الرئيسية / الاسلام والحياة / أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها

أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٤٠١ – ٤٢٠

كتاب أين سنة الرسول ؟!! للمحامي أحمد حسين يعقوب (ص ٤٠١ – ص ٤٢٦)

٤٠١
بالمعنى الذي يقصده علماء دولة الخلافة!! فإن كانوا عدولا فعلى من كانت تقام الحدود وهل الذين سرقوا وزنوا وقذفوا المحصنات الغافلات، والذين آذوا رسول الله، ونادوه من وراء الحجرات… الخ كانوا أشباحا أم من عداد أفراد الشعب ومواطني دولة النبي!! فكيف يكون السارق والزاني وقاذف المحصنات من العدول وقد ارتكبوا جرائم في شرع الله!! الله سبحانه وتعالى يشهد بأن الذين ينادون رسول الله من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، وعلماء دولة الخلفاء يصفونهم بأنهم عدول ولا يجوز عليهم الخطأ!! الله سبحانه وتعالى يشهد على فئة من مواطني دولة النبي بقوله:(وما هم بمؤمنين… يخادعون الله والذين ءامنوا… وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم… ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون… ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون (٥٦)… ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن…

فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (٧٦) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه… ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين (٧)) فهل عنى الله سبحانه وتعالى أشباحا أم عنى مسلمين وكائنات حية، وأعضاء في المجتمع الإسلامي!!! سيقول علماء دولة الخلافة إن الله قد عنى المنافقين. في وقت من الأوقات الرسول نفسه لم يعرف المنافقين (لا تعلمهم نحن نعلمهم) ابن أبي هو المنافق الوحيد المعروف للجميع، لقد كان المنافقون شريعة كبرى من شرائع المجتمع، فهل وضع رسول الله ” يافطة ” لكل واحد منهم، هل منعهم من دخول المسجد، وهل منعهم من الخروج معه، هل كان يقول لكل منافق أنت منافق،!! لقد كانوا مندسين في المجتمع كالمرض الوبيل، وكانوا يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون الكفر والفسوق والعصيان، ومع هذا كانوا يحملون الهوية أو الجواز الإسلامي، ومات الرسول وهم على هذه الحالة، لست أدري من الذي أعطى علماء دولة الخلافة صلاحية إعطاء هذه الشريحة صفة

٤٠٢
العدول!! ومن الذي خولهم بأن يعلنوا بلسان الحق أن هذه الشريحة من أهل الجنة!! ومن الذي أهل العلماء ليجعلوا لكل فرد من أفراد هذه الشريحة سنته الخاصة به وعلى أي أساس استندوا عندما فوضوا المسلمين بأن يأخذوا دينهم عن أي فرد من أفراد تلك الشريحة!! ثم من الذي أعطاهم صلاحية هدم الفوارق بين الصادقين والكاذبين، لو أن علماء دولة الخلافة قد قالوا بأن صحابة رسول الله المخلصين هم أفضل من سار على وجه الأرض في زمانهم لكان العلماء على الحق في ما قالوا، ولو أنهم كلفوا المسلمين بالدعاء في كل الأوقات لأصحاب الرسول الصادقين لكانوا على الحق أيضا، أما أن يعدلوا شعبا كاملا ومواطني دولة، ويدخلوهم الجنة بسبب رؤيتهم للرسول فهذا ما لا نرضاه لعلماء دولة الخلافة، ولا نرضاه لديننا الحنيف، ولا يقره عقل سليم نتمنى على علماء دولة الخلاة أن يعبدوا النظر بأحكامهم المتعلقة بهذه النظرية، فإن أبوا، فإن حكمهم شئ، وحكم الله ورسوله شئ آخر، والمسلم ملزم باتباع الله ورسوله وغير ملزم باتباع أي عالم أو مجموعة من العلماء في رأي يرونه!ولم يقف علماء دولة الخلافة عند الحدود السابقة، بل أصدروا أحكاما أخرى مفادها، أن الصحابة كلهم قد كانوا على الحق بحروبهم الدامية التي جرت بينهم، وأنهم جميعا في الجنة، وأنهم جميعا مأجورون!!

فالإمام علي بن أبي طالب الخليفة الشرعي مأجور وفي الجنة، ومعاوية بن أبي سفيان الخارج عن طاعته مأجور وفي الجنة أيضا!! والإمام الحسين وأحفاد النبي وحفيداته، وأبناء عمومته الذين ذبحوا في كربلاء كما تذبح الأضاحي مأجورون وفي الجنة، ويزيد بن معاوية وقادة جيشه الذين ارتكبوا المذبحة مأجورون أيضا وفي الجنة بحجة أنهم صحابة ومجتهدون (١) لقد دخل علماء دولة الخلافة في مواجهة مكشوفة مع الفطرة والعقل، وفي

 

(١) راجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية. 

٤٠٣
صدام واضح مع روح الدين!! لقد تركوا قواعد الدين ومبادئه كلها، واختصروا الإسلام في جملة واحدة ” المجتهد مأجور أصاب أم أخطأ ” وهل في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق اجتهاد!! وهل في الإسلام إلا حق واحد؟ وهل فيه غير صراط واحد وهو صراط الله المستقيم!! وهل له غير شرع واحد!! وهل سمعتم في حياتكم أن شريعة من الشرائع السماوية أو الوضعية قد ساوت بين الجاني والضحية!!لقد جانب علماء دولة الخلافة الصواب يوم أفتوا بأخذ سنة الرسول من كل واحد من مواطني دولة الرسول بحجة أنهم جميعا قد تشرفوا بمشاهدة رسول الله فصاروا صحابة!! كما جانبوا الصواب يوم هدموا الفوارق بين طبقات الصحابة وساووا بين الأول والأخير، والعالم والجاهل، والقاعد والمجاهد، ومن وقف مع الرسول كمن وقف ضده!! لقد فتحوا على الإسلام وعلى رسول الله أبوابا كانت مغلقة، لقد أتاحوا الفرصة أمام الجاني ينكل بضحيته، ويسخر منها، وأعطوا المبطل والمعتدي الحق ليجني ثمرة عدوانه وباطله.

٥ – كان بإمكان علماء دولة الخلافة أن يستفيدوا من سيرة الرسول العملية وأن يستخرجوا منها موازين دقيقة، لكن أغلبية أولئك العلماء قد تجاهلوا سيرة الرسول تجاهلا تاما، وتجاهلوا واقعتي: بناء دولة النبي، ومسيرة الدعوة، كما تجاهلوا إسهامات الصحابة الكرام في بناء الدولة، ومسيرة الدعوة، ومواقف الناس من هاتين الواقعتين، فالإسهامات والمواقف معايير موضوعية، فالذين لازموا الرسول، وبنوا الدولة على أكتافهم، وفدوا الدعوة بأرواحهم، وعرفوا الإسلام نصا نصا بطول ملازمتهم للرسول هم وحدهم الذين يعرفون سنة الرسول، وهم وحدهم المؤتمنون عليها باستثناء القليل، فإن علماء دولة الخلافة لم يبذلوا أي جهد يذكر للاستفادة من علوم وخبرة ذلك النفر الصادق من الصحابة الذين

٤٠٤
أسهموا إسهامات عظيمة في بناء الدولة ومسيرة الدعوة أين سعد بن عبادة!!أين المقداد بن عمرو، أين الحباب بن المنذر، أين عمار بن ياسر، أين أبو ذر الغفاري!! ما لهم قد اختفوا بعد موت الرسول!! ما لو سائل أعلام الدولة قد تجاهلت وجودهم تماما!! لماذا طاردتهم الدولة!!! ولماذا تجاهل العلماء وجودهم وشهاداتهم، وخبرتهم بسنة الرسول.

٦ – إن المشكلة ما زالت قائمة وأن علماء دولة الخلفاء لا يعلمون على وجه اليقين ما قاله الرسول مما تقوله الرواة عليه، وهم يعلنون بكل صراحة لحد الآن بأنهم يتبعون ” ما يغلب الظن على صدقه ” وأن الظن لا يغني من الحق شيئا، وكل ما جمعه العلماء موجود، ومحفوظ في الكتب، الصحيح منه برأيهم وغير الصحيح حسب رأيهم!!

لقد فشلت الموازين التي أوجدها علماء دولة الخلافة، فحديث خلق الله السموات والأرض في سبعة أيام صحيح حسب كل موازين علماء دولة الخلافة فقد قال أبو هريرة بأن الرسول قد أخذ بيده وقاله له! وإسناده من أوله إلى آخره صحيح حسب موازينهم، ورجاله كلهم ثقات حسب موازينهم، وأبو هريرة صحابي ومن العدول حسب تلك الموازين، ومن المحال عقلا أن يكذب على رسول الله؟ حسب الموازين الله سبحانه وتعالى يؤكد في أكثر من آية محكمة أنه قد خلق السموات والأرض في ستة أيام والرسول لا ينطق عن الهوى، بل يتبع ما يوحى إليه من ربه، فمن نصدق حسب رأيكم هل نصدق القرآن أن نصدق موازينكم!! وهل يعقل أن يناقض الوحي نفسه!! ومعنى ذلك أن الخلل يكمن في الموازين لا في الدين!!

وأن الخلل ما زال موجودا ماذا يغير علماء دولة الخلفاء اليوم لو حملوا مشكلتهم، وطرحوا سؤالهم من جديد على أهل بيت النبوة!! أيها السادة لا داعي للخوف إن معاوية ميت فلن يعاقبكم ولن يقطع عنكم العطاء!! أيها السادة إن الخلفاء في ذمة الله، أنتم أحرار الآن!! نبيكم يذكركم بحديث

٤٠٥
الثقلين الذي لا تنكرونه، وأهل بيت النبوة كبار لهم القدرة على أن يسامحوكم، وعندهم الاستعداد ليجيبوا على كل أسئلتكم، فهم وحدهم الذين يملكون سنة الرسول الصحيحة وهم وحدهم الذين يميزون على وجه اليقين بين ما قاله الرسول وما تقوله الناس عليه وهم وحدهم المؤهلون لبيان القرآن بيانا قائما على الجزم واليقين (لا يمسه إلا المطهرون) إنكم تعتقدون أن المس يعني الملامسة والمسك!! بإمكان مشرك نجس أن يشتري نسخة من القرآن وأن يحملها في شوارع المدينة، بإمكان يهودي أو نصراني أن يفعل ذلك!! المس المقصود في الآية هو البيان، والمطهرون هم أهل بيت النبوة، وهي تعني أنه لا يفهم بيان القرآن فهما يقينيا إلا أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!! أيها السادة ما هي العداوة بينكم وبين أهل بيت النبوة!! نحن نتبع محمد بن عبد الوهاب، والبناء، والنبهاني والعلماء الأفذاذ، وهم يتبعون رسول الله وسيرة السلف الصالح!! لا بأس أيها السادة، إنها لا تعمى الأبصار، لكنها تعمى القلوب التي في الصدور، انتظروا إنا منتظرون!!! 

لقد خربوا سنة رسول الله فلم تعد تدري أيا من أي!!!

١ – وضع الخلفاء الثلاثة الأول الذين منعوا رواية وكتابة الأحاديث النبوية (١) من اجتهاداتهم الخاصة المبادئ العامة لمنظومة حقوقية متكاملة وجديدة وقفت على قدم المساواة مع المنظومة الحقوقية الإلهية، بل ورجحت عليها عند التضارب بين أحكام المنظومتين!! فإذا أوجد الخلفاء من اجتهاداتهم حكما لواقعة من الوقائع، كان الرسول قد بين لها حكما آخر، فإن الذي يطبق هو الحكم الذي وضعه أو ارتآه الخلفاء، ومن

 

(١) اقتبسنا هذا الفصل من كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية. 

٤٠٦
الطبيعي أن يحتج أهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة العارفة بالأحكام الشرعية، فكان أولياء الخلفاء يختلفون أحاديث على رسول الله فيتقربون بهذه الأحاديث المختلقة إلى الخلفاء وفي الوقت نفسه يبررون ويدعمون اجتهادات الخلفاء، وبما أن دولة الخلافة هي المسيطرة على وسائل الإعلام والمناهج التربوية والتعليمية، فقد كانت تجيز هذه الاختلافات وتظهرها بمظهر الأحاديث الصحيحة وتعتمدها وساعدهم على ذلك تفشي نظرية عدالة كل الصحابة، فالذين اختلقوا هذه الأحاديث كانوا قد شاهدوا الرسول وهذه المشاهدة كافية لتجعلهم عدولا، ولتضفي عل كل ما يصدر منهم طابع الصدق والصواب!! أما الأحاديث المناقضة لاجتهادات الخلفاء فقد كان يعتم عليها تعتيما تاما، يتم تجاهلها بالكامل، وإن ظهرت رغم ذلك، فقد كان يتم تداولها سرا وبخوف، أما علنا فهي موضع شك لأنها مخالفة لرأي الدولة.٢ – لما استولى معاوية على منصب الخلافة أصدر سلسلة من المراسم، الملكية وعممها على كافة الولاة والعمال في كل مكان من أرجاء مملكته في نسخة واحدة وطلب منهم تنفيذها بدقة تامة، جاء في أحدها أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة، وجاء في آخر ” لا تدعوا شيئا يروي في فضل أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ” (١) وأمر الناس أن يروي في فضل عثمان، ثم في فضل أبي بكر، ثم في فضل عمر، ثم في فضل الصحابة مجتمعين ومتفردين باستثناء علي بن أبي طالب ومن والاه ووعد الرواة بجوائز سنية، وأعطوا بالفعل عطايا تفوق حدي التصور والتصديق!! فانبجست الأرض فجأة عن آلاف الرواة وفاضت الدنيا بالروايات، التي تمدح الخلفاء ومن والاهم، وتذم أهل

 

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣ ص ٥٩٥ و ٥٩٦ تحقيق حسن تميم نقلا عن كتاب الأحداث للمدائني. 

٤٠٧
بيت النبوة وعلي بن أبي طالب خاصة ومن والاهم أو وبتعبير أدق، تمجد دولة الخلافة، وتبرر أفعال الخلفاء ومساعديهم، وتضفي عليهم طابع القداسة التامة، وتذم أعداءهم، وتظهرهم بمظهر المارقين الشاقين لعصا الطاعة، المفرقين للجماعة وتهبط بمنزلة علي بن أبي طالب إلى مستوى الحضيض، وتلغي بالكامل مكانة أهل بيت النبوة، وتتجاهل وجودهم تجاهلا تاما فتؤخرهم وتقدم الجميع عليهم، ولما تحقق لمعاوية ما أراد، وجمع هذا الكم الهائل من المرويات الكاذبة، فرض على العامة والخاصة تعلم هذه الروايات وحفظها، وجعلها المادة الأساسية في الكتاتيب والمعاهد والجامعات!!!” قال المدائني في كتابه ” الأحداث “: ” كتب معاوية إلى عماله بعد عام ” الجماعة ” أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيت النبوة.

وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه، في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه، وشفعه، فلبثوا في ذلك حينا، ثم كتب إلى عماله ” إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خيرا يرويه واحد من المسلمين في أبي تراب إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة!! فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله “، فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة،

٤٠٨
مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري في هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا في ذلك ما شاء الله، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء، والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والتمسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به المال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها، ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولما تدينوا بها ” انتهى النص الحرفي لما ذكره المدائني كما روى ابن أبي الحديد ” (١) قال ابن نفطويه وهو من كبار المحدثين وأئمة الجرح والتعديل بأن أكثر الأحاديث التي وضعت في فضائل الصحابة مفتعلة، وكان القصد منها إرغام أنوف بني هاشم (٢).وخلال هذه الفترة سب معاوية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمر الناس جميعا بشتمه ولعنه، وجعل ذلك سنة يجهر بها على منابر المسلمين في كل عيد وجمعة، وما زال الخطباء في جميع أنحاء البلاد تعد تلك المنكرة جزءا من خطبة الجمعة والعيدين حتى عام ٩٩ ه‍، عندما أزال هذه المنكرة عمر بن عبد العزيز وتلك حقيقة متواترة (٣).

 

 

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٥، وفجر الإسلام لأحمد أمين ص ٢٧٥، ومعالم المدرستين للعسكري ج ٢ ص ٥٣.(٢) شرح النهج تحقيق حسن تميم ج ٣ ص ٥٩٥ و ٥٩٧.

(٣) العقد الفريد ج ٢ ص ٣٠١، وأسد الغابة ج ١ ص ١٣٤، والإصابة ج ١ ص ٧٧، والغدير للأميني ج ١ ص ٢٦٠ و ٢٦٥ وج ٨ ص ١٦٤ و ١٦٧، والمحلى لابن حزم ج ٥ ص ٨٦.

 

٤٠٩
قال شيخ المعتزلة أبو جعفر الإسكافي: ” إن معاوية حمل قوما على الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب بمثله، فاختلفوا له ما أرضاه ” (١) منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير “. 

نماذج من الأحاديث التي وضعت لإرضاء معاوية!!

١ – قال عمرو بن العاص ” سمعت رسول الله يقول: ” إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ” أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

٢ – قال أبو هريرة: ” يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت رسول الله يقول: ” إن لكل نبي حرم، وأن المدينة حرمي، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ” ثم قال وأشهد بأن عليا قد أحدث فيها!!

فلما بلغ معاوية هذا الحديث أجاز أبا هريرة وأكرمه وولاه إمارة المدينة ” (٢).

٣ – قال الزهري، حدثني عروة بن الزبير، قال حدثني عائشة قالت:

” كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي فقال الرسول يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال غير ديني “.

هذه الأحاديث وأمثالها من التي رويت لإرضاء معاوية، ولتبرير أفاعيله ساقطة بكل المعايير، لأنها تتناقض مع مئات الأحاديث النبوية الصحيحة

 

(١) شرح النهج ج ١ ص ٣٥٨ باب شرح قول أمير المؤمنين ” أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رجب البلعوم… “.(٢) شرح النهج ج ٤ ص ٦٣ – ٧٣، وشيخ المضيرة أبو هريرة ص ٢٣٦.

 

٤١٠
المتواترة، التي صرح بها النبي الأعظم أمام الآلاف من المسلمين، ولأنها تتناقض مع واقع الحال، ومع تاريخ الإسلام فأبو طالب هو الذي حمى الدعوة والداعية قبل الهجرة وعلي هو فارس الإسلام وحامل راية الرسول في كل المواقع، وهو أخوه ووليه، ووالد سبطيه وزوج ابنته، وهو الذي ركع العرب بسيفه ورمحه، ثم إن معاوية، وعمر وعروة وأمثالهم موتورون وحاقدون على الإمام علي وأهل بيته، لأنهم قتلوا إخوانهم وأخوالهم، وعمومتهم في بدر، فضلا عن ذلك فإن معاوية نفسه طليق ومن المؤلفة قلوبهم، ومن أعداء الله الذين حاربوا الله ورسوله في كل المواقع وقد أسلم لما أحيط به، كذلك فإن عمرو ابن العاص من حديثي العهد بالإسلام فقد أسلم بعد صلح الحديبية، أما عروة فعلاوة على أنه موتور وحاسد، فهو مغامر، يريد السلطة والجاه والنفوذ، وقد أدرك أن كراهية أهل بيت النبوة عامة وعلي بن أبي طالب خاصة هي الطريق الأسرع لتحقيق ما يريد.والخلاصة أن هذه الأحاديث التي وضعت في عهد معاوية خاصة، كان القصد منها خلط الحابل بالنابل، والحق بالباطل، وطمس معالم الشريعة الإلهية خاصة الأحكام التي عالجت نظام الحكم في الإسلام، والقضاء التام على تميز صاحب الحق الشرعي علي بن أبي طالب وتميز أهل بيت النبوة وهدم مراتبهم العلية، حتى لا تقوم لهم قائمة، فيصفو وجه الخلافة له ولذريته خاصة وللأمويين عامة.

٣ – وعندما رفعت الدولة الحظر عن رواية وكتابنا الأحاديث النبوية في المجالات الأخرى بعد مائة عام من منع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، هب العلماء للبحث عن سنة الرسول بين الأنقاض!! فوجدوا أنفسهم أمام هذه السيول المتدفقة من المرويات الكاذبة، والتي تتبعها الدولة وشهدت بصحتها، والتي اقتنع بها العامة بمرور الوقت وتدينوا بها، ولم يكن بوسع أحد من الخاصة أن يطعن بمثل تلك الأحاديث، لأن الطعن بها سيفسر بأنه

٤١١
طعن بالدولة التي شهدت بصحتها، وطعن بالرواة، وبما أن رواتها صحابة فإن الطعن بهم هو طعن مباشر بالدين الحنيف، فاضطر العلماء أو الرواة الجدد الذين انطلقوا بالفعل للبحث عن حديث الرسول وجمعه، اضطروا أن يعتبروا هذه المرويات الموضوعة والمختلفة صحيحة، لأنها صحيحة من حيث الشكل، وهكذا شهد العلماء والرواة المستقلون ضمنا بصحة تلك الأحاديث الموضوعة، فاعتبروها من المسلمات، أو من الحقائق الواقعية التي لا يمكن القفز عنها!!لذلك أخذوا يبنون فوقها، ويضيقون عليها، ويستشهدون بها، بل صارت المرويات الكاذبة التي افتعلت في زمن بني أمية أقرب إلى الصحة شكلا من المرويات اللاحقة، فعمرو بن العاص مثلا كان يقول سمعت رسول الله يقول، وما أن يتم عمرو جملته حتى تتلقفها وسائل إعلام الدولة فتنشرها على الرعية بكل وسائل النشر والإعلان، لأن عمرو بن العاص من أركان دولة معاوية، وفي الوقت نفسه صحابي شاهد الرسول وجالسه وهو بحسب نظرية عدالة الصحابة صادق مصدق يمتنع عليه الكذب أو الغلط!!

وعندما رفعت الدولة الحظر عن رواية وكتابة الأحاديث النبوية بعد مائة عام من حظرها وبسبب الفارق الزمني، اضطر المعنيون بجمع الحديث إلى القول ” حدثنا فلان، قال حدثنا علان، قال حدثنا زيد، قال حدثنا زيدان قال حدثنا عمرو بن العاص أنه قال سمعت رسول الله… “.

ولأن الأكثرية الساحقة من الرعية قد اقتنعت بصحة المرويات الكاذبة التي اختلقها الأمويون وأشياعهم، فقد وضعوا تحت تصرف الباحثين الجدد عن حديث رسول الله كافة تلك المرويات التي ورثوها، جيلا بعد جيل، فترسخ الكذب، وألبس ثوب الصدق!! فصار من حيث الشكل صدقا، وفق كل المعابير التي وضعها العلماء الباحثون عن حديث الرسول لضبط عملية نقل الحديث وروايته لذلك انطلقوا منها، وبنوا فوقها، لأنها مدعومة من

٤١٢
الدولة، ومسلم بصحتها شعيبا!! وساعدهم على ذلك أنهم قد اعتمدوا المعايير التي وضعها معاوية وشيعته لنظرية عدالة كل الصحابة!! فآمنوا كما آمن معاوية بأن كل صحابي على الإطلاق صادق يمتنع عليه الكذب والغلط، باستثناء علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة، ومنجهر بولائه لهم أو عرف بهذا الولاء!!فتداول الناس المرويات التي اختلقها الأمويون، والمرويات التي تمخض عنها جهد العلماء الباحثين فعلا عن حديث رسول الله، واعتبروا المجموعتين أجزاء من منظومة أو مجموعة واحدة، أو وجوها متعددة لشئ واحد، وتجاوزت مرويات هذه المجموعة الملايين، وكلها من حيث الشكل مروية بطريقة مقبولة وأدرك البعض أنه من المستحيل عقلا أن تصدر كل هذه المرويات عن رسول الله!! خاصة، وأن بعضها يناقض بعض!!

وكان من المتعذر عليهم أن يجهروا بهذه القناعة الخفية خوفا من العامة، لذلك رأى البعض أن من الأنسب اختيار كميات محدودة من هذه الملايين، وجمعها بمجموعات خاصة، ووضعها تحت تصرف المسلمين، وأعمالا لهذه الرؤية، وضعت كتب الحديث التي سماها أصحابها أو عرفت عند العامة… بالصحاح وبرزت من هذه المجموعات ” الصحاح الستة ” وكان لجامع كل صحيح أسلوبه الخاص باختيار رجاله، ومروياته وتبويب كتابة، وظهرت المسانيد، والسنن، وهي كلها عبارة عن كتب حديث مختارة من المجموعة الكبرى التي أشرنا إليها قبل قليل.

والخط العام الذي انتهجه أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن، هو خط دولة الخلافة، والرواة كلهم على الأغلب من الموالين لها، ومن الذين أشربوا ثقافتها ولا عبرة بسابقة الرواة للإسلام أو حداثتهم فيه، ولا لعلمهم في الدين أو جهلهم فيه، ولا لجهادهم أو قعودهم، فأبو هريرة الذي لا يعرف على وجه التحقيق اسمه الحقيقي لم يصحب النبي أكثر من سنتين

٤١٣
ومع هذا يروون عنه ٥٣٧٤ حديثا روى منها البخاري ٤٤٦ حديثا، وهذه الأرقام المذهلة تشكل أضعافا مضاعفة للأحاديث التي رويت عن أصحاب بيعة الرضوان مجتمعين وهم يربون على ١٤٠٠ صحابي!! والعلة في ذلك بأن أبا هريرة كان من المؤيدين لبني أمية عامة ولمعاوية بن أبي سفيان خاصة، فكان يضع أحاديث على رسول الله في مدح معاوية والأمويين، ويضع أحاديث في ذم علي بن أبي طالب وأهل بيت النبوة!! وكان يسمع الإسرائيليات من كعب الأحبار، وحتى يضفي على هذه الإسرائيليات طابع الأهمية، ويضمن لها الرواج فقد كان يدعي بأنه قد سمعها عن رسول الله!! ” (١).وأحيانا كان الخليفة يجتهد اجتهادا ما في أي أمر من الأمور العامة أو الخاصة، فيقال صدقا أو كذبا أن اجتهاد هذا الخليفة أو ذاك مخالف للشرع الحنيف، عندئذ يخرج من بين المجموع الموالية من يتبرع بوضع الحديث على رسول الله ليبرر اجتهاد الخليفة، وليثبت التزام الخليفة بالشرع، فيروي المؤمنون الصادقون أحاديث صحيحة سمعوها بالفعل من رسول الله، ويعبرون عن دهشتهم واستنكارهم للأحاديث الموضوعة في هذا المجال أو ذاك!! ولكن في النتيجة تقف الأحاديث الموضوعة على رسول الله جنبا إلى جنب مع الأحاديث الصادرة بالفعل عن رسول الله، ولأن الأحاديث الموضوعة تخدم الدولة وتوجهاتها، والأحاديث الصحيحة تتعارض مع توجهات الدولة، فإن الدولة بما لها من نفوذ وقدرة إعلامية تسلط الأضواء على الأحاديث المكذوبة، وتظهرها بمظهر الصحيحة، وتعتم على الأحاديث الصادرة بالفعل عن رسول الله، وتحيطها بالشكوك، ومن الأمثلة على ذلك متعة الحج ومتعة النساء، ومنع رواية وكتابة الأحاديث النبوية، فقد رويت أحاديث تحرم متعة الحج ومتعة النساء، كما تحرم كتابة ورواية

 

(١) راجع كتاب ” شيخ المضيرة أبو هريرة ” وكتاب أضواء على السنة النبوية للشيخ محمود أبو ريا. 

٤١٤
الأحاديث النبوية، كما رويت أحاديث تحلل المتعتين، وتحض على كتابة ورواية الأحاديث النبوية، ولأن الموجة الأولى من هذه الأحاديث تتفق مع سياسة الدولة وعمل الخلفاء، فقد ثبتت، وكتبت لها الحياة لتبقى بصورة دائمة مواجهة للأحاديث الصحيحة الصادرة عن رسول الله، ومهمة الأحاديث المكذوبة أن تكون دفاعا تاريخيا دائما عن شرعية ومثالية سلوك الخلفاء!! وهكذا تتعايش الأحاديث الموضوعة على رسول الله مع الأحاديث الصادرة عنه بالفعل وتحلان في مكان واحد!!فالحديث الذي وضعه عمرو بن العاص ” أن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين ” أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهم يعلمون أن الإمام عليا، والحسن والحسين وذرية النبي المتبقية هم من آل أبي طالب، فإذا كان علي والحسن والحسين والأئمة الأعلام من الذرية الطاهرة ليسوا بأولياء النبي، فمن هم أولياؤه إذا!! ومن هم صالح المؤمنين الذين عناهم عمرو؟! أكبر الظن بأن عمرو أراد أن يوحي للمسلمين بأنه ومعاوية والمغيرة بن شعبة وابن أبي سرح وأمثالهم هم صالح المؤمنين!!!

ومع هذا يروي البخاري حديث المنزلة ” أنت مني بمنزلة هارون من موسى… ” ويروي مسلم حديث الثقلين ” كتاب الله وعترتي أهل بيتي ” وهذه الأحاديث المتناقضة صحيحة، بدليل أن البخاري ومسلم قد أخرجاها، وأفردا لها مكانا في صحيحيهما!!

ليس هذا فقط إنما الكثير من الأحاديث التي اعتبروها صحيحة مخالفة للقرآن الكريم مخالفة واضحة، فقد أخرج البخاري في كتاب الدعوات من صحيحه باب من آذيته ومسلم في صحيحه كتاب البر والصلة باب من لعنه النبي أن رسول الله كان يغضب، فيلعن ويسب ويؤذي من لا يستحقها، فدعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا، هذا الحديث الموضوع

٤١٥
يصور صاحب الخلق العظيم (وإنك لعلى خلق عظيم) (١) بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه، فيتصرف مثل تلك التصرفات التي ألصقوها ظلما برسول الله، لأن الشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بدون سبب، فكيف بسيد الخلق وصفوة الجنس البشري وصاحب الخلق العظيم!!! وقد سقنا في البحوث السابقة نماذج متعددة من هذه الترهات الفارغة، ومع هذا يعتبرها البخاري أحاديث صحيحة، ومدعومة بقناعة شعبية لأنها تبرر تولي الذين لعنهم رسول الله منصب الخلافة!!! مع أنهم أعداء لله ولرسوله وقد لعنهم الله على لسان رسوله!!لقد خلطوا الحق بالباطل، وضحوا بالحقائق الشرعية ليستروا على فضائح التاريخ، وليضفوا عليها ثوب الستر والشرعية، لأنهم قد خلطوا الدين بالتاريخ، والحق بالرجال، فعرفوا الحق بالرجال، مع أن الرجال يعرفون بالحق، فأجمعوا أمرهم على أن يستوفوا الجميع معا!!

في الوقت الذي منع فيه الخلفاء كتابة ورواية الأحاديث النبوية، وفي الوقت الذي أحرقوا فيه المكتوب منها، فإنهم قد فتحوا الباب على مصراعيه للثقافة والخرافات اليهودية والنصرانية، فكعب الأحبار مثلا، قدم المدينة، وأسلم على عهد عمر، وبقي فيها بناء على طلب عمر، وقد خصص له الخليفة عمر ساعة في كل أسبوع يتحدث فيها قبل صلاة الجمعة، بمسجد رسول الله، ولما آلت الخلافة لعثمان جعل الوقت ساعتين بدلا من ساعة، وكان موضع سر الخليفتين عمر وعثمان يسألانه ويرجعان إليه في مبدأ الخلق، وقضايا المعاد وتفسير القرآن وغير ذلك، مع أن الرجل لم يصحب الرسول، ولا يعرف شيئا عن الإسلام وثقافته يهودية من جميع الوجوه، وأمام هذه الثقة التي خص الخلفاء بها كعبا، علا شأنه وذاع صيته وأخذ

 

(١) سورة القلم آية ٤. 

٤١٦
بعض الصحابة يروون عنه مثل أنس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير ومعاوية ونظرائهم من الصحابة والتابعين، وفتح المجال أمام أهل الكتاب في ما بعد خاصة في عهد معاوية الذي اتخذ بطانة منهم، أمثال كاتبه سرجون، وطبيبه أثال، وشاعره الأخطل، ومن خلال هذه المنافذ الواسعة دخلت الثقافتين اليهودية والنصرانية، ودخلت معهما خرافاتهما وأساطيرهما، وقناعاتهما العامة، ووجدت طريقها إلى كتب الحديث والتفسير، وساهمت بخلط الأوراق ” (١). 

تزييف التاريخ

آل محمد الذين التفوا حول النبي قبل الهجرة وحموه وحموا دعوته خلال تلك الفترة هم الذين وضعوا أساس التاريخ الإسلامي كله، وتحملوا وحدهم أعباء المواجهة مع بطون قريش فحوصروا وحدهم من دون الناس جميعا، وقوطعوا وحدهم من دون الناس أيضا، وكان دور غيرهم من المسلمين مقتصرا على إعلان إسلامه فقط أو إخفاء هذا الإسلام، أو الفرار بدينه حتى لا يفتنه المشركون، أما المواجهة وحماية الداعية والدعوة فقد كانت مقتصرة على الهاشميين والمطلبيين، تلك حقيقة مطلقة لا يماري بصحتها إلا جاهل، أو ناصبي خبيث، والحقيقة المطلقة الثانية أن أبا طلب هو الذي تولى قيادة عمليتي حماية الداعية والدعوة وهو الذي تصدى لزعامة البطون طوال الفترة التي سبقت الهجرة والتي امتدت حتى موت أبي طالب، ولما مات أبو طالب سمى الرسول العام الذي مات فيه بعام الحزن، وأخذ يعد العدة الهجرة إلى قوم يتولون حمايته وحماية دعوته، والخلاصة أنه لولا الهاشميين والمطلبيين لما قامت الإسلام قائمة ولقتل النبي أو أجهضت الدعوة قبل الهجرة.

 

 

(١) معالم المدرستين للعسكري ج ٢ ص ٤٨ وما فوق. 

٤١٧
والحقيقة الثالثة أن آل محمد والفئة القليلة المؤمنة الذين التفوا حول النبي بعد الهجرة، وخاصوا معه وتحت قيادته الحكيمة الملهمة كل معارك الإيمان مع الشرك، هم وحدهم الذين صنعوا تاريخ الإسلام المجيد وكتبوه بجهادهم المميز سطرا سطرا وحرفا حرفا فخلقوا حالة من الانبهار العام لم يكن معها أمام بطون قريش خاصة والعرب عامة سوى الدخول في الإسلام أو مواجهة الموت والهزيمة النكراء، فاضطرت زعامة بطون قريش التي قادت جبهة الشرك أن تتلفظ بالشهادتين وأن تسلم زرافات ووحدانا أو تتظاهر بالإسلام، لتحقق بالحيلة والدهاء والتظاهر ما عجزت عن تحقيقه في ميادين المواجهة، بعد أن اكتشفت بأن دعوة دين الله لا تقهر!!!والخلاصة أنه وعلي أيدي آل محمد والفئة القليلة المؤمنة قد تم نصر الله والفتح، وبأسيافهم وبطولاتهم الخارقة خضعت زعامة بطون قريش خاصة والعرب عامة للحق وهم كارهون، ولولا هذه الطليعة المباركة لما تحقق الذي تحقق ولنغير وجه التاريخ تماما، فصلاة الله وسلامه على محمد وآله محمد، ورحمة الله ورضوانه على أصحابه المخلصين.

 

تزييف التاريخ وسرقة نتائجه

المفترض أن يكون لآل محمد والفئة القليلة المؤمنة الصادقة الذين صنعوا تاريخ الإسلام دور خاص في قيادة الدولة التي بنيت على أكتافهم وبسواعدهم، وفي إدارتها ورسم سياستها العامة وهذا مفهوم بالفعل وبالضرورة وبتجارب البشرية قبل أن يفهم بروح الدين والنصوص الشرعية لكن حدث عكس ذلك فبعد موت النبي تم الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة والتغلب كما أشرنا في البحوث السابقة، وبعد يوم واحد من وفاة النبي شرعت السلطة الجديدة بحرق آل محمد وهم أحياء كما وثقنا، وجردتهم من ممتلكاتهم وكافة حقوقهم الاقتصادية، وجردتهم من كافة حقوقهم السياسية حيث حرمت عليهم تولي الوظائف العامة، وفرضت

٤١٨
عليهم الإقامة الجبرية، وعزلتهم عن المجتمع ومراكز التأثير عزلا تاما، وحالت بينهم وبين الناس فصاروا أذلة بعد عز، أما الفئة المؤمنة، فقد جردت من حقوقها السياسية وحرم على أفرادها تولي الوظائف العامة لأن السلطة الجديدة قد خشيت بأن يعود آل محمد إلى مركز الصدارة عن طريق الفئة المؤمنة التي تواليهم، وفرضت السلطة الجديدة تعتيما كاملا على تاريخ الإسلام المجيد، وعلى سجلات رجاله الحافلة بالأمجاد.ولم تكتف السلطة الجديدة بذلك، إنما استعانت بأعداء الله ورسوله السابقين الذين حذر منهم الرسول فولتهم المناصب الحساسة في الدولة، فكانوا هم الأمراء والولاة وقادة الجند والعمال، وأطلقت السلطة الجديدة يدهم في الأقاليم لينشروا ثقافة الانحراف، وليقدموا الإسلام الذي يجهلون أحكامه وتاريخه، وليسردوا على الشعوب تاريخ صراع الإسلام مع الشرك، مع أن أولئك الولاة كانوا هم قادة جبهة الشرك!! والأعداء الألداء لله ولرسوله وللفئة المؤمنة!!

وخلال فترة عمل أولئك الولاة تحدثوا بأحاديث باطلة، مناقضة لكتاب الله وسنة رسوله، ولتاريخ الإسلام، وشاعت أحاديثهم، وكونت الرأي العام، وتحول الرأي العام الذي أو جدوه إلى قناعات لدى العامة.

وفي ما بعد تسربت بعض حقائق التاريخ الإسلامي، ولكنها لم تعد كونها سطورا أو صفحات من مجلدات التاريخ الواهم الذي صنعه الولاة ووضعوه تحت إشرافهم، وسوقت السلطة الحقائق القليلة والأباطيل الكثيرة معا!!

ولنعرف حجم بشاعة هذا التزييف، فإن أولياء الله وأعداءه على السواء يعرفون بأن علي بن أبي طالب هو أقرب الناس للنبي، فهو ابن عمه الشقيق وزوج ابنته البتول، ووالد سبطيه، ويعرف الجميع سجله الحافل بالأمجاد فهو فارس الإسلام الأوحد الذي لم يقهر في حرب قط، وحامل راية الرسول في كل المواقع، وهو الولي والخليفة والوصي بالنص الشرعي،

٤١٩
وهو مولى كل مؤمن ومؤمنة… الخ من المراتب السنية التي خلعها الله ورسوله على الإمام، ومع هذا فقد مر حين من الدهر كان فيه الإمام علي يشتم ويلعن على المنابر، وشتم الإمام ولعنه جزء لا يتجزأ من خطبة الجمعة وخطبة العيدين!! وتشترك بلعن الإمام وشتمه الأمة الإسلامية كلها رغبة أو رهبة!! وكانت محبة الإمام أو موالاته من جرائم الخيانة العظمى التي يعاقب مرتكبها بالموت!! وكانت الأمة الإسلامية تعتقد أو تتظاهر بالاعتقاد بأن الإمام علي بن أبي طالب هو العدو الألد لله ولرسوله وللمؤمنين!!! كل ذلك تنفيذا لأوامر معاوية بن أبي سفيان، وابتغاء لمرضاته، وطمعا بما في يديه من أموال المسلمين التي استولى عليها بعد أن أخرجها عن مصارفها الشرعية وخصصها لتدعيم ملكه وترسيخه وتوسيعه.مع أنه لا خلاف بين اثنين من المسلمين على تاريخ معاوية في الدين والتاريخ، فهو ابن آكلة الأكباد بلا خلاف، وأبوه رأس الأحزاب، ومعاوية وأبوه وإخوته وبنو عمومته هم الذين وحدوا بطون قريش لمقاومة النبي ودعوته قبل الهجرة، وهم الذين عبأوا هذه البطون، وألبوا العرب على رسول الله وعلى الإسلام، وهم الذين جيشوا الجيوش وحاربوا رسول الله بكل وسائل الحرب بعد الهجرة، ولم يتوقفوا عن حرب الرسول إلا بعد أن أحاط بهم، وأتاهم بما لا قبل لهم به، هنالك فقط استسلموا، واضطروا مكرهين أن يتلفظوا بالشهادتين، فسماهم الرسول بالطلقاء، واعتبرهم من المؤلفة قلوبهم، وحذر الرسول من شرورهم قبل موته كما وثقنا، وتلك حقائق لا يماري بها إلا الجاهلون!! وبالرغم من هذا التاريخ الحافل بالعداء لله ولرسوله وللمؤمنين فقد ولى الخلفاء الأول معاوية على بلاد الشام وهي تاج ولايات الدولة الإسلامية، وأطلقوا يده فيها طوال عشرين عاما ليتصرف كملك حقيقي بلا رقيب ولا حسيب، في الوقت الذي جردوا فيه الإمام وأولياءه خلال تلك السنين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية.

 

شاهد أيضاً

قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

الدرس السابع عشر: تفسير سورة الجمعة     أهداف الدرس على المتعلّم مع نهاية هذا ...