أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي / الصفحات: ٢١ – ٤٠
قال أحدهم :
وزادني رغبة في العيش معرفتي | ذلّ اليتيمـة يجفـوها ذوو الرحم |
أخشى فظاظة عـم أو جفـاء أخ | وكنتُ أبكـي عليها من أذى الكَلم |
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً | والموت أكـرم نزّال علـى الحرم |
إذا تذكّرت بنتـي حيـن تندبنـي | فـاضت لعبرة بنتـي عبرتي بدم |
ولعلّ أبرز مظاهر ظلم المرأة في الجاهلية هي مسألة وأد البنات ، تلك العادة القبيحة اللاإنسانية التي كانت واسعة الانتشار في تلك الأيام في الجزيرة العربية عند أهل البادية في الصحراء وفي بعض المدن المتحضّرة .
ويختلف سبب الوأد عند القبائل ، فمنهم من يَئد البنات غيرة على العرض ومخافة من لحوق العار ; لأنّهم أهل سطو وغزو ، وكانت الذراري تساق مع الغنائم ، ويؤخذ السبي فتكون بناتهم عند الأعداء ، وهذا منتهى الذلّ والعار .
قال أحد شعرائهم :
القبـر أخفـى سترة للبنات | ودفنها يروى من المكرمات |
وكانت بنو تميم وكندة من أشهر القبائل تئد البنات خوفاً ; لمزيد الغيرة .
ومنهم من يئد البنات لا لغيرة أو خوف من عار ، بل إذا كانت مشوّهة أو بها عاهة ، مثلاً إذا كانت زرقاء أو سوداء أو برشاء أو كساح ، ويمسكون من البنات من كانت على غير تلك الصفات لكن مع ذلّ وعلى كره منهم .
ومنهم من يئد البنات خوف الفقر والفاقة ; لأنّ العرب يعيشون في أرض قاحلة لا كلأ فيها ولا ماء ، فتمرّ عليهم سنون شديدة قاسية ، فيضطرون لأكل العلهز ، وهو الوبر بالدم ، وذلك من شدةّ الجوع ، وإلى هذا أشار تعالى في قوله :
{وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَق نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}(١) .
وقال عزّ وجل :
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِرَاء عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}(٢) .
وقال تعالى :
{وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً}(٣) .
وأوّل من وأد بنته هو قيس بن عاصم ، في قصة معروفة يرويها لنا التأريخ ، وهي أنّ بني تميم منعوا الملك النعمان ضريبة الأتاوة التي كانت عليهم ، فجرّد عليهم النعمان أخاه الريان مع إحدى كتائبه ، وكان أكثر رجالها من بني بكر بن وائل ، فاستاق النعمان سبي ذراريهم ، فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر وكلّموه في الذراري ، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء ، فأية امرأة اختارت زوجها ردّت إليه ، فشكروا له هذا الصنيع . وكانت من بين النساء بنت قيس بن عاصم ، فاختارت سابيها على زوجها ، فغضب قيس بن عاصم ونذر أن يدسّ كلّ بنت تولد له في التراب ، فوأد بضع عشرة بنتاً .
١- الأنعام : ١٥١ .
٢- الأنعام : ١٤٠ .
٣- الإسراء : ٣١ .
وقيل : إنّ أوّل قبيلة وأدت من العرب هي قبيلة ربيعة ، وذلك على ما يروى أنّ قوماً من الأعراب أغاروا على قبيلة ربيعة وسبوا بنتاً لأمير لهم ، فاستردّها بعد الصلح وبعد أن خيّروها بين أن ترجع إلى أبيها أو تبقى عند مَن هي عنده من الأعداء فاختارت سابيها وآثرته على أبيها ، عند ذلك غضب الأمير وسنّ لقومه قانون الوأد ، ففعلوا غيرة منهم وخوفاً من تكرار هذه الحادثة .
ومن خلال هذه القصة التي سنذكرها ، يتّضح لنا مدى فظاعة هذا العمل وشناعته ، وقساوة قلوب القائمين به وخلوّها من الرحمة والرأفة والشفقة :
روي أنّ رجلاً من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان مغتماً بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : “مالك تكون محزوناً؟”
فقال : يا رسول الله ، إنّي أذنبت ذنباً في الجاهلية فأخاف ألاّ يغفره الله لي وإن أسلمت .
فقال له : “أخبرني عن ذنبك؟” .
فقال : يا رسول الله ، إني كنتُ من الّذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت ، فتشفّعت إلىّ امرأتي أن أتركها ، فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء ، فخطبوها فدخلتني الحميّة ، ولم يحتمل قلبي أن اُزوّجها ، أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة : إني اُريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرَّت بذلك وزيّنتها بالثياب والحلي ، وأخذت عليَّ المواثيق بألاّ أخونها .
فذهبتُ إلى رأس بئر فنظرتُ في البئر ، ففطنت الجارية أني اُريد أن اُلقيها في البئر ، فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي؟ فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت علىّ الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أَبت لا تضيّع
أمانة اُمي ، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت قتلتني ، ومكثت هناك حتى انقطع صوتها ، فرجعت .
فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه ، وقال : “لو اُمرت أن اُعاقب أحداً بما فعل في الجاهلية لعاقبتك” .
وفي بعض كتب التأريخ أنّ العرب كانوا يحفرون حفرة ، فإذا ولدت الحامل بنتاً ولم يشأ أهلها الاحتفاظ بها رموها في تلك الحفرة ، أو أنهّم كانوا يقولون للاُم بأن تهي ابنتها للوأد وذلك بتطييبها وتزيينها ، فإذا زيّنت وطيّبت أخذها أبوها إلى حفرة يكون قد احتفرها فيدفعها ويهيل عليها التراب حتى تستوي الحفرة في الأرض .
المرأة في الحضارة الغربيّة والشرقيّة
عرفنا فيما سبق حالة المرأة في المجتمعات التي سبقت الإسلام ، وكيف أنّهم كانوا يعاملونها معاملة مزرية ، وينظرون إليها نظرة تبعيّة ، ويحرمونها من أبسط حقوقها .
أمّا المرأة العصرية ، والتي تسير تحت ظلّ الحضارة الغربيّة أو الشرقيّة ، فإنّها لم تصبح أحسن حالاً من تلك التي عاشت في العصور السابقة ، مع فارق الأساليب .
فهي تعيش في مجتمع يدّعي الحضارة والمساواة ، ويدّعي أنّه ضمن للمرأة كلَ ما تحتاجه من حقوق ، والواقع عكس ذلك تماماً . فإن كانت المجتمعات السابقة تنظر للمرأة نظرة تبعيّة محضة ، فاليوم يسيطر الرجل على المرأة ، وينال منها ما يريد باسم الحريّة والمساواة .
فالمجتمع الغربي والشرقي يعيش أقصى درجات الانحطاط والتميّع والفساد ، وخير دليل على ذلك شهادة زعيمي الشرق والغرب :
يقول كندي :
إنّ الشباب الأمريكي مائع منحل منحرف غارق في الشهوات ، وإنّه من بين كلّ سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين بسبب انهماكهم في الشهوات ، واُنذر بأن هذا الشباب خطر على مستقبل أمريكا .
وقال خروشوف :
إنّ الشباب الشيوعي قد بدأ ينحرف ويفسده الترف .
إذاً فالمجتمع الغربي والشرقي يعيش اليوم حياةً بعيدةً عن القيم والأخلاق ، فهمُّ كلّ فرد منهم سدّ حاجته ، لذلك نراهم يلهثون وراء لقمة العيش وبأي اُسلوب كان .
ومن الطبيعي أن تجري المرأة هذا الجريان في حياتها ، حيث انعدام الروابط العائليّة ، فما أن تبلغ البنت سن الرابعة عشر حتى يتوجّب عليها أن تسعى وراء سدّ حاجاتها ، والحصول على ما يكفل لها ذلك .
فالمرأة في الجتمع الغربي والشرقي وإن حصلت على بعض الحقوق من جانب معيّن ، إلاّ أنّها فقدت كرامتها وشرفها وعزّها من جانب آخر . فالرجل لا ينظر لها إلاّ نظرة تبعيّة ، يسخّرها لما تقتضيه مصلحته ، فينال منها ما يريد لسدّ جوعه الجنسي ، وينبذها عند شبعه ، يجعلها مادة للدعاية المحضة ، يجعل صورتها على كلّ بضاعة بائرة : على الملابس ، السكاير ، قناني المشروبات ، معجون الأسنان ، وحتى على الأحذية ، وغيرها من السِلع .
وأصبح من المحتّم عليها أن تسعى وراء لقمة العيش بأىّ عمل كان ، حتى أنّها تبيع شرفها وكرامتها مقابل ذلك ، ففي إحدى التقارير المرفوعة سابقاً إلى البرلمان البريطاني :
إنّ كثيراً من الزانيات في لندن لسن من المحترفات المتفرّغات لهذه المهنة ، وإنما هنّ من صغار الموظفات ومن طالبات الجامعات أو من المعاهد ، اللواتي يمارسن البغاء إلى جانب أعمالهن ليحصلن على دخل إضافي يمكّنهن من الإنفاق عن سعة على الثياب المغرية وعلى مستحضرات التجميل .
لذلك شاع الفساد والانحلال في هذه المجتمعات ، فهم لا ينظرون إلى المرأة إلاّ أنها اُلعوبة في أيديهمم يتمتّعون بها متى شاؤا . وقلّت نسبة الزواج الشرعي هناك ، فقد جاء في مقال نشرته إحدى الصحف الألمانية : إنّ الأولاد الصغار بين ١٤ ـ ١٦ سنة الّذين يتأهلون للعمل يقولون حينما يبحث أمر الزواج أمامهم : أنا أتزوّج؟ لماذا؟! إنني أستطيع الحصول من أي فتاة في العمل على كلّ ما اُريد دون أن أتزوّجها .
وفي بعض الإحصائيات الصادرة عام ١٩٦٦م في بريطانيا :
إنّ واحدة من كلّ خمس من الإنكليزيات اللواتي تجاوزن سن الخامسة عشر لا تزال عذراء ، ويتوقّع علماء الاجتماع في سنة ١٩٦٧م أن تفقد العذرية معناها في انكلترا .
وأصبحت الفتاة عندهم لا تعبأ إن سلب شرفها واُعتدي على كرامتها ، بقدر ما يهمها الجانب المادي الذي سيطر على الحياة اليوميّة تماماً . ففي ألمانيا الغربية اعتدى اثنى عشر شاباً في يوم واحد على بنت عمرها ١٤ سنة ، وبعد انتهاء عملية الاغتصاب توجّهت هذه الفتاة إلى الشرطة لتخبرهم بفقدان محفظتها!!!
وكنتيجة طبيعية لهذا المسلك كثرت الجرائم والاعتداءات وأصبحت شيئاً مألوفاً عندهم ، ففي ألمانيا الغربية لا يمر يوم واحد دون أن تُقترف جريمة غصب واعتداء .
بل وأصبح الشذوذ الجنسي عندهم عملاً مقبولاً ، لا معارض له ، ففي اتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية يوجد نادي تنتشر فروعه في كبريات المدن الألمانية ، وهو يدير عمليات تعارف غير مشروعة بين أعضائه من الرجال والنساء ، كما تتم عن طريقه عمليات تبادل مؤقت للزوجات .
أما بريطانيا فتنغمس في الفجور إلى حدود مذهلة ، حتى إنّ الدعوة إلى إباحة الشذوذ الجنسي بين الرجال استطاعت أن تظفر بالاباحة في مجلسي اللوردات والنوّاب ، وبارك هذه الإباحة معظم الشعب الإنكليزي وعلى رأسه أساتذة الجامعات والأطباء والمفكّرون ، بل وحتى رجال الكنيسة!
وما ذكرناه من معلومات واحصائيات فهي قليلة جدّاً وقديمة نشرت قبل أربعين عاماً تقريباً ، فما ظنّك بما يحصل اليوم ، وقد تطوّرت الأساليب والطرق بشكل كبير جداً .
ومن هذا يتضح جليّاً أمام كلّ منصف وواع مدى الانحطاط الذي وصلت إليه المرأة عندهم ، فكرامتها مسلوبة وشرفها مباع ، وهي تعيش في الرذيلة بما لهذه الكلمة من معنى .
والتحدّث عن هذا الجانب واستيعابه يحتاج إلى وقت كبير ، ولا تكفيه هذه المقدّمة المختصرة ، وقد كتب عن هذا الموضوع الكثير من علمائنا ومفكرينا ، فمن شاء الإطلاع أكثر فعليه بتلك الكتب .
والكتاب الذي بين أيدينا الذي ألّفه اُستاذنا العزيز سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن الجواهري حفظه الله ورعاه ، جاء ردّاً علمياً دقيقاً على الاتهامات التي وجهها أعداء الدين الإسلامي الحنيف في ما يتعلق بالمرأة وحقوقها ، فتناول فيه عدّة مسائل حساسة في هذا الموضوع كقيمومة الرجل على
المرأة ، وحقوقها في المنزل والمجتمع ، وتوليها القضاء والإفتاء ، وتعدّد الزوجات ، وغيرها من المواضيع المهمة .
ومركز الأبحاث العقائدية إذ يقوم بطبع هذا الكتاب ـ بعد مراجعته من الناحية الفنية ـ ضمن سلسلة “دراسات في الفكر الإسلامي المعاصر في ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)” ، يدعو الكتّاب والباحثين إلى المشاركة في هذا المشروع الحيوي العصري ورفده بما تجود به أقلامهم المباركة .
محمّد الحسّون
مركز الأبحاث العقائديّة ٢٧ شعبان ١٤٢٧ هـ site.aqaed.com/Mohammad |
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين الطاهرين وصحبه الميامين .
نشكر الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي التي أولت لنا هذا البحث القيّم في الدورة السابعة عشر المنعقدة في عمّان ، ونرجو أن يكون بحثنا مقبولاً قبولاً حسناً .
المؤلّف
تمهـيـد
إنّ موقع المرأة في نظام القِيَم في الإسلام ، وفي نظام الحقوق والواجبات الإسلامية ، متّحد مع موقع الرجل ; وذلك :
١ ـ لأنّهما ينتميان إلى حقيقة واحدة وهي الإنسانية ; فالإنسان نوع واحد في الجنس الحيواني ، وجميع أفراد هذا النوع متّحدة ومتساوية في الإنسانية ، فلا تفاضل بين الناس في الإنسانية ، فلا تفاضل لاُنثى على اُنثى ، ولا لذكر على ذكر ، ولا لذكر على اُنثى ، ولا لاُنثى على ذكر .
وهذا ما أكّده القرآن الكريم حيث قال : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(١) .
٢ ـ المساواة في الولاية : قال سبحانه وتعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(٢) .
فالولاية في الإسلام لله وللرسول ولأهل البيت وللمؤمنين ، ومعنى الولاية في هذا المورد هو الحبّ والودّ والقرب ، والولاية أوسع الروابط وأوشجها في الإسلام ، ومنها الولاية بين المؤمنين والمؤمنات .
١- النساء : ١ .
٢- التوبة : ٧١ .
٣ ـ المساواة في أصل الخلق : فالذكر والاُنثى متّحدان في أصل الخِلقة ، قال تعالى : {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى * مِن نُّطْفَة إِذَا تُمْنَى}(١) .
وقال تعالى : {أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى}(٢) .
وقال تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِّن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(٣) .
وقد ورد في السنّة ما يؤكّد هذا المعنى في قول الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر حين ولاّه مصر ، فقال له : “واعلم يا مالك إنّ الناس صنفان: إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق”(٤) .
٤ ـ المساواة في الهدف : إنّ هدف الإنسان ـ ذكراً أو أنثى ـ في هذه الحياة هو هدف واحد أيضاً ، فهدف إيجاد الإنسان هو عبادة الله وإعمار الأرض والتمتّع بها ، قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ}(٥) .
وقال تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(٦) .
١- النجم : ٤٥ ـ ٤٦ .
٢- القيامة ٣٦ ـ ٣٩ .
٣- المؤمنون : ١٢ ـ ١٤ .
٤- نهج البلاغة : كتابه (عليه السلام) إلى مالك الأشتر ، رقم ٥٣ .
٥- الذاريات : ٥٦ .
٦- البقرة : ٣٠ .
وقال تعالى مخاطباً الإنسان : (ذكراً أو أنثى أيضاً) {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الاَْرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(١) .
وقال تعالى أيضاً : {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَاب مُّنِير}(٢) .
وقال تعالى أيضاً : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(٣) .
٥ ـ المساواة في المسؤولية والثواب : إنّ مسؤولية الإنسان ـ ذكراً أو اُنثى ـ عن أعماله في الدنيا والآخرة واحدة ، بمعنى أنّ مسؤولية المرأة ليست أقلّ ولا أكثر ولا أصغر ولا أكبر من مسؤولية الرجل ، بل هما متساويان في المسؤولية أمام الله ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الاِْنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}(٤) .
وقال تعالى : {وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(٥) .
وقال أيضاً : {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(٦) .
١- الحج : ٦٥ .
٢- لقمان : ٢٠ .
٣- الأعراف : ٣١ ـ ٣٢ .
٤- الانشقاق : ٦ .
٥- الشمس : ٧ ـ ١٠ .
٦- الانعام : ١٦٤ .
وقال تعالى : {وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى . . . أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الاَْوْفَى}(١) .
ونفهم من كلّ ما تقدّم أنّ التكليف الإسلامي موجّه إلى الإنسان ككلّ دون تمييز أو تفريق .
وقد روي عن أُمّ المؤمنين “أُم سلمة” رضي الله عنها أنّها قالت : يا رسول الله لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء؟! فأنزل الله : {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِّنكُم مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}(٢) .
وقال تعالى : {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(٣) .
وقال تعالى : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}”(٤) .
١- النجم ٣١ و٣٦ ـ ٤١ .
٢- آل عمران : ١٩٥ . راجع تفسير الميزان ج ٤/٩٠ .
٣- التوبة : ٧٢ .
٤- الأحزاب : ٣٥ .
٦ ـ المساواة في الإخوّة : ومبدأ الإخوّة بين المؤمنين المصرّح به في القرآن الكريم هو عبارة عن المساواة بين الذكر والاُنثى في المرتبة ، فقال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(١) .
وقال تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(٢) .
فليس الذكر أصلاً والاُنثى تابعة ، ولا العكس هو الصحيح ، بل هما في رتبة واحدة متساوية .
٧ ـ الاختلاف الفسلجي والسيكولوجي : ومع كلّ ما تقدّم من اتّحاد بين الذكر والاُنثى في نظام القِيَم والحقوق والواجبات في انتمائهم إلى الإنسانية والولاية ووحدة الخلق والهدف والمسؤولية والإخوّة ، إلاّ أنّ الاختلاف بين الذكر والاُنثى في الصنف أمر واضح ، فالمرأة تختلف عن الرجل فسلجياً وسيكولوجياً ، وهذا يقتضي تنوعاً في وظيفة كلّ منهما في الاُسلوب والطريقة التي يتبّعها في القيام بدوره في وظيفته العامة ، فلكلّ منهما وظيفة خاصة ينتج منهما الوظيفة العامة للإنسان في الحياة .
فهناك وظيفة عامة يشترك فيها الذكر والاُنثى ، وهناك وظيفة خاصة لكلّ منهما حسب خصوصية صنفه ، وهذه الوظيفة الخاصة لكلّ من الذكر والاُنثى تكون كلّ واحدة منهما مكملّة للاُخرى في تحقيق الوظيفة العامة للنوع الإنساني .
وبمعنى آخر ، أنّ الوظيفة الخاصة لكلّ من الرجل والمرأة تكون علاجاً لنقص أو إيجاداً لكمال في تحقيق الوظيفة العامة ، فالرجل والمرأة بوظائفهما الخاصة يوجدان الينبوع البشري الذي أراده الله لاستمرار الحياة وعبادة الله .
١- الحجرات : ١٠ .
٢- آل عمران : ١٠٣ .
وليس هذا الاختلاف في الصنف مقتصراً على البشر ، بل هو قانون عام في سائر أجناس وأنواع وأصناف المخلوقات . قال تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}(١) .
وقال تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاَْعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}(٢) .
وقال تعالى : {إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}(٣) .
وقال تعالى : {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}(٤) .
وقال تعالى : {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}(٥) .
ومن نافلة القول بأن تنوّع الوظيفة الخاصة لا يكون نتيجة للأفضلية أو الدونية ; لأن التنوّع تنوّع وظيفي للذكر والاُنثى ناشيء من تحقيق الوظيفة العامة من هذا التنوّع ، وليس تنوّعاً قيميّاً أو أخلاقياً ناشئاً من أسباب تتصل بالإنسانية .
وبمعنى آخر : إنّ الوظيفة العامة للبشر هو استمرار الينبوع البشري ليقوم بعبادة الله وإعمار الأرض ، وهذا يقتضي التناسل والتكاثر . والتناسل والتكاثر المتعارف المرغوب فيه ـ والذي يضمن استمرار البشرية في الكون ـ لا يكون عملية ذاتية لأيّ من الذكر والاُنثى ، بل هو نتيجة تفاعل وتكامل بين الذكر والاُنثى ، لذا هيّأ الله كلّ صنف لجانب من عملية التناسل لا يمكن أن يقوم به الصنف الآخر جسديّاً ونفسيّاً وعاطفيّاً .
١- التين : ٤ .
٢- الأعلى : ١ ـ ٣ .
٣- القمر : ٤٩ .
٤- طه : ٥٠ .
٥- الفرقان : ٢ .
وهذه العملية الجنسية بين الذكر والاُنثى تقتضي الحمل ، ونمو الحمل والولادة بعد ذلك ، ثمّ بعدها الحضانة والتربية .
كما أنّ النسل يحتاج إلى القوت والمأوى والكساء ، والإنسان يحصّن بها حياته من أخطار الطبيعة وآفات الجسد .
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون المهمة الأُولى من وظيفة الاُنثى ، وأن تكون المهمة الثانية من وظيفة الذكر .
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تُخلَق الاُنثى مؤهلة من الناحية النفسية والجسدية لما يناسب مهمة الحمل وما ينتج عنها ، وأن يخلق الذكر مؤهلاً من الناحية النفسية والجسدية لما يناسب مهمة العمل في الطبيعة والمجتمع .
ومعلوم أنّ تقسيم العمل هذا يقتضي تنوّعاً في الوظائف الخاصة ، ولكن هذا التنوّع لم ينشأ عن أفضلية أحد الصنفين على الآخر . فوظيفة كلّ من الذكر والاُنثى عامل محايد بالنسبة للقيمة الإنسانية والأخلاقية لكلّ واحد من الصنفين(١) .
١- نعم ، الإسلام اعتمد معياراً لتشخيص الأفضلية والدونية ، وهو مدى التزام الإنسان بوظيفته العامة من خلال الالتزام بمقتضيات الوظيفة الخاصة ، وقد عبّر عن هذا الالتزام في نظام القيم الإسلامي بالتقوى ، وفي مصطلح الفقهاء بالعدالة .
كما اعتمد الإسلام معياراً آخر للتفاضل بين البشر ، ألاّ وهو العلم مع الإيمان ، فقد قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات) المجادلة : ١١ .
وقال تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ) الزمر : ٩ .
وهذان المعياران يمكن أن يحصل عليهما كلّ صنف من الذكر والاُنثى على حدٍّ سواء ، فالذكر يمكن أن يكون متقيّاً سائراً على وفق موازين الشرع في تحقيق وظائفه الخاصة والعامة ، وكذا المرأة على حدٍّ سواء ، كما أنّ الذكر والاُنثى يمكن لكلّ واحد منهما أن يحصل على العلم مع الإيمان الذي ينفع به نفسه واُمته .
ثمّ إنّ اختلاف الوظيفة الخاصة للذكر عن الاُنثى ، الذي يقتضي الاختلاف في التكوين الجسدي والعاطفي ، يقتضي أيضاً الاختلاف في التشريع الذي ينظّم عمل كلّ واحد من الصنفين ; ليقوم الإنسان بمهمته العامّة للخلافة على الأرض ، لأنّ النظام التشريعي لكلّ كائن يجب أن يتوافق مع نظامه التكويني (الجسدي والنفسي) ووظائفه .
وخلاصة لما تقدم نتمكن أن نقول : إنّ أيّ إنسان (سواء كان رجلاً أو امرأة) إذا وجد فيه الاستعداد للوصول إلى حقّ ما ، فالحقّ موجود له طبيعيّاً ; لأنّ الاستعداد الذي وجد فيه يكون دليلاً على أنّ من حقّه الوصول إلى حقّه الذي وجد فيه استعداد للوصول إليه ، فحركة الإنسان ضمن استعداده الذي وجد فيه هو حقّ طبيعي للإنسان ، وهذا هو طريق الوصول إلى الكمال الذي ينشده الإسلام من خلقه البشر .
وعلى هذا ستكون الحقوق الاجتماعية للفرد (سواء كان رجلاً أو امرأة) هي عبارة عن الاستفادة من المواهب والحقوق الطبيعية ، فيتمكن الفرد أن يصل إلى عمل أو منصب أو فكر أو رأي ، أو طهارة أو تقوى أو علم ، أو أيّ شيء آخر من حقوقه الطبيعية بواسطة الاستفادة من حقوقه الطبيعية .
نعم ، هناك حقوق مكتسبة متفاوتة لوجود تفاوت في القدرات في سبيل الحصول على الحقّ العام ، ولو أردنا أن نساوي بين الحقوق المكتسبة لكان هذا ظلماً لبعض أفراد الإنسان ، ولهذا نرى أنّ بعض الأفراد سيكون رئيساً ، والآخر مرؤوساً ، والثالث عاملاً ، والرابع صانعاً ، والخامس اُستاذاً ، والسادس ضابطاً ، والسابع جنديّاً ، والثامن وزيراً ، وهكذا ، ولا اعتراض على هذا لو كان ناشئاً من اختلاف في القدرات عند إعمال الحقّ العام .
المبدأ الأساسي في فهم دور المرأة في المجتمع
إنّ الوظيفة العامة للاُنثى المساوية للذكر ، والوظيفة الخاصة لها حسب تكوينها الجسدي والنفسي وحسب مهامها الخاصة ، هو الأساس والصورة الواضحة للمرأة ودورها في المجتمع ، وعلى ضوئه تفهم النصوص الواردة في السنّة الشريفة ; لأنّ ما ورد في السنّة الشريفة يكون مكمِّلاً للرؤية القرآنية ، مبيّناً وشارحاً ومفصّلاً لها ، وعلى هذا فإذا ورد حديث (وإن كان معتبراً) إلاّ أنّه كان معارضاً ومصادماً لهذه الرؤية القرآنية ، فيجب عدم الأخذ به ; لأنّ الحديث الحجّة يجب أن لا يكون معارضاً ومصادماً للقرآن .