الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ١٨١ – ٢٠٠

أمية طمعا بنصيب مما هم غالبون عليه، وأنه لم يبق من الإسلام السياسي إلا لقب الخليفة (أمير المؤمنين) وأن الولايات والأعمال والوظائف العليا والدنيا بالكامل مع بني أمية ومن والاهم، بمعنى أن الدولة بكل مؤسساتها قد جمعت من الناحية الفعلية تحت سيطرة أعداء الله ورسوله الذين حذر منهم الرسول!! وأن الفئة المؤمنة مهمشة بالكامل، وأقلية وليس لها من أمر الدولة أي شئ!!ولو تولى الخلافة بعد عثمان أي رجل في الدنيا غير الإمام علي بن أبي طالب لما استطاع أن يصمد في مثل هذه الظروف لأكثر من ساعة واحدة، لأن الملك الأموي خاصة، وسلطان المنافقين والفاسقين والفجار قد توطد نهائيا، وألقى أجرانه في الأرض والنفوس معا!! واستقرت ثقافته ثقافة الانحراف في المجتمع الإسلامي الجديد! وأصبحت هي الثقافة الرسمية التي تتبناها الدولة رسميا وتدخلها في مناهجها التربوية والتعليمية.

هذه نماذج من الطواقم التي قادت أو ساهمت بنقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تكاتفت هذه الطواقم، فنقضت كامل ما تبقى من عرى الإسلام.

والقاسم المشترك بين أفراد هذه الطواقم وجماعاتها، هو كراهيتها لولاية أو رئاسة آل محمد، فهي لا تقبل أن يتولى الخلافة أو الرئاسة العامة أي رجل من آل محمد مهما كانت مواصفاته ومؤهلاته، ثم إن الأكثرية الساحقة من أفراد تلك الطواقم من الحاقدين على الإمام علي بن أبي طالب، لأن الإمام عليا قد وترهم أثناء حرب الكفر مع الإيمان، فما ولى الخلفاء واليا أو عاملا أو قائدا أو أميرا على أي مصر من الأمصار، أو في أي عمل من الأعمال إلا وكان حاقدا على الإمام علي، أو كارها له، أو موتورا، أو متصنعا ذلك!! لأن دولة الخلافة لم تكن تولي أعمالها إلا لموالين لها، والكارهين لأعدائها، والإمام علي وأهل بيت النبوة ومن والاهم يحتلون قائمة أعدائها!!!

 

١٨١
ولا علم لي أن الخلفاء قد ولوا رجلا واحدا من أهل بيت النبوة أو ممن يواليهم أي عمل من الأعمال، أو أسندوا له أية وظيفة من الوظائف العامة!! لقد كان أهل بيت النبوة ومن والاهم مجردين عمليا من كافة حقوقهم السياسية ومعزولين رسميا عزلا تاما!!كانت تلك الطواقم غير مؤهلة لقيادة الدعوة، وغير مؤهلة أيضا لقيادة دولة إسلامية، لأنها لا تعرف القرآن الكريم إلا مجملا، ولا تعرف بيان النبي لهذا القرآن، أو سنة الرسول فالقسم الأعظم من هذه الطواقم لم يتتلمذ على يد رسول الله، بل كان يقاوم رسول الله ويحاربه، وبقي في الجبهة المعادية لله ولرسوله وللمؤمنين حتى استسلمت قيادة تلك الجبهة، واضطرت للتلفظ بالإسلام فأسلم هذا القسم تبعا لإسلام قيادة الشرك فكانوا يرون رسول الله في المناسبات، أو عند أسفارهم للمدينة، أو عند الاجتماعات العارضة، ثم إنهم لم يقصدوا تعلم أحكام الدين، وإن قصدوا ذلك فإن المدة المحدودة جدا التي قضوها مع الرسول لا تساعدهم على تعلم أحكام الدين فطوال ٢١ عاما وهم في معسكر الشرك، الكافر بالكامل بكل ما كان يقول الرسول، فلو افترضنا أنهم خلال السنتين المتبقيتين من عصر النبوة قد استمعوا لماما أو أحيانا لما سيقوله الرسول، لكانت هذه المدة غير كافية لاستيعاب تجارب وعلوم ودروس ٢١ عاما قد ضاعت عليهم بعد نقض الترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، أو بمن سيخلف النبي، وجد هذا الطاقم نفسه مع ذلك النفر من مهاجري بطون قريش الذين قادوا عملية نقض الترتيبات الإلهية، وبعد فترة وجدوا أنفسهم هم القادة الحقيقيون للمجتمع الإسلامي، فكان من المفترض أن يتولى هذا الطاقم تعليم المجتمع أحكام الدين، ولكن هذا الطاقم لا يعرف أحكام الدين المتعلقة بالحكم أو بالاقتصاد أو الاجتماع، فكيف يعلم الناس أحكام هذا الدين من يجهلها!! ثم إن وجود تلك الطواقم نفسها معارض لحكم الدين، لأن هنالك من هو أولى منها بحكم الأمة.

 

١٨٢
لقد كان مؤهلها الوحيد هو انضمامها لجبهة الرافضين للترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم، ومعاداتها للإمام الشرعي الذي اختاره الله ورسوله، وولاؤها للقادة الفعليين الجدد، وكانت تلك الطواقم في قرارة نفسها تعلم أنها بحكم الغاصبة، وأنها غير مؤهلة لقيادة مجتمع قانونه الإسلام لأنها لا تعرف ذلك القانون، فكيف تطبق على المجتمع قانونا لا تعرفه!! ثم إنها لو عرفت حكم الإسلام في أمر من الأمور، فلن تكون هذه المعرفة لصالحها، بل ستكون دليلا على غصب هذه الطواقم حقا لغيرها!!ثم إن ذلك النفر من المهاجرين الذين قادوا عملية نقض أول عروة من عرى الإسلام، لم يتم تأهيلهم تأهيلا شرعيا لرئاسة الأمة لأن الله ورسوله قد أهلا الرؤساء الشرعيين، وذلك النفر ليس منهم فكانوا يجهلون القرآن الكريم، ولا يعرفون إلا مجمله، وكانوا يجهلون سنة الرسول أو بيانه لهذا القرآن ولا يعرفون إلا القليل منها، ثم إن هذا القليل الذين يعرفونه يتحول إلى إثبات ضدهم باعتبارهم قد غصبوا ما ليس لهم، فكانوا مضطرين لتجاهل معرفتهم لهذا القليل أو إنكار صلة هذا القليل بالله وبرسوله!! خذ على سبيل المثال عمر بن الخطاب، وهو قائد ذلك الفريق ومنظره، فإنه لم يكن يعلم أن آية (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم…) هي آية في كتاب الله لذلك سأل أبا بكر قائلا: (هذا في كتاب الله؟ فقال له أبو بكر نعم، فسكت عمر) (١) واعترف بنفسه بأن الجميع أفقه منه، وأن العامة وحتى النساء يعرفون أكثر مما يعرف، وللتغطية على هذا، فقد كان يعاقب كل مسلم يسأله أو يسأل ولاته أسئلة دينية لا يعرفون جوابها!! فكان يضرب السائلين من المسلمين حتى يشرفوا على الموت!! ثم يأمر بعزلهم عن الناس، وعدم مجالستهم!!

فسؤال المسلم عن معاني آيات في القرآن الكريم، مثل آية: (الجوار الكنس)

 

(١) الطبقات لابن سعد ج ٢ ف ٢ ص ٥٤، وتاريخ الطبري ج ١ ص ١٨١٧ – ١٨١٨، وابن كثير ج ٥ ص ٢٤٣، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٩٢، وابن ماجة الحديث ١٦٢٧. 

١٨٣
أو (والنازعات غرقا) أو (وفاكهة وأبا)… تعتبر جرائم كبرى… (١).وعندما لم يتمكن الخليفة من معاقبة السائل عن أمور لا يعرفها بسبب الظروف عندئذ يهز العصا في وجه السائل ثم يقول له: (هذا تكلف!! فما عليك إذا لم تعرف الجواب!! ما ستخسر إن لم تعرف جواب هذا السؤال.

(قرأ عمر على المنبر آية (وفاكهة وأبا) فسأله رجل من المسلمين عن معنى الأب، فنفض عمر عصا كانت في يده ثم قال: (هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب!؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه) (٢).

وفي رواية أخرى أن عمر قد قال للسائل أو للسائلين: (دعونا من هذا آمنا به كل من عند ربنا) (٣).

ويبدو أن عمر قد ضمرها لمن سأله أو سألوه عن معنى هذه الآية وهو على المنبر، ذات يوم هم بمعاقبتهم روى السيوطي: أن رجلا سأل عمر عن قوله: (وفاكهة وأبا) فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة (٤).

والخلاصة أن ذلك النفر من المهاجرين الذي قاد عملية نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم استلم الخلافة بالقوة والتغلب لم يكن محيطا بالقرآن، ولا ببيان النبي لهذا القرآن، ولا محيطا بسنة الرسول لأن أي واحد منهم لم يؤهله الله ولا رسوله للرئاسة العامة، ولم

 

(١) راجع سنن الدارمي ج ١ ص ٥٤، وكنز العمال ج ٢ ص ٣٣١ وج ١١ ص ٢٩٦، والدر المنثور ج ٢ ص ٧ وج ٣ ص ١٦١ وج ٦ ص ١١١، وإكمال الدين ج ٥ ص ٢٢١ وج ٦ ص ٢٠٦، وتدوين القرآن لأبي محمد الشيخ علي الكوراني ص ٢٠٩ وما فوق، لتقف على قضية ضبيع التميمي وما لحقه من ظلم وما أصابه من عذاب نتيجة ارتكابه لبعض هذه الجرائم.(٢) السيوطي في الدر المنثور ج ٦ ص ٣١٧، وتدوين القرآن ص ٢٢٥.

(٣) المستدرك للحاكم ج ٢ ص ٣٩٠، وتدوين القرآن ص ٢٢٥.

(٤) الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٣١٧.

 

١٨٤
يعده لها فكان من الطبيعي بأن لا يتمكن أي واحد منهم من القيام بأعباء ومسؤوليات ومهام الرئاسة العامة قياما شرعيا، كذلك فإن الطواقم التي استعان بها ذلك النفر كانت إما من حديثي العهد بالإسلام، أو من أعداء الله ورسوله السابقين وهم بالضرورة يجهلون أحكام الإسلام ويجهلون أو يتجاهلون تاريخ الإسلام المجيد. فكان من الطبيعي أن لا يتمكن ذلك النفر ولا تلك الطواقم من تطبيق الإسلام، لأنهم لا يحيطون به!! وكان من الطبيعي أيضا أن يفشل ذلك النفر بقيادة دولة الإسلام ودعوته قيادة شرعية، وكان من الطبيعي أن تحل عرى الإسلام كلها بهذا المناخ عروة بعد عروة، بقصد أو بدون قصد، وكان من الطبيعي أن تنتشر الجهالة في الإسلام الحقيقي وبتاريخه المجيد، وأن تسود ثقافة الانحراف المقصود أو غير المقصود فكيف نطلب من معاوية مثلا أن يطبق أحكام الإسلام في بلاد الشام وأن يعرف أهل الشام بالإسلام وتاريخه، ومعاوية نفسه لا يعرف هذه الأحكام وليس من مصلحته، ولا من مصلحة ولايته ولا من مصلحة الدولة التي يمثلها أن يفهم أهل الشام تاريخ الإسلام الحقيقي، فلو عرف أهل الشام أن معاوية وأبوه وأخوه وأقاربه هم الذين قادوا جبهة الشرك ضد رسول الله قبل الهجرة، وحاربوه بعد الهجرة، وألبوا العرب عليه، ولم يلقوا السلاح حتى اضطرهم رسول الله إلى الاستسلام، هنالك تلفظوا بكلمة الإسلام، لو عرف أهل الشام ذلك لطردوا معاوية، ولما قبلوا بولايته، لذلك صار من مصلحة معاوية ومن مصلحة الدولة التي يمثلها معاوية أن يجهل أهل الشام تاريخ الإسلام، وتاريخ بنائه، وأن يجهلوا أحكامه.– تساءل أحدهم: ابن من أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام معاوية على المنبر، فأجابه أحد السامعين من أهل الشام (أراه لصا من لصوص الفتن)!!

– روى المسعودي قال: كنا نقعد نتناظر في أبي بكر وعمر وعلي ومعاوية ونذكر ما يذكره أهل العلم، وكان قوم من العامة يأتون فيستمعون.

 

١٨٥
منا، فقال لي ذات يوم أحدهم، وكان من أعقلهم وأكبرهم لحية: كم تطنبون في علي ومعاوية وفلان وفلان؟ قلت: ما تقول أنت في ذلك؟ قال:من تريد؟ قلت: علي ما تقول فيه؟ فقال: أليس هو أبو فاطمة؟ قلت: ومن كانت فاطمة؟ قال: امرأة النبي ابنة عائشة أخت معاوية، قلت: فما كانت قصة علي؟ قال: قتل في غزوة حنين مع النبي (١) لقد صلى معاوية الجمعة بأهل الشام يوم الأربعاء!! وقال لأهل الشام أن علي بن أبي طالب هو الذي قتل عمار بن ياسر!! وعلمهم أن لعن علي بن أبي طالب سنة وعبادة يجب أن ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير (٢) وصدقه أهل الشام وهم يعتقدون أن هذا هو الإسلام!!، كان المسلمون يصلون في صلاتهم على محمد وآل محمد في الوقت نفسه الذي كانوا فيه يسبون ويلعنون عميد آل محمد!! إنها ثقافة الانحراف التي جاءت كنتيجة حتمية وطبيعية لحل أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم، ثم تداعت الأمور وانجلت تبعا لها كافة عرى الإسلام عروة بعد عروة.

 

 

(١) راجع مروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ٣٩ – ٤١، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٧٨.(٢) راجع أمر معاوية لأهل الشام وسكان مملكته بضرورة شتم الإمام ولعنه في صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٠، وصحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٠١ – ٣٨٠، والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٠٩، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص ٦٧.

 

١٨٦

الفصل الثاني
لماذا تجاهل ذلك النفر سنة الرسول ونقضوا أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم

١ – الطمع بملك النبوة أو الرئاسة العامة، والحرص عليها: لو أن ذلك النفر من المهاجرين، قد اعترف بسنة الرسول، والتزم بالترتيبات الإلهية المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف الرسول بعد موته، لما استطاع ذلك النفر أن يستولي على ملك النبوة، ولما تمكن أفراده من الوصول إلى منصب الرئاسة العامة للأمة، لذلك كان تجاهلهم لسنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وعدم التزامهم بالترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول تعبيرا واضحا كل الوضوح عن طمعهم بملك النبوة أو الرئاسة العامة وحرصهم عليها، ورغبتهم الجامحة بالاستيلاء على هذا المنصب!! فلو أن الله سبحانه وتعالى قد اختارهم للرئاسة العامة، ولو أن الرسول كان قد أعلنهم خلفاء من بعده، لأقروا بشرعية وصواب الترتيبات الإلهية، والتزموا بها، ولقالوا حينها بأن الرسول لا ينطق عن الهوى، وأنه يتبع ما يوحى إليه من ربه، لأن الترتيبات الإلهية وسنة الرسول اتفقت وما تهوى أنفس ذلك النفر، وبالتالي لما كانت هنالك من حاجة لعدم الالتزام بها، لأنها تخدم طمعهم بالرئاسة، وحرصهم عليها، لأنهم طالبوا إمارة، ومكلفون بالانتقال من وضع التابعين إلى وضع المتبوعين، فالمعروف لدى الجميع أن ذلك النفر كان قبل.

 

١٨٧
الإسلام مغمورا، وليسوا من علية القوم، ولا من ساداتهم، لقد اشتهروا فقط عندما اعتنقوا الإسلام، وعندما نال بعضهم شرف مصاهرة رسول الله، فلم يدعي أبو بكر أو عمر أو عثمان أو أبو عبيدة، أو عبد الرحمن بن عوف أو غيرهم من ذلك النفر أنه كان سيد قومه في الجاهلية، أو أنه كان من علية القوم، بل قد أقروا جميعا بأنهم كانوا قبل الإسلام مجرد أشخاص مغمورين لا ذكر لهم، وأن اعتناقهم للإسلام هو الذي أعطاهم الشهرة بعد خمول ذكر، وألبسهم ثوب العز بعد ذل، لقد هيج هذا الوضع الجديد في نفوس ذلك النفر الطمع بالإمارة والحرص عليها، خاصة وأن ذلك النفر قد أصبح في عداد أفراد الحلقة الأولى التي تلتف حول النبي، وبحكم هذا الوضع، وبحكم المصاهرة والصحبة فقد أصبحوا على صلة دائمة بالنبي، فذاع صيتهم، وعلا ذكرهم، وازداد هيجان طمعهم بالإمارة من بعد النبي، وحرصهم عليها، لقد أحسوا بأنه لم يبق بينهم وبين ما يطمعون به إلا قاب قوسين أو أدنى وهذا ما حفز هممهم، وضاعف جهدهم، وسرع خطواتهم نحو ما يريدون.لقد كانوا في قرارة أنفسهم يعلمون علم اليقين أن من اختاره الله لخلافة النبي وأعلنه رسول الله أشجع وأعلم وأقرب للنبي وأكثر عناء وأقدم سابقة وأرضى لله من أي واحد منهم، وكانوا على يقين بأنهم لم يكن لأي واحد منهم أي دور بارز في أية معركة من المعارك التي حسمت الصراع لصالح الإسلام، بل كانوا يعلمون علم اليقين بأنهم قد ولوا يوم الزحف وفروا في أكثر من معركة، وأن أي واحد منهم لم يقتل أو يجرح أو يأسر أي مشرك طوال فترة الصراع بين الكفر والإيمان، لكنهم اعتقدوا أن الحياة فرص ومغامرة، وأن عليهم أن يغتنموا هذه الفرصة، وأن يخوضوا غمار هذه المغامرة!! خاصة وأنهم قد اعتبروا أن مجرد اتباعهم للنبي وهجرتهم تبعا لهجرته، وعدم قتالهم إلى جانب زعامتهم – زعامة البطون – تضحية كبرى تستحق مكافأة كبرى وهي الإمارة أو الرئاسة العامة من بعد النبي!!.

 

١٨٨
لقد كانت علاقة ذلك النفر بزعامة بطون قريش وتبعيته لها علاقة وتبعية من نوع خاص، له القدرة على اجتياز كل المحرمات وإثبات وجوده، ولم يستطع هذا النفر أن يتخلص من الإحساس بالتبعية حتى بعد انتصار الإسلام وهزيمة زعامة البطون!! انظر إلى قول عمر عن معاوية: (أنه فتى قريش وابن سيدها) (١) القرآن الكريم اعتبر أبا سفيان أحد أئمة الكفر، والرسول الأعظم لعن أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية كما وثقنا (٢) وتاريخ أبي سفيان في محاربته لله ولرسوله من الوضوح بحيث لا يخفى على أحد، ثم إن الرسول قد حذر من بني أمية عامة ومن أبي سفيان وبنيه خاصة، ومع هذا فإن عمر بن الخطاب قد قفز عن تلك الحقائق وبقي على يقينه واعترافه قبل الإسلام بأن أبا سفيان هو سيد قريش، وأن عمر وهو الخليفة أحد تابعيه!! فلم يعتبر عمر نفسه ولا في أي يوم من الأيام سيدا لقريش لأن سيدها معروف وهو أبو سفيان، لقد كان ذلك النفر مأخوذا بحبه لقريش، وزعامتها، وتعصبه لهما، وكان ذلك النفر يجهر بذلك ويجاهر به حتى في الظروف العصيبة، وقد وثقنا ما قاله أبو بكر وعمر في بدر قبل بدء المعركة، لذلك فإن هذا النفر قد اعتبر أن مجرد إعلانه بأنه مع النبي وأنه ليس مع زعامة البطون يعتبر تضحية كبرى تستحق مكافأة كبرى وعظمى أقلها الرئاسة من بعد النبي، وهذا ما جذر أطماع ذلك النفر بالرئاسة بعد النبي، وغذى حرصهم عليها، وضاعف من جهودهم للحصول عليها، وهون عليهم كل عسير لبلوغها.٢ – شبكة هائلة من العلاقات: لقد اشتد الصراع بين الكفر بكل أشكاله وبين الإيمان، واتسع نطاق هذا الصراع حتى شمل الجميع،

 

(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ١٢٥، والاستيعاب لابن عبد البر ج ٨ ص ٣٩٧.(٢) راجع تحذيرات الرسول ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ٢١٧ و ٢٢٠، ومروج الذهب للمسعودي ج ٣ ص ١٤، وإمتاع الأسماع للمقريزي.

 

١٨٩
فانقسمت مجتمعات الجزيرة العربية على تعددها إلى قسمين أحدهما وهو الأقل مع النبي وثانيهما مع زعامة بطون قريش.ومع هذا فقد نجح ذلك النفر بالاحتفاظ والمحافظة على علاقة جيدة مع الجميع، فلم يقطعوا خيوط الاتصال مع أي طرف من أطراف الصراع، ولا مع أية جماعة من جماعاته!! وهذا ما قوى الأمل عندهم بأن الجميع سيقبلون رئاستهم بعد وفاة النبي، وفي حالة حدوث صراع بين ذلك النفر وبين آل محمد أصحاب الحق الشرعي بالرئاسة، فإن الجميع سيقفون مع ذلك النفر وسيتخلون عن آل محمد الذين أثخنوا الجميع بالجراح، ووتروا الجميع، وسيسهل على ذلك النفر تجاهل وجود الترتيبات الإلهية، وتجاهل النصوص الشرعية التي رتبت عصر ما بعد النبوة، وسيسهل على الجميع الوقوف وراء ذلك النفر تحت مظلة الإسلام، لأن أعداء الله السابقين كلهم قد دخلوا الإسلام، وشكلوا الأكثرية الساحقة من المجتمع الإسلامي الجديد، فيمكن استثمار هذه الكثرة الكاثرة تحت مظلة (الشورى) وهي مبدأ إسلامي!!! ومن هنا فقد أخذ ذلك النفر يبني وينمي علاقاته مع الجميع.

أ – كان بحكم الصحبة والمصاهرة والهجرة واعتناق الإسلام محسوبا على النبي والذين آمنوا، وكانت حكومة النبي حكومة عدل إلهي، فهي لا تعاقب على النوايا، ولا تجرم إلا ما يقع من الأفعال، كان النبي على علم بنوايا ذلك النفر، ولكن هذه النوايا لم تترجم إلى أفعال كاملة خلال حياة النبي، وإذا صدرت من ذلك النفر مقاطع من أفعال فقد كانت مغطاة بالشبهات التي تقيم من العقوبة، لقد اكتفى النبي بوصفهم وصفا دقيقا وتحذير الناس منهم، لقد أكد الرسول أن هذا الحي من قريش (١) سيحمل الناس على سنة فارس والروم (٢) ولن يدعوا لله في الأرض عبدا صالحا إلا

 

(١) رواه البخاري كتاب بدء الخلق علامات النبوة ج ٢ ص ٢٨٠، ومسلم كتاب الفتن ج ١٨ ص ٤١.(٢) رواه الطبراني مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٣٦.

 

١٩٠
فتنوه (١)، وعندما حذر الرسول منهم طالب المسلمين باعتزالهم قائلا: (لو أن المسلمين اعتزلوهم) (٢) ووضح الرسول الصورة فأكد أن قسما من أصحابه المحسوبين عليه سيحدثون من بعده أحداثا (٣) وأنهم سيرتدون منذ اللحظة التي يموت فيها النبي (٤) وأنهم من الهالكين لأنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ولن ينجو منهم غير النادر (٥) ومن المؤكد أن رسول الله قد نصح ذلك النفر، وحذرهم من مغبة ما يضمرون لأنهم إن نقضوا أول عروة من عرى الإسلام، فستنقض تبعا لها كافة عرى الإسلام، ومن المؤكد أن ذلك النفر لم يقدر نصيحة رسول الله حق قدرها لأنهم كانوا موقنين أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى، ولا ينبغي أن يحمل كلامه على محمل الجد!!! لقد وثقنا ذلك أكثر من مرة، ولأنهم كانوا يعتقدون أن الرئاسة العامة أمر دنيوي، وأن ذلك النفر أعلم بشؤون الدنيا ومصلحة المسلمين من الرسول نفسه!! لقد أقنعوا أنفسهم بذلك فمضوا نحو غايتهم، كان قلب النبي الشريف يذوب أسى، ولكن ماذا كان بإمكانه أن يفعل غير ما فعل!!ب – في الوقت نفسه الذي ارتبط فيه ذلك النفر مع النبي والذين آمنوا برابطة الإسلام، احتفظ ذلك النفر مع زعامة بطون قريش بروابط الدم والقربى والتعاطف، فكانت مواقفهم متعاطفة مع بطون قريش، وكانوا يجهرون بذلك التعاطف علنا أنظر إلى قول عمر مخاطبا رسول الله أمام الأنصار والمهاجرين قبل معركة بدر (يا رسول الله إنها والله قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا،

 

(١) رواه أحمد وقال الهيثمي أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، الفتح الرباني ج ٢٣ ص ٢٤٠.(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٨٠، وصحيح مسلم ج ١٢ ص ١٤، والفتح الرباني ج ٣ ص ٣٩، ومعالم الفتن ج ١ ص ٣٠٣.

(٣) صحيح البخاري ج ١ ص ١٤١، وصحيح مسلم ج ١٥ ص ١٥٩، وكنز العمال ج ١٤ ص ٤١٨.

(٤) صحيح البخاري تفسير سورة الأنبياء ج ٣ ص ١٦٠، وصحيح مسلم ج ١٧ ص ٩٤.

(٥) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٤٢ كتاب الدعوات باب الصراط.

 

١٩١
ولتقاتلنك فاتهب لذلك أهبته) (١) عمر مع النبي، والنبي وأتباعه في حالة حرب مع قريش، والنبي يتأهب لأول مواجهة عسكرية مع قريش، وما قاله عمر تثبيط للنبي وأصحابه عن مواجهة قريش ومدح لقريش وتعصب لها في وقت غير ملائم، ومن الطبيعي أن تسمع قريش بما قاله أبو بكر وعمر، ومن الطبيعي أن قريشا ستشعر بالارتياح لموقف الرجلين وتعاطفهما معها.لما فتح رسول الله مكة أتاه ناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك وإنه لحق بك أرقاؤنا، ليس لهم رغبة في الإسلام، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا. فشاور الرسول أبا بكر في أمرهم فقال صدقوا يا رسول الله! فقال لعمر ما ترى؟ فقال مثل قول أبي بكر! فقال الرسول: (يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضرب رقابكم على الدين) (٢) وأشار إلى الإمام علي بن أبي طالب. هذه المواقف سقناها على سبيل المثال.

وعندما كانت قريش تتفقد قتلاها وجرحاها وأسراها، وتتعرف بدقة على من قتل أو جرح أو أسر أي واحد منهم لتنتقم وتثأر حسب العادة الجاهلية الضاربة الجذور في النفس العربية، كانت زعامة بطون قريش دائما تكتشف أن ذلك النفر لم يلوث يده بقطرة دم واحدة من أبنائها فكان شعورها بالارتياح من ذلك النفر يزداد يوما بعد يوم! كانت زعامة بطون قريش ومن والاها يحقدون على محمد وعلى آله وعلى أتباعه المخلصين ولكنهم لم يكونوا يحقدون على ذلك النفر، بل ولم يكرهوه، وعلى العكس كانوا يحسون بالارتياح والرضا من مواقفه المتعاطفة معهم، ولم

 

(١) مغازي الواقدي ط أكسفورد ج ١ ص ٤٨ – ٤٩، وإمتاع الأسماع للمقريزي ص ٧٤ – ٧٥، ومعالم المدرستين للعسكري ج ١ ص ١٧١.(٢) المستدرك للحاكم ج ٢ ص ١٣٨ ونحوه في صحيح مسلم ج ٤ ص ٢٩٨، وكنز العمال ج ١٣ ص ١٧٤، وآيات الغدير لأبي محمد الكوراني ص ١٦١.

 

١٩٢
كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ١٩٣ – ص ٢١٥)

١٩٣
ولرسوله، والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب) (١) وأكد جابر بن عبد الله الأنصاري وجود هذا المعيار بقوله: (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب) (٢).فأنت تلاحظ أن ذلك النفر يلتقي مع المنافقين بكراهيتهم لولاية علي بن أبي طالب، لم يصرح ذلك النفر أنه كان يبغض علي بن أبي طالب، ولكنه عمليا كان مستعدا لارتكاب أي شئ مقابل إبعاد الإمام علي عن ولاية المسلمين، كان مستعدا لقتل الإمام، وقد هددوه بالقتل فعلا في ما بعد، كان مستعدا لحرق الإمام علي وهو حي وقد شرعوا بحرقه فعلا، كما سنوثق ذلك لكنهم لم يكونوا مستعدين أبدا لقبول ولايته!! ومن يفعل ذلك لا يمكن إلا أن يكون مبغضا للإمام علي وحاقدا عليه، كان المنافقون على علم تام بموقف هذا النفر من ولاية الإمام علي، وكان المنافقون يتابعون بمنتهى الرضا والإعجاب مشاكسات ذلك النفر لرسول الله، ومعارضاته ومزاوداته ومعصيته لرسول الله، وكراهية ذلك النفر لرئاسة آل محمد عامة وللإمام علي خاصة، فظن المنافقون – وبعض الظن إثم – بأن ذلك النفر منهم، لذلك أحب المنافقون ذلك النفر من المهاجرين حبا عظيما!! لقد جمعهم البغض المشترك للإمام علي والكراهية التامة لرئاسته، ولم يصدف طوال التاريخ أن امتنع أي منافق عن بيعة أحد من ذلك النفر، أو أن خرج عليه، أو تلكأ عن طاعته، لقد اعتبر المنافقون أنفسهم من فريق ذلك النفر نفسه، وهذا يفسر استعانة بعض خلفاء النفر بالمنافقين والفجار وإشراكهم في أمرهم (٣) لذلك كان ذلك النفر على ثقة تامة بأن المنافقين عن بكرة أبيهم سيؤيدون مطلب ذلك النفر بالرئاسة من بعد النبي،

 

(١) المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٢٩ وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩، والرياض النضرة للطبري ج ٢ ص ٢١٤.(٢) الاستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٤٦٤، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ١٢٣ وقال رواه الطبراني في الأوسط ورواه البزار.

(٣) كنز العمال ج ٥ ص ٣١ و ٧ وج ٤ ص ٦١٤ وقال رواه ابن شيبة والبيهقي.

 

١٩٤
وسيباركون تجاهل ذلك النفر للترتيبات الإلهية وإبطال مفاعيل سنة الرسول المتعلقة بمن يخلفه بعد موته، وهذا ما غذى أطماع ذلك النفر بالرئاسة من بعد النبي!! والمنافقون لم يكونوا أقلية بل كانوا شريحة كبرى من شرائح المجتمع الإسلامي الجديد، فكانوا مقدسين بين أهل المدينة، ومن حولها، وقد مردوا على النفاق وقويت شوكتهم، ولما استولى ذلك النفر على منصب الخلافة بعد موت النبي، استعان بهم، وتقاسم معهم منافع ملك النبوة!!د – اليهود: كانت علاقة ذلك النفر مع اليهود علاقة ودية أيضا وصفحة ذلك النفر بيضاء مع اليهود، فخلال المعارك التي جرت بين اليهود والمسلمين لم يصدف أن أي واحد من أفراد ذلك النفر قد قتل أو جرح أو أسر أي يهودي!! وأبعد من ذلك فإن بعض أفراد ذلك النفر كان يغشى اليهود في يوم دراستهم طلبا للعلم!! قال اليهود لعمر بن الخطاب يوما (ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا…) (١) لقد قال عمر للرسول شخصيا (إني مررت (بأخ لي) من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال الراوي فتغير وجه رسول الله…) (٢) وقال عمر للرسول يوما: (جوامع من التوراة أخذتها من (أخ لي) من بني زريق فتغير وجه الرسول فقال عبد الله بن زيد لعمر بن الخطاب أمسخ الله عقلك!! ألا ترى الذي بوجه رسول الله!!) (٣).. الخ.

فلماذا تكره الأقلية اليهودية رئاسة هذا النفر بعد موت النبي ستفضل أي واحد من أفراد ذلك النفر على الإمام علي، لأن الإمام عليا هو الذي شتت جمعهم، وهزمهم!! كان ذلك النفر يسعى لحشد تأييد كافة السكان، ليتعاطفوا مع تطلعاته ومخططاته!!

 

 

(١) كنز العمال ج ٣ ص ٣٥٣.(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٤٦٩.

(٣) مجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٤.

 

١٩٥
ه‍ – الأعراب: لقد تمكن ذلك النفر من إقامة علاقة خاصة مع الأعراب، فكانت الأعراب تؤيد تجاهل الترتيبات الإلهية وإبطال مفاعيل السنة النبوية المتعلقة بمن يخلف النبي، وكانت الأعراب تؤيد رئاسة ذلك النفر للأمة بعد موت النبي!! أنظر إلى قول عمر: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر) (١) قال عمر هذا الكلام وهو في سقيفة بني ساعدة، وهو بحاجة ماسة إلى مؤيدين له، فكيف عرف أن هذه القبيلة التي لا تسكن المدينة ستكون من المؤيدين له إن لم تكن هنالك علاقة أو اتفاق مسبق معها!! ثم ما هي مصلحة هذه القبيلة باندفاعها الذي وصل إلى درجة التهور في تأييدها ذلك النفر (٢) قال ابن الأثير (فجاءت أسلم فبايعت) (٣) وروى الطبري: (إن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر) (٤) قال الزبير بن البكار: (فقوي بهم أبو بكر) (٥) قال المفيد: (إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة) (٦) لقد حسمت الأعراب الموقف، وأجبرت المترددين على الاعتراف بالأمر الواقع وزفت أبا بكر زفا إلى مسجد رسول الله… فصعد على منبر رسول الله فبايعه الناس وشغلوا عن دفن الرسول حتى كانت ليلة الثلاثاء (٧) فهل كان وجود الأعراب، وتأييدهم، وزفهم لأبي بكر، وقول عمر: (ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر) وليد الصدفة أم ثمرة تخطيط واتفاق مسبق!!٣ – طبيعة العلاقات الخاصة بين أفراد ذلك النفر: ارتبط أفراد ذلك

 

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٥٨ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٤٣.(٢) المصدر السابق.

(٣) ابن الأثير ج ٢ ص ٢٢٤.

(٤) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٥٨ وط أوروبا ج ١ ص ١٨٤٣.

(٥) شرح النهج ج ٦ ص ٢٨٧.

(٦) الجمل للمفيد ص ٤٣.

(٧) الموفقيات ص ٥٧٨، والرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٦٤، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٨٨، والمراجعات ج ١ ص ١٦٩.

 

١٩٦
النفر بعضهم ببعض بعلاقات قديمة جدا تعود لتاريخ اعتناقهم الإسلام، كانت مواقف أفراد ذلك النفر متشابهة، كانوا يحرصون على أن يكون لهم موقف موحد أمام رسول الله، وبعد موت النبي كانت لهم المواقف عينها من وليه وابن عمه الإمام علي، كانت مواقف أولادهم وبناتهم متشابهة، كانوا بمثابة الفريق الواحد كان أبو بكر وعمر وجهان لشئ واحد، وكانت عائشة وحفصة بمثابة الفريق الواحد في تعاملهما مع الرسول أنظر إلى قوله تعالى: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه) (١) قال عمر بن الخطاب في ما بعد: إن اللتين تظاهرتا على رسول الله هما: (حفصة ابنة عمر وعائشة ابنة أبي بكر) (٢) ولهما ضرب الله مثلا (امرأة نوح وامرأة لوط) (٣) وكانتا تكرهان ولاية الإمام علي، وعندما بايع الناس الإمام عليا، قادت عائشة بنفسها جيشا وخرجت عليه، وامتنع عبد الله بن عمر من بيعة الإمام ووقف ابن أبي بكر مع معاوية وقاتل الإمام!! لقد كان الفريق متماسكا أسرويا وحول الهدف، كان معنيا بالوصول إلى ما يهدف إليه، وبإثبات قوته، وإرغام أنوف خصومه كانوا يتوزعون الأدوار بشكل محكم، ويحصلون على نتائج متفق عليها سلفا، عندما ذهبوا إلى سقيفة بني ساعدة لم يخبروا أحدا من أولياء أهل بيت النبوة، ولم يذهبوا جميعا إنما ذهب قسم منهم، في داخل السقيفة أراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر، قال عمر: (والله ما ترك من كلمة أعجبتني إلا قال مثلها قال أبو بكر وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فأخذ بيد عمر وبيد أبي عبيدة قال عمر: (فارتفعت الأصوات وكثر اللغط وفرقت من الاختلاف فقلت أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته…) (٤) وكان عمر يومئذ متحجرا يهرول بين يدي أبي بكر ويقول: 

 

(١) سورة التحريم، الآية ٤.(٢) راجع تفسير هذه الآية في صحيح البخاري ج ٣ ص ١٣٦ – ١٣٧.

(٣) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٠٢، وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٢٥٥.

(٤) ملخص ما ذكره الطبري في ذكره الحوادث بعد وفاة الرسول، وراجع سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٣٦.

 

١٩٧
(ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر) (١) وقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوا، وقام سعد بن أبي وقاص ومن معه من بني زهرة فبايعوا.. (٢) وقبل أن يتوفى أبو بكر، دعا عثمان ليكتب له عهده فكتب عثمان اسم عمر، ولما أفاق أبو بكر من غيبوبته ورأى ما كتب عثمان قال له: (لو كتبت نفسك لكنت أهلا لها) (٣) ولما مات أبو عبيدة وقع اختيار ذلك النفر على عثمان ليكون الخليفة الثالث بعد عمر لأنه أول زعيم من زعماء المهاجرين قد بايع أبا بكر، وتبعا لبيعته بايع الأمويون، ولم يذكر أن عثمان قد خالف أبا بكر أو عمر خلال حياتهما بأي وقت من الأوقات، لذلك كان موضع ثقة أبي بكر وعمر فكان الناس إذا أرادوا أن يسألوا عمر عن شئ رموه بعثمان أو بعد الرحمن بن عوف وكان عثمان يدعى في إمارة عمر بالرديف والرديف بلسان العرب الرجل الذي يأتي بعد الرجل والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم (٤) ومن يدقق في وصية عمر وعهده للستة يتيقن أنه قد عهد عمليا لعثمان وأن إشراك الآخرين معه كان مجرد ديكور ليس إلا، وكان هدف عمر من تسمية أصحاب الشورى هو تكثير المنافسين للإمام علي، ووضع العوائق بين الإمام وبين حقه بالخلافة، فإذا مات عثمان فإن الآخرين من أصحاب الشورى سينافسون الإمام عليا بحجة أن عمر جعلهم مثل علي من أصحاب الشورى، وإذا مات الستة فإن أولاد الخمسة سينافسون أولاد الإمام علي!! ولنفترض بأن الإمام عليا قد غلب من تبقى من أصحاب الشورى، فقد أوجد عمر منافسا قويا احتياطيا للإمام علي وهو معاوية الذي أعده لهذه الغاية، وكشف عمر بن الخطاب عن هذا المنافس بقوله لأصحاب الشورى: (إذا اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان 

(١) كتاب السقيفة للجوهري شرح النهج ج ١ ص ١٣٣.(٢) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١١.

(٣) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٢٨، وسيرة عمر لابن الجوزي ص ٣٧، وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٨٥.

(٤) نظام الحكم للقاسمي ص ٤١٩ كما نقلها عن الطبري من ابتداء معركة القادسية.

 

١٩٨
من الشام) (١) لقد أدخل عمر الإمام عليا مع أهل الشورى استخفافا بمقام الإمام علي وجحودا بحقه، فأبو بكر وعمر وعثمان وبقية ذلك النفر يعلمون علم اليقين أن رسول الله قد نصب الإمام عليا إماما من بعده، وأن ذلك النفر قد بايع الإمام عليا وهنأه بحضور الرسول (٢)، ثم إن الإمام عليا قد واجه أبا بكر وواجه عمر عندما طلبا منه البيعة فقال لهما: (… أنتم أولى بالبيعة لي) فإذا كان الإمام علي يرى بأنه أولى بالخلافة من الأول ومن الثاني فكيف يحشر مع تلك النظائر!! من خلال هذه النصوص التي تعكس صورا متحركة يتبين لنا أن هذا النفر قد تصرف كفريق متلاحم حتى استولى على منصب الخلافة، وبقي على تلاحمه وعلى إخلاصه للأهداف التي التف حولها قبل استيلائه على منصب الخلافة وبعد استيلائه عليها قويت شوكته واتسع نفوذه، وصار مصير الأمة بيده!!٤ – الاستهانة بسنة الرسول: طبيعة نظرة ذلك النفر للرسول الأعظم، جعلته يستهين بسنته، ولا يثق بكل ما يقوله الرسول أو يفعله أو يقرره!! أو كانوا لا يصدقون بأن كل سنة الرسول من عند الله!! وبشكل أو بآخر أقنع أفراد ذلك النفر أنفسهم بأن الرسول بشر مثلهم يخطئ ويصيب!! وأن ليس كل ما يقوله صحيحا، وبالتالي فلا ينبغي أن يحمل كل شئ يقوله الرسول على محمل الجد!!

أنظر إلى قولهم لعبد الله بن عمرو بن العاص متعجبين من شناعة فعله لأنه كان يكتب كل شئ سمعه من رسول الله (… وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ورسول الله بشر!! يتكلم في الغضب والرضا!!) (٣)

 

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٥٣٥.(٢) وثقنا هذه الناحية توثيقا كافيا راجع ذلك تحت عنوان وقائع حفل تنصيب وتتويج من يخلف الرسول بعد موته.

(٣) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٢ ص ٢٠٧.

 

١٩٩
وكلامهم من الوضوح بحيث يكشف أن ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا حسب زعمهم!! وقد روجوا هذه الشائعة الباطلة وكان لها أثر على الناس حتى أثناء حياة الرسول فها هو أحد الصحابة يقول للرسول: (أكتب كل ما أسمع منك؟) فيجيبه الرسول قائلا: (نعم)، فيقول الصحابي: (قلت للرسول بالرضا والغضب؟!) قال الرسول: (نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا..!!) (١) ومع هذا لم يقنع ذلك النفر بتأكيد الرسول!! بل بقي ذلك النفر على قناعته بأن ليس كل ما يقوله الرسول أو يفعله صحيحا!!وتوصلوا إلى وهم مفاده أنهم وحدهم الذين يعرفون ما هو الصحيح من أقوال الرسول وأفعاله وما هو الخطأ!! وما هو من عند الله، وما هو من عند رسول الله شخصيا!!

فقد اعتبروا أن أمر الرسول بقتل المنافق ذي الثدية، أمر غير صائب، لذلك امتنعوا عن تنفيذه!! (٢) وكرر الرسول أمره بقتل ذلك المارق، وعلله، ولكنهم امتنعوا عن تنفيذ أمر الرسول (٣) لاقتناعهم بأن أمر الرسول بالقتل غير صائب، وقتل هذا المارق غير جائز!!!

لقد أمر الرسول أسامة بن زيد، على جيش (٤) وحث المسلمين على الخروج معه، إلا أن ذلك النفر قد رأى أنه ليس من المناسب أن يتأمر أسامة الفتى على شيوخ من المهاجرين والأنصار لذلك طعنوا بتأمير الرسول لأسامة، ونجحوا في تثبيط المسلمين عن الخروج في جيش أسامة، ومع أن

 

(١) سنن أبي داود ج ٢ ص ١٢٦، وسنن الدارمي ج ١ ص ١٢٥ ومسند أحمد ج ٢ ص ١٦٢ و ٢٠٧ و ٢١٦، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١٠٥.(٢) الإصابة لابن حجر ج ١ ص ٤٨٤، وحلية الأولياء ج ٢ ص ٣١٧، وتاريخ ابن كثير ج ٧ ص ٩٨، والنص والاجتهاد للعاملي ص ٩٤.

(٣) النص والاجتهاد ص ٩٤.

(٤) المغازي للواقدي ج ٣ ص ١١١٧، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧، والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٩٠.

 

شاهد أيضاً

قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

الدرس السابع عشر: تفسير سورة الجمعة     أهداف الدرس على المتعلّم مع نهاية هذا ...