الرئيسية / بحوث اسلامية / الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٨١ – ١٠٠

لعنت أختها ” (١) الآية، ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: ” كلما ألقيفيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلناما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال مبين ” (٢) ألا إن أولياءهم الذينيخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.

(معاشر الناس) شتان ما بين السعير والجنة، عدونا من ذمه الله ولعنه وولينامن مدحه الله وأحبه.

(معاشر الناس) ألا وإني منذر وعلي هاد.

(معاشر الناس) إني نبي وعلي وصي، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهديألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمهاألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثأر لأولياء الله، ألاإنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف (٣) في بحر عميق، ألا إنه يسم (٤)كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنهوارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه،ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر من سلف بين يديه،ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولاحق إلا معه ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته(معاشر الناس) قد بينت لكم وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي، ألاوإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي (٥) على بيعته والإقرار به ثممصافقته بعدي، ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم بالبيعة له عن

(١) الأعراف: ٣٨.

(٢) الملك: ٨ – ٩.

(٣) غرف الماء بيده: أخذه بها، وهذا إشارة إلى ما أخذه علي عليه السلاممن علوم النبي صلى الله عليه وآله الكثيرة التي هي كالبحر العميق الذي لم يصل الناسإلى أعماقه.

(٤) يسم الشئ: يجعل له علامة يعرف بها.

(٥) صفق يده بالبيعة، وصفق على يده: ضرب يده على يده، والمصافقة المبايعة

٨١

الله عز وجل ” فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ” (١) الآية.

(معاشر الناس) إن الحج والصفا والمروة والعمرة من شعائر الله ” فمن حجالبيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ” (٢) الآية.

(معاشر الناس) حجوا البيت، فما ورده أهل بيت لا استغنوا، ولا تخلفواعنه إلا افتقروا.

(معاشر الناس) ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلىوقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.

(معاشر الناس) الحجاج معانون (٣) ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيعأجر المحسنين.

(معاشر الناس) حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهدإلا بتوبة وإقلاع (٤).

(معاشر الناس) أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله عز وجل، لئنطال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجلبعدي، ومن خلفه الله مني وأنا منه يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم ما لاتعلمون، ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما، فآمر بالحلالوأنهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبولما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم منيومنه، أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.

(معاشر الناس) وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فإني لمأرجع عن ذلك ولم أبدل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا

(١) الفتح: ١٠، ونكث العهد والبيع: نقضه ونبذه

(٢) البقرة: ١٥٨

(٣) معانون: مساعدون، ومخلفة: معوضة

(٤) الاقلاع الترك، والمراد منه هنا ترك الذنوب

٨٢

تغيروه، ألا وإني أجدد القول: ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروفوانهوا عن المنكر، ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلىقولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من اللهعز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.

(معاشر الناس) القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم أنهمني وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه ” وجعلها كلمة باقية في عقبه ” (١) وقلت” لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما “.

(معاشر الناس) التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عز وجل” إن زلزلة الساعة شئ عظيم ” (٢) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبةبين يدي رب العالمين والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب عليها ومن جاءبالسيئة فليس له في الجنان نصيب.

(معاشر الناس) أنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرنيالله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ومنجاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم” إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي وأمرولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا علىذلك نحيى ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عنعهد ولا ننقض الميثاق نطيع الله ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذينذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما منيومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل ” فقد أديت ذلك إليكم وأنهما سيداشباب أهل الجنة، وأنهما الإمامان بعد أبيهما علي وأنا أبوهما قبله، وقولوا” أطعنا الله بذلك وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقامأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما

(١) الزخرف: ٢٨.

(٢) الحج: ١.

٨٣

بيده وأقر بهما بلسانه ولا نبتغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا،أشهدنا الله وكفى بالله شهيدا وأنت علينا به شهيد، وكل من أطاع ممن ظهر واستتروملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل شهيد “(معاشر الناس) ما تقولون فإن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس،فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ومن بايع فإنما يبايع الله يد اللهفوق أيديهم.

(معاشر الناس) فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسينوالأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى، ومن ” نكثفإنما ينكث على نفسه ” الآية.

(معاشر الناس) قولوا الذي قلت لكم وسلموا على علي بإمرة المؤمنين،وقولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، وقولوا ” الحمد لله الذي هدانالهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ” الآية.

(معاشر الناس) إن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام عند الله عز وجل،وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بهاوعرفها فصدقوه.

(معاشر الناس) من يطع الله ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فازفوزا عظيما.

(معاشر الناس) السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرةالمؤمنين، أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.

(معاشر الناس) قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، ” فإن تكفرواأنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا ” (١)، اللهم اغفر للمؤمنين واغضبعلى الكافرين والحمد لله رب العالمين.

فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا

(١) آل عمران: ١٤٤

٨٤

وتداكوا (١) على رسول الله وعلى علي عليه السلام فصافقوا بأيديهم، فكان أول منصافق رسول الله صلى الله عليه وآله الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرينوالأنصار وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى أن صليت المغرب والعتمةفي وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم:

الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين. وصارت المصافقة سنة ورسما، وربما يستعملهامن ليس له حق فيها.

وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الخطبة رأىالناس رجلا جميلا بها طيب الريح فقال: تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط، ما أشد ما يؤكدلابن عمه وأنه يعقد عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم وبرسوله، ويل طويل لمن حل عقده.

قال: والتفت إليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته، هيئته ثم التفتإلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: أما سمعت ما قال هذا الرجل، قال كذا وكذا؟ فقالالنبي صلى الله عليه وآله: يا عمر أتدري من ذاك الرجل؟ قال: لا. قال: ذلك الروح الأمينجبرئيل، فإياك أن تحله، فإنك إن فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنينمنك براء.

ذكر تعيين الأئمة الطاهرة بعد النبي صلى الله عليه وآله واحتجاج الله تعالى بمكانهمعلى كافة الخلق.

روى أبو بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: قال أبي محمد بن عليلجابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة متى يخف عليك أن أخلو بكفأسألك عنها؟ قل له جابر: في أي الأحوال أحببت، فخلا به أبي في بعضالأوقات وقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة وماأخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب.

(١) تداكوا عليه: ازدحموا عليه

٨٥

فقال جابر: أشهد بالله إني دخلت على أمك فاطمة صلوات الله عليها في حياةرسول الله صلى الله عليه وآله فهنيتها بولادة الحسين عليه السلام ورأيت في يدها لوحا أخضر فظننتأنه من زمرد، ورأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشمس، فقلت لها: بأمي وأبيأنت يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله تعالى إلى رسولالله صلى الله عليه وآله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني وأسماء الأوصياء من ولدي، فأعطانيهأبي ليسرني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أمك عليها السلام فقرأته واستنسخته.

قال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ قال: نعم، فمشى معه أبيحتى انتهى إلى منزل جابر فأخرج إلى أبي صحيفة من رق وقال: يا جابر أنظرفي كتابك لأقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته وقرأ أبي فما خالف حرف حرفا.

قال جابر: فأشهد بالله أني هكذا رأيت في اللوح مكتوبا:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من الله العزيز العليم لمحمد نبيه ورسوله ونوره وسفيره وحجابهودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.

عظم يا محمد أسمائي وأشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، فإني أنا الله لا إله إلاأنا قاصم الجبارين ومذل الظالمين وديان يوم الدين، لا إله إلا أنا من رجا غير فضليأو خاف غير عدلي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، فإياي فاعبد وعليفتوكل، إني لم أبعث نبيا فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيا، وإنيفضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك بعده وسبطيكالحسن والحسين فجعلت حسنا معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناخازن علمي وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة، وهو أفضل من استشهد وأرفعالشهداء درجة، وجعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده، بعترته أثيبوأعاقب: أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبيه جده المحمودمحمد الباقر لعلمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر الصادق الراد عليه

٨٦

كالراد علي، حق القول مني لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه وأنصارهوأوليائه، وانتجبت بعده موسى، وأتيح بعده فتنة عمياء حندس (١) إلا أن خيطفرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى وأن أوليائي لا يشقون، ألا ومن جحد واحدامنهم فقد جحد نعمتي ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي، ويل للمفترينالجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى وحبيبي وخيرتي، ألا إن المكذب بالثامنمكذب بكل أوليائي علي وليي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوة وأمنحهبالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلىجنب شر خلقي، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارثعلمه، وهو معدن علمي وموضع سري وحجتي على خلقي، لا يؤمن به عبد إلاجعلت الجنة مثواه وشفعته في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجب النار، واختمبالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيى، أخرجمنه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن العسكري، ثم أكمل ديني بابنه محمدرحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب، سيد أوليائي سيذلأوليائي في زمانه وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلونويحرقون ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويلوالرنة في نسائهم، أولئك أوليائي حقا بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشفالزلازل وأرفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئكهم المهتدون.

قال عبد الرحمن بن سالم (٢) قال أبو بصير (٣): لو لم تسمع في دهرك إلا

(١) الحندس: الليل المظلم، والظلمة الشديدة.

(٢) عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الأشل الكوفي العطار، وكان سالم بياعالمصاحف، وعبد الرحمن بن سالم أخو عبد الحميد بن سالم له كتاب. رجال النجاشي ص ١٧٧

(٣) أبو بصير يحيى بن القسم الأسدي، مما أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحعنه وعن جماعة آخر مذكورين في كتب التراجم وانقادوا إليهم بالفقه، توفي سنة

=>

٨٧

هذا الحديث لكفاك، فصنه إلا عن أهله.

وعن علي بن أبي حمزة (١) عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلامقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال، منعلم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمد عبدي ورسولي وأن علي بن أبي طالب عليه السلاموليي وخليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي، ونجيته منالنار بعفوي، وأبحت له جواري، فأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتيوجعلته من خاصتي وخالصتي. إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته وإن سألني أعطيتهوإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فر مني دعوته، وإن رجع إلىقبلته، وإن قرع بابي فتحته.

ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبديورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلكولم يشهد أن الأئمة ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتيوكتبي، إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإندعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيدفقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله ومن الأئمة من ولدعلي بن أبي طالب؟ فقال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدينفي زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه يا جابر فإذا أدركتهفاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثمالرضا علي بن موسى، ثم التقي الجواد محمد بن علي، ثم التقي علي بن محمد، ثمالزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي محمد بن الحسن صاحب

<=

١٥٠ بعد أبي عبد الله الصادق عليه السلام. الكنى والألقاب ١ – ١٧.

(١) علي بن أبي حمزة مولي الأنصار الكوفي، روى عن أبي عبد الله الصادق وأبيالحسن موسى عليهما السلام، وصنف كتبا عدة منها كتاب جامع في أبواب الفقه.

رجال النجاشي ص ١٨٨.

٨٨

الزمان – صلوات الله عليهم أجمعين – الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئتظلما وجورا.

هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعنيومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني، بهميمسك الله عز وجل السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرضأن تميد بأهلها.

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: يا علي لا يحبكإلا من طابت ولادته، ولا يبغضك إلا من خبثت ولادته، ولا يواليك إلا مؤمن ولايعاديك إلا كافر.

فقام إليه عبد الله بن مسعود فقال: يا رسول الله فقد عرفنا علامة خبث الولادةوالكافر في حياتك ببغض علي وعداوته، فما علامة خبث الولادة والكافر بعدكإذا أظهر الإسلام بلسانه وأخفى مكنون سريرته؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بن مسعود إن علي بن أبي طالب عليه السلام إمامكمبعدي وخليفتي عليكم، فإذا مضى فالحسن والحسين ابناي إمامكما بعده وخليفتيعليكم، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد أئمتكم وخلفائي عليكم، تاسعهمقائم أمتي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، لا يحبهم إلا من طابتولادته ولا يبغضهم إلا من خبثت ولادته ولا يواليهم إلا مؤمن ولا يعاديهم إلا كافرمن أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ومن أنكرني فقد أنكر الله عز وجل، ومنجحد واحدا منهم فقد جحدني ومن جحدني فقد جحد الله عز وجل، لأن طاعتهمطاعتي وطاعتي طاعة الله ومعصيتهم معصيتي ومعصيتي معصية الله. يا بن مسعود إياكأن تجد في نفسك حرجا مما أقضي فتكفر، فوعزة ربي ما أنا متكلف ولا أناناطق عن الهوى في علي والأئمة عليهم السلام من ولده.

ثم قال صلى الله عليه وآله وهو رافع يديه إلى السماء: اللهم وال من والى خلفائي وأئمةأمتي من بعدي وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، ولا

٨٩

تخل الأرض من قائم منهم بحجتك إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا يبطلدينك وحجتك وبيناتك.

ثم قال صلى الله عليه وآله: يا بن مسعود قد جمعت لكم في مقامي هذا ما إن فارقتموههلكتم وإن تمسكتم به نجوتم. والسلام على من اتبع الهدى.

والأخبار في هذا المعنى متواترة لا تحصى كثرة ذكرنا طرفا منها جلاءاللأبصار وشفاءا لما في الصدور وهدى لقوم ينصفون.

 

ذكر طرف مما جرى بعد وفاة رسول الله (ص) من اللجاج والحجاجفي أمر الخلافة من قبل من استحقها ومن لم يستحق، والإشارة إلى شئ منإنكار من أنكر على من تأمر على علي بن أبي طالب (ع) تأمره وكيد من كادهمن قبل ومن بعد.

عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني (١) بإسناده الصحيح عن رجالثقة أن النبي صلى الله عليه وآله خرج في مرضه الذي توفي فيه إلى الصلاة متوكئا على الفضل بنعباس وغلام له يقال له ثوبان، وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ثم حملعلى نفسه وخرج، فلما صلى عاد إلى منزله فقال لغلامه: اجلس على الباب ولاتحجب أحدا من الأنصار وتجلاه الغشي وجاءت الأنصار فأحدقوا بالباب وقالوا:

استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال: هو مغشي عليه وعنده نساؤه، فجعلوايبكون فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله البكاء فقال: من هؤلاء؟ قالوا: الأنصار. فقالمن هيهنا من أهل بيتي؟ قالوا: علي والعباس، فدعاهما وخرج متوكئا عليهمافاستند إلى جذع من أساطين مسجده – وكان الجذع جريد نخل – فاجتمع الناسوخطب فقال في كلامه:

(١) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن بهلول الشيباني كان سافر في طلب الحديثعمره، أصله كوفي، كان في أول عمره ثبتا ثم خلط منتهى المقال ص ٢٨٠.

٩٠

(معاشر الناس) إنه لم يمت نبي قط إلا خلف تركة، وقد خلفت فيكمالثقلين كتاب الله وأهل بيتي، ألا فمن ضيعهم ضيعه الله، ألا وإن الأنصار كرشيوعيبتي (١) التي آوي إليها، وإني أوصيكم بتقوى الله والإحسان إليهم، فاقبلوامن محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.

ثم دعا أسامة بن زيد فقال: سر على بركة الله والنصر والعافية حيث أمرتكبمن أمرتك عليه، وكان صلى الله عليه وآله قد أمره على جماعة من المهاجرين والأنصار فيهمأبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأولين، وأمره أن يغير على مؤتة واد فيفلسطين (٢).

فقال له أسامة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتأذن لي في المقام أياما حتىيشفيك الله، فإني متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي منك قرحةفقال: انفذ يا أسامة لما أمرتك فإن القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوالقال: فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله أن الناس طعنوا في عمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآلهبلغني أنكم طعنتم في عمل أسامة وفي عمل أبيه من قبل، وأيم الله إنه لخليق للإمارةوإن أباه كان خليقا لها، وإنه وأباه من أحب الناس إلي فأوصيكم به خيرا، فلئنقلتم في إمارته لقد قال قائلكم في إمارة أبيه.

ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله بيته، وخرج أسامة من يومه حتى عسكر علىرأس فرسخ من المدينة، ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله: أن لا يتخلف عن أسامةأحد ممن أمرته عليه، فلحق الناس به، وكان أول من سارع إليه أبو بكر وعمر

(١) الكرش: الجماعة من الناس، وعيال الرجل، وصغار أولاده. والعيبة: مايجعل فيه الثياب، وعيبة الرجل: موضع سره.

(٢) مؤتة: قرية من قرى البلقان في حدود الشام، وقيل إنها من مشارف الشامعلى اثني عشر ميلا من أذرح بها قبر جعفر بن أبي طالب وزيد بن أبي حارثة وعبد اللهابن رواحة على كل قبر منها بناء منفرد، مراصد الإطلاع ٣ – ١٣٣٠.

٩١

وأبو عبيدة بن الجراح، فنزلوا في رقاق (١) واحد مع جملة أهل العسكر.

قال: وثقل رسول الله صلى الله عليه وآله، فجعل الناس ممن لم يكن في بعث أسامةيدخلون عليه أرسالا (٢) وسعد بن عبادة يومئذ شاك (٣) وكان لا يدخل أحدمن الأنصار على النبي صلى الله عليه وآله إلا انصرف إلى سعد يعوده.

قال: وقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج أسامةإلى معسكره بيومين، فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها، فأقبلأبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد فقال: أيها الناس ما لكم تموجون (٤)إن كان محمد قد مات فرب محمد لم يمت ” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسلأفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ” (٥)قال ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاؤا به إلى سقيفة بني ساعدة (٦)فلما سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبوعبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار وسعد بن عبادة بينهم مريضفتنازعوا الأمر بينهم فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار:

إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجراح أو عمر وكلاهما قد رضيت لهذا الأمروكلاهما أراهما له أهلا. فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكروأنت أقدمنا إسلاما وأنت صاحب الغار وثاني اثنين فأنت أحق بهذا الأمر وأولى بهفقال الأنصار: نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم،فنجعل منا أميرا ومنكم أميرا ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار

(١) الرقاق: الصحراء والأرض المستوية اللينة التراب تحته صلابة، وقيل التينضب عنها الماء، وقيل اللينة المتسعة.

(٢) أي قطائع مجتمعين

(٣) أي مريض.

(٤) تموجون: تختلف أموركم وتضطربون

(٥) آل عمران: ١٤٤.

(٦) سقيفة بني ساعدة: بالمدينة، وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها. مراصدالإطلاع ٢ – ٧٢١.

٩٢

فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين: وأنتم يا معشر الأنصار ممن لا ينكر فضلهمولا نعمتهم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه وكهفا لرسوله وجعلإليكم مهاجرته وفيكم محل أزواجه، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأولينبمنزلتكم، فهم الأمراء وأنتم الوزراء.

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم، فإنماالناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس إلاعن رأيكم. وأثني على الأنصار ثم قال: فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضىبتأميرهم علينا ولا نقنع بدون أن يكون منا أمير ومنهم أمير.

فقام عمر بن الخطاب فقال: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد، إنهلا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع إلى توليأمرها من كانت النبوة فيهم وألو الأمر منهم، ولنا بذلك على من خالفنا الحجةالظاهرة والسلطان البين، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدلبباطل أو متجانف بإثم (١) أو متورط في الهلكة محب للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكمولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر وإن أبواأن يكون منا أمير ومنهم أمير فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتموالله أحق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرهاوأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (٢)، والله لئن أحد رد قولي لأحطمنأنفه بالسيف.

(١) المدل: الذي يقيم الدليل على مدعاه، والمدل بباطل: الذي استدل بباطلوالمتجانف: المائل عن الحق.

(٢) جذيل: تصغير جذل، وهو العود الذي ينصب للإبل الجربى لتحتك بهوهو تصغير، تعظيم، أي أنا ممن يستشفى برأيه كما تستشفي الإبل الجربى بالاحتكاك بهذاالعود وعذيق تصغير العذق: النخلة. والرجبة: أن تعمد النخلة الكريمة ببناء من

=>

٩٣

قال عمر بن الخطاب: فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معهكلام، فإنه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فنهاني رسول الله صلى الله عليه وآلهعن مهاترته (١) فحلفت أن لا أكلمه أبدا.

قال عمر لأبي عبيدة: تكلم. فقام أبو عبيدة بن الجراح وتكلم بكلام كثيروذكر فيه فضائل الأنصار، وكان بشير بن سعد سيدا من سادات الأنصار لما رأىاجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده وسعى في إفساد الأمر عليهوتكلم في ذلك ورضي بتأمير قريش وحث الناس كلهم لا سيما الأنصار على الرضا،بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتمفقال عمر وأبو عبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك. فقال بشير بنسعد: وأنا ثالثكما، وكان سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج، فلما رأتالأوس صنيع سيدها بشير وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبوا على أبي بكربالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا، فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة وهوبينهم على فراشه مريض. فقال: قتلتموني، قال عمر: اقتلوا سعدا قتله الله،فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال: والله يا بن صهاك الجبان في الحربوالفرار الليث في الملأ والأمن لو حركت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة (٢) فقال أبو بكر مهلا يا عمر مهلا فإن الرفق أبلغ وأفضل. فقال سعد: يا بنصهاك – وكانت جدة عمر – الحبشية أما والله لو أن لي قوة على النهوض لسمعتها مني فيسككها زئيرا أزعجك وأصحابك منها ولألحقنكما بقوم كنتما فيهم أذنابا أذلاء تابعين

<=

حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع، وقد يكون ترجيبالنخلة بأن يجعل حولها شوك لئلا يرقى إليها. وملخص المراد من هذا الكلام. إنني الذييؤخذ برأيه وهو ستر وحفظ لما يخاف عليه من المكاره والأضرار.

(١) المهاترة مأخوذة من الهتر، وهو السقط في الكلام والخطأ فيه

(٢) الواضحة: الأسنان التي تبدو عند الضحك

٩٤

غير متبوعين لقد اجترأتما.

ثم قال للخزرج: احملوني من مكان الفتنة، فحملوه وأدخلوه منزله، فلماكان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع. فقال: لا والله حتىأرميكم بكل سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما أقلتيدي فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي، ثم وأيم الله لو اجتمع الجنوالإنس علي لما بايعتكما أيهما الغاصبان حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي.

فلما جاءهم كلامه قال عمر: لا بد من بيعته. فقال بشير بن سعد: إنه قدأبى ولج وليس بمبايع أو يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج والأوسفاتركوه فليس تركه بضائر، فقبلوا قوله وتركوا سعدا، فكان سعد لا يصليبصلاتهم ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لصال بهم ولقاتلهم، فلم يزل كذلكمدة ولاية أبي بكر حتى هلك أبو بكر، ثم ولى عمر وكان كذلك، فخشى سعدغائلة عمر فخرج إلى الشام فمات بحوران (١) في ولاية عمر ولم يبايع أحدا.

وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله، وزعم أن الجن رموه، وقيل أيضاإن محمد بن سلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعل له عليه، وروي أنه تولى ذلكالمغيرة بن شعبة وقيل خالد بن الوليد.

قال وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبي طالب مشغولبجهاز رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلى الله عليه وآله والناس يصلونعليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشمومعهم الزبير بن العوام، واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنو زهرة إلىعبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر ومعه عمروأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقدبايعته الأنصار والناس، فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا،

(١) حوران بالفتح: كورة واسعة من أعمال دمشق في القبلة ذات قرى كثيرةومزارع، قصبتها بصرى، ومنها أذرعات وزرع وغيرهما. مراصد الإطلاع ١ – ٤٣٥

٩٥

٩٦

فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها. فقال علي عليه السلاماحلب حلبا لك شطره، اشدد له اليوم ليرد عليك غدا، إذا والله لا أقبل قولك ولاأحفل بمقامك ولا أبايع. فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهكفقال أبو عبيدة إلى علي عليه السلام فقال: يا بن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتكولا علمك ولا نصرتك، ولكنك حدث السن – وكان لعلي عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثونسنة – وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضىالأمر بما فيه فسلم له، فإن عمرك الله يسلموا هذا الأمر إليك، ولا يختلف فيكاثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق، ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقدعرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهدنبيكم إليكم في أمري، ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركموقعر بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس.

فوالله معاشر الجمع إن الله قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنا أهلالبيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان القارئ منكم لكتاب الله الفقيه في دين اللهالمضطلع بأمر الرعية، والله إنه لفينا لا فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحقبعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.

فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة منالأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكرما اختلف فيك اثنان. فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء كنت أدع رسول الله مسجى لاأواريه وأخرج أنازع في سلطانه، والله ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيتفيه ويستحل ما استحللتموه، ولا علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك يوم غدير خملأحد حجة ولا لقائل مقالا، فأنشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول: ” منكنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصرهوخذل من خذله ” أن يشهد الآن بما سمع.

٩٧

قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممن سمع القولمن رسول الله صلى الله عليه وآله فكتمت الشهادة يومئذ، فدعا علي علي فذهب بصري.

قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغيالناس إلى قول علي عليه السلام، ففسح المجلس وقال: إن الله يقلب القلوب، ولا تزاليا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك.

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام:

جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنكر على أبي بكر فعلهوجلوسه مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنىعشر رجلا من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية وسلمانالفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومنالأنصار أبو الهشيم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري.

قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: واللهلنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتمذلك إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال الله عز وجل: ” ولا تلقوا بأيديكم إلىالتهلكة ” (١) فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه.

فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا: يا أمير المؤمنين تركت حقاأنت أحق به وأولى به من غيرك، لأنا سمعنا رسول الله يقول ” علي مع الحق والحقمع علي يميل مع الحق كيف ما مال ” ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسولالله صلى الله عليه وآله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟

فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكمكالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرينبأسيافكم مستعدين للحرب والقتال وإذا لأتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد

(١) البقرة: ١٩٥

٩٨

لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلي قبل وفاته وقاللي: ” يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي وإنك منيبمنزلة هارون من موسى وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه والسامري ومناتبعه ” فقلت: يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك؟ فقال: إذا وجدت أعوانافبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بيمظلوما. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثمآليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلتثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقةفناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلا أربعة رهط سلمان وعماروأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي، فأبوا علي إلا السكوتلما علموا من وغارة (١) صدور القوم وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه، فانطلقوابأجمعكم إلى الرجل فعرفوه ما سمعتم من قول نبيكم ليكون ذلك أوكد للحجةوأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يوم الجمعة، فلماصعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار: تقدموا وتكلموا فقال الأنصارللمهاجرين: بل تكلموا وتقدموا أنتم، فإن الله عز وجل بدأ بكم في الكتاب إذقال الله عز وجل: ” لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فيساعة العسرة ” (٢).

قال أبان: قلت له يا بن رسول الله إن العامة لا تقرأ كما عندك. قال: وكيفتقرأ؟ قال: قلت إنها تقرأ ” لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار ” فقال ويلهمفأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى تاب الله عليه عنه، إنما تاب الله به على أمتهفأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم بعدهم الأنصار.

(١) الوغر: الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض.

(٢) التوبة: ١١٧

٩٩

وروى أنهم كانوا غيبا عن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقدموا وقد تولى أبو بكروهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال:

اتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ونحن محتوشوه (١) يوم بنيقريظة حين فتح الله له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب عليه السلام يومئذ عدة منصناديد رجالهم وأولي البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكمبوصية فاحفظوها وموعدكم أمرا فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب أميركمبعدي وخليفتي فيكم بذلك أوصاني ربي، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتيوتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمر دينكم ووليكمأشراركم، ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون لأمر أمتي من بعدياللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي واجعل لهم نصيبامن مرافقتي يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتيفاحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض.

فقال له عمر بن الخطاب: اسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممنيقتدى برأيه. فقال له خالد: بل اسكت أنت يا بن الخطاب فإنك تنطق على لسانغيرك، وأيم الله لقد علمت قريش إنك من ألأمها حسبا وأدناها منصبا وأخسهاقدرا وأخملها ذكرا وأقلهم عناءا عن الله ورسوله، وإنك لجبان في الحروب بخيلبالمال لئيم العنصر، مالك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وإنك فيهذا الأمر بمنزلة الشيطان ” إذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منكإني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاءالظالمين ” (٢) فأبلس (٣) عمر وجلس خالد بن سعيد. ثم قام سلمان الفارسيوقال ” كرديد ونكرديد ” أي فعلتم ولم تفعلوا، وقد كان امتنع من البيعة قبل

(١) احتوشوه واحتوشوا به: أحاطوا به.

(٢) الحشر: ١٦ – ١٧

(٣) أبلس: سكت على مضض أو خوف.

شاهد أيضاً

مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية

مصباح    26 إعلم، أيها الخليل الروحاني، وفقك الله لمرضاته وجعلك وإيانا من أصحاب شهود ...