الرئيسية / المرأة في الإسلام / آداب الأسرة في الإسلام

آداب الأسرة في الإسلام

ثانياً : حقوق الزوجة :

وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب علىٰ الزوج تنفيذها وأداءها ، وهي ضرورية لاشاعة الاستقرار والاطمئنان في أجواء الاُسرة ، وإنهاء أسباب المنافرة والتدابر قبل وقوعها .

ومن حقوق الزوجة علىٰ زوجها : حق النفقة ، حيث جعله الله تعالىٰ من الحقوق التي يتوقف عليها حقّ القيمومة للرجل ، كما جاء في قوله تعالىٰ : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا

_______________

١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٧ .

 

٦٥

 

مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (١) .

فيجب علىٰ الزوج الانفاق علىٰ زوجته ، وشدّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ هذا الواجب حتىٰ جعل المقصّر في أدائه ملعوناً ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ملعون ملعون من يضيّع من يعول » (٢) .

والنفقة الواجبة هي الاطعام والكسوة للشتاء والصيف وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج (٣) .

والضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وأداء وكسوة وفراش وغطاء واسكان واخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها (٤) .

ويقدم الاطعام والاكساء علىٰ غيره من أنواع النفقة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حقّ المرأة علىٰ زوجها أن يسدَّ جوعتها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجهاً ، فإذا فعل ذلك أدّىٰ والله حقّها » (٥) .

والنفقة هي ملك شخصي للزوجة ، فلو دفع لها الزوج نفقتها ليوم أو اسبوع أو شهر ، وانقضت المدة ولم تصرفها علىٰ نفسها بأن أنفقت من غيرها ، أو أنفق عليها أحد بقيت ملكا لها (٦) .

_______________

١) النساء ٤ : ٣٤ .

٢) عدة الداعي / أحمد بن فهد الحلي : ٧٢ ـ مكتبة الوجداني قم .

٣) الوسيلة إلىٰ نيل الفضيلة : ٢٨٥ .

٤) مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٩٨ . والصراط القويم : ٢١٥ .

٥) عدة الداعي : ٨١ .

٦) مهذب الاحكام ٢٥ : ٣٠٥ .

 

٦٦

 

ولو مضت أيام ولم ينفق الزوج عليها اشتغلت ذمته بنفقة تلك المدة سواء طالبته بها أو سكتت عنها (١) .

ولضرورة هذا الحق جعل الاسلام للحاكم الشرعي ـ وهو الفقيه العادل ـ صلاحية إجبار الزوج علىٰ النفقة ، فإن امتنع كان له حق التفريق بينهما (٢) ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « إذا أنفق الرجل علىٰ امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة ، وإلّا فرّق بينهما » (٣) .

ولا تسقط النفقة حتىٰ في حال الطلاق ، فما دامت المطلقة في عدتها فعلىٰ الزوج الانفاق عليها ، وتسقط نفقتها في حال الطلاق الثالث ، قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام : « إنَّ المطلقة ثلاثاً ليس لها نفقة علىٰ زوجها ، إنّما هي للتي لزوجها عليها رجعة (٤) ، إلّا الحامل فإنّها تستحقُّ النفقة بعد الطلاق الثالث » (٥) .

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلىٰ ، أنفق عليها حتىٰ تضع .. » (٦) .

وتسقط النفقة في حال عدم التمكين للزوج ، ولا تسقط إن كان عدم التمكين لعذر شرعي أو عقلي من حيض أو إحرام أو اعتكاف واجب

_______________

١) مهذب الاحكام ٢٥ : ٣٠٤ .

٢) مهذب الاحكام ٢٥ : ٣٠٥ .

٣) وسائل الشيعة ٢١ : ٥١٢ .

٤) الكافي ٦ : ١٠٤ .

٥) المقنعة : ٥٣١ .

٦) الكافي ٦ : ١٠٣ .

 

٦٧

 

أو مرض (١) .

وتسقط النفقة إن خرجت بدون إذن زوجها، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتىٰ ترجع » (٢) .

وحثّ الإسلام علىٰ اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع التدابر والتقاطع ، فدعا إلىٰ توثيق روابط المودّة والمحبة وأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالىٰ : ( … وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (٣) .

ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة ، قال الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية : « إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها علىٰ كلِّ حال ، وأحسن الصحبة لها ، فيصفو عيشك » (٤) .

ومن حقها أن يتعامل زوجها معها بحسن الخلق ، وهو أحد العوامل التي تُعمّق المودة والرحمة والحب داخل الاُسرة ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها .. » (٥) .

_______________

١) مهذب الاحكام ٢٥ : ٢٩٢ .

٢) الكافي ٥ : ٥١٤ .

٣) سورة النساء : ٤ / ١٩ .

٤) مكارم الاخلاق : ٢١٨ .

٥) تحف العقول : ٢٣٩ .

 

٦٨

 

 

ومن حقها الاكرام ، والرفق بها ، واحاطتها بالرحمة والمؤانسة ، قال الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام : « وأمّا حقُّ رعيتك بملك النكاح ، فأن تعلم أن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله علىٰ صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية ، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها .. » (١) .

وقد ركّز أهل البيت عليهم‌السلام علىٰ جملة من التوصيات من أجل ادامة علاقات الحب والمودّة داخل الاُسرة ، وهي حق للزوجة علىٰ زوجها .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي » (٢) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اتخذ زوجة فليكرمها » (٣) .

وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : « رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته » (٤) .

وجاءت توصيات جبرئيل إلىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤكّدة لحق الزوجة قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوصاني جبرئيل عليه‌السلام بالمرأة حتىٰ ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها

_______________

١) تحف العقول : ١٨٨ .

٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٨١ .

٣) مستدرك الوسائل / النوري ٢ : ٥٥٠ .

٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٨١ .

 

 

٦٩

 

 

إلّا من فاحشة مبيّنة » (١) .

ونهىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة ، وجعل من حق الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها ، ففي جوابه علىٰ سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة قال : « حقك عليه أن يطعمك ممّا يأكل ، ويكسوك ممّا يلبس ، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك » (٢) .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خير الرجال من أُمتي الذين لا يتطاولون علىٰ أهليهم ، ويحنّون عليهم ، ولا يظلمونهم » (٣) .

ومن أجل تحجيم نطاق المشاكل والاضطرابات الاُسرية ، يستحسن الصبر علىٰ إساءة الزوجة ، لأنّ ردّ الاساءة بالاساءة أو بالعقوبة يوسّع دائرة الخلافات والتشنجات ويزيد المشاكل تعقيداً ، فيستحب الصبر علىٰ إساءة الزوجة قولاً كانت أم فعلاً ، قال الامام محمدالباقر عليه‌السلام : « من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة » (٤) .

وحثّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزوج علىٰ الصبر علىٰ سوء أخلاق الزوجة ، فقال : « من صبر علىٰ سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطىٰ أيوب علىٰ بلائه » (٥) .

ولقد ورد في سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يصبر علىٰ أذىٰ زوجاته وغضبهن

_______________

١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٨ .

٢) مكارم الاخلاق : ٢١٨ .

٣) مكارم الاخلاق : ٢١٦ ـ ٢١٧ .

٤) مكارم الاخلاق : ٢١٦ .

٥) مكارم الاخلاق : ٢١٣ .

 

 

٧٠

 

 

عليه وهجرهن إياه ، فحري بنا أن نقتدي بسيرة سيّد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكي نتجنب كثيراً من حالات التصدّع والتفكك في حياتنا الزوجية ، ونحافظ علىٰ سلامة العلاقات داخل محيط الاُسرة .

عن عمر بن الخطاب قال : غضبت علىٰ امرأتي يوماً ، فإذا هي تراجعني ، فانكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر من ذلك ! فو الله إنّ أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلىٰ الليل (١) .

وقال عمر لحفصة ابنته : أتغضب احداكنّ علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليوم إلىٰ الليل ؟ قالت : نعم (٢) .

وكانت سيرة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مثالاً لسيرة جدهم المصطفىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مفردات العقيدة والسلوك ، وهكذا كانت في مسألة الصبر علىٰ أذىٰ الزوجة لأجل تقويم سلوكها واصلاحها ، فعن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال: « كانت لأبي عليه‌السلام امرأة، وكانت تؤذيه، وكان يغفر لها » (٣) .

ومن حقوق الزوجة حق المضاجعة ، فإذا حرمها الزوج من ذلك ـ كما هو الحال في الايلاء ، بأن يحلف أن لا يجامع زوجته ـ فللزوجة حق الخيار ، إن شاءت صبرت عليه أبداً ، وإن شاءت خاصمته إلىٰ الحاكم الشرعي ، حيث يمهله لمدة أربعة أشهر ليراجع نفسه ويعود إلىٰ مراعاة حقها ، أو يطلقها ، فان أبىٰ كليهما حبسه الحاكم وضيّق عليه في المطعم

_______________

١) الدر المنثور ٦ : ٢٤٣ .

٢) المعجم الكبير ٢٣ : ٢٠٩ .

٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٧٩ .

 

 

٧١

 

 

والمشرب حتىٰ يرجع إلىٰ زوجته ، أو يطلقها (١) .

وإذا تزوجت من رجل علىٰ أنّه سليم ، فظهر أنه عنّين انتظرت به سنة ، فان استطاع مجامعتها فتبقىٰ علىٰ زوجيتها ، وإن لم يستطع كان لها الخيار ، فان اختارت المقام معه علىٰ أنّه عنّين لم يكن لها بعد ذلك خيار (٢) .

ولا يجوز اجبار المرأة علىٰ الزواج من رجل غير راغبة فيه ـ كما تقدم ـ .

وإن كان للرجل زوجتان ، فيجب عليه العدل بينهما (٣) .

ووضع الإسلام حدوداً في العلاقات الزوجية ، فلا يجوز للزوج أن يقذف زوجته ، فلو قذفها جلد الحدّ (٤) .

شاهد أيضاً

كامل الزيارات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أهل الحمد ووليه، والدال عليه والمجازي به، والمثيب عنه، ...