٣٦.(٢) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن – محمد فؤاد عبد الباقي ص ٥٩١ وما فوق.

(٣) سورة البقرة، الآية ٢٨٢.

 

٤٣
سنة الرسول وهي الدين العملي كله!!! الحمد لله الذي فضح الكذب والكاذبين، وأكد ضروريات بقاء الدين. 

الرواية الثالثة عشرة:

روى الزبير بن البكار (أن سليمان بن عبد الملك في زمان ولايته للعهد، مر بالمدينة حاجا، وأمر إبان بن عثمان أن يكتب له سيرة الرسول ومغازيه، فقال إبان: هي عندي، أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر عشرة من الكتاب بنسخها، فكتبوها في رق، فلما صارت إليه، نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، يقصد فيها بيعة الأنصار في العقبة الأولى والثانية وذكر الأنصار في بدر.

فقال سليمان: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي – أي الخلفاء الأمويين – غمضوا عليهم، وإما أن يكونوا ليسوا كذلك! فقال إبان بن عثمان: أيها الأمير: لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم – يقصد الخليفة عثمان – من خذلانه أن نقول الحق هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا.

قال سليمان: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذلك حتى أذكره لأمير المؤمنين – يقصد والده عبد الملك – لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق (أي أحرقه) ولما رجع أخبر أباه بما كان فقال عبد الملك، وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل، تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها، قال سليمان: فلذلك أمرت بتحريق نسخته، حتى أستطلع رأي أمير المؤمنين، فصوبه) (١).

هذا دليل قاطع على أن الناس قد كتبوا سنة رسول الله بأمر من

 

(١) الموفقيات للزبير بن بكار ص ٣٣٢ – ٣٣٣، ومعالم المدرستين ج ١ ص ٢٦١. 

٤٤
الرسول، وأن جزءا كبيرا من السنة قد بقي مكتوبا، بالرغم من الحملات المتكررة التي شنها الخلفاء الثلاثة لتدمير سنة الرسول عملا بشعارهم (حسبنا كتاب الله) والحوار الذي دار بين الملك الأموي وولي عهده ويكشف الغاية من تدمير سنة الرسول، وأمر ولي العهد بحرق ذلك الكتاب ببرودة أعصاب يبين لنا قيمة سنة الرسول عندهم، وخطرها عليهم، فإما السنة وإما الملك!!! 

الرواية الرابعة عشرة من سنن عمر بن الخطاب!

أخرج عبد الرزاق والبيهقي عن أبي قلابة أن عمر بن الخطاب، قد مر برجل يقرأ كتابا، فاستمعه ساعة، فاستحسنه فقال للرجل أكتب لي من هذا الكتاب قال نعم، فاشترى عمر بن الخطاب أديما، فهيأه ثم جاء إليه فنسخ له من ظهره وبطنه، ثم أتى النبي، فجعل يقرؤه عليه، وجعل وجه رسول الله يتلون، فضرب رجل من الأنصار بيده الكتاب، وقال ثكلتك أمك يا بن الخطاب أما ترى وجه رسول الله منذ اليوم وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب؟ فقال النبي إنما بعثت فاتحا وخاتما، وأعطيت جوامع الكلم، وفواتحه، واختصر لي الحديث اختصارا، فلا يهلكنكم المتهوكون) (١).

ثم إن الخليفة عمر نفسه كان يغشى اليهود في يوم دراستهم طلبا للعلم فقال له اليهود ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا، قلت وما ذاك إلا أني أعجب من كتب الله كيف يصدق بعضها بعضا!!! (٢).

قال عمر بن الخطاب: (يا رسول الله إن أهل الكتاب يحدثونا بأحاديث قد أخذت بقلوبنا، وقد هممنا أن نكتبها فقال الرسول: يا بن الخطاب أمتهوكون كما تهوكت اليهود والنصارى…) (٣).

 

 

(١) الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ١٤٨.(٢) كنز العمال ج ٢ ص ٣٥٣.

(٣) الدر المنثور للسيوطي ج ٥ ص ١٤٨.

 

٤٥
قال عمر: (يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك، قال الراوي فتغير وجه رسول الله…) (١).– جاء عمر بن الخطاب بجوامع من التوراة فقال: يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق، فتغير وجه الرسول، فقال عبد الله بن زيد: أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله… الخ) (٢).

– قال عمر بن الخطاب: انطلقت في حياة النبي حتى أتيت خيبرا، فوجدت يهوديا يقول قولا فأعجبني، فقلت له: هل أنت مكتبي بما تقول؟

قال نعم، فأتيته بأديم، فأخذ يملي علي، فلما رجعت قلت يا رسول الله لقيت يهوديا يقول قولا لم أسمع مثله بعدك، فقال النبي: لعلك كتبت منه؟

قال: نعم، قال: إئتني به فانطلقت، فلما أتيته قال: إجلس إقرأه، فقرأت ساعة، ونظرت إلى وجهه، فإذا هو يتلون، فصرت من الفرق لا أجيز حرفا منه، ثم رفعته إليه ثم جعل يتبعه…) (٣).

 

قصة من قصص يوسف

– جاء حفصة زوج النبي، وابنة عمر بن الخطاب بكتاب من قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرؤه عليه، والنبي يتلون وجهه، ثم قال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم) (٤).

وهذا كله يعني أن كتابة أي شئ كانت أمرا مباحا، وأن بإمكان أي قادر على الكتابة أن يكتب بنفسه ما يريد، ولم يردعه الرسول الأعظم بأنه قد نهى عن

 

(١) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٤٦٩.(٢) مجمع الزوائد للهيثمي ج ١ ص ١٧٤.

(٣) كنز العمال للمتقي الهندي ج ١ ص ٣٧٢، وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص ٤١٢.

(٤) مصنف عبد الرزاق ج ٦ ص ١١٣.

 

٤٦
الكتابة – ككتابه – بأي موضوع من الموضوعات، كان الرسول ينهى عن بعض مضامين ما يكتب، ولكنه لم ينه عن الكتابة كوسيلة تعليمية أو توثيقية، بل على العكس فقد أمر الرسول الإمام عليا بكتابة سنته أولا بأول، فكان الرسول يملي والإمام علي يكتب بخط يده، وكتب رسول الله القرآن الكريم، فقد كان له كتاب وحي يكتبون له على الفور ما يوحى إليه من كتاب الله، وكانت عنده صحف مرقمة ومميزة، فتأتيه الآية أو الآيات، مع التوجيه الإلهي بأي سورة من سور القرآن يضعها، ثم إن الرسول كان يأمر المسلمين بالكتابة وطلب العلم ونشره، ثم إن الرسول الأعظم، لم يأمر بحرق نسخ التوراة المعربة التي جاء بها عمر بن الخطاب، ولا هو أمر بحرق أو تمزيق قصة يوسف التي تلتها زوجته أمامه، إنما نهى عن المضامين حتى لا تؤدي إلى زعزعة عقيدة المسلم، أو بلبلة أفكاره، أو انحرافه.فما هي مصلحة الرسول، وما هي مصلحة الإسلام والمسلمين في أن يقوم الرسول بإحراق المكتوب من سنته كما زعموا (١) ولماذا يمنع الرسول كتابة وتدوين سنته الطاهرة وهي دين الإسلام العملي في الوقت الذي يبيح فيه الرسول كتابة وتدوين كل شئ!!!! اليهود والنصارى كانوا من رعايا دولة الرسول، فهل منعهم الرسول من كتابة التوراة والانجيل وأخبار الأنبياء السابقين؟! وهل منعهم من رواية ما يعتقدون؟ وهل منع الرسول رعايا دولته من أن يكتبوا الشعر، أو القصص، أو أخبار الأولين، أو العلوم، أو الآداب أو الأنساب أو التاريخ؟!! لقد كانت الكتابة من الأمور المألوفة في كل مجتمع، ومن أبرز المظاهر الحضارية التي تسالمت على منطقيتها وضرورتها المجتمعات البشرية، فلا علم لي أن دولة من الدول، أو زعيما من زعماء الجنس البشري عبر التاريخ قد حرم الكتابة أو اعتبرها جريمة من الجرائم!!

فلماذا يختار رسول الله سنته من دون علوم الأرض ومعلوماتها،

 

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ١٨٢، وسنن أبي داود كتاب العلم ج ٣ ص ٣١٩. 

٤٧
فيحرم كتابتها وروايتها!!! لقد تقولوا على رسول الله بأكبر من ذلك، فادعوا بأن رسول الله لم يجمع القرآن، وأنه قد انتقل إلى جوار ربه والقرآن لم يجمع بعد، ولولا الخلفاء الثلاثة الأول الذين شمروا عن سواعدهم فكتبوا القرآن وجمعوه، لضاع القرآن!!!! فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يفترون!!!إن ادعاءات القوم لا يقرها دين ولا عقل ولا منطق، فحتى الذين لا يعتنقون الإسلام، أيقنوا بأن رسول الله قد كتب سنته، وأنه قد أمر المسلمين بكتابتها وتبليغها ونشرها، إن ادعاءات القوم محاولات مكشوفة للتغطية على فضائح التاريخ وتبرير سلوك الخلفاء (الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار).

ومناشدة عمر بن الخطاب للمسلمين بأن يأتوه بما لديهم من السنة النبوية المكتوبة، عندما أوهمهم بأنه يريد أن يجمع سنة الرسول في كتاب واحد وإحضارهم لما هو مكتوب عندهم من السنة دليل قاطع على أن المسلمين كانوا يكتبون سنة الرسول حال حياته.

ثم إن المرسوم الذي أصدره عمر وعممه على كافة الأمصار طالبا منهم أن يمحوا كل ما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول دليل آخر.

لأن المسلمين لم يكتبوا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر أي شئ من السنة النبوية حيث أعلن الخليفتان حربهما على سنة الرسول عملا بشعار (حسبنا كتاب الله)، وشعار (لا كتاب مع كتاب الله) ففي هذه الظروف يتعذر على المسلم كتابة حديث رسول الله، وهذا يعني أن الأحاديث المكتوبة التي أحرقها عمر بن الخطاب، شخصيا، أو أمر ولاته بمحوها كانت مكتوبة في زمن رسول الله، وبأمره أو سكوته وقبوله الضمني بكتابتها (١) وهذا يدل

 

(١) وقد وثقنا ذلك عند ذكرنا لتلك الروايات. 

٤٨
دلالة قاطعة بأن منع كتابة ورواية أحاديث رسول الله كان من الخلفاء وليس من النبي، لأن شيوع وثبوت وانتشار أحاديث رسول الله، سيكشف أن الخلفاء قد غصبوا ما ليس لهم، وأنهم قد جلسوا في مكان مخصص لغيرهم، وأنهم قد تجاهلوا بالكامل سنة الرسول وترتيبات الرسول المتعلقة بنظام الحكم، والمرجعية، لذلك كان من مصلحتهم الشخصية أن يدمروا بالكامل سنة رسول الله، وأن يجتثوها من الوجود إن استطاعوا، حتى لا يبقى شئ يدل على وجود الجريمة، وفي ما بعد، قام أولياؤهم بالكذب المتعمد على رسول الله، وادعوا بأن الرسول هو الذي أمر بعدم كتابة وعدم رواية السنة النبوية، وأن الخلفاء قد منعوا كتابة ورواية السنة عملا بأمر الرسول!! وقد أرادوا من تلك المزاعم الكاذبة أن يبرروا ما فعله الخلفاء، فإذا كان الرسول قد أمر بعدم كتابة ورواية سنة الرسول، فلماذا سمحوا بكتابة ورواية السنة بعد مائة عام من منع كتابة ورواية هذه السنة!! لقد قدر أولياء الخلفاء أن السنة قد تدمرت تماما، وأن آثار جريمة الخروج على الشرعية الإلهية قد محيت، وأن مئات الآلاف من الأحاديث المختلقة التي وضعوها كافية كل الكفاية لتبرير ما فعل الخلفاء، وللتشكيك بكل نص من سنة الرسول يخدش فعل الخلفاء، هذا إن وصل النص الصحيح للناس!!!. 

٤٩

كل الصحابة القادرين على الكتابة والمهتمين بشرع الله وسنة رسوله قد كتبوا

رأينا تحت عنوان (التدوين الخاص لسنة رسول الله أن رسول الله كان يملي سنته على الإمام علي، والإمام علي يكتبها بخط يده، وأن هذه السنة المباركة قد جمعت في كتب وهي ما زالت محفوظة عند أهل بيت النبوة يتوارثونها كما يتوارث الناس ذهبهم وفضتهم.

وتحت عنوان طائفة من الأخبار والروايات التي تثبت أن الرسول قد أمر المسلمين بكتابة سنته، سقنا فيضا من أحاديث الرسول التي حثت المسلمين على كتابة السنة.

ثم إن أبا بكر الخليفة الأول قد كتب بنفسه خمسمائة حديث سمعها بأذنه من رسول الله وكتبها بخط يده، كما سنوثق ذلك في حينه، نقول لأولياء الخلفاء: فهل يعقل أن يكتب أبو بكر سنة الرسول لو أن الرسول نهى عنها!!

ثم إن عمر بن الخطاب كان قد ناشد الناس أن يأتوه بما هو مكتوب عندهم من سنة الرسول لأنه يريد أن يجمع السنة في كتاب واحد، فأتوه بها.

وناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة عندهم لأنه يريد أن ينظر بها، فأتوه بها، فلما تجمعت بين يديه أمر بحرقها فحرقت فعلا كما سنوثق في حينه.

فلو أن الرسول قد أمر المسلمين بعدم كتابة سنته، فلماذا كتبها الناس واحتفظوا بها حتى عهد الخليفة عمر!!.

 

٥٠
ثم إن كل صحابي قادر على الكتابة وراغب فيها كان يحتفظ بصحيفة خاصة كتب فيها بخط يده ما سمعه من رسول الله فعلى سبيل المثال:١ – كانت لأنس بن مالك خادم الرسول صحيفة أو صحفا فقد رووا عنه أنه قال: (هذه أحاديث كتبتها عن رسول الله أو سمعتها من رسول الله وكتبتها وعرضتها عليه) (١) وألقى بمجال أي بصحف أو مجلات.

٢ – و (جابر بن عبد الله كانت له صحيفة) (٢) و (معاذ بن جبل كان لديه كتاب يحتوي على أحاديث رسول الله) (٣) و (كان هذا الكتاب عند موسى بن طلحة) (٤).

٣ – ورافع بن خديج كانت عنده صحف: روى مسلم في صحيحه عن نافع بن جبير أن مروان بن الحكم قد خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها، ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها.

فناداه رافع بن خديج وقال له: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها، ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله ما بين لابتيها، وذلك عندي في أديم جولاني إن شئت أقرأتكه) (٥).

٤ – و (سعد بن عبادة كانت له صحيفة روى ابنه منها حديثا) (٦)

 

(١) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٥، وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٥، والكامل لابن عدي ج ١ ص ٣٦، وميزان الاعتدال ج ٣ ص ٢٨٠.(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٤٦٧، والمصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ١٨٣، والمراسيل للرازي ص ٣٧، وتذكرة الحفاظ ج ١ ص ٤٣.

(٣) سيرة ابن هشام ص ٨٨٦ و ٩٥٦، وحلية الأولياء ج ١ ص ٢٤، والأموال لأبي عبيد ص ٢٧.

(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٢٨.

(٥) صحيح مسلم كتاب الحج باب فضل المدينة ج ٢ ص ٩٩٢ رقم ١٣٦١.

(٦) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٨٥، وسنن الترمذي كتاب الأحكام باب اليمن مع الشاهد ج ٣ ص ١٥٧.

 

٥١
و (العشرات من الصحابة الكرام كانت لهم صحف كتبوا فيها بأيديهم ما سمعوه بآذانهم من رسول الله) (١) واحتفظوا بهذه الكتب إلى زمن عمر بن الخطاب حيث سلم أكثريتهم هذه الصحف لاعتقادهم أنه يريد أن يجمع السنة، فلما وضعت بين يديه أمر بحرقها فحرقت ولم يرو راو قط أن رسول الله قد نهى عن كتابة العلوم أو عن الكتابة عامة بل كان من الداعين إليها، والحاثين عليها، والممارسين لها، وكان له كتاب يكتبون له كل يوم، وكان يكتب لولاته وعماله، ويرد على الذين يكتبون إليه، لقد كتب الرسول إلى ملوك الأرض والزعماء يدعوهم إلى الإسلام، لقد شجع رسول الله الأسرى بأن يفتدوا أنفسهم مقابل تعليم بعض صبيان المدينة الكتابة، وكان من جملة رعايا دولة النبي يهود ونصارى، وكانت لهم الحرية أن يكتبوا ما أرادوا ولم يرو راو قط بأن الرسول قد منعهم من كتابة أو قراءة أي شئ يرغبون!! ولم يرو راو قط بأن الرسول قد منع كتابة أي علم من العلوم، ثم إن الرسول هو الذي بين للمسلمين آية (ن والقلم وما يسطرون ١).لقد اهتم رسول الله بالكتابة كل الاهتمام، واهتم بالتفاصيل الفنية للكتابة فكان يقول: (الخط الحسن يزيد الحق وضوحا) (٢) وكان يقول:

(تربوا الكتاب فإن التراب بركة) (٣) وكان يقول: (إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه فإنه أنجح للحاجة) (٤).

فلماذا يمنع الرسول المسلمين من كتابة وتدوين سنته المباركة بالوقت

 

(١) راجع تدوين السنة الشريفة من ص ٢٠٥ وما فوق.(٢) ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٥، والجامع الصغير للسيوطي رقم ٤١٣٤، وأدب الإملاء ص ١٦٦، ولسان الميزان ج ٣ ص ٢٢١، وتدوين السنة الشريفة ص ١٠١.

(٣) أدب الإملاء ص ١٧، والسراج المنير للعزيزي ج ١ ص ١٦٥.

(٤) الكامل لابن عدي ج ١ ص ٢٩٤، وتدوين السنة ص ٩٨ وما فوق.

 

٥٢
الذي يبيح فيه للمسلمين ولأتباع كل الديانات كتابة كل شئ يريدون!!! لقد صوروا رسول الله بصورة العدو المبين لكتابة سنته، والقصد من هذا التصوير الكاذب تبرير أفعال الخلفاء الذين أحرقوا سنة رسول الله المكتوبة، ومنعوا المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسول الله كما سنرى، وللتغطية على أفعال الخلفاء اختلقوا هذه الصورة على رسول الله، فويل لهم مما كتبت أيديهم، وويل لهم مما يفترون!. 

٥٣

طائفة من أحاديث أهل بيت النبوة في كتابة السنة وتدوينها

 

الرواية الأولى:

قال الإمام علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اكتبوا هذا العلم، فإنكم ستنتفعون به إما في دنياكم، وإما في آخرتكم، وأن العلم لا يضيع صاحبه) (١) وكان الإمام علي عليه السلام يقول: (قيدوا العلم بالكتابة) (٢).

 

الرواية الثانية:

قال ابن شهرآشوب في الاحتجاج قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (… يا معشر المسلمين واليهود اكتبوا ما سمعتم، فقالوا: يا رسول الله قد سمعنا ووعينا، ولا ننسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتابة أذكر لكم) (٣).

 

الرواية الثالثة:

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا) (٤).

 

 

(١) كنز العمال ج ١٠ ص ٢٦٢.(٢) تقييد العلم ص ٨٩، وتدوين السنة ص ١٤٥.

(٣) الاحتجاج ج ١ ص ٤٢.

(٤) الكافي ج ١ ص ٥٢.

 

٥٤

الرواية الرابعة:

قال الإمام الصادق عليه السلام أيضا: (احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها) (١).

 

الرواية الخامسة:

عن أبي شيبة أنه قال: (سمعت أبا عبد الله الإمام جعفر الصادق عليه السلام يقول: (ضل علم ابن شبرمه، عندنا الجامعة، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده، إن الجامعة لم تدع لأحد كلاما، فيها علم الحلال والحرام، إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس، فلم يزدادوا من الحق إلا بعدا إن دين الله لا يصاب بالقياس).

 

 

(١) راجع تدوين القرآن ص ٤٠٤. 

٥٥

الرسول أمر المسلمين بتبليغ ونشر السنة النبوية

أمر رسول الله أئمة أهل بيت النبوة، وكافة المسلمين والمسلمات بأن يبلغوا وينشروا سنة رسول الله بكافة وسائل التبليغ والنشر، ورغبهم في ذلك، وحثهم عليه، أئمة أهل بيت النبوة مجمعون على أن رسول الله قد أمر بذلك، وإجماعهم دليل قاطع على يقينية صدور الأمر النبوي.

ومع هذا فقد وردت أحاديث متواترة أجمع أولياء دولة الخلافة على صحتها وعلى يقينية صدورها عن رسول الله تؤكد أمر الرسول لكافة المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات لتبليغ ونشر سنة الرسول بكافة وسائل التبليغ والنشر، وسنورد في ما يلي طائفة من هذه الأحاديث المتواترة التي رواها علماء القوم في صحاحهم:

 

الرواية الأولى:

قال رسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: (نضر الله عبدا سمع سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم يسمعها فكم من حامل فقه إلى من هو أفقه منه) (١).

 

 

(١) سنن أبي داود كتاب العلم ح ٣٦٦٠ باب ١٠، وسنن ابن ماجة المقدمة باب ١٨ الحديث ٢٣ و ٢٣١ و ٢٣٦، وكتاب المناسك باب الخطبة يوم النحر، وسنن الدارمي ج ١ ص ٧٤ – ٧٦ باب المقدمة، ومسند أحمد ج ٧ ص ٢٢٥ وج ٤ ص ٨٠ و ٨٢ وج ٥ ص ٤٧٣، وسنن الترمذي ج ١٠ ص ١٥٤. 

٥٦
وفي حديث آخر (فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) (١). 

الرواية الثانية:

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (ليبلغ الشاهد الغائب، عسى أن يبلغ منه هو أدعى له منه) (٢).

 

الرواية الثالثة:

قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، اللهم ارحم خلفائي، قيل له يا رسول الله من خلفاؤك؟ قال:

الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي) (٣).

 

الرواية الرابعة:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن ربي داعي وإنه لسائلي، هل بلغت عبادي، وأنا قائل له رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب) (٤).

 

الرواية الرابعة:

قال صلى الله الله عليه وآله وسلم: (إني محدثكم الحديث، فليحدث الحاضر منكم الغائب). وفيه فرفع يديه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء فقال: (اللهم اشهد ثم قال أيها

 

(١) راجع صحيح البخاري ج ١ ص ٢٤ ط بولاق كتاب العلم باب قول النبي (رب مبلغ…)، وكنز العمال ص ١٠٢ و ١٣٣ ح ١٦٢٦، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٨٥ ح ٢٣٣، ومعالم المدرستين ج ٢ ص ٥٥.(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ٢٤، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٨٥، ومعالم المدرستين ج ٢ ص ٥٥.

(٣) معاني الأخبار ص ٣٧٤ – ٣٧٥، وعيون الأخبار ج ٢ ص ٣٦، من لا يحضره الفقيه تحقيق علي أكبر غفاري ج ٤ ص ٤٢٠، بحار الأنوار ج ٢ ص ١٥ ح ٧، معالم المدرستين ج ٢ ص ٥٥.

(٤) راجع سنن النسائي ج ٥ ص ٢٠٦، ومسند أحمد ج ١ ص ٨٣ و ٤٣٧ وج ٥ ص ٣٧، وتدوين القرآن ص ٤٠٠.

 

٥٧
الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب) (١) وروى المتقي الهندي مثل ذلك (٢). 

الرواية الخامسة:

روى في كنز العمال أن الرسول قد قال: (من حفظ على أمتي أربعين حديثا من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي) (٣) وورد الحديث في صيغ مختلفة (٤).

 

 

(١) مجمع الزوائد للهيثمي ج ١ ص ١٣٩، وقال رواه الطبراني في الكبير.(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ٢٢٤ و ٢٩٩، وراجع تدوين القرآن ص ٤٠٠.

(٣) كنز العمال ج ١٠ ص ١٥٨.

(٤) كنز العمال ج ١٠ ص ١٦٤ و ٢٢٤، وتدوين القرآن ص ٤٨٢.

 

٥٨

٥٩

الباب الثاني
من يؤدي عن النبي، من يبين القرآن ومن يبلغ السنة بعد موت النبي؟

 

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...