الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠
فاطمة عليها السلام بنت رسول الله منها، فجاءت فاطمة الزهراء عليها السلام إلى أبي بكر ثم قالت
<=
عليها كلها. فصارت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، لأنها لم يوجف عليها بخيل ولا ركابثم قدمها لابنته الزهراء (ع) وكانت بيدها في عهد أبيها وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وكانتوضعت عليها وكيلا عنها فانتزعها الخليفة الأول وطرد وكيلها ولما تولى عمر الخلافةردها إلى ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم فلماصار الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان ثلثها، وعمر بن عثمان ثلثا، ويزيدابنه ثلثها الآخر، فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت لمروان بن الحكم أيام ملكه ثم صفتلعمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما ولي الأمر ردها لولد فاطمة (ع)، ثم انتزعها يزيدابن عبد الملك من أولاد فاطمة وظلت في أيدي بني مروان حتى انقرضت دولتهم.
فلما تقلد الخلافة أبو العباس السفاح ردها على عبد الله المحض بن الحسن المثنى بنالحسن بن علي (ع) ثم قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته من بني الحسن، وردهاالمهدي بن المنصور على الفاطميين، ثم انتزعها موسى بن المهدي من أيديهم، ثم ردهاالمأمون عليهم سنة مائتين وعشرة ولما بويع المتوكل انتزعها منهم وأقطعها عبد الله بنعمر البازيار من أهل طبرستان. وردها المعتضد، وحازها المكتفي، وقيل إن المقتدرردها عليهم وكان فيها بضعة عشر نخلة غرسها رسول الله بيده. قال ابن أبي الحديد: -في شرح النهج – وقلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل.
وهل كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير؟ فقال لي ليس الأمر كذلكبل كانت جليلة جدا وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل وما قصد أبوبكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلا أن لا يتقوى على بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة الخوقال أيضا: وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له:
أكانت فاطمة صادقة؟ قال نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسمثم قال: كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدكابمجرد دعواها لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكنيمكنه الاعتذار بشئ لأنه يكون قد سجل على نفسه بأنها صادقة فيما تدعيراجع: معجم البلدان لياقوت الحموي، أعيان الشيعة للسيد الأمين، فدك فيالتاريخ للسيد الصدر، فتوح البلدان للبلاذري، شرح النهج لابن أبي الحديد.
لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلهالي رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر الله تعالى؟
فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبا بكر حتى احتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، أنشدك بالله ألستتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ” أم أيمن امرأة من أهل الجنة (١) ” فقال: بلى. قالت” فأشهد: أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ” وآت ذا القربى حقه ” (٢)
(١) أم أيمن: مولاة النبي صلى الله عليه وآله وحاضنته.. اسمها بركة بنت ثعلبةابن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، مهاجرة جليلة هاجرت الهجرتينإلى أرض الحبشة، وإلى المدينة، وشهدت حنينا واحدا وخيبرا وكانت في أحد تسقي الماءوتداوي الجرحى. وكان النبي صلى الله عليه وآله يخاطبها يا أمه ويقول: ” هي أمي بعد أمي ” وكانإذا نظر إليها يقول ” هذه بقية أهل بيتي “.
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ” روت عن النبي صلى الله عليه وآله وعنها أنس بن مالكوحنش بن عبد الله الصنعاني وأبو يزيد المدني “.
وكنيت بابنها أيمن بن عبيد وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة تزوجها زيد بعدعبيد الحبشي.
قيل كانت لعبد الله بن عبد المطلب (ع) فصارت للنبي صلى الله عليه وآله ميراثا وقيلأنها كانت لأمه صلى الله عليه وآله وروي أنها كانت لأخت خديجة فوهبتها للنبي صلى الله عليه وآله فلماتزوج من خديجة (ع) أعتقها.
وفي الإصابة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ” من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنةفليتزوج أم أيمن “.. وتوفيت في أوائل عهد عثمان وروى البخاري أنها توفيت بعدالنبي بخمسة أشهر.
راجع الإصابة، تهذيب التهذيب، أعلام النساء، طبقات ابن سعد، البخاريقاموس الرجال، أعيان الشيعة.
(١) قال الطبرسي في مجمع البيان: ” وأخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزارالحسيني قراءة قال حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن الحسكاني قال حدثنا الحاكم الوالد أبو محمد
=>
فجعل فدكا لها طعمة بأمر الله، فجاء علي عليه السلام فشهد: بمثل ذلك فكتب لهاكتابا ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة عليها السلام ادعتفي فدك، وشهدت لها أم أيمن وعلي عليه السلام، فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب منفاطمة فتفل فيه ومزقه فخرجت فاطمة عليها السلام تبكي، فلما كان بعد ذلك جاء علي عليه السلامإلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعتفاطمة ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وقد ملكته في حياة رسول الله (ص) فقالأبو بكر: هذا فيئ للمسلمين، فإن أقامت شهودا أن رسول الله جعله لها وإلا فلاحق لها فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله فيالمسلمين. قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه، ثم ادعيت أنا فيهمن تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة، قال: فما بال فاطمة سئلتها البينة علىما في يديها؟ وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده، ولم تسئل المسلمين بينةعلى ما ادعوها شهودا، كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ (١) فسكت أبو بكرفقال عمر: يا علي دعنا من كلامك. فإنا لا نقوى على حجتك، فإن أتيت بشهودعدول، وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلاميا أبا بكر تقرء كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله عز وجل:
” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ” (٢) فيمن
<=
قال حدثنا عبد الله عن عمر بن عثمان ببغداد شفاها قال: أخبرني عمر بن الحسن بنعلي بن مالك قال: حدثنا جعفر بن محمد الأحمسي قال: حدثنا حسن بن حسين قال: حدثناأبو معمر سعيد بن خثيم وعلى بن القاسم الكندي ويحيى بن يعلى وعلي بن مسهر عنفضل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزل قوله: (آت ذاالقربى حقه ” أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة فدكا. قال عبد الرحمن بن صالح كتبالمأمون إلى عبد الله بن موسى يسأله عن قصة فدك فكتب عبد الله بهذا الحديث رواهالفضل بن مرزوق عن عطية فرد المأمون فدكا إلى ولد فاطمة انتهى.
(١) إذ أنها عليها السلام كانت صاحبة اليد والمسلمون يمثلون دور المدعي.
(٢) روى محب الدين الطبري في ذخائر العقبى: عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول
=>
نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شهودا شهدوا على فاطمةبنت رسول الله صلى الله عليه وآله بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ قال كنت أقيم عليها الحد، كماأقيمه على نساء المسلمين، قال: إذن كنت عند الله من الكافرين، قال: ولم قال: لأنكرددت شهادة الله لها بالطهارة، وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم اللهوحكم رسوله، أن جعل لها فدكا قد قبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائلعلى عقبيه عليها، وأخذت منها فدكا، وزعمت أنه فيء للمسلمين، وقد قال رسولالله ” ص “: البينة على المدعي: واليمين على المدعى عليه ” فرددت قول: رسولالله ” ص “: البينة على من أدعى، واليمين على من ادعي عليه، قال: فدمدم الناسوأنكروا، ونظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: ” صدق والله علي بن أبي طالب عليه السلام “ورجع إلى منزله.
قال: ثم دخلت فاطمة المسجد، وطافت بقبر أبيها، وهي تقول:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (١)
قد كان جبريل بالآيات يونسنا * فغاب عنا فكل الخير محتجب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك ينزل من ذي العزة الكتب
تجهمتنا رجال واستخف بنا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
<=
الله صلى الله عليه وآله قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله ” إنما يريد الله ليذهب عنكمالرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – سورة الأحزاب آية: ٣٣ ” في بيت أم سلمة رضيالله عنها فدعى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثمقال: ” اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا “. قالت أم سلمة وأنامعهم يا رسول الله قال: ” أنت على مكانك وأنت على خير “.
(١) في كشف الغمة ” ثم التفتت إلى قبر أبيها متمثلة بقول هند ابنة أثانة:
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك لما غبت وانقلبوا
قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاهثم قال: له أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم؟ والله لئن قعد مقعدا آخر مثلهليفسدن علينا أمرنا، فما الرأي؟ فقال عمر: الرأي أن تأمر بقتله، قال: فمنيقتله؟ قال: ” خالد بن الوليد ” (١).
(١) خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي.
قال ابن حجر: – في الإصابة – ” وشهد مع كفار قريش الحروب إلى غزوةالحديبية، كما ثبت في الصحيح: أنه كان على خيل قريش طليعة، ثم أسلم في سنة سبع بعدخيبر وقيل قبلها، ووهم من زعم أن أسلم سنة خمسة “.
وقال ابن الأثير – في أسد الغابة -: ” ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآلهقبل فتح مكة. ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤيفقتل منهم من لم يجز قتله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: ” اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد “.
فأرسل مالا مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فودى القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذمنهم حتى ثمن ميلغة الكلب، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم فلما أخبر رسولالله صلى الله عليه وآله بذلك استحسنه. “..
و (قال) فيه أيضا: ” ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على قتالالمرتدين منهم مسيلمة الحنفي في اليمامة، وله في قتالهم الأثر العظيم، و (منهم): مالكابن نويرة من بني يربوع من تميم وغيرهم إلا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرةفقيل: (إنه قتل مسلما) لظن ظنه خالد به، وكلام سمعه منه، وأنكر عليه أبو قتادةوأقسم أنه لا يقاتل تحت رايته، وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب.. “.
و (قال) في أسد الغابة أيضا: – في ترجمة مالك بن نويرة – ” فلما فرغ خالد منبني أسد وغطفان، سار إلى مالك وقدم البطاح فلم يجد به أحدا كان مالك قد فرقهم ونهاهمعن الاجتماع فلما قدم خالد البطاح بث سرايا فأتى بمالك بن نويرة ونفر من قومه فاختلفالسرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة وكان فيمن شهد أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا فحبسهمفي ليلة باردة، وأمر خالد فنادى: أدفئوا أسراكم – وهي في لغة كنانة: القتل – فقتلوهم
=>
فبعثوا إلى خالد فأتاهما، فقالا: نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال:
احملاني على ما شئتما، ولو على قتل علي بن أبي طالب، قالا: فهو ذلك، قالخالد: متى أقتله؟ قال أبو بكر: احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة، فإذا سلمتفقم إليه واضرب عنقه، قال: نعم.
فسمعت أسماء بنت عميس (١) وكانت تحت أبي بكر. فقالت: لجاريتها
<=
فسمع خالد الواعية، فخرج وقد قتلوا، فتزوج خالد امرأته، فقال عمر لأبي بكر: سيفخالد فيه رهق وأكثر عليه فقال أبو بكر: تأول فاخطأ ولا اشيم سيفا سله الله علىالمشركين، وودى مالكا، وقدم خالد على أبي بكر، فقال له عمر: يا عدو الله قتلت امرأمسلما ثم نزوت على امرأته لأرجمنك “.
(قال): ” وقيل إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا، أخذوا السلاحفقالوا: نحن المسلمون، فقال أصحاب مالك: ونحن المسلمون، فقالوا لهم: ضعوا السلاحفوضعوه وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله، أن مالكا قال: ما أخال صاحبكم إلا قال كذا فقالأو ما تعده لك صاحبا؟ فقتله. فقدم متمم على أبي بكر، يطلب بدم أخيه وأن يردعليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي، وودى مالكا من بيت المال، فهذا جميعه ذكرهالطبري وغيره من الأئمة ويدل على أنه لم يرتد. ” انتهى.
وجعله أبو بكر واليا من قبله على الشام فلما ولي عمر الخلافة عزله ومات فيها بحمصفي خلافة عمر.
راجع (الإصابة لابن حجر، أسد الغابة لابن الأثير، ابن أبي الحديد ج ٤ منشرح النهج، الإستيعاب).
(١) أسماء بنت عميس الخثعمية: هي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله واختلبابة زوج العباس بن عبد المطلب وأم الفضل وعبد الله.
هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب (ع) إلى الحبشة.
ذكر ابن الأثير في (أسد الغابة): ” أن عمر بن الخطاب قال لها: نعم القوملولا أننا سبقناكم إلى الهجرة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال: بل لكم هجرتان: إلىأرض الحبشة وإلى المدينة ” وأعقبت أسماء من جعفر بن أبي طالب الطيار
=>
اذهبي إلى منزل علي وفاطمة عليهما السلام، واقرأيهما السلام، وقولي لعلي ” إن الملأيأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ” فجاءت فقال أمير المؤمنين عليه السلام” قولي لها: إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون “.
ثم قام وتهيأ للصلاة، وحضر المسجد، وصلى خلف أبي بكر، وخالد بنالوليد يصلي بجنبه، ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر في التشهد، ندم على ما قالوخاف الفتنة، وعرف شدة علي وبأسه، فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم، حتىظن الناس أنه قد سهى.
<=
في الجنان (ع) ثمانية بنين. وهمعبد الله، وعون، ومحمد الأكبر، ومحمد الأصغر، وعبد الله الأكبر، وعبد اللهالأصغر، وحميد، وحسين.
أما (محمد الأكبر) فقتل مع عمه أمير المؤمنين (ع) بصفين.
وأما (عون) و (محمد الأصغر) فقتلا مع ابن عمهما الحسين عليه السلام يوم الطفوأما (عبد الله الأكبر) فهو أحد أجواد بني هاشم الأربعة وهم: (الحسن والحسينوعبد الله بن العباس وهو الرابع ” ع “).
ولم يبايع رسول الله صلى الله عليه وآله طفلا غير هؤلاء الأربعة.
ولد بأرض الحبشة. وله في الجود أخبار كثيرة حتى لقب بقطب السخاء، حضرمع عمه صفين، وعقد له يوم الجمل على عشرة آلاف، وليس لجعفر عقب إلا منه.
فلما قتل جعفر بن أبي طالب (ع) تزوجها أبو بكر فأولدت له محمدا حبيبعلى وربيب حجره وواليه على مصر، قتله معاوية بن أبي سفيان وللأمام (ع) عندقتل محمد بن أبي بكر خطبة موجودة في النهج ولما مات أبو بكر، تزوجها أمير المؤمنين عفأولدت له يحيى بإجماع، واختلف في عون بن علي بن أبي طالب فقيل إنه منها.
وروي أنها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فأولدت له بنتا اسمها أمامة.
في كشف الغمة: (عن أسماء بنت عميس قالت: أوصتني فاطمة ” ع ” أن لا يغسلهاإلا أنا وعلي فغسلتها أنا وعلي (ع) راجع: الإصابة، أسد الغابة، أعلام النساءريحانة الأدب، شرح النهج لابن أبي الحديد، كشف الغمة للإربلي، أعيان الشيعة.
ثم التفت إلى خالد، فقال: ” يا خالد لا تفعلن ما أمرتك والسلام عليكمورحمة الله وبركاته “.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟ فقال أمرني بضربعنقك، قال: أو كنت فاعلا؟ قال: إي والله، لولا أنه قال لي لا تقتله قبلالتسليم لقتلتك.
قال: فأخذه علي عليه السلام فجلد به الأرض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمريقتله ورب الكعبة، فقال الناس، يا أبا الحسن الله الله، بحق صاحب القبر، فخلىعنه، ثم التفت إلى عمر، فأخذ بتلابيبه وقال: يا بن صهاك والله لولا عهد منرسول الله، وكتاب من الله سبق، لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا ودخل منزله.
رسالة لأمير المؤمنين (ع) إلى أبي بكر لما بلغه عنه كلام بعد منعالزهراء (ع) فدك.
شقوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة، وحطوا تيجان أهلالفخر بجميع أهل الغدر، واستضاؤا بنور الأنوار، واقتسموا مواريث الطاهراتالأبرار، واحتقبوا (١) ثقل الأوزار، بغصبهم نحلة النبي المختار، فكأني بكم تترددونفي العمى، كما يتردد البعير في الطاحونة أما والله لو أذن لي بما ليس لكم به علملحصدت رؤسكم عن أجسادكم كحب الحصيد، بقواضب من حديد، ولقلعت منجماجم شجعانكم ما اقرح به اماقكم، وأوحش به محالكم، فإني – مذ عرفت – مرديالعساكر، ومفني الجحافل، ومبيد خضرائكم، ومخمل ضوضائكم، وجرارالدوارين إذ أنتم في بيوتكم معتكفون، وإني لصاحبكم بالأمس، لعمر أبي وأميلن تحبوا أن يكون فينا الخلافة والنبوة، وأنتم تذكرون أحقاد بدر، وثاراتأحد، أما والله لو قلت ما سبق الله فيكم، لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم،
(١) احتقبوا: حملوا على ظهورهم.
مال الفيئ، وتصرف في ثمن الكراع والسلاح، وأبواب الجهاد، ومصالح الثغورفأمضينا رأيكم، ولم يمضه من يدعيه، وهو ذا يبرق وعيدا، ويرعد تهديدا،إيلاء بحق محمد صلى الله عليه وآله أن يمضحها (١) دما ذعافا، والله لقد استقلت منها فلم أقلواستعزلتها عن نفسي فلم أعزل، كل ذلك كراهية مني لابن أبي طالب، وهربامن نزاعه، ما لي ولابن أبي طالب أهل نازعه أحد ففلج (٢) عليه؟ فقال: له عمر أبيتأن تقول إلا هكذا؟ فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب ولا سخيا في الجدوبسبحان الله ما أهلع (٣) فؤادك، وأصغر نفسك، قد صفيت لك سجالا (٤) لتشربهافأبيت إلا أن تظمأ كظمائك، وأنخت لك رقاب العرب، وثبت لك الإشارة والتدبيرولولا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صير عظامك رميما، فأحمد الله على ما قدوهب لك مني، واشكره على ذلك، فإنه من رقى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله كان حقيقاعليه أن يحدث لله شكرا، وهذا علي بن أبي طالب الصخرة الصماء التي لا ينفجرماءها إلا بعد كسرها، والحية الرقشاء التي لا تجيب إلا بالرقى، والشجرة المرةالتي لو طليت بالعسل لم تنبت إلا مرا، قتل سادات قريش فأبادهم، وألزم آخرهمالعار ففضحهم، فطب عن نفسك نفسا، ولا تغرنك صواعقه، ولا يهولنك رواعدهوبوارقه، فإني أسد بابه قبل أن يسد بابك، فقال له أبو بكر: ناشدتك الله يا عمرلما أن تركتني من أغاليطك وتربيدك، فوالله لو هم ابن أبي طالب بقتلي وقتلكلقتلنا بشماله دون يمينه، وما ينجينا منه إلا إحدى ثلاث خصال: إحداها: إنه وحيدولا ناصر له، والثانية إنه ينتهج فينا وصية رسول الله صلى الله عليه وآله، والثالثة: إنه ما منهذه القبائل أحد إلا وهو يتخضمه (٥) كتخضم الثنية الإبل أوان الربيع، فتعلملولا ذلك لرجع الأمر إليه وإن كنا له كارهين، أما إن هذه الدنيا أهون إليه من
(١) وفي نسخة يمضخها.
(٢) فلج عليه: فاز.
(٣) الهلع: الجبن عند اللقاء.
(٤) السجال جمع سجل وهو: دلو عظيم فيه ماء.
(٥) في بعض النسخ ” يتهضمه كتهضم “.
لقاء أحدنا للموت، أنسيت له يوم أحد؟ وقد فررنا بأجمعنا، وصعدنا الجبل،وقد أحاطت به ملوك القوم، وصناديدهم موقنين بقتله، لا يجد محيصا للخروج منأوساطهم، فلما أن سدد عليه القوم رماحهم نكس نفسه عن دابته حتى جاوزه طعانالقوم، ثم قام قائما في ركابيه وقد طرق عن سرجه وهو يقول: ” يا الله يا الله يا جبرئيليا جبرئيل يا محمد يا محمد النجاة النجاة ” ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على أمرأسه فبقي على فك واحد ولسان، ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى فضربه ضربةعلى جمجمته ففلقها، ومر السيف يهوي في جسده فبراه ودابته بنصفين: ولما أننظر القوم إلى ذلك انجفلوا من بين يديه، فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهمجراثيم جمودا على تلعة من الأرض، يتمرغون في حسرات المنايا، يتجرعونكؤوس الموت، قد اختطف أرواحهم بسيفه، ونحن نتوقع منه أكثر من ذلك،ولم نكن نضبط من أنفسنا من مخافته حتى ابتدئت منك إليه التفاتة، وكان منهإليك ما تعلم، ولولا أنه نزلت آية من كتاب الله لكنا من الهالكين، وهو قولهتعالى “: ولقد عفا عنكم (١) ” فاترك هذا الرجل ما تركك، ولا يغرنك قولخالد أنه يقتله؟ فإنه لا يجسر على ذلك، ولو رام لكان أول مقتول بيده، فإنهمن ولد عبد مناف، إذا هاجوا هيبوا، وإذا غضبوا أدموا، ولا سيما علي بن أبيطالب عليه السلام نابها الأكبر، وسنامها الأطول، وهامتها الأعظم، والسلام على مناتبع الهدى.
(١) آل عمران / ١٥٢.
احتجاج فاطمة الزهراء (ع) على القوم لما منعوها فدك وقولها لهم عندالوفاة في الإمامة.
روى عبد الله بن الحسن (١) بإسناده عن آبائه عليهم السلام: إنه لما أجمع (٢)أبو بكر وعمر على منع فاطمة عليها السلام فدكا وبلغها ذلك (٣)..
(١) هو عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام. في عمدة الطالب وإنما سمي المحض لأن أباه الحسن بن الحسن عليه السلام وأمهفاطمة بنت الحسين (ع) وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله.
وكان شيخ بني هاشم في زمانه، وقيل له: بما صرتم أفضل الناس، قال: لأنالناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد. وقال أبو الفرح الأصفهاني- في مقاتل الطالبيين – عند ذكر من قتل أيام أبي جعفر المنصور وكان أبو جعفرالمنصور قد طلب محمدا وإبراهيم فلم يقدر عليهما فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته وجماعةمن أهل بيته بالمدينة ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم فيالحبس إلى أن قال وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام،يكنى أبا محمد. إلى أن قال: وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية، وهو ابن خمسوسبعين، سنة خمس وأربعين ومائة.
وفي معجم البلدان: والهاشمية أيضا مدينة بناها السفاح بالكوفة إلى أن قالوبالهاشمية هذه حبس المنصور عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضيالله عنه ومن كان معه من أهل بيته.
(٢) أجمع: أحكم النية والعزيمة.
(٣) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قال أبو بكر – يعني: الجوهري -فحدثني محمد بن زكريا قال: حدثني حعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال: حدثني أبيعن الحسين بن صالح بن حي قال حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بنأبي طالب ” ع “.
قال: وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه.
قال أبو بكر: وحدثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن
=>
لاثت خمارها (١) على رأسها، واشتملت بجلبابها (٢)، وأقبلت في لمة (٣)من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها (٤)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله (٥)حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم (٦) فنيطتدونها ملاءة (٧) فجلست ثم أنت أنة أجهش (٨) القوم لها بالبكاء، فارتجالمجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحتالكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلماأمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها السلام:
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عمومنعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأىعن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالهاواستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله
<=
شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي ” ع “.
قال أبو بكر: وحدثني أحمد بن محمد بن زيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عنأبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة.. الخ
(١) اللوث: الطي والجمع، ولاث العمامة شدها وربطها، ولانت خمارهالفته والخمار بالكسر: المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى.
(٢) الاشتمال بالشئ جعله شاملا ومحيطا لنفسه – والجلباب: الرداء والإزار
(٣) في لمة: أي جماعة وفي بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي في جماعةقليلة والحفدة بالتحريك: الأعوان والخدم.
(٤) أي أن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت تطأها عند المشي وفي بعضالنسخ تجر أدراعها والمعنى واحد.
(٥) الخرم بضم الخاء وسكون الراء الترك، والنقص، والعدول.
(٦) الحشد: الجماعة.
(٧) نيطت: علقت وناط الشئ علقه: والملاءة الإزار.
(٨) أجهش القوم: تهيئوا.
وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنارفي التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهامكيفيته، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلهاكونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له فيتصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، تعبدا لبريتهوإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادةلعباده من نقمته، وحياشة (١) لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسولهاختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذالخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علمامن الله تعالى بما يلي الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع الأمورابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأىالأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانهافأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها (٢)، وجلى عنالأبصار غممها (٣)، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم منالعماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم. ثم قبضه الله إليهقبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة،قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلىالله على أبي نبيه، وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمةالله وبركاته.
ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملةدينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغائه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد
(١) حاش الإبل: جمعها وساقها.
(٢) بهمها: أي مبهماتها وهي المشكلات من الأمور.
(٣) الغمم: جمع غمة وهي: المبهم والملتبس وفي بعض النسخ ” عماها “.
قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنورالساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره،مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنالحجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينهالكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة، فجعل اللهالإيمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة:
تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للاخلاص، والحج: تشييداللدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وإمامتنا: أمانا للفرقةوالجهاد: عزا للإسلام، والصبر، معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف:
مصلحة للعامة، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الأرحام: منساة في العمر (١)ومنماة للعدد، والقصاص: حقنا للدماء، والوفاء بالنذر: تعريضا للمغفرة، وتوفيةالمكائيل والموازين: تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر: تنزيها عن الرجسواجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: إيجابا بالعفة، وحرم الله الشركإخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعواالله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء.
ثم قالت أيها الناس اعلموا: إني فاطمة وأبي محمد صلى الله عليه وآله أقول عودا وبدوا،ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا (٢) لقد جائكم رسول منأنفسكم عزيز عليه ما عنتم (٣) حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم. فإنتعزوه (٤) وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم (٥)
(١) منساة للعمر: مؤخرة.
(٢) شططا: الشطط بالتحريك: هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شئ.
(٣) عنتم: أنكرتم وجحدتم.
(٤) تعزوه: تنبوة
(٥) سيأتي قول النبي لعلي أنت أخي وحديث المؤاخاة.
ولنعم المعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة (١)مائلا عن مدرجة المشركين (٢) ضاربا ثبجهم (٣) آخذا بأكظامهم (٤) داعياإلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام (٥) وينكث الهام، حتىانهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه (٦) وأسفر الحق عنمحضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين (٧) وطاح وشيظ النفاق (٨)وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص (٩) في نفر من البيضالخماص (١٠) وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب (١١) ونهزةالطامع (١٢) وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام (١٣) تشربون الطرق (١٤)
(١) صادعا: الصدع هو الإظهار: والنذارة بالكسر الإنذار وهو الإعلامعلى وجه التخويف.
(٢) المدرجة: هي المذهب والمسلك.
(٣) ثبجهم: الثبج بالتحريك: وسط الشئ ومعظمه.
(٤) أكظامهم: الكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق.
(٥) يجف الأصنام: في بعض النسخ ” يكسر الأصنام ” وفي بعضها ” يجذ ” أي يكسر.
(٦) تفرى الليل عن صبحه: أي انشق حتى ظهر وجه الصباح.
(٧) شقاشق الشياطين: الشقاشق: جمع شقشقة بالكسر وهي: شئ كالربةيخرجها البعير من فيه إذا هاج.
(٨) طاح: هلك. والوشيظ السفلة والرذل من الناس.
(٩) كلمة الإخلاص: كلمة التوحيد.
(١٠) البيض الخماص: المرد بهم أهل البيت عليهم السلام. (١١) مذقة الشارب: شربته.
(١٢) نهزة الطامع: بالضم – الفرصة أي محل نهزته.
(١٣) قبسة العجلان: مثل في الاستعجال. وموطئ الأقدام: مثل مشهور فيالمغلوبية والمذلة.
(١٤) الطرق: بالفتح ماء السماء الذي تبول به الإبل وتبعر.
وتقتاتون القد (١) أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم،فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله، وبعد أن مني ببهم (٢)الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأهاالله، أو نجم قرن الشيطان (٣) أو فغرت فاغرة من المشركين (٤) قذفأخاه في لهواتها (٥) فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه (٦) ويخمد لهبهابسيفه، مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا فيأولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا، كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم فيرفاهية من العيش، وادعون (٧) فاكهون (٨) آمنون، تتربصون بناالدوائر (٩) وتتوكفون الأخبار (١٠) وتنكصون عند النزال، وتفرون منالقتال، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكةالنفاق (١١) وسمل جلباب الدين (١٢) ونطق كاظم الغاوين (١٣) ونبغ خامل
(١) القد: بكسر القاف وتشديد الدال – سير بقد من جلد غير مدبوغ.
(٢) بهم الرجال: شجعانهم.
(٣) نجم: ظهر، وقرن الشيطان أمته وتابعوه.
(٤) فغرفاه: أي فتحه، والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم.
(٥) قذف: رمى، واللهوات بالتحريك: – جمع لهات -: وهي اللحمة فيأقصى شفة الفم.
(٦) ينكفئ: يرجع، والأخمص ما لا يصيب الأرض من باطن القدم.
(٧) وادعون: ساكنون
(٨) فاكهون: ناعمون
(٩) الدوائر: صروف الزمان أي كنتم تنظرون نزول البلايا علينا.
(١٠) تتوقعون أخبار المصائب والفتن النازلة بنا.
(١١) في بعض النسخ ” حسيكة ” وحسكة النفاق عداوته.
(١٢) وسمل جلباب الدين: سمل صار خلقا، والجلباب الإزار.
(١٣) الكظوم: السكوت.
الأقلين (١) وهدر فنيق المبطلين (٢) فخطر في عرصاتكم (٣) واطلعالشيطان رأسه من مغرزة هاتفا بكم (٤) فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزةفيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا، وأحشمكم فألفاكم غضابا (٥)فوسمتم غير إبلكم (٦) ووردتم غير مشربكم (٧) هذا والعهد قريب والكلمرحيب (٨)، والجرح لما يندمل (٩) والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوفالفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيفبكم، وأني تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرةوأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركمأرغبة عنه تريدون (*)؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يبتع غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أنتسكن نفرتها (١٠) ويسلس قيادها (١١) ثم أخذتم تورون وقدتها (١٢)وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي
(*) في بعض النسخ ” تدبرون “.
(١) الخامل: من خفي ذكره وكان ساقطا لا نباهة له.
(٢) الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم منالإبل الذي لا يركب ولا يهان.
(٣) خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.
(٤) مغرزه: أي ما يختفى فيه تشبيها له بالقنفذ فإنه يطلع رأسه بعد زوال الخوف
(٥) أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه.
(٦) الوسم أثر الكي.
(٧) الورود: حضور الماء للشرب.
(٨) الكلم بالضم: الجرح، الرحب بالضم: السعة.
(٩) أي لم يصلح بعد.
(١٠) نفرتها: نفرت الدابة جزعت وتباعدت.
(١١) يسلس: يسهل.
(١٢) أي: لهبها.
وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في ارتغاء (١) وتمشون لأهله وولدهفي الخمرة والضراء (٢) ويصير (*) منكم على مثل حز المدى (٣) ووخزالسنان في الحشاء، وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغونومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟! أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلى لكمكالشمس الضاحية: أني ابنته.
أيها المسلمون أغلب على إرثي (**)؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباكولا إرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراءظهوركم؟ إذ يقول: ” وورث سليمان داود ” (٤) وقال: فيما اقتص من خبريحيى بن زكريا إذ قال: ” فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب (٥) “وقال: ” وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (٦) ” وقال: ” يوصيكمالله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين (٧) ” وقال: إن ترك خيرا الوصيةللوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (٨) وزعمتم: أن لا حظوة (٩)لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هلتقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم
(*) وفي بعض النسخ ” يصير “.
(**) في بعض النسخ ” إرثه “.
(١) الحسو: هو الشرب شيئا فشيئا، والارتغاء: هو شرب الرغوة وهياللبن المشوب بالماء وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره.
(٢) الخمر بالفتح: ما واراك من شجر وغيره، والضراء بالفتح: الشجرالملتف بالوادي.
(٣) الحز: القطع، والمدى، السكاكين.
(٤) النمل: ١٦.
(٥) مريم: ٦.
(٦) الأنفال: ٧٥.
(٧) النساء: ١١.
(٨) البقرة ١٨٠.
(٩) الحظوة: المكانة.
أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة (١)تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعةيخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون منيأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيمثم رمت بطرفها (*) نحو الأنصار فقالت: يا معشر النقيبة وأعضاد الملة (٢)وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي (٣) والسنة عن ظلامتي (٤)؟ أما كانرسول الله صلى الله عليه وآله أبي يقول (المرء يحفظ في ولده)؟ سرعان ما أحدثتم، وعجلانذا إهالة (٥) ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون ماتمحمد صلى الله عليه وآله؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه (٦) وانفتق رتقه، واظلمتالأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت (٧)الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك واللهالنازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة (٨) عاجلة، أعلنبها كتاب الله جل ثناؤه، في أفنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف فيأفنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، وألحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حكم
(*) في بعض النسخ ” رنت “.
(١) مخطومة: من الخطام بالكسر وهو: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد بهوالرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس.
(٢) النقيبة: الفتية.
(٣) الغميزة: – بفتح الغين المعجمة والزاي – ضعفة في العمل.
(٤) السنة بالكسر: النوم الخفيف.
(٥) إهالة: بكسر الهمزة الدسم. وسرعان ذا إهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونةالشئ قبل وقته.
(٦) وهنه الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع.
(٧) أكدت: قل خيرها.
(٨) بائقة: داهية.