الرئيسية / بحوث اسلامية / الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٣٨١ – ٤٠٠

وأنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير، فإن الله تباركوتعالى إنما عنى بذلك: أنه جعله سببا لأنظار أهل هذه الدار لأن الأنبياء قبله بعثوابالتصريح لا بالتعريض، وكان النبي صلى الله عليه وآله منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومهسلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهمبالآفة التي كان نبيهم يتوعدهم بها، ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم، من:

خسف، أو قذف، أو رجف، أو زلزلة، أو غير ذلك من أصناف العذابالتي هلكت بها الأمم الخالية.

وأن الله علم من نبينا صلى الله عليه وآله ومن الحجج في الأرض: الصبر على ما لم يطقمن تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله، فبعثه، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح، وأثبتحجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله – في وصيه -: ” من كنت مولاه فهذا مولاه “.

و ” هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ” وليس من خليقةالنبي ولا من النبوة أن يقول قولا لا معنى له، فلزم الأمة أن تعلم: أنه لما كانتالنبوة والأخوة موجودتين في خلقة هارون، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى الله عليه وآلهبمنزلته أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون، حيث قال له:

” أخلفني في قومي ” ولو قال لهم: لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه وإلا نزل بكمالعذاب، لأتاهم العذاب وزال باب الإنظار والإمهال.

وبما أمر بسد باب الجميع وترك بابه، ثم قال: ما سددت ولا تركت ولكنيأمرت فأطعت، فقالوا سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا.

فأما ما ذكروه من حداثة سنه، فإن الله لم يستصغر يوشع بن نون حيثأمر موسى أن يعهد بالوصية إليه، وهو في سن ابن سبع سنين، ولا استصغر يحيىوعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته، وإنما جعل ذلك جل ذكره لعلمهبعاقبة الأمور، وأن وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا.

وبأن عمد النبي صلى الله عليه وآله إلى سورة براءة، فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثرهعلى وصيه، وأمره بقرائتها على أهل مكة، فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيه

٣٨١

وأمر بارتجاعها منه، والنفوذ إلى مكة ليقرأها على أهلها، وقال: ” إن الله جلجلاله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني ” دلالة منه على خيانة من علم أنالأمة اختارته على وصيه.

ثم شفع ذلك بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه، ومن يوازره في تقدمالمحل عند الأمة، إلى علم النفاق ” عمرو بن العاص ” في غزاة ذات السلاسل، ولاهماعمرو: حرس عسكره.

وختم أمرهما بأن: ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد، وأمرهمابطاعته، والتصريف بين أمره ونهيه، وكان آخر ما عهد به في أمر أمته قوله:

” أنفذوا جيش أسامة ” يكرر ذلك على أسماعهم، إيجابا للحجة عليهم في إيثارالمنافقين على الصادقين.

ولو عددت كلما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في إظهار معائب المستولينعلى تراثه لطال، وأن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبرلعجزه عن القيام بأمر الأمة، ومستقيلا (١) مما قلدوه لقصور معرفته على تأويلما كان يسأل عنه، وجهله بما يأتي ويذر.

ثم أقام على ظلمه، ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمرمن بعده لغيره، فأتى التالي بتسفيه رأيه، والقدح والطعن على أحكامه، ورفعالسيف عمن كان صاحبه وضعه عليه، ورد النساء اللاتي كان سباهن إلى أزواجهنوبعضهن حوامل، (٢) وقوله: ” قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي: إنكلحدب على أهل الكفر وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم “.

ولم يزل يخطئه، ويظهر الأرزاء عليه، ويقول على المنبر: ” كانت بيعةأبي بكر فلتة، وقى الله شرها، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ” وكان يقول: قبل

(١) إشارة إلى قول أبي بكر ” أقيلوني فلست بخيركم “.

(٢) راجع قصة مالك بن نويرة في ترجمة خالد بن الوليد في هامش ص ١٢٤ منهذا الكتاب.

٣٨٢

ذلك قولا ظاهرا ليته حسنة من حسناته، ويود أنه كان شعرة في صدره، وغيرذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الإسلام.

وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها: عقد الظلم والإلحاد، والغي والفساد،حتى تقرر على إرادته ما لم يخف – على ذي لب موضع ضرره -.

ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل، فعاجلته بالقتلفاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم: محاولة مثلما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة.

كل ذلك لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس، إلى أن يبلغ الكتابأجله، ويحق القول على الكافرين، ويقترب الوعد الحق، الذي بينه في كتابهبقوله: ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات لنستخلفنهم في الأرض كمااستخلف الذين من قبلهم ” (١) وذلك: إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآنإلا رسمه، وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك، لاشتمال الفتنة على القلوبحتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عدواة له.

وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها، ويظهر دين نبيه صلى الله عليه وآله – على يديه -على الدين كله ولو كره المشركون.

وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله، والأرزاء به،والتأنيب له، مع ما أظهره الله تعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائهفإن الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين، كما قال في كتابه، وبحسبجلالة منزلة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه، كذلك عظم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقهونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته، وتكذيبه إياه، وسعيه في مكارهه، وقصدهلنقض كل ما أبرمه، واجتهاده ومن مالأه على كفره، وعناده، ونفاقه، وإلحادهفي إبطال دعواه، وتغيير ملته، ومخالفته سنته، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيدهمن تنفيرهم من موالاة وصيه، وإيحاشهم منه، وصدهم عنه، وإغرائهم بعداوته،

النور: ٥٥.

٣٨٣

والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل، وكفرذوي الكفر، منه وممن وافقه على ظلمه، وبغيه، وشركه، ولقد علم الله ذلكمنهم فقال: ” إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ” وقال: ” يريدون أنيبدلوا كلام الله ” ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل، والتنزيل.

والمحكم، والمتشابه، والناسخ، والمنسوخ، لم يسقط منه: حرف ألف ولا لام،فلما وقفوا على ما بينه الله من: أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن أظهرنقص ما عهدوه قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، وكذلكقال: ” فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون “.

دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله، إلى جمعه،وتأليفه، وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم: منكان عنده شئ من القرآن فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهمعلى معادات أولياء الله، فألفه على اختيارهم، وما يدل للمتأمل له على اختلالتمييزهم، وافترائهم، وتركوا منه ما قدروا أنه لهم، وهو عليهم، وزادوا فيه ماظهر تناكره وتنافره، وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين، فقال، ” ذلك مبلغهم منالعلم ” وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم، وافترائهم.

والذي بدا في الكتاب من الازراء على النبي صلى الله عليه وآله من فرقة الملحدين ولذلكقال: ” ويقولون منكرا من القول وزورا ” ويذكر جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وآله مايحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله: ” وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيإلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته “يعني: أنه ما من نبي تمنى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه، وعقوقهم، والانتقالعنهم إلى دار الإقامة، إلا ألقى الشيطان المعرض لعداوته عند فقده في الكتاب الذيأنزل عليه، ذمه، والقدح فيه، والطعن عليه، فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنينفلا تقبله، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين، والجاهلين، ويحكم الله آياته بأن:

يحمي أوليائه من الضلال والعدوان، ومشايعة أهل الكفر والطغيان، الذين لم يرض

٣٨٤

الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال: ” بل هم أضل سبيلا “.

فافهم هذا واعلمه، واعمل به، واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليكالسؤال عنه أكثر مما سألت عنه، وأني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدمحملة العلم، وقلة الراغبين في التماسه، وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب.

قال السائل: حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين، شكرا لله لك على استنقاذيمن عماية الشرك، وطخية الإفك، وأجزل على ذلك مثوبتك، إنه على كل شئقدير، وصلى الله أولا وآخرا على أنوار الهدايات، وأعلام البريات، محمد وآلهأصحاب الدلالات الواضحات، وسلم تسليما كثيرا.

عن الأصبغ بن نباتة قال: لما بويع أمير المؤمنين عليه السلام، خرج إلى المسجدمتعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله، لابسا بردته، منتعلا بنعل رسول الله، ومتقلدابسيف رسول الله صلى الله عليه وآله، فصعد المنبر، فجلس متمكنا، ثم شبك بين أصابعه فوضعهاأسفل بطنه، ثم قال:

يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني: وهذا سفط العلم، هذا لعابرسول الله صلى الله عليه وآله، هذا ما زقني رسول الله زقا زقا، سلوني فإن عندي علمالأولين والآخرين.

أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهموأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الزبور بزبورهم، وأهل القرآن بقرآنهم، حتىينطق كل كتاب من كتب الله فيقول: ” صدق علي لقد أفتاكم بما أنزل الله في “وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم: ما أنزل الله فيه، ولولاآية في كتاب الله لأخبرتكم: بما كان، وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامةوهي هذه الآية: ” يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ” (١).

ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالذي فلق الحبة وبرئ النسمة، لوسألتموني عن: آية آية في ليل نزلت أم في نهار نزلت، مكيها ومدنيها، سفريها

(١) الرعد – ٩٣.

٣٨٥

٣٨٦

أيها الناس سلوني فإن بين جوانحي علما جما.

فقام إليه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟

قال: الرياح.

قال: فما الحاملات وقرا؟

قال: السحاب.

قال: فما الجاريات يسرا؟

قال: السفن.

قال: فما المقسمات أمرا.

قال: الملائكة.

قال: يا أمير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا.

قال: ثكلتك أمك يا بن الكوا كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا ينقض بعضهبعضا، فسل عما بدا لك.

قال: يا أمير المؤمنين سمعته يقول: ” رب المشارق والمغارب ” وقال في آيةأخرى: ” رب المشرقين ورب المغربين ” وقال في آية أخرى: ” رب المشرق والمغرب “.

قال: ثكلتك أمك يا بن الكوا، هذا المشرق وهذا المغرب، وأما قوله: ربالمشرقين ورب المغربين، فإن مشرق الشتاء على حدة، ومشرق الصيف على حدةأما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها؟ وأما قوله: رب المشارق والمغارب، فإنلها ثلثمائة وستين برجا، تطلع كل يوم من برج، وتغيب في آخر، فلا تعود إليهإلا من قابل في ذلك اليوم.

قال: يا أمير المؤمنين كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك؟

قال: ثكلتك أمك يا بن الكوا سل متعلما، ولا تسأل متعنتا، من موضعقدمي إلى عرش ربي أن يقول قائل مخلصا: ” لا إله إلا الله “.

قال: يا أمير المؤمنين فما ثواب من قال: لا إله إلا الله؟

قال: من قال لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه، كما يطمس الحرف

٣٨٧

الأسود من الرق الأبيض، فإن قال ثانية لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبوابالسماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة اللهفإذا قال ثالثة لا إله إلا الله مخلصا، تنته دون العرش، فيقول الجليل: ” اسكنيفوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ” ثم تلا هذه الآية: ” إليه يصعدالكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ” يعني إذا كان عمله صالحا ارتفع قوله وكلامه.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قوس قزح.

قال: ثكلتك أمك لا تقل: قوس قزح فإن قزحا اسم شيطان، ولكن قل:

قوس الله، إذا بدت يبدو الخصب والريف.

قال: أخبرني يا أمير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء.

قال: هي شرج في السماء، وأمان لأهل الأرض من الغرق، ومنه غرق اللهقوم نوح بماء منهمرقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر.

قال: عليه السلام: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، رجل أعمى يسأل عن مسألةعمياء، أما سمعت الله تعالى يقول: ” وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليلوجعلنا آية النهار مبصرة ” (١).

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله.

قال: عن أي أصحاب رسول الله تسألني؟

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن أبي ذر الغفاري.

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ” ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراءعلى ذي لهجة أصدق من أبي ذر “.

قال: يا أمير المؤمنين فاخبرني عن سلمان الفارسي.

قال: بخ بخ سلمان منا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم، علم علمالأول والآخر.

(١) الإسراء – ١٢.

٣٨٨

قال يا أمير المؤمنين أخبرني عن حذيفة بن اليماني.

قال: ذاك امرء علم أسماء المنافقين، أن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما.

قال: يا أمير المؤمنين فاخبرني عن عمار بن ياسر.

قال: ذاك امرء حرم الله لحمه ودمه على النار أن تمس شيئا منها.

قال: يا أمير المؤمنين فاخبرني عن نفسك.

قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتدئت.

قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله عز وجل: ” قل هل ننبئكمبالأخسرين أعمالا ” الآية.

قال: كفرة أهل الكتاب، اليهود والنصارى، وقد كانوا على الحق فابتدعوافي أديانهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكوا.

ثم قال: يا بن الكوا وما أهل النهروان منهم ببعيد.

فقال: يا أمير المؤمنين ما أريد غيرك، ولا أسأل سواك.

قال: فرأينا ابن الكوا يوم النهروان فقيل له: ثكلتك أمك، بالأمستسأل أمير المؤمنين عما سألته، وأنت اليوم تقاتله فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتلهوعن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: سلوني عنكتاب الله عز وجل، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ونهار، ولا مسيرولا مقام، إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلمني تأويلها.

فقام إليه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه؟

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه حتىأقدم عليه، فيقرأنيه ويقول لي: يا علي أنزل الله علي بعدك كذا وكذا، وتأويلهكذا وكذا فيعلمني تنزيله وتأويله.

وجاء في الآثار: أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخطب فقال في خطبته: سلونيقبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فتنة تضل مائة وتهدي مائة إلا أنبأتكم

٣٨٩

بناعقها، وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل (١) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتيمن طاقة شعر.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألتعنه، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك، وعلى كل طاقة شعر فيلحيتك شيطانا يستفزك، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله، ذلك مصداق ماأخبرتك به ولولا أن الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به، ولكن آية ذلك مانبأتك به من لعنك، وسخلك الملعون، وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبوفلما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان تولي قتله، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه السلام.

 

* * *

إحتجاجه (ع) على من قال بالرأي في الشرع والاختلاف في الفتوى وأنيتعرض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل وذكر الوجه لاختلاف من أختلففي الدين والرواية عن رسول الله (ص).

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ترد على أحدهم القضية في حكم منالأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافقوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوب آرائهم جميعا،وإلههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد، أفأمرهم الله سبحانه بالإختلاففأطاعوه، أم نهاهم عنه فعصوه، أم أنزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامهأم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى، أم أنزل الله سبحانه ديناتاما فقصر الرسول صلى الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول: ” ما فرطنا فيالكتاب من شئ ” (٢) ” وفيه تبيان كل شئ ” وذكر أن الكتاب يصدق بعضه

(١) هو الأشعث بن قيس لعنه الله.

(٢) الأنعام – ٣٨.

٣٩٠

بعضا، وأنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: ” ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيهاختلافا كثيرا ” وأن القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق، لا تفني عجائبه، ولاتنقي غرائبه، ولا تكشف الظلمات إلا به.

وروي أنه عليه السلام قال: إن أبغض الخلايق إلى الله تعالى رجلان:

رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، سائر بغير علم ولادليل، مشعوف بكلام بدعة، (١) ودعاء ضلالة، فهو: فتنة لمن افتتن به،ضال عن هدي من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته، حمالخطايا غيره، رهن بخطيئته.

ورجل قمش جهلا، فوضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة، قد لهجمنها بالصوم والصلاة، عمي في عقد الهدنة، سماه الله: عاريا منسلخا، وسماه أشباهالناس: عالما وليس به، ولما يغن في العلم يوما، سالما بكر فاستكثر من جمعما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، وأكثر من غير طائلجلس بين الناس مفتيا، قاضيا، ضامنا لتلخيص ما التبس على غيره، إن خالفمن سبقه: لم يأمن من نقض حكمه من يأتي من بعده، كفعله بمن كان قبلهفإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه، ثم قطع به فهو منلبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، خباط جهالات، وركاب عشوات، ومفتاحشبهات، فهو لا يدري أصاب الحق أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ،وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، فهو من رأيه في مثل نسج غزل العنكبوتالذي إذا مرت به النار لم يعلم بها، لم يعض على العلم بضرس قاطع، فيغنم بذريالروايات إذراء الريح الهشيم، لأملي والله بإصدار ما ورد عليه، لا يحسب العلم فيشئ مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما ذهب فيه مذهب ناطق ما بلغ منه مذهبالغيره، وإن قاس شيئا بشئ لم يكذب رأيه، كيلا يقال له: لا يعلم شيئا، وإنخالف قاضيا سبقه لم يؤمن فضيحته حين خالفه، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما

(١) المشعوف: المجنون الوله.

٣٩١

يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث، إلى اللهأشكو معشرا يعيشون جهالا، ويموتون ضلالا، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، وتولولمنه الفتيا، وتبكي منه المواريث، ويحلل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائهالفرج الحلال، ويأخذ المال من أهله فيدفعه إلى غير أهله.

وروي أنه صلوات الله عليه قال – بعد ذلك -:

أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته، فإن العلم الذيهبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيكم محمد صلى الله عليه وآلهفأنى يتاه بكم؟! بل أين تذهبون؟! يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة!

هذه مثلها فيكم فاركبوها، فكما نجى في هاتيك من نجى فكذلك ينجو في هذهمن دخلها، أنا رهين بذلك قسما حقا وما أنا من المتكلفين، والويل لمن تخلفثم الويل لمن تخلف، أما بلغكم ما قال فيكم نبيكم حيث يقول – في حجة الوداع -:

” إني تارك فيكم الثقلين، ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهلبيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما “ألا هذا عذب فرات فاشربوا منه، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال – لرأس اليهود -: على كم افترقتم؟

فقال على كذا وكذا فرقة.

فقال علي عليه السلام: كذبت ثم أقبل على الناس فقال:

والله لو ثنيت لي الوسادة: لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهلالإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم.

افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدةناجية في الجنة، وهي: التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام.

وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في الناروواحدة بالجنة، وهي: التي اتبعت شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام.

وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار

٣٩٢

وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد صلى الله عليه وآله، وضرب بيده على صدره ثم قال:

ثلاثة عشر فرقة من الثلاث وسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي، وحبي، واحدةمنها في الجنة، وهي: النمط الأوسط واثنتا عشرة في النار.

عن مسعدة بن صدقة، (١) عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: خطب أمير المؤمنينعليه السلام فقال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ” كيف أنتم إذا لبستم الفتنة، ينشؤ فيهاالوليد، ويهرم فيها الكبير، ويجري الناس عليها حتى يتخذونها سنة، فإذا غيرمنها شئ قيل أتى الناس بمنكر، غيرت السنة، ثم تشتد البلية، وتنشؤ فيها الذريةوتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثقالها، يتفقه الناس لغيرالدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة “.

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ناس من أهل بيته، وخاص من شيعته،فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:

لقد عمل الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك،ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهدرسول الله لتفرق عني جندي، حتى أبقى وحدي إلا قليلا من شيعتي، الذينعرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، أرأيتم لو أمرت بمقامإبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله، ورددت فدك إلى ورثةفاطمة سلام الله عليها، ورددت صاع رسول الله ومده إلى ما كان، وأمضيت إلىقطايع كان رسول الله صلى الله عليه وآله أقطعها للناس سنين، ورددت دار جعفر بن أبي طالبإلى ورثته، وهدمتها وأخرجتها من المسجد، ورددت الخمس إلى أهله، ورددتقضاء كل من قضى بجور، ورددت سبي ذراري بني تغلب، ورددت ما قسم من أرض

(١) مستعدة بن صدقة: عده الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى من أصحاب الباقروالصادق عليهما السلام، وذكره العلامة في القسم الثاني من خلاصته ص ٢٦٠ فقال:

مسعدة بن صدقة: قال الشيخ رحمه الله: إنه عامي، وقال الكشي إنه بتري.

٣٩٣

خيبر، ومحوت ديوان العطاء، وأعطيت كما كان يعطي رسول الله صلى الله عليه وآله، ولمأجعلها دولة بين الأغنياء.

والله لقد أمرت الناس: أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، فنادىبعض أهل عسكري ممن يقاتل وسيفه معي: ” أنعى الإسلام وأهله غيرت سنة عمر “ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة، حتى خفت أن يثور في ناحية عسكريعلى ما لقيت، ولقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار.

وأعظم من ذلك سهم ذوي القربى، الذي قال الله تبارك وتعالى فيه ” واعلمواأنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكينوابن السبيل ” (١) وذلك لنا خاصة إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنايوم الفرقان، نحن والله عنى بذوي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه، ولميجعل لنا في الصدقة نصيبا، أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه وأكرمنا أن يطعمناأوساخ أيدي الناس.

فقال له رجل: إني سمعت من سلمان، وأبي ذر، والمقداد، أشياء فيتفسير القرآن والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم،ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة في تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآلهوأنتم تخالفونهم، وتزعمون أن ذلك باطل، فترى الناس يكذبون متعمدين علىالنبي صلى الله عليه وآله، ويفسرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل علي عليه السلام عليه فقال له: سألت فافهم الجواب: إن في أيديالناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وخاصا وعاما، ومحكماومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله وهو حي، حتى قامخطيبا فقال:

” أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأمقعده من النار “.

(١) الأنفال – ٤١

٣٩٤

وإنما أتاك بالحديث: أربعة رجال ليس لهم خامس.

رجل منافق: مظهر للإيمان، متصنع بالإسلام، لا يتأثم، ولا يتحرج،يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا، فلو علم الناس: أنه منافق، كاذب، لم يقبلوامنه، ولم يصدقوا قوله، ولكنهم قالوا: ” صاحب رسول الله، رآه وسمع منه،ولقف عنه ” فيأخذون بقوله، وقد أخبرك الله تعالى عن المنافقين بما أخبرك،ووصفهم بما وصفهم به لك، ثم بقوا بعده صلى الله عليه وآله فتقربوا إلى أئمة الضلالة، والدعاةإلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم حكاما على رقاب الناسوأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا، إلا من عصم الله تعالى، فهذاأحد الأربعة.

ورجل: سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه، ولميتعمد كذبا فهو في يديه، يرويه، ويعمل به، ويقول: إنما سمعت من رسولالله صلى الله عليه وآله، فلو علم المسلمون أنه وهم فيه، لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنهكذلك لرفضه.

ورجل ثالث: سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا يأمر به، ثم نهى عنه، وهولا يعلم، أو سمعه نهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ، ولم يحفظالناسخ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخلرفضوه، وآخر لم يكذب على الله، ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفا للهتعالى، وتعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يهم به بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاءبه على ما سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، وحفظ الناسخ فعمل به، وحفظالمنسوخ وجنب عنه، وعرف الخاص والعام فوضع كل شئ موضعه، وعرفالمتشابه والمحكم.

وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: فكلام خاص، وكلامعام، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله تعالى به، ولا ما عنى به رسول الله صلى الله عليه وآلهفيحمله السامع ويوجهه على غير معرفة بمعناه، ولا ما قصد به، وما خرج من

٣٩٥

أجله، وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يسأله ويستفهمه، حتى أن كانواليحبون أن يجيء الأعرابي أو الطاري فيسأله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا كلامه، وكانلا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه، وحفظته، فهذه وجوه ما عليه الناس فياختلافهم، وعللهم في رواياتهم.

وعن يحيى الحضرمي (١) قال سمعت عليا عليه السلام يقول:

كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله وهو نائم ورأسه في حجري.

قيل لي: ما الدجال؟

فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله محمر وجهه، فقال: فيما أنتم؟

فقلت له: يا رسول الله سألوني عن الدجال.

فقال: لغير الدجال أنا أخوف عليكم من الدجال، الأئمة الضالون المضلونيسفكون دماء عترتي، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم.

 

* * *

جواب مسائل الخضر (ع) للحسن بن علي بن أبي طالب (ع) بحضرةأبيه (ع).

عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري (٢) عن أبي جعفر بن محمد بن عليالثاني عليهم السلام قال:

(١) يحيى الحضرمي من أصحاب أمير المؤمنين ” ع ” كان هو وابنه عبد الله منشرطة الخميس نقل أن أمير المؤمنين ” ع ” قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي – يوم الجمل -أبشر يا بن يحيى: فإنك وأباك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله ” ص “باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم في السماء: ” شرطة الخميس ” علىلسان نبيه ” ص “.

(٢) أبو هاشم الجعفري: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بنأبي طالب رضي الله تعالى عنهم البغدادي وكان ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة عندالأئمة عليهم السلام، وقد شاهد منهم: الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري

=>

٣٩٦

أقبل أمير المؤمنين ذات يوم ومعه الحسن بن علي عليهما السلام، وسلمان الفارسي ” ره “وأمير المؤمنين عليه السلام متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، فأقبلرجل حسن الهيئة واللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام، فرد عليه السلام فجلسثم قال:

يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أن القومركبوا من أمرك ما أفضى إليهم أنهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم.

وإن يكن الأخرى علمت أنك وهم شرع سواء.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: سلني عما بدا لك.

فقال: أخبرني، عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه، وعن الرجل كيفيذكر وينسى، وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال: يا أبامحمد أجبه فقال عليه السلام:

<=

وصاحب الأمر صلوات الله عليهم أجمعين، وكان منقطعا إليهم، وقد روى عنهمكلهم، وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم ” ع ” منه قوله في أبي الحسن الهادي ” ع “وقد اعتل:

 

مادت الأرض بي وأدت فؤادي * واعترتني موارد العرواء
حين قيل الإمام نضو عليل * قلت نفسي فدته كل الفداء
مرض الدين لاعتلالك واعتل * وغارت له نجوم السماء
عجبا أن منيت بالداء والسقم * وأنت الإمام حسم الداء
أنت آسى الأدواء في الدين والدنيا * ومحيى الأموات والأحياء

وكان مقدما عند السلطان، وكان ورعا، زاهدا، ناسكا، عالما، عاملا، ولميكن أحد في آل أبي طالب ” ع ” مثله في زمانه في علو النسب، وذكر السيد ابن طاووسرحمه الله: أنه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم، توفي في ج ١ سنة ” ٢٦١ “عن الكنى والألقاب للقمي ج ١

٣٩٧

أما ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإن: روحهمتعلقة بالريح، والريح متعلقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإنأذن الله برد تلك الروح على صاحبها، جذبت تلك الروح الريح، وجذبت تلكالريح الهواء، فرجعت فسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن الله عز وجل بردتلك الروح على صاحبها، جذبت الهواء الريح، فجذبت الريح الروح، فلم تردعلى صاحبها إلى وقت ما يبعث.

وأما ما ذكرت من أمر الذكر والنسيان فإن: قلب الرجل في حق، وعلىالحق طبق، فإن صلى الرجل عند ذلك على محمد وآل محمد صلاة تامة، انكشف ذلكالطبق عن ذلك الحق، فأضاء القلب، وذكر الرجل ما كان نسي، وإن لم يصلعلى محمد وآل محمد، أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق،فأظلم القلب، ونسي الرجل ما كان ذكره.

وأما ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله فإن: الرجل إذاأتى أهله فجامعها بقلب ساكن، وعروق هادئة، وبدن غير مضطرب، فأسكنتتلك النطفة جوف الرحم خرج الولد يشبه أبه وأمه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكنوعروق غير هادية، وبدن مضطرب، اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابهاعلى بعض العروق: فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه،وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.

فقال الرجل أشهد أن لا إله إلا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمدارسول الله، ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصي رسول الله القائم بحجته – وأشارإلى أمير المؤمنين عليه السلام – ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته- وأشار إلى الحسن عليه السلام – وأشهد أن الحسين بن علي وصي أبيك والقائم بحجتهبعدك، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمدابن علي عليه السلام أنه القائم بأمر علي بن الحسين بعده، وأشهد على جعفر بن محمد أنهالقائم بأمر محمد بن علي بعده، وأشهد على موسى بن جعفر أنه القائم بأمر جعفر بن

٣٩٨

محمد بعده، وأشهد على علي بن موسى الرضا بأنه القائم بأمر موسى بن جعفر بعدهوأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد أنهالقائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي بن محمد،وأشهد على رجل من ولد الحسن بن علي لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأالأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمةالله وبركاته.

ثم قام فمضى. فقال أمير المؤمنين للحسن: يا أبا محمد اتبعه فانظر أين يقصد.

فخرج في أثره فقال: فما كان إلا أن وضع رجله خارج المسجد فمادريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأعلمته.

فقال عليه السلام: يا أبا محمد أتعرفه؟

قلت، الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم.

قال: هو الخضر عليه السلام.

 

* * *

جوابه عن مسائل جاءت من الروم ثم من الشام الجاري مجرى الاحتجاجبحضرة أبيه عليهما السلام.

روى محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال:

بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون، فمن بين مستفتي،ومن بين مستعدي، إذ قام إليه رجل فقال:

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، من أنت؟

قال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك.

(١) قال العلامة في القسم الأول من خلاصته: محمد بن قيس أبو نصير – بالنون -الأسدي من أصحاب الصادق عليه السلام ثقة ثقة.

٣٩٩

فقال له: ما أنت برعيتي وأهل بلادي، ولو سلمت علي يوما واحداما خفيت علي.

فقال: الأمان يا أمير المؤمنين.

فقال: هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟

قال: لا.

قال: فلعلك من رجال الحرب؟

قال: نعم.

قال: إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس.

قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك، أسألك عن شئ بعث به ابنالأصفر إليه. وقال له: إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فأجبني عماأسألك، فإنك إن فعلت ذلك اتبعتك، وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جوابوقد أقلقه فبعثني إليك لأسألك عنها.

فقال: أمير المؤمنين عليه السلام: قاتل الله ابن آكلة الأكباد، وما أضله وأعماهومن معه، حكم الله بيني وبين هذه الأمة، قطعوا رحمي، وأضاعوا أيامي، ودفعواحقي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي، يا قنبر علي بالحسن،والحسين، ومحمد، فاحضروا.

فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله، وهذا ابني، فاسأل أيهم أحببت.

فقال: اسأل ذا الوفرة يعني: الحسن عليه السلامفقال له الحسن عليه السلام: سلني عما بدا لك.

فقال الشامي: كم بين الحق والباطل؟ وكم بين السماء والأرض؟ وكم بينالمشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركينوما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟ وما المؤنث؟ وما عشرة أشياء بعضهاأشد من بعض؟

فقال الحسن عليه السلام: بين الحق والباطل أربع أصابع، فما رأيته بعينك فهو

شاهد أيضاً

“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله”-11

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله     النصّ القرآني: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ...