ناصر قنديل
– يقدّم عدد من المحللين والمتابعين قراءة في توصيف الإشكالية التي أدّت الى استعصاء الاستحقاق الرئاسي، باعتبارها ترجمة لتجاذب بين الموقف الأميركي الذي عطّل المبادرة الفرنسية الرئاسية مستفيداً من معادلات خارجية وداخلية من جهة، ومقابله حزب الله وحلفاؤه من جهة أخرى، ويستنتجون من ذلك أن الخروج من الاستعصاء يقترب وسوف يتمّ من خلال تسوية بين الطرفين، تقوم على صيغة محايدة للدولة برئيس جمهورية ورئيس حكومة يحققان الإصلاحات المطلوبة، ويضمنان الاستقرار، ويقدم هؤلاء قطر التي يقولون إنها تقول ما لا تستطيع السعودية قوله بالتنسيق معها، بصفتها الجهة الإقليمية التي تمثل تقاطعاً مناسباً لإدارة التفاوض بين واشنطن وحارة حريك، ويصلون إلى استنتاج يقوم على اعتبار قائد الجيش العماد جوزف عون، رمزاً للتسوية المنشودة في موقع رئاسة الجمهورية، مؤهلاً لتنفيذ الضمانات المتبادلة في إطار هذه التسوية.
– هذه الصورة التي تبدو منطقية في ظاهرها الشكلي، تطرح مجموعة من الإشكاليات التي تكشف أن أصحابها، يطرحون مشهداً ينتمي لزمن جديد، ويحاولون قراءته بأدوات قديمة. فالسؤال الأهم الأول في الشكل، هل يستوي هذا الاستنتاج مع ظهور الأمين العام لحزب الله قبل أيام قليلة يقول بوضوح إن الضمانة هي شخص الرئيس مجدداً التمسك بتبني ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية على هذا الأساس. فهل هذا كلام من يبحث عن تسوية وضمانات، وهو يقول هذا الكلام على عتبة بدء الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر، الحليف المعني الأول بالرئاسة والمصدر الأول لهذا الإرباك الذي أصاب ترشيح فرنجية واستثمر عليه الأميركي والقطري وسواهما؟ والمنطقي أنه لو كان لدى حزب الله نية التسوية على قاعدة التخلي عن ترشيح فرنجية، لكان الأقرب للعقل تقديمها ضمن صيغة لمراعاة هواجس هذا الحليف.
– والسؤال الثاني الأشد أهمية في الشكل أيضاً، أين تملك قطر علاقات لا تملكها السعودية، كي تنيط بها المهمة؟ وهل يجوز التغافل عن أن حزب الله في اختيار فرنجية أخذ في الحساب طبيعة المهام المقبلة وفي قلبها جدول أعمال كبير ينتظر رئيساً قادراً على نيل ثقة سورية؟ كما أخذ في الاعتبار أنه يمثل في أي مفاوضات حلف الانتصار في سورية الذي يضمّه مع إيران وروسيا وفي قلبه سورية. وهل تصلح قطر للعب دور الوسيط في قضية تتصل بسورية، وهي في ذروة التطرف في العداء تجاهها، وهل تغفل السعودية عن ذلك، وهي التي تقود مسيرة إطلاق مناخ عربي جديد عنوانه، التعاون والتلاقي مع سورية على نظام عربي جديد؟ فهل يعقل أن تكون أول نتاجات هذا النظام العربي الجديد، حل أزمة الرئاسة اللبنانية على قاعدة تولي مرجعية تمتاز بالعداء مع سورية قيادة المسيرة؟ ومَن سيتكفل بالمهام الرئاسية الخاصة بالعلاقة مع سورية؟ فهل يتخيل أحد أن كل هذه البنود ليست في صلب اهتمام حزب الله في أي مقاربة للنقاش الرئاسي؟
– الذين يضعون رغباتهم مكان الوقائع يصلون الى نتائج ترضيهم، وربما ترضي من يريدون منه أن يرضى، لكنها منفصلة عن الواقع. فنحن في زمن جديد، لم تعد فيه أميركا قادرة على شنّ الحروب ولا هي قادرة على صناعة التسويات. وهي قادرة على تعطيل الحلول، وإبقاء الحروب مشتعلة، وهذا ما تفعله في أوكرانيا وسورية واليمن، ولمن لا ينتبه يقف على طرفي التسوية المفترضة الطرفان الواقفان مباشرة على قمة الأحلاف المتقاتلة، أميركا والمقاومة. والسؤال للذين يقدّمون فرضية التسوية، ما هي طبيعة التسوية في الملف الجوهريّ بالنسبة للمقاومة وأميركا وهو أمن كيان الاحتلال، الذي لا مجال لتسوية فيه بالنسبة للطرفين، أي أن واشنطن لا تستطيع القبول بصيغة لبنانية تمثل المزيد من التهديد لأمن الكيان، والمقاومة لن تشترك إطلاقاً بصيغة تقدّم ضمانات لأمن الكيان، فكيف للتسوية المفترضة أن تقوم؟
– تبريد النزاعات ونزع فتائل التفجير أمر وارد، بين خصوم استراتيجيين، لكن ذلك يتمّ كما تمّ من وجهة النظر الأميركية، ترسيم الحدود البحرية للبنان، وكما يمكن أن يتم إحياء الاتفاق النووي مع إيران، عبر التراجع وتقديم التنازلات لأن البديل أسوأ، والوضع القائم على الحدود البرية الجنوبية للبنان قد يشهد امتداداً للمعادلات ذاتها، وهكذا يمكن أن تصل واشنطن الى التسليم مجدداً ولو بعد حين بوصول المرشح سليمان فرنجية الى الرئاسة، من المنظور ذاته، لكن التسوية التي تنتج رئيساً يشبهها شيء آخر، ربما يجب على مَن ينتظرها أن ينتظر نهاية حرب أوكرانيا بتسوية، وانسحاب أميركا من العراق وسورية، لكن هذا دولياً وإقليمياً، لكنه لا يجيب على الشقّ المباشر المتصل بأمن الكيان، فماذا عن موقع الرئيس والمقاومة ولبنان من الصراع مع كيان الاحتلال. وأين موقع واشنطن من أمن الكيان، إلا إذا كان على المنتظرين أن ينتظروا أيضاً انسحاباً إسرائيلياً من الجولان ومزارع شبعا وسائر مناطق لبنان المحتلة، وصولاً للانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقبول حق العودة وقيام دولة فلسطينية، باعتبار أن هذا لا يزال سقفاً عربياً رسمياً ودولياً لمقاربة الصراع العربي الإسرائيلي؟ فهل ترون ذلك وارداً في الأفق، وهل تطلبون أن ينتظر لبنان في الفراغ حتى ذلك الحين؟
بيان اللجنة الخماسية هو اعتراف بالعجز والفشل، ومحاولة ملء الفراغ بمزيد من الحركة التي ليس فيها بركة.
.