الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠

الناس عن الخروج ويطعنون في تأمير رسول الله لأسامة، لأنهم كما يبدو قد فهموا مقاصد الرسول التي تحول بينهم وبين ما يبيتون، فبلغ الرسول ذلك، ومع أنه على فراش الموت إلا أنه قد نهض معصب الرأس، ملفوفا بقطيفة محموما فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل، وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة) (١).وحثهم على المبادرة بالسير، كان ذلك يوم السبت في العاشر من ربيع الأول سنة ١١ ه‍، أي قبل وفاة النبي بيومين فقط، وعاد النبي وقعد على فراش الموت ثانية، فلما ثقل جعل يقول: (جهزوا جيش أسامة، أنفذوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون) (٢).

ويوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره على النبي فأمره الرسول بالسير وقال له: (اغدو على بركة الله) (٣).

وقال الرسول مرة أخرى: (جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف منه) (٤) وأخرج الجوهري في كتاب السقيفة: (أن أسامة قد جاء رسول الله وقد ثقل عليه المرض فاستأذنه أسامة ليمكث حتى يشفى رسول الله، فقال الرسول: (أخرج وسر على بركة الله) فقال أسامة: (إن خرجت وأنت على

 

(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٩، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج ١ ص ٥٧، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧ وج ٣ ص ٢٣٤، والسيرة الدحلانية ج ٣ ص ٣٣٩، وعبد الله بن سبأ ج ١ ص ٧٠، وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٢ – ٥٧٣، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٤ ص ١٨٢.(٢) كنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٣، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج ٤ ص ١٨٢.

(٣) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١٢، والطبقات لابن سعد ج ٣ ص ١٩١، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٨ و ٢٣٥، والسيرة الدحلانية ج ٢ ص ٣٤٠، وشرح النهج ج ١ ص ١٦٠، وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٧٤.

(٤) الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ٢٣ وج ١ ص ٢٠ بهامش الفصل لابن حزم ج ١ ص ٢٤.

 

١٤١
هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة) وقال الرسول: (سر على النصر والعافية) فقال أسامة: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال النبي: (أنفذ لما أمرتك به) (يبدو واضحا بأن أسامة قد تعرض لضغوط هائلة من قادة التحالف كي لا يخرج) (١).ثم أغمي على الرسول، وقام أسامة فتجهز للخروج، فلما أفاق الرسول سأل عن بعث أسامة وجعل يقول: (انفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة، وكرر الرسول ذلك، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه) (٢).

وبالرغم من إصرار الرسول على تأمير أسامة، ومن غضبه الشديد على الذين طعنوا بهذا التأمير، ومن خروج الرسول وهو على فراش الموت ودفاعه عن قراره بتأمير أسامة، وعلى الرغم من رغبة الرسول العظيمة وإصراره على إنفاذ بعث أسامة، إلا أن عمر بن الخطاب وحزبه قد نجحوا بتثبيط الناس عن الخروج ونجحوا بتشكيك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة!! وتجاهل عمر بن الخطاب وحزبه كل ما صدر عن الرسول في هذا المجال من تأكيدات، وطلبوا من الخليفة الأول أبا بكر أن يعزل أسامة بعد موت الرسول!! لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا حسب رأي عمر وآراء قادة حزبه!!

إلا أن الخليفة الأول رفض هذا المطلب وأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له: (ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه؟) (٣) كان الخليفة الأول يرى أنه لا فائدة ترتجى من عزل

 

(١) راجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية ص ١٧٦.(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٦ ص ٥٢.

(٣) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٢٦، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٣٥، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٩ و ٢٣٦، والسيرة الدحلانية ج ٢ ص ٣٤٠.

 

١٤٢
أسامة عن قيادة تلك السرية التي ولاه رسول الله قيادتها، ولا ضرر من بقائه قائدا لها، بعد أن استقامت لهم الأمور واستولوا على ملك النبوة، بل إن عزله سيثير غضب أفراد الفئة المؤمنة، وسيكشف بصورة فاضحة بشاعة نظرة قادة التحالف إلى رسول الله واستهتارهم بأبسط مظاهر الشرعية الإلهية.أما عمر فقد تجاهل خروج الرسول وهو مشرف على الموت، ودفاعه عن تأميره لأسامة، لأنه كان يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة أمر غير صائب وغير صحيح وأن الرسول كان ينبغي أن يعزله وأن يسند إمارة تلك السرية لغيره!! ثم إن عمر لا يقبل بأنصاف الحلول فأراد أن يكون انتصاره على الرسول انتصارا حاسما وأن يثبت بأنه وأعوانه هم المالكون لمقاليد الأمور وليس الرسول، وأنهم هم الذين يعرفون الصواب وليس الرسول، فأراد أن يرغم أنف الرسول وكل أولياء الرسول!!

وعمر على فراش الموت كان يردد: (لو أدركت خالد ابن الوليد أو معاذ بن جبل أو سالم مولى أبي حذيفة لوليته الخلافة من بعدي) (١) كان يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك بملكه، وكان يرى أن ذلك التصرف من صميم حقوقه واختصاصاته، لكنه وحزبه كانوا يعتقدون أنه لا حق للرسول بأن يؤمر أسامة أو غير أسامة على سرية فهل رأيتم بربكم ظلما كهذا الظلم، أو استبدادا كهذا الاستبداد، أو استهتارا بمقام النبوة كهذا الاستهتار!!!

 

الحيلولة بين رسول الله وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية

كان وضع النبي الأعظم صعبا للغاية، لقد أرهقوه طغيانا وكفرا ونفاقا

 

(١) أنساب الأشراف ج ٥ للبلاذري. 

١٤٣
كانت سلطة النبي أثناء مرضه سلطة اسمية أو أدبية، كان يأمر فلا يطاع ويؤكد فلا يهتم بتأكيداته القاطعة أحد، وإن اهتم عمرو أو زيد بأوامر الرسول، فليس لعمرو أو زيد القدرة على التقديم أو التأخير أو مواجهة تنظيم فعلي ومسلح يضم كافة القوى التي حاربت رسول الله قبل انتصاره بالإضافة إلى المنافقين والمرتزقة من الأعراب، وقد سلم هذا التنظيم قيادته إلى عناصر من المهاجرين محسوبة على النبي وعلى الذين آمنوا والتنظيم وقيادته ينتظرون موت النبي بفارغ الصبر ليستولوا على ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع.ولولا شرور ذلك التنظيم وقيادته لسار جيش أسامة، ولمات النبي في غياب أصحاب الخطر، وانتقلت الرئاسة من النبي إلى صاحب الحق الشرعي بيسر وسهولة وسلميا ولقبل الجميع بذلك، لأن القوى التي حاربت رسول الله قبل انتصاره والمنافقين مهزومون من الداخل ولا طاقة لهم على المواجهة، ولولا ذلك النفر من أبناء قريش المهاجرين، لبقيت أعناق تلك القوى خاضعة إلى يوم الدين!! لكن ذلك النفر بالتعاون مع تلك القوى قد أفسدوا تدبير النبي!

النبي يصارع الموت، لكن مثله لن ينحني أمام العواصف الهوجاء ولا يستسلم أمام الكوارث التي تنحني من هولها هامات الجبال الشم وكيف ينحني أو يستسلم وهو صفوة بني الإنسان وفخارهم، وهو قمة الوعي البشري ومداه!! لقد أراد النبي أن يكشف حقيقة المتآمرين وأن يعريهم أمام الأجيال اللاحقة، وأن يثبت عليهم الجرم أمام الله تعالى يوم القيامة، وأراد رسول الله أن تتم عمليتا الكشف والاثبات من دون إثارة بل من خلال ممارسته لأبسط حقوق البشر وهي الوصية!!

لقد اختار الرسول صفوة من أصحابه ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية، وضرب موعدا لكتابة ما أراد كتابته، ويبدو أن أحدا ممن يسكن في.

 

١٤٤
منزل النبي ويتعاطف مع المتآمرين قد علم بالموعد الذي ضربه رسول الله، وعلم بمضمون ما أراد الرسول كتابته، فسارع إلى عمر بن الخطاب فأخبره بذلك (١).فاستعد عمر لمواجهة الرسول وجمع أركان حزبه وطائفة من الغوغاء وأخذوا ينتظرون الموعد الذي حدده رسول الله لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وصمموا على أن يحولوا بين النبي وبين ما أراد كتابته، لأنهم قد أدركوا أنه لم يبق بينهم وبين الانتصار! إلا باع أو ذراع وكتابة النبي لما أراد كتابته ستقلب المعارك كلها، وستضيع عليهم تعبهم وتحرمهم من ثمرة تكاد أن تسقط في أيديهم!!

حضر الذين اصطفاهم رسول الله ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية وليلخص أمامهم الموقف للأمة، جلست هذه الصفوة في منزل الرسول وبين يديه دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين الرسول وبين ما أراد كتابته!!

ماذا يفعل النبي أمام هذه المفاجأة؟ لم يلغ الموعد ويضرب موعدا جديدا لأن الموت يدركه، بل مضى إلى حيث أمره الله، فتجاهل وجود المتآمرين تماما.

 

ماذا قال النبي حرفيا وماذا طلب في تلك الجلسة؟!

لقد تتبعت كل الروايات التي ذكرها أولياء الخلفاء، والتي تضمنت ما قاله الرسول حرفيا في تلك الجلسة التي كان مقررا أن يكتب فيها وصيته وتوجيهاته النهائية فوجدت أنها لا تعدو أن تكون جملة واحدة من ست جمل فقالوا: إن النبي قد قال:

 

 

(١) في كتابنا المواجهة ص ٥٠٣ – ٥٠٦ كشفنا عن الذي سرب الخبر، وأثبتنا بأنه كان أحد المتآمرين. 

١٤٥
١ – قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا.٢ – أو قال: (إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا).

٣ – أو قال: (إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا).

٤ – أو قال: (إئتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا).

٥ – أو قال: (إئتوني بكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا).

٦ – أو قال: (هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا).

فالرسول لم يقل إلا جملة من هذه الجمل الست حسب الروايات التي نقلها رواة القوم وثقاتهم (١) ولأن الرسول تلفظ بهذه الجملة اندفع عمر بن الخطاب وقادة حزبه فواجهوا رسول الله تلك المواجهة القاسية وهو في مرض الموت!!

 

عمر بن الخطاب يتصدى للنبي (ص)

ما أن أتم رسول الله جملته: (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا وجود النبي، ومتجاهلا طلبه وموجها كلامه للصفوة التي اختارها النبي ليكتب أمامها وصيته وتوجيهاته النهائية (لا حاجة لنا بكتابه إن النبي يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) (٢)!!! وما أن أتم عمر جملته حتى قال أعوانه بصوت

 

(١) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج ٧ ص ٩، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج ٥ ص ٧٥، وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٥، ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٥٦ ح ٢٩٩٢، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٣١، وصحيح مسلم ج ٢ ص ١٦، ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٨٦ وج ١ ص ٣٥٥، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٢، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص ٢١.(٢) تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد =

١٤٦
واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور (القول ما قال عمر، إن رسول الله يهجر، ما له!! أهجر!! ما شأنه أهجر!! استفهموه إنه يهجر!!) (١) وكان أتباع عمر يرددون مع كل جملة مع الجمل السابقة قافية مفادها (القول ما قاله عمر) (٢).صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما رأت وما سمعت!!!

فقالت: ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!!! ورد عليهم عمر: (إن النبي يهجر وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله) وعلى الفور كان أتباع عمر يضجون بالقافية التي تعلموها قبل دخولهم إلى منزل النبي (القول ما قال عمر، إن النبي يهجر!! استفهموه إنه هجر!!

ما له أهجر!!) (٣)، وتنازع الفريقان، وكثر اللغط والتنازع بين الصفوة القليلة المؤمنة التي دعاها رسول الله، وبين الكثرة المتآمرة التي اقتحمت منزل الرسول بدون إذن!!

 

نتيجة تصرفات عمر وحزبه

كثر اللغط، واللغو، وارتفعت الأصوات، وتنازع الفريقان، الصفوة المؤمنة تقول: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وعمر بن الخطاب يقول: إن الرسول يهجر، ولا حاجة لنا بكتابه، (حسبنا كتاب الله) وأركان حزب عمر ومن جلبهم معه يرددون (القول ما قال عمر، إن الرسول يهجر، استفهموه، أهجر!! ما له أهجر!!،

 

= الغزالي.(١) صحيح البخاري ج ٧ ص ٩ وج ٤ ص ٣١، وصحيح مسلم ج ٥ ص ٧٥ وج ٢ ص ١٦، وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٥، ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٥٦ وج ١ ص ٣٥٥، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٢، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠، وتذكرة الخواص ص ٦٢، وسر العالمين ص ٢١.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المراجع السابقة في البندين ١ و ٢.

 

١٤٧
الصفوة المؤمنة متمسكة بموقفها، وعمر وحزبه متمسكون بموقفهم، لقد بدأ التنازع بين الفريقين، وعمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين النبي وبين كتابة ما أراد. 

تدخل النسوة وتقريعهن لعمر وحزبه وشهادة الرسول

سمعت النسوة من وراء الستر كل ما كان يجري، ما قاله الرسول، وما قالته الصفوة المؤمنة، وما قاله عمر وحزبه، فدهشن من هول ما سمعن، فقالت النسوة لعمر وحزبه: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم… فصاح بهن عمر إنكن صويحبات يوسف.. فقال الرسول لعمر وحزبه دعوهن فإنهن خير منكم) (١).

 

الرسول يحسم الموقف

رأى الرسول كثرة حزب عمر، ونوعية رجال ذلك الحزب، وإصرارهم على فعل أي شئ للحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته، فلو أصر الرسول على كتابة ما أراد كتابته لأصروا على هجر الرسول مع ما يجره هذا الاتهام من خطر على الدين لذلك صرف النظر عن الكتاب مكتفيا بتأكيداته اللفظية السابقة ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة فقال لهم:

(دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع) (٢).

 

 

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٢٤٣ – ٢٤٤ (٢) صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج ٧ ص ٩، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج ٥ ص ٧٥ وج ٢ ص ١٦ وصحيح مسلم بشرح النووي ج ١١ ص ٩٤ – ٩٥، ومسند أحمد ج ١ ص ٣٥٥ وج ٤ ص ٣٥٦، وصحيح البخاري ج ٤ ص ٣١، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٩٤، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٠، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٦٢، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص ٢١. 

١٤٨
وهذا ما تمناه عمر وحزبه، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لبيت الرسول دون إذن ولا دعوة، ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا، وتركوا النبي يصارع الموت، تحف بجنابه الأقدس الملائكة الكرام!! 

لماذا استمات عمر بن الخطاب وحزبه ليحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته؟

لقد اعترف عمر بن الخطاب في ما بعد إنه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد لأن المرض قد اشتد به كما ادعوا، أو لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يهجر كما زعموا، أو لأن القرآن وحده يكفي كما أوهموا.

إنما صدوا النبي عن كتابة ما أراد (حتى لا يجعل الأمر لعلي بن أبي طالب) (١) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي هذا اعتراف زعيم الحزب عمر بن الخطاب.

 

هل في ما قاله الرسول هجر!! هل ما قاله الرسول يوجب هذه المواجهة!!

أنظر بربك وتأمل مليا بالجمل التي نطق بها رسول الله في تلك الجلسة، هل فيها خطأ؟ هل فيها غلط؟ هل فيها إساءة لأحد؟ هل فيها ما يدل على أن الرسول يهجر (حاشاه) أي لا يدري ماذا يقول!!! ثم إن الرسول في منزله كأي إنسان، ومن حق الإنسان أي إنسان أن يقول ما يشاء في بيته! ثم إن الرسول على الأقل مسلم ومن حق المسلم – أي مسلم على

 

(١) شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج ٧ ص ١١٤ سطر ٢٧ الطبعة الأولى بيروت وج ٢ ص ٧٩ سطر ٣ تحقيق أبي الفضل مكتبة الحياة وج ٣ ص ١٦٧ طبعة دار الفكر، وكتابنا المواجهة ص ٥٠٣ وما فوق. 

١٤٩
الإطلاق أن يوصي والذين يسمعونه أحرار في ما بعد بإعمال أقواله أو إهمالها! ثم إن الرسول وبكل المقاييس كان ما زال رسولا وقائدا للمسلمين ورئيسا للدولة، وسيبقى متمتعا بكافة صلاحياته كنبي وكرسول وكقائد وكرئيس عام للأمة ولا يملك أحد حق تجريد النبي من هذه الصلاحيات!!ولتقف على حقيقة وبشاعة ما فعلوه برسول الله فلا بد من أن نضع تحت تصرفك مجموعة الجمل التي نطق بها رسول الله.

١ – الجملة الأولى: أنه قد قال للصفوة التي أحضرها (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) وعلى أثر صدور هذه الجملة من رسول الله أقام عمر وحزبه الدنيا ولم يقعدوها بحجة أن القرآن موجود وهو يكفي، ولا حاجة للمسلمين بوصايا النبي ولا بتوجيهاته فأحدث عمر وحزبه حالة من الفوضى واللغط والتنازع متعمدين ذلك حتى يحولوا بين الرسول وبين ما أراد كتابته!!! وفوق هذا وذاك قالوا للرسول: (أنت تهجر ولا تدري معنى ما يصدر عنك).

٢ – الجملة الثانية: انتقدت النساء تصرف عمر وحزبه، فقالت لهم النساء: ألا تسمعون رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا… فنهرهن عمر وقال لهن إنكن صويحبات يوسف عندئذ نطق الرسول بالجملة الثانية قائلا لعمر وحزبه:

(دعوهن فإنهن خير منكم).

٣ – الجملتان الثالثة والرابعة: لم يتوقف عمر وحزبه، بل استماتوا بكسر خاطر النبي والتشويش عليه، فتلفظ النبي بالجملتين الثالثة والرابعة قائلا: (دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع) (١).

 

 

(١) في الصفحات السابقة حرصنا على توثيق كل جملة نطق بها الرسول. 

١٥٠
هذه هي الجمل الأربعة التي نطق بها رسول الله قبيل وفاته بدقائق!!فأين هو الهجر الذي أدعوه!! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).

ثم من الذي جعل عمر بن الخطاب وحزبه أوصياء على دين الله، وعلى رسول الله!! ومن الذي خولهم هذه الصلاحية!! ثم هل الرسول قاصر حتى يتولوا الوصاية عليه!! ثم هل كان الرسول في بيته أم في بيوتهم!! نحن ندرك الآن حجم ظلمهم واستبدادهم واستخفافهم بمقام النبوة، وقد عرفنا من الذي هجر؟ هل هو رسول الله (حاشاه) أم عمر وحزبه!!

بعد مرور أربعة عشر قرنا على تلك الفواجع يقرأ أولياء الخلفاء ذلك دون أن يشعروا بأي أسف لما فعله عمر وحزبه، بل يشعرون بالفخر والاعتزاز، ويعطون عمر وحزبه دور البطولة حتى في صراعهم مع رسول الله!! إن هذا لهو البلاء المبين!!

١٥١

حوادث مشابهة لمرض النبي ومواقف مختلفة عن موقفهم مع النبي!!

 

مرض أبي بكر

مرض أبو بكر مرضا شديدا قبل وفاته، فدعا عثمان بن عفان قبل وفاته بقليل ليكتب وصية أبي بكر، وتوجيهاته النهائية، وطلب من عثمان أن لا يسمع أحد بذلك، وعندما جلس عثمان بجانب فراش أبي بكر قال له أبو بكر: أكتب (إني قد وليت عليكم…) ثم أغمي عليه من شدة الوجع فكتب عثمان اسم عمر (إني قد وليت عليكم عمر) فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته طلب من عثمان أن يقرأ عليه ما كتب، فقرأ عثمان، فسر أبو بكر وقال لعثمان (لو كتبت اسمك لكنت أهلا لها) (١).

لقد أتاح المسلمون لأبي بكر الفرصة ليكتب وصيته وتوجيهاته النهائية، وعاملوه أثناء مرضه بكل التقديس والاحترام، ولم يقولوا له أنت تهجر، ولا قالوا له: إن المرض قد اشتد به، ولا قالوا له: حسبنا كتاب الله، ولا كسروا بخاطره ولا أساؤوا كما أساؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

 

(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٢٩: وسيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٧، وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٨٥، وكتابنا النظام السياسي ص ١٥٩، وكتابنا المواجهة ص ٥٤٠. 

١٥٢

الموقف المناقض لعمر بن الخطاب

عندما أراد أبو بكر أن يكتب توجيهاته النهائية ووصيته كان عمر يجلس مع الصفوة التي اختارها أبو بكر لتشهد كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية، وكان معه شديد مولى أبي بكر.

فكان عمر يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله إنه يقول: إني لم آلكم خيرا) (١).

قارن بربك بين موقف عمر وحزبه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية أثناء مرضه، وبين موقف عمر وحزبه من أبي بكر يوم كتب أبو بكر وصيته وتوجيهاته النهائية!!!

لم يقل عمر إن أبا بكر قد اشتد به الوجع، مع أن وجع أبي بكر كان أشد من وجع الرسول!! ولم يقل عمر إن أبا بكر قد هجر كما قال ذلك لرسول الله مع أن أبا بكر قد أغمي عليه قبل أن يتم الجملة!! ولم يجمع عمر الجموع ويقتحم بيت أبي بكر، كما جمع الجموع واقتحم بيت النبي، واتفق مع ذلك الجمع الذي جمعه على ترديد (اللازمة) القول ما قال عمر، ولم يختلف الحضور ولم يتنازعوا، ولم يكثر اللغط واللغو، ولم تتدخل النساء، لقد وفرت زعامة بطون قريش المناخ الملائم لوصية وتوجيهات أبي بكر النهائية لماذا لأن أبا بكر وعمر وزعامة بطون قريش من حزب واحد وعلى خط واحد، أما رسول الله فليس من حزبهم ولا على خطهم!!

 

مرض عمر بن الخطاب وكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية

طعن عمر بن الخطاب، قال طبيبه لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعله واشتد به المرض، وأخذ يتذكر ويتوجع فيقول: (لو أن لي ما طلعت عليه

 

(١) تاريخ الطبري طبعة أوروبا ج ١ ص ٢١٣٨. 

١٥٣
الشمس لافتديت به من هول المطلع، الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر)، وقال لابنه عبد الله: (ضع خدي على الأرض لا أم لك) (١).ومع هذا فقد كتب عمر وصيته وتوجيهاته النهائية وعهد عمر للستة نظريا ولعثمان عمليا، وأمر بضرب عنق من يخالف تعليماته (٢)!!

لقد كتب عمر أثناء مرضه ما أراد ولم يعترضه أحد، لم يقل أحد بأن المرض قد اشتد بعمر، ولم يقل أحد بأن عمر قد هجر كما ردد عمر وزعماء حزبه ومرتزقته هذا القول الفاحش أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! ولم يقل أحد عندنا كتاب الله وهو يغنينا عن وصيتك يا عمر وعن توجيهاتك النهائية!!

إنما قوبل عمر بكل التوقير والتقديس والاحترام ونفذت وصيته وتعليماته النهائية حرفيا كأنها كتاب منزل من عند الله بل وأكثر!! فهل لعمر وأبي بكر قداسة عند القوم أكثر من رسول الله!! وبأي كتاب قد أنزل الله بأن الاثنين أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله؟!

لن تجرؤ على القول بأن فعلهما هذا يستحق اللوم على الأقل لأن العامة والخاصة من أولياء الخلافة التاريخية الذين أشربوا ثقافة التاريخ سيدفنوك حيا إن فعلت ذلك!! فهم يعتقدون أن الولاء للخلفاء جزء لا يتجزأ من الولاء لله، فلو قمت الليل وصمت النهار أبدا، وكنت غير موال للخلفاء، لأحلوا سفك دمك حتى بالأشهر الحرم!! فمن الممكن أن يخطئ النبي بعرفهم فهو بشر!! لكن من غير الجائز أن تقول أن أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو غيرهم قد أخطأ!! أولياء الخلافة التاريخية يعتقدون أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم قد فعلوا ذلك برسول الله لحكمة

 

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٦٤، وكتابنا الخطط السياسية ص ٣٦٧ – ٣٦٩، وكتابنا المواجهة ص ٥١١ وما فوق.(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٣٤٧ وأنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ١٨، وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٢٣.

 

١٥٤
كانت خافية على الناس!! أو فعلوا ذلك (اجتهادا) وبالتالي فإنهم – الخلفاء – مأجورون أجرا واحدا على إهانتهم لرسول الله وعقوقهم له ومعصيتهم لأوامره!!إن هذا لهو البلاء المبين!! فمع أن معاوية قد هلك، وزال ملكه إلى غير رجعة، إلا أنه ما زال للآن يحكم الأكثرية الساحقة من المسلمين من خلال ثقافة الانحراف التي أوجدها، وأرسى قواعدها، وجذورها في نفوس المسلمين، وزينها لهم، فتوارثها المسلمون جيلا بعد جيل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لأن هذه ليست مصيبة فحسب بل إنها أكبر المصائب!!

فما قيمة سنة الرسول عند من يعاملون الرسول أثناء مرضه بهذه المعاملة القاسية والغاشمة!!

 

لم يصدف طوال التاريخ البشري

لم يصدف طوال تاريخ البشر أن عومل ولي أمر سواء أكان نبيا، أو خليفة، أو ملكا، أو واليا أو عاملا وهو مريض بالقسوة والجلافة والظلم الذي عاملوا به رسول الله أثناء مرضه.

ولم يصدف طوال التاريخ السياسي للمسلمين أن اعترض المسلمون على أي خليفة أو وال أو عامل أو مسلم أراد أن يكتب وصيته أو توجيهاته أثناء مرضه بل على العكس فقد اعتبروا أن كتابة الوصية، وإصدار التوجيهات النهائية، والاستخلاف حق للخليفة القائم وواجب عليه.

قال ابن خلدون الذي أشرب ثقافة التاريخ، وآمن بفلسفة معاوية وأساتذته: (إن الخليفة ينظر للناس حال حياته وتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولى أمورهم من بعده) (١)!!

 

 

(١) مقدمة ابن خلدون ص ١٢٧. 

١٥٥
ولكن ابن خلدون لا يعترف بهذا الحق لرسول الله، لأن الرسول ليس خليفة! لقد اخترع ابن خلدون هذا الحق خصيصا للخلفاء الذين أشرب ثقافتهم، في الوقت الذي كان فيه يجهل تاريخ الرسول، وتاريخ الإسلام وثقافتهما الحقيقية!! لقد أعلنوا في ما بعد بكل صراحة أن مكانة الخليفة أعظم من مكانة النبي (١) وتمت مكافأة من جهر بهذه الآراء الفاسدة، فتقلدوا أعظم مناصب دولة الخلافة التاريخية!! فهل بعد هذا العجب من عجب!!ألا بعدا لهم كما بعدت ثمود!!

 

 

(١) تاريخ ابن كثير ج ١٠ ص ٧ – ٨، وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢٠٩ – ٢١٠ ح ٤٦٤٢، ومروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ١٤٧، والعقد الفريد ج ٥ ص ٥١ – ٥٤، وتاريخ الطبري ج ٥ ص ٢١. 

١٥٦

موقف عمر وقادة التحالف عندما تيقنوا من وفاة الرسول!!

عندما توفي الرسول يبدو أن ذلك النفر من أبناء قريش المهاجرين لم يكونوا كلهم متواجدين في المدينة، فقد كان أبو بكر غائبا في السنح، وكان أبو عبيدة غير موجود أيضا، وكانت مهمة عثمان أن يكون قريبا من المسجد ومعه بنو أمية، لمراقبة آل محمد وأهل بيت النبوة!!

وعمر نفسه لم يكن متأكدا من وفاة الرسول، لذلك أخذ معه المغيرة بن شعبة، ليتأكد من وفاة الرسول، وعندما دخل كشف الثوب عن وجه رسول الله، ويروي أولياؤه أنه قد قال: واغشياه ما أشد غشي رسول الله!!

كان عمر بحاجة إلى شئ يشغل به الناس ريثما يتجمع ذلك النفر من المهاجرين ثم ينطلق بهم ليقود جموع التحالف ويستولي على ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ويضع المؤمنين أمام أمر واقع! لقد اهتدى عمر إلى ما يشغل به الناس فرفع شعار أن الرسول لم يمت، ولكنه ذهب لملاقاة ربه كما ذهب موسى!!!

ويروي أولياؤه أن رفيقه وحليفه المغيرة بن شعبة الذي اصطحبه معه ليتأكدا معا من وفاة الرسول قد قال: (مات والله رسول الله) فقال له عمر:

كذبت، ما مات رسول الله، ولكنك رجل تحوسك فتنة، ولن يموت.

 

١٥٧
رسول الله حتى يفني المنافقين (١).وأخذ عمر يقول: (إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي، إن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى عن قومه وغاب أربعين يوما، والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي وأرجل من يزعمون أنه مات) (٢) (ومن قال بأنه مات علوت رأسه بسيفي) (٣) فتلى عليه من في المسجد (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)) (٤).

قال العباس بن عبد المطلب: (إن رسول الله قد مات وإني رأيت في وجهه ما لم أزل أعرفه في وجوه بني عبد المطلب عند الموت، ثم قال:

هل عند أحدكم عهد من رسول الله في وفاته فليحدثنا؟ قالوا: لا، فقال العباس: اشهدوا أيها الناس إن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهد إليه في وفاته) (٥).

ومع هذا فلم يتوقف عمر، بل استمر في الكلام حتى أزبد شدقاه (٦).

وجاء أبو بكر من السنح وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فقال عمر لأبي بكر: هل هذه الآية في كتاب الله؟! فقال أبو بكر نعم عندئذ سكت

 

(١) راجع على سبيل المثال مسند أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٢١٩، ومعالم المدرستين ج ١ ص ١١٣.(٢) تاريخ الطبري ط أوربا ج ١ ص ١٨١٨.

(٣) تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٦٤.

(٤) الطبقات لابن سعد ج ٢ ص ٥٧، وكنز العمال ج ٤ ص ٥٣ الحديث رقم ١٠٩٢، وتاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٢٤٣، وابن ماجة الحديث ٦٢٧.

(٥) الطبقات لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ٥٧، وتاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٢٤٣، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٩٠ – ٣٩١، وكنز العمال ج ٤ ص ٥٣ الحديث رقم ١٠٩٢، والتمهيد للباقلاني ص ١٩٢ – ١٩٣.

(٦) أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٦٧، والطبقات لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ٥٣، وكنز العمال ج ٤ ص ٥٣، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٨٥، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٩٢.

 

١٥٨
عمر!!!! (١) أنت تلاحظ أن الخليفة لا يدري إن كانت هذه الآية من القرآن الكريم، وأنت تلاحظ أن من في المسجد قد تلوا عليه هذه الآية قبل مجئ أبي بكر، ولكنه لم يتوقف عن الكلام والادعاء بأن الرسول لم يمت، لأنه قد خشي أن يبيت الناس في الأمر قبل قدوم أبي بكر، لذلك افتعل هذا الموقف ليشغل الناس حتى يحضر أبو بكر وأبو عبيدة، بدليل أنه بعد حضور أبي بكر بدقائق غادر وإياه المكان وذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة ومعهم أبو عبيدة، وهذا يؤكد أن ما فعله عمر كان تمثيلا وإلهاء للناس!!وليس من قبيل الصدمة أو التفجع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه قبل سويعات فقط من وفاة الرسول، كان عمر بن الخطاب قد جلب أركان حزبه، واقتحم بهم منزل الرسول، وقال للرسول أمامهم، (أنت تهجر – أي لا تعي ما تقول – ولسنا بحاجة إلى وصيتك، ولا إلى توجيهاتك النهائية لأن عندنا القرآن وهو يكفينا ويغنينا عنك!! فقط قبل سويعات معدودة كسر بخاطر الرسول، واستخف بمقام النبوة، وجرأ أركان حزبه على أن يقولوا للرسول، أنت تهجر!!، وأحدث وحزبه، اللغط واللغو، وافتعلوا الخلاف والتنازع بين يدي رسول الله وفي منزله، ورفعوا أصواتهم فوق صوته!!! وقبل أن يعلم بوفاة النبي كان يحرض الناس على عدم الخروج في جيش أسامة، ويشكك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة، وحتى بعد أن تيقن من وفاة الرسول كان يحرض الخليفة الأول على عزل أسامة، لأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب!!

فما الذي حدث حتى ينقلب عمر هذا الانقلاب خلال سويعات فيمثل دور المصدوم وعدم المصدق بأن الرسول قد مات!!! كل هذه الأمور

 

(١) سورة آل عمران، الآية ١٤٤، الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ٥٤، وتاريخ الطبري ج ١ ص ١٨١٧ – ١٨١٨، وتاريخ ابن كثير ج ٥ ص ٣٤٣، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٩٢، وابن ماجة الحديث ١٦٢٧. 

١٥٩
تكشف بأن العملية كلها تصنع وتمثيل، لإشغال الناس، وإلهائهم حتى يتجمع ذلك النفر من حلفائه المهاجرين، بدليل أنه بعد دقائق من حضور أبي بكر وأبي عبيدة خرج الثلاثة معا واتجهوا إلى سقيفة بني ساعدة تاركين وراءهم رسول الله لم يجهز ولم يدفن!! كل هذا يؤكد بأن إحساس عمر بن الخطاب بالصدمة والفجيعة كان مفتعلا. 

عمر وذلك النفر من المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز النبي ولم يحضروا دفنه!!!

إن أبسط حقوق الرسول على عمر بن الخطاب وذلك النفر من المهاجرين أن يشاركوا بتجهيز الرسول وأن يحضروا دفنه، خاصة وأن أبا بكر وعمر قد نالا شرف مصاهرة الرسول، ولكن الثابت ثبوتا يقينيا بأن عمر وأبا بكر وذلك النفر من المهاجرين لم يشاركوا بتجهيز الرسول ولم يحضروا دفنه، بل استغلوا فرصة انشغال آل محمد بتجهيز الرسول ودفنه، فاستولوا على ملك النبوة بالقوة والتغلب وكثرة الأتباع، ثم وضعوا أهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة أمام أمر واقع لا طاقة لهم بدفعه، لأن زعامة بطون قريش، والمنافقين، وكافة القوى التي حاربت رسول الله قبل انتصاره، وقفت وراء ذلك النفر من المهاجرين لا حبا بذلك النفر، ولكن نكاية برسول الله وأهل بيت النبوة وإرغاما لأنوفهم وبالمناسبة فهل كان بوسع سفلة قريش أن يقتحموا بيت الرسول وأن يقولوا أمامه أنت تهجر – أي لا تعي ما تقول – لو لم يكن عمر بن الخطاب هو الذي قادهم وقال للرسول أمامهم أنت تهجر ولا حاجة لنا بكتابك!!!

وهل كان بوسع أحد من سفلة قريش ومن كل القوى المهزومة أن يتجرأ على المساس بالترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي لولا ذلك النفر من بطون قريش المهاجرين!! لقد كان الكل راضيا، وخاضعة أعناقهم لما أنزل الله، وقد سقنا قول معاوية برده على رسالة محمد بن أبي بكر:

 

شاهد أيضاً

فيديو.. إسقاط الطائرة الأمريكية MQ9 في أجواء صعدة  

فيديو.. إسقاط الطائرة الأمريكية MQ9 في أجواء صعدة     نشر الإعلام الحربي اليمني مشاهد ...