أمية طمعا بنصيب مما هم غالبون عليه، وأنه لم يبق من الإسلام السياسي إلا لقب الخليفة (أمير المؤمنين) وأن الولايات والأعمال والوظائف العليا والدنيا بالكامل مع بني أمية ومن والاهم، بمعنى أن الدولة بكل مؤسساتها قد جمعت من الناحية الفعلية تحت سيطرة أعداء الله ورسوله الذين حذر منهم الرسول!! وأن الفئة المؤمنة مهمشة بالكامل، وأقلية وليس لها من أمر الدولة أي شئ!!ولو تولى الخلافة بعد عثمان أي رجل في الدنيا غير الإمام علي بن أبي طالب لما استطاع أن يصمد في مثل هذه الظروف لأكثر من ساعة واحدة، لأن الملك الأموي خاصة، وسلطان المنافقين والفاسقين والفجار قد توطد نهائيا، وألقى أجرانه في الأرض والنفوس معا!! واستقرت ثقافته ثقافة الانحراف في المجتمع الإسلامي الجديد! وأصبحت هي الثقافة الرسمية التي تتبناها الدولة رسميا وتدخلها في مناهجها التربوية والتعليمية.
هذه نماذج من الطواقم التي قادت أو ساهمت بنقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تكاتفت هذه الطواقم، فنقضت كامل ما تبقى من عرى الإسلام.
والقاسم المشترك بين أفراد هذه الطواقم وجماعاتها، هو كراهيتها لولاية أو رئاسة آل محمد، فهي لا تقبل أن يتولى الخلافة أو الرئاسة العامة أي رجل من آل محمد مهما كانت مواصفاته ومؤهلاته، ثم إن الأكثرية الساحقة من أفراد تلك الطواقم من الحاقدين على الإمام علي بن أبي طالب، لأن الإمام عليا قد وترهم أثناء حرب الكفر مع الإيمان، فما ولى الخلفاء واليا أو عاملا أو قائدا أو أميرا على أي مصر من الأمصار، أو في أي عمل من الأعمال إلا وكان حاقدا على الإمام علي، أو كارها له، أو موتورا، أو متصنعا ذلك!! لأن دولة الخلافة لم تكن تولي أعمالها إلا لموالين لها، والكارهين لأعدائها، والإمام علي وأهل بيت النبوة ومن والاهم يحتلون قائمة أعدائها!!!
١٨١
لقد كان مؤهلها الوحيد هو انضمامها لجبهة الرافضين للترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، ومعاداتها للإمام الشرعي الذي اختاره الله ورسوله، وولاؤها للقادة الفعليين الجدد، وكانت تلك الطواقم في قرارة نفسها تعلم أنها بحكم الغاصبة، وأنها غير مؤهلة لقيادة مجتمع قانونه الإسلام لأنها لا تعرف ذلك القانون، فكيف تطبق على المجتمع قانونا لا تعرفه!! ثم إنها لو عرفت حكم الإسلام في أمر من الأمور، فلن تكون هذه المعرفة لصالحها، بل ستكون دليلا على غصب هذه الطواقم حقا لغيرها!!ثم إن ذلك النفر من المهاجرين الذين قادوا عملية نقض أول عروة من عرى الإسلام، لم يتم تأهيلهم تأهيلا شرعيا لرئاسة الأمة لأن الله ورسوله قد أهلا الرؤساء الشرعيين، وذلك النفر ليس منهم فكانوا يجهلون القرآن الكريم، ولا يعرفون إلا مجمله، وكانوا يجهلون سنة الرسول أو بيانه لهذا القرآن ولا يعرفون إلا القليل منها، ثم إن هذا القليل الذين يعرفونه يتحول إلى إثبات ضدهم باعتبارهم قد غصبوا ما ليس لهم، فكانوا مضطرين لتجاهل معرفتهم لهذا القليل أو إنكار صلة هذا القليل بالله وبرسوله!! خذ على سبيل المثال عمر بن الخطاب، وهو قائد ذلك الفريق ومنظره، فإنه لم يكن يعلم أن آية (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم…) هي آية في كتاب الله لذلك سأل أبا بكر قائلا: (هذا في كتاب الله؟ فقال له أبو بكر نعم، فسكت عمر) (١) واعترف بنفسه بأن الجميع أفقه منه، وأن العامة وحتى النساء يعرفون أكثر مما يعرف، وللتغطية على هذا، فقد كان يعاقب كل مسلم يسأله أو يسأل ولاته أسئلة دينية لا يعرفون جوابها!! فكان يضرب السائلين من المسلمين حتى يشرفوا على الموت!! ثم يأمر بعزلهم عن الناس، وعدم مجالستهم!!
فسؤال المسلم عن معاني آيات في القرآن الكريم، مثل آية: (الجوار الكنس)
١٨٣
أو (والنازعات غرقا) أو (وفاكهة وأبا)… تعتبر جرائم كبرى… (١).وعندما لم يتمكن الخليفة من معاقبة السائل عن أمور لا يعرفها بسبب الظروف عندئذ يهز العصا في وجه السائل ثم يقول له: (هذا تكلف!! فما عليك إذا لم تعرف الجواب!! ما ستخسر إن لم تعرف جواب هذا السؤال.
(قرأ عمر على المنبر آية (وفاكهة وأبا) فسأله رجل من المسلمين عن معنى الأب، فنفض عمر عصا كانت في يده ثم قال: (هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب!؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه) (٢).
وفي رواية أخرى أن عمر قد قال للسائل أو للسائلين: (دعونا من هذا آمنا به كل من عند ربنا) (٣).
ويبدو أن عمر قد ضمرها لمن سأله أو سألوه عن معنى هذه الآية وهو على المنبر، ذات يوم هم بمعاقبتهم روى السيوطي: أن رجلا سأل عمر عن قوله: (وفاكهة وأبا) فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة (٤).
والخلاصة أن ذلك النفر من المهاجرين الذي قاد عملية نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم استلم الخلافة بالقوة والتغلب لم يكن محيطا بالقرآن، ولا ببيان النبي لهذا القرآن، ولا محيطا بسنة الرسول لأن أي واحد منهم لم يؤهله الله ولا رسوله للرئاسة العامة، ولم
١٨٤
يعده لها فكان من الطبيعي بأن لا يتمكن أي واحد منهم من القيام بأعباء ومسؤوليات ومهام الرئاسة العامة قياما شرعيا، كذلك فإن الطواقم التي استعان بها ذلك النفر كانت إما من حديثي العهد بالإسلام، أو من أعداء الله ورسوله السابقين وهم بالضرورة يجهلون أحكام الإسلام ويجهلون أو يتجاهلون تاريخ الإسلام المجيد. فكان من الطبيعي أن لا يتمكن ذلك النفر ولا تلك الطواقم من تطبيق الإسلام، لأنهم لا يحيطون به!! وكان من الطبيعي أيضا أن يفشل ذلك النفر بقيادة دولة الإسلام ودعوته قيادة شرعية، وكان من الطبيعي أن تحل عرى الإسلام كلها بهذا المناخ عروة بعد عروة، بقصد أو بدون قصد، وكان من الطبيعي أن تنتشر الجهالة في الإسلام الحقيقي وبتاريخه المجيد، وأن تسود ثقافة الانحراف المقصود أو غير المقصود فكيف نطلب من معاوية مثلا أن يطبق أحكام الإسلام في بلاد الشام وأن يعرف أهل الشام بالإسلام وتاريخه، ومعاوية نفسه لا يعرف هذه الأحكام وليس من مصلحته، ولا من مصلحة ولايته ولا من مصلحة الدولة التي يمثلها أن يفهم أهل الشام تاريخ الإسلام الحقيقي، فلو عرف أهل الشام أن معاوية وأبوه وأخوه وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول الله قبل الهجرة، وحاربوه بعد الهجرة، وألبوا العرب عليه، ولم يلقوا السلاح حتى اضطرهم رسول الله إلى الاستسلام، هنالك تلفظوا بكلمة الإسلام، لو عرف أهل الشام ذلك لطردوا معاوية، ولما قبلوا بولايته، لذلك صار من مصلحة معاوية ومن مصلحة الدولة التي يمثلها معاوية أن يجهل أهل الشام تاريخ الإسلام، وتاريخ بنائه، وأن يجهلوا أحكامه.– تساءل أحدهم: ابن من أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام معاوية على المنبر، فأجابه أحد السامعين من أهل الشام (أراه لصا من لصوص الفتن)!!
– روى المسعودي قال: كنا نقعد نتناظر في أبي بكر وعمر وعلي ومعاوية ونذكر ما يذكره أهل العلم، وكان قوم من العامة يأتون فيستمعون.
١٨٥
الفصل الثاني
لماذا تجاهل ذلك النفر سنة الرسول ونقضوا أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم
١ – الطمع بملك النبوة أو الرئاسة العامة، والحرص عليها: لو أن ذلك النفر من المهاجرين، قد اعترف بسنة الرسول، والتزم بالترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف الرسول بعد موته، لما استطاع ذلك النفر أن يستولي على ملك النبوة، ولما تمكن أفراده من الوصول إلى منصب الرئاسة العامة للأمة، لذلك كان تجاهلهم لسنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وعدم التزامهم بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول تعبيرا واضحا كل الوضوح عن طمعهم بملك النبوة أو الرئاسة العامة وحرصهم عليها، ورغبتهم الجامحة بالاستيلاء على هذا المنصب!! فلو أن الله سبحانه وتعالى قد اختارهم للرئاسة العامة، ولو أن الرسول كان قد أعلنهم خلفاء من بعده، لأقروا بشرعية وصواب الترتيبات الإلهية، والتزموا بها، ولقالوا حينها بأن الرسول لا ينطق عن الهوى، وأنه يتبع ما يوحى إليه من ربه، لأن الترتيبات الإلهية وسنة الرسول اتفقت وما تهوى أنفس ذلك النفر، وبالتالي لما كانت هنالك من حاجة لعدم الالتزام بها، لأنها تخدم طمعهم بالرئاسة، وحرصهم عليها، لأنهم طالبوا إمارة، ومكلفون بالانتقال من وضع التابعين إلى وضع المتبوعين، فالمعروف لدى الجميع أن ذلك النفر كان قبل.
١٨٧
فانقسمت مجتمعات الجزيرة العربية على تعددها إلى قسمين أحدهما وهو الأقل مع النبي وثانيهما مع زعامة بطون قريش.ومع هذا فقد نجح ذلك النفر بالاحتفاظ والمحافظة على علاقة جيدة مع الجميع، فلم يقطعوا خيوط الاتصال مع أي طرف من أطراف الصراع، ولا مع أية جماعة من جماعاته!! وهذا ما قوى الأمل عندهم بأن الجميع سيقبلون رئاستهم بعد وفاة النبي، وفي حالة حدوث صراع بين ذلك النفر وبين آل محمد أصحاب الحق الشرعي بالرئاسة، فإن الجميع سيقفون مع ذلك النفر وسيتخلون عن آل محمد الذين أثخنوا الجميع بالجراح، ووتروا الجميع، وسيسهل على ذلك النفر تجاهل وجود الترتيبات الإلهية، وتجاهل النصوص الشرعية التي رتبت عصر ما بعد النبوة، وسيسهل على الجميع الوقوف وراء ذلك النفر تحت مظلة الإسلام، لأن أعداء الله السابقين كلهم قد دخلوا الإسلام، وشكلوا الأكثرية الساحقة من المجتمع الإسلامي الجديد، فيمكن استثمار هذه الكثرة الكاثرة تحت مظلة (الشورى) وهي مبدأ إسلامي!!! ومن هنا فقد أخذ ذلك النفر يبني وينمي علاقاته مع الجميع.
أ – كان بحكم الصحبة والمصاهرة والهجرة واعتناق الإسلام محسوبا على النبي والذين آمنوا، وكانت حكومة النبي حكومة عدل إلهي، فهي لا تعاقب على النوايا، ولا تجرم إلا ما يقع من الأفعال، كان النبي على علم بنوايا ذلك النفر، ولكن هذه النوايا لم تترجم إلى أفعال كاملة خلال حياة النبي، وإذا صدرت من ذلك النفر مقاطع من أفعال فقد كانت مغطاة بالشبهات التي تقيم من العقوبة، لقد اكتفى النبي بوصفهم وصفا دقيقا وتحذير الناس منهم، لقد أكد الرسول أن هذا الحي من قريش (١) سيحمل الناس على سنة فارس والروم (٢) ولن يدعوا لله في الأرض عبدا صالحا إلا
١٩٠
ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته) (١) عمر مع النبي، والنبي وأتباعه في حالة حرب مع قريش، والنبي يتأهب لأول مواجهة عسكرية مع قريش، وما قاله عمر تثبيط للنبي وأصحابه عن مواجهة قريش ومدح لقريش وتعصب لها في وقت غير ملائم، ومن الطبيعي أن تسمع قريش بما قاله أبو بكر وعمر، ومن الطبيعي أن قريشا ستشعر بالارتياح لموقف الرجلين وتعاطفهما معها.لما فتح رسول الله مكة أتاه ناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك وإنه لحق بك أرقاؤنا، ليس لهم رغبة في الإسلام، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا. فشاور الرسول أبا بكر في أمرهم فقال صدقوا يا رسول الله! فقال لعمر ما ترى؟ فقال مثل قول أبي بكر! فقال الرسول: (يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضرب رقابكم على الدين) (٢) وأشار إلى الإمام علي بن أبي طالب. هذه المواقف سقناها على سبيل المثال.
وعندما كانت قريش تتفقد قتلاها وجرحاها وأسراها، وتتعرف بدقة على من قتل أو جرح أو أسر أي واحد منهم لتنتقم وتثأر حسب العادة الجاهلية الضاربة الجذور في النفس العربية، كانت زعامة بطون قريش دائما تكتشف أن ذلك النفر لم يلوث يده بقطرة دم واحدة من أبنائها فكان شعورها بالارتياح من ذلك النفر يزداد يوما بعد يوم! كانت زعامة بطون قريش ومن والاها يحقدون على محمد وعلى آله وعلى أتباعه المخلصين ولكنهم لم يكونوا يحقدون على ذلك النفر، بل ولم يكرهوه، وعلى العكس كانوا يحسون بالارتياح والرضا من مواقفه المتعاطفة معهم، ولم
١٩٢
وسيباركون تجاهل ذلك النفر للترتيبات الإلهية وإبطال مفاعيل سنة الرسول المتعلقة بمن يخلفه بعد موته، وهذا ما غذى أطماع ذلك النفر بالرئاسة من بعد النبي!! والمنافقون لم يكونوا أقلية بل كانوا شريحة كبرى من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد، فكانوا مقدسين بين أهل المدينة، ومن حولها، وقد مردوا على النفاق وقويت شوكتهم، ولما استولى ذلك النفر على منصب الخلافة بعد موت النبي، استعان بهم، وتقاسم معهم منافع ملك النبوة!!د – اليهود: كانت علاقة ذلك النفر مع اليهود علاقة ودية أيضا وصفحة ذلك النفر بيضاء مع اليهود، فخلال المعارك التي جرت بين اليهود والمسلمين لم يصدف أن أي واحد من أفراد ذلك النفر قد قتل أو جرح أو أسر أي يهودي!! وأبعد من ذلك فإن بعض أفراد ذلك النفر كان يغشى اليهود في يوم دراستهم طلبا للعلم!! قال اليهود لعمر بن الخطاب يوما (ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا…) (١) لقد قال عمر للرسول شخصيا (إني مررت (بأخ لي) من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال الراوي فتغير وجه رسول الله…) (٢) وقال عمر للرسول يوما: (جوامع من التوراة أخذتها من (أخ لي) من بني زريق فتغير وجه الرسول فقال عبد الله بن زيد لعمر بن الخطاب أمسخ الله عقلك!! ألا ترى الذي بوجه رسول الله!!) (٣).. الخ.
فلماذا تكره الأقلية اليهودية رئاسة هذا النفر بعد موت النبي ستفضل أي واحد من أفراد ذلك النفر على الإمام علي، لأن الإمام عليا هو الذي شتت جمعهم، وهزمهم!! كان ذلك النفر يسعى لحشد تأييد كافة السكان، ليتعاطفوا مع تطلعاته ومخططاته!!
١٩٥
من الشام) (١) لقد أدخل عمر الإمام عليا مع أهل الشورى استخفافا بمقام الإمام علي وجحودا بحقه، فأبو بكر وعمر وعثمان وبقية ذلك النفر يعلمون علم اليقين أن رسول الله قد نصب الإمام عليا إماما من بعده، وأن ذلك النفر قد بايع الإمام عليا وهنأه بحضور الرسول (٢)، ثم إن الإمام عليا قد واجه أبا بكر وواجه عمر عندما طلبا منه البيعة فقال لهما: (… أنتم أولى بالبيعة لي) فإذا كان الإمام علي يرى بأنه أولى بالخلافة من الأول ومن الثاني فكيف يحشر مع تلك النظائر!! من خلال هذه النصوص التي تعكس صورا متحركة يتبين لنا أن هذا النفر قد تصرف كفريق متلاحم حتى استولى على منصب الخلافة، وبقي على تلاحمه وعلى إخلاصه للأهداف التي التف حولها قبل استيلائه على منصب الخلافة وبعد استيلائه عليها قويت شوكته واتسع نفوذه، وصار مصير الأمة بيده!!٤ – الاستهانة بسنة الرسول: طبيعة نظرة ذلك النفر للرسول الأعظم، جعلته يستهين بسنته، ولا يثق بكل ما يقوله الرسول أو يفعله أو يقرره!! أو كانوا لا يصدقون بأن كل سنة الرسول من عند الله!! وبشكل أو بآخر أقنع أفراد ذلك النفر أنفسهم بأن الرسول بشر مثلهم يخطئ ويصيب!! وأن ليس كل ما يقوله صحيحا، وبالتالي فلا ينبغي أن يحمل كل شئ يقوله الرسول على محمل الجد!!
أنظر إلى قولهم لعبد الله بن عمرو بن العاص متعجبين من شناعة فعله لأنه كان يكتب كل شئ سمعه من رسول الله (… وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر!! يتكلم في الغضب والرضا!!) (٣)
١٩٩
وكلامهم من الوضوح بحيث يكشف أن ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا حسب زعمهم!! وقد روجوا هذه الشائعة الباطلة وكان لها أثر على الناس حتى أثناء حياة الرسول فها هو أحد الصحابة يقول للرسول: (أكتب كل ما أسمع منك؟) فيجيبه الرسول قائلا: (نعم)، فيقول الصحابي: (قلت للرسول بالرضا والغضب؟!) قال الرسول: (نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا..!!) (١) ومع هذا لم يقنع ذلك النفر بتأكيد الرسول!! بل بقي ذلك النفر على قناعته بأن ليس كل ما يقوله الرسول أو يفعله صحيحا!!وتوصلوا إلى وهم مفاده أنهم وحدهم الذين يعرفون ما هو الصحيح من أقوال الرسول وأفعاله وما هو الخطأ!! وما هو من عند الله، وما هو من عند رسول الله شخصيا!!
فقد اعتبروا أن أمر الرسول بقتل المنافق ذي الثدية، أمر غير صائب، لذلك امتنعوا عن تنفيذه!! (٢) وكرر الرسول أمره بقتل ذلك المارق، وعلله، ولكنهم امتنعوا عن تنفيذ أمر الرسول (٣) لاقتناعهم بأن أمر الرسول بالقتل غير صائب، وقتل هذا المارق غير جائز!!!
لقد أمر الرسول أسامة بن زيد، على جيش (٤) وحث المسلمين على الخروج معه، إلا أن ذلك النفر قد رأى أنه ليس من المناسب أن يتأمر أسامة الفتى على شيوخ من المهاجرين والأنصار لذلك طعنوا بتأمير الرسول لأسامة، ونجحوا في تثبيط المسلمين عن الخروج في جيش أسامة، ومع أن