السلوكُ الحَسَنُ لدى الطفلِ
كلُّ أمٍّ تطمحُ في أن يكون طفلها ذا سلوك حسن مع أفراد أسرته وجيرانه وأقربائه ، وتشعر بالخجل فيما لو أساء التصرف بكلمة بذيئة أو مشينة .
إضافة إلى أن الطفلَ السيء السلوك يكون منبوذاً مُحتَقَراً لدى الآخرين ، مما يؤدي إلى تعاسة الطفل وشقائه ، لذا كان من الضروري أن يَتَحَلَّى أطفالُنا بالسلوك المهذب .
و السلوك المهذب يأتي لدى الطفل في مرحلته الأولى بطبيعته تماماً ، ولكن نحتاج معه إلى أمرين :
الأول ـ التعليم والإرشاد :
إن الطفل في المرحلة الأولى من عمره يحتاج إلى تعليمِهِ الآدابَ والأسسَ التي يتعامل بها مع الآخرين كباراً وصغاراً ، وعلى تعليم هذه المرحلة من العمر تقوم أخلاقه في المرحلة الثانية .
ولذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( دَعِ ابنَكَ يلعبُ سبعَ سنين ويُؤَدَّبُ سبعاً ) .
وقد يهمل بعض الآباء ضرورة تعليم وإرشاد أبنائهم في السبع سنوات الأولى من عمرهم ، وذلك بِحُجَّةِ انشغالهم بأمور أخرى مهمة لطلب الدين أو الدنيا ، فيأتي التوجيه من الشارع الإسلامي للآباء :
فعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( لَئِن يؤدب أحدُكم ولداً خيرٌ له من أن يتصدقَ بنصفِ صاعٍ كلَّ يومٍ ) [ بحار الأنوار : ج : 101 ، باب فضل الأولاد ] .
وفي الحقيقة أن تأديب الطفل وتعليمه السلوك في المرحلة الأولى من عمره لا يحتاج إلى وقت بقدر ما يحتاج إلى وعي ومراقبة لسلوك الطفل والتدخل في الوقت المناسب ، مع مراعاة الشروط اللازمة ، وهي :
1 ـ ممارسة الوالدين للآداب :
إن تعليمَ آداب السلوك للطفل في المرحلة الأولى من عمره لا يأتي عن طريق إلقاء المحاضرات عليه وإسماعه بجملة من النصائح بقدرِ ما يأتي عن طريق التزام الوالدين بالسلوك .
ولا يمكن لأيِّ فردٍ أن يلتزم بنصيحة المُرَبِّي قبل أن يُلزِمَ نفسَهُ بها .
ولذا نلحظ رسول الرحمة محمداً ( صلى الله عليه وآله ) يرفض طلب والدة منه في أن ينصحَ ولدَها بعدمِ تناولِ التمرِ بسببِ تناولِه ( صلى الله عليه وآله ) للتمرِ في ذلك اليوم ، وطلب منها أن تأتيَهُ يومَ غد حتى يمتنع ( صلوات الله عليه ) عن تناول التمر لِيُمكِنَهُ نصيحةَ الطفل .
نعم إن من الصعب جداً أن تطلب الأم من طفلها أن يعيرَ لعبتَه إلى ضيفه الزائر ليلهو بها بعض الوقت ، ويجدها تمتنع من الاستجابة لطلب الجيران من استعارة ماكنة فرم اللحم .
إن الطفل يتعلم من تصرف أمه هذا ، فهو يبغي الحرص على ما يملك ، ولذا فإنه يتصرف كما يتعلم من والديه .
ومن هنا أكدَت التربية الإسلامية على ضرورة التزام الوالدين بما يطلبانه من الأبناء ، ويؤكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة بقوله : كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [ الصف : 3 ] .
2 ـ تعليم الطفل دون غضب وتوتر :
قلنا سابقاً أن على الوالدين تعليم أولادهما أدب السلوك حتى يلتزموا به .
فالكائن البشري قابل للتعلم بخلاف الحيوان : عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [ العلق : 5 ] .
فالإنسان لا يمكنه النُطقَ والتكلمَ بدونِ تعليمٍ ، ولو تُرِك وحيداً لما تَعَلَّمَ الكلامَ واللُّغةَ .
أما الحيوان فيعجز عن النطق حتى مع التدريب والتعليم ، وكذلك لو تركنا صغير الإنسان مع صغير الحيوان في غرفة ، ووضعنا بجانبهما ناراً تشتعل ، نلحظ أن الصغير يتوجه إليها متصوراً أنها لعبةً جميلةً ، ويحذَرُها صغيرُ الحيوان لإدراكه بالفطرة ، أما الإنسان فيدركها من خلال التعلم والتجربة .
ومن هنا كانت مسؤولية الآباء تعليم أطفالهم ، شريطة أن يكون ذلك بدون غضب وتوتر ، فكما أن الأم ترفض من زوجها التعامل معها بغضب ، كذلك الطفل يرفض التعلم مع الغضب والتوتر .
فلا يصح على سبيل المثال أن تقول الأم للطفل وهي غاضبة : من المفروض أن تحافظ على ملابسك من الاتساخ ، فالأَولى أن تقول له بهدوء : كم هو جميلٌ أن نحافظَ على ملابسنا من الاتساخ .
إن الطريقة الأولى تجعل الطفل معانداً للتعلم والعمل ، بعكس الثانية التي توصِلُ بسرعةٍ إلى الهدف المطلوب .
الثاني : حُبُّ الناس :
إن تنمية الاستعدادات الفطرية والغرائز المعنوية لدى الطفل أمر يعود بالنفع عليه وعلى والديه والمجتمع ، ومن هذه الغرائز حُبُّ الناس .
وذلك لأن كلَّ إنسان اجتماعي بطبعه ، وكلما ازداد حُبَّاً لمن حولِهِ كلما ازدَادَت بهجَتُهُ وأُنسُهُ في الحياة .
لذا نلحظ أن الإسلام اهتم بهذا الأمر كثيراً حتى جعل العمل في خدمة الناس أمراً تعبدياً به يحصل المعبود على القرب الإلهي .
فقد جاء في الحديث القدسي : ( الخَلقُ عِيالي ، أقربُكم مني مجلساً أخدمُكُم لعيالي ) .
وعن مَولى المتقين علي ( عليه السلام ) : ( إصلاحُ ذاتِ البَين خيرٌ من عامَّةِ الصلاةِ والصيام ) .
وعلى هذا الأساس يجب العناية بغريزة حُبِّ الناس التي تولد مع الطفل وتحتاج إلى رعاية الوالدين لتنمو وتَتَجَذَّرَ .
ويمكن أن تكون الرعاية بالشكل التالي :
أ ـ سلوك الوالدين :
إن سلوكَ الوالدين ذو أثرٍ فعَّال على تربية الطفل وبناء شخصيته ، والمنهج التربوي في الإسلام يحمل أتباعه على الانطلاق من قاعدة حُبّ الناس في تربية النفس وفي العمل التغييري في الأمة .
فالمؤمنُ له حقوقٌ وعليه واجباتٌ ، فهو لا يَسخَرُ من أخيه ولا يُظهر عَيبَهُ ولا يخذله ولا يؤذيه ، ويكون معه في الشدَّة ، فإن سره كان في ظِلِّ الله ، وإن آثَرَهُ على نفسِهِ حصل على القُرب الإلهي و… .
وأخيراً نجد أن الملتزم بالإسلام لا يمكن إلا أن يمتلأَ قلبُه بحُبِّ الناس كلما إزداد ايماناً وارتباطاً بخالقه .
ويكتسب الطفل من والديه ويتعلم في ظلهما حُبَّ الناس حين ترحب أمه بالضيف لأنه حبيب الله .
ولا ترضى أن يُسمِعَها حديثاً من عُيُوبِ أقرانه لأنه من الغِيبة التي حرَّمَها الله ، وتعطي للجيران ما يطلبونه منها حتى لا تكـون من المنبوذين في القرآن : وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [ الماعون : 7 ] .
ب ـ المرور بالحوادث بوعي :
إن الطفل في سنواته السبع الأولى كثيراً ما يرافق والديه ويكون أكثر الوقت معهما .
ويمكن للآباء الاستفادة من بعض القضايا والحوادث لإحياء غريزته في حُبِّ الناس .
فمثلاً حين المرور على البقال لشراء بعض الخُضرَوَاتِ منه ، يمكن أن تُحَدِّثَ الأمُّ طفلَهَا عن الطعام الذي تعده من الخُضَرِ يكون بِفَضلِ البَقَّال الذي يذهب من الصباح الباكر – ونحن نائمون – إلى المزرعة ليأتينا بما نحتاج إليه من الطماطة والكرفس والخيار والبطاطا ، حيث يقوم الفلاح في المزرعة بحرث الأرض و… .
وهكذا يمكن سرد قصة تهدف إلى تكافل الناس وحُبِّ بعضهم للآخر ليستفيدَ منها في حُبِّه للآخرين .