الرئيسية / القرآن الكريم / آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره

الفصل الثالث :

تناولت فيه شبهات المستشرقين حول جمع القرآن الكريم.

مبينا شبهاتهم حول كل مرحلة من مراحل الجمع القرآني حيث حاول المستشرقون جهدهم في إثبات عدم جمع القرآن الكريم في حياته ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأنّ ما حصل من جمع له في حياة أبي بكر وعثمان كان لأغراض خاصة وبطرق لا تؤكد سلامته من النقص والزيادة والاضطراب وقد وقفت مع هذه الادعاءات طويلا رادا على كل شبهة بما يدحضها ويثبت سلامة النص القرآني من أي تغيير أو تبديل أو اضطراب أو زيادة أو نقص ، وأنه محفوظ بحفظ الله ـ سبحانه ـ له (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).

١١

الفصل الرابع :

شبهاتهم حول شكل القرآن الكريم ومضمونه.

كشبهة التجزئة ، ومعنى كلمة السورة ، والحروف المقطعة ، وترتيب السور ، وغير ذلك. وقد رددت على هذه الشبه وبينت محاولاتهم لترتيب القرآن الكريم على غير ترتيبه الحالي التي بلغت تسع محاولات فاشلة.

وقد بينت أن هذه المحاولات نوع من العبث ، واعتداء على قدسية النص القرآني ، حيث تمزق القرآن تمزيقا ، وتفتت أجزاءه المترابطة تفتيتا وتذهب إعجازه وسحر بيانه.

الفصل الخامس :

شبهاتهم حول القراءات القرآنية.

وقد أرجع المستشرقون سبب الاختلاف في القراءات القرآنية : لخصوصية الخط العربي ، وبسبب أخطاء ارتكبها النساخ أثناء كتابتهم للقرآن الكريم ، وللحرية الفردية التي كان يتمتع بها القارئ وقد بينت أن اعتمادهم في إثبات ذلك كله كان على الروايات الواهية الضعيفة والاستنتاجات الخاطئة ، وعدم التمييز بين القراءات الصحيحة من غيرها.

وقد رددت على كل هذه الشبه وبينت أن القراءة سنة متبعة لا يجوز الاجتهاد ولا التشهي فيها ، وأن مدارها على النقل الصحيح المتواتر. وقد وجّهت القراءات التي استشهدوا بها بما اتسع له المقام في مكانه. كما بينت أنه لا يجوز قراءة القرآن الكريم بالمعنى التي حاول المستشرقون إثباتها.

الفصل السادس :

شبهاتهم حول الأسلوب القرآني.

أثار المستشرقون عدة شبه حول هذه القضية كشبهاتهم حول أسلوب القرآن المكّي والمدنيّ ، وأسلوب القصة القرآنية ، وشبهتهم حول الكلمات القرآنية

١٢

(أي التعريب) ، ثم شبهاتهم حول الفاصلة القرآنية. وكان سبب هذه الشبهات كلها اعتبارهم القرآن تأليفا لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والذي تأثر أسلوبه بالوسط الذي كان يعيش فيه.

وقد رددت على هذه الشبه وبينت ربانية المصدر للقرآن الكريم ، وأنه لا اختلاف في أسلوبه ولا تمايز بل كله يمتاز بمتانة الأسلوب ، وترابط المعاني ، وروعة الإعجاز ، وعدم قدرة الخلق على الإتيان بمثله.

الفصل السابع :

شبهاتهم حول إعجاز القرآن الكريم.

وكان من أبرز شبههم في هذا الفصل :

١ ـ أن القرآن الكريم ليس آية في الفصاحة والبلاغة بسبب طريقة كتابته وجمعه.

٢ ـ أن القرآن الكريم متعارض ومتضارب وزعموا أن لذلك أمثلة.

وحاول المستشرقون التدليل على عدم إعجاز القرآن الكريم بعدة قضايا كان من أبرزها : النسخ ، وجود قضايا تتعلق بشخص محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وآل بيته في القرآن الكريم ، وجود كلام زائد عن الحاجة فيه ، التكرار ، المعاياة وفساد المعنى. عدم الترابط بين أجزائه إلى غير ذلك من القضايا. وقد أوردوا عليها شواهد عدة ، رددت عليها ردا مسهبا في أكثر من خمسين صفحة ، وذلك لأن الإعجاز في القرآن أول دليل على إلهية مصدر القرآن الكريم وهو الآية العظمى على صدق نبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

أما الباب الثالث : فقد خصصته لقضايا تتعلق بتفسير القرآن الكريم حيث قسمت هذا الباب إلى خمسة فصول وهي كالتالي :

١٣

الفصل الأول :

شبهات المستشرقين حول التفسير بالمأثور.

تناول المستشرقون تحت هذا النوع من التفسير تمنّع بعض الصحابة والتابعين والعلماء من القول في تفسير القرآن الكريم.

كما طعن المستشرقون في رجال هذا اللون من التفسير وفي كتبه ؛ لوجود الإسرائيليات فيها ؛ ولوجود بعض الروايات المختلفة في تفسير القول الواحد إلى غير ذلك من الشبه. وقد رددت على كل هذه الشبه بما يؤكد عظم هذا العلم وفضل هذا اللون من التفسير.

الفصل الثاني :

تناولت فيه التفسير بالرأي وشبهات المستشرقين حوله.

زعم المستشرقون أن هذا اللون من التفسير انشقاق على التفسير بالمأثور وحربا عليه. كما أثنى المستشرقون على أصحاب الرأي غير الملتزم بهدايات الوحي في التفسير ، واعتبروهم أتم عقلا وأنضج فكرا من أصحاب التفسير بالمأثور. فرددت على هذه المزاعم والشبه وبينت التفسير بالرأي الجائز من المذموم ، وأن الجائز لا يعارض المأثور بل منطلق منه ومبني عليه.

أما التفسير المذموم فهو خارج عن هدايات القرآن الكريم ، نابع من أغراض شخصية لأصحابه.

الفصل الثالث :

تناولت ما أطلق عليه المستشرقون اسم التفسير في ضوء التصوف الإسلامي.

الفصل الرابع :

تناولت ما أطلقوا عليه اسم التفسير في ضوء الفرق الدينية.

وهذان الفصلان مبنيان على الفصل السابق عند المستشرقين لأنهم انطلقوا

١٤

في فهمهم لهما من خلال فهمهم للتفسير بالرأي المبني على الهوى فأثنوا على أصحاب هذين اللونين من التفسير ، ووصفوا أصحابهما بالنضوج العقلي والتفوق الذهني.

وقد بينت موقف الإسلام منهما ووجه مخالفتهما للحق الذي يدعو إليه القرآن الكريم وبينت تصادمهما مع الهدايات القرآنية.

الفصل الخامس :

تناولت فيه ما أسموه التفسير في ضوء التمدن الإسلامي.

وقد تبنى المستشرقون أيضا هذا اللون من التفسير ، وفرحوا له كثيرا واعتبروه أنضج ألوان التفسير وقد أثنوا على دعاته كثيرا.

وقد وقفت مع هذا اللون من التفسير وبينت القدر الجائز منه والقدر غير الجائز ، كما بينت الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية لأصحاب هذا اللون من التفسير وذكرت بعض الكتب التي انحرف أصحابها عن الصواب نتيجة لتبنيهم الاتجاه التوفيقي بين الإسلام والحضارة الغربية المادية بما فيها من عيوب.

وقد ختمت هذه الرسالة بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت لها ، وكما ضمنتها بعض المقترحات التي سبقني لبعضها أساتذة فضلاء غيورون كان منها :

١ ـ أن الجهد الفردي لأعجز من أن يقف أمام مدّ الهجوم الاستشراقي على الإسلام مما يتطلب أن تكون هناك كليات متخصصة تقوم برصد هذا النتاج الاستشراقي الضخم والرد عليه.

٢ ـ إقامة مؤسسة علمية عالمية محايدة لا تنتمي بالولاء لأي دولة من الدول ، يرصد لها الأموال ويتعاون معها كبار العلماء والمفكرين ، تقوم بإصدار الكتب والمجلات والموسوعات وترجمات معاني القرآن الكريم وترجمتها للغات العالمية ليقف الغرب على الإسلام العظيم دون تحريف ولا تشويه.

١٥

٣ ـ إرسال الأساتذة الدعاة للجامعات الغربية لإلقاء المحاضرات والندوات ولقاءات التحاور لتوضيح الفكرة الإسلامية ناصعة محفوظة من التشويه للعالم الغربي.

٤ ـ تعديل مناهج التعليم في الدول الإسلامية لتقوم على أسس الإسلام الصحيح نقية من الفكر الغربي الدخيل عليها.

٥ ـ توجيه المراكز الإسلامية في العالم الغربي للقيام بواجباتهم وأداء رسالتها بنجاح برصد كل نتاج غربيّ ضد إسلامنا العظيم ، ثم تزويد الجهات المختصة بهذا النتاج للرد عليه ونشر هذه الردود بين الغربيين.

٦ ـ إقامة دورات للمبتعثين لديار الغرب من أجل الدراسة أو المقيمين فيها من أجل العمل لتحصينهم ضدّ شبه الغربيين على الإسلام ولتكون عندهم القدرة في توضيح الصواب. وقد كانت جامعتنا رائدة لهذه الفكرة النبيلة.

٧ ـ ولا يفوتني وأنا أقدم هذه المقترحات أن أشير إلى أمر يشكل على كثير من الناس وهو ظنهم أن المستشرقين قاموا بجهود يعجز عنها علماء المسلمين في الوقت الحاضر. والحقيقة أننا لو بحثنا عن أسباب نجاح المستشرقين في بعض الجوانب العلمية لزال اللّبس والوهم عن الأذهان فلو علمنا أن مؤسسات مالية ضخمة تخصص الملايين من الدولارات ، وتفرّغ أساتذة في الجامعات لإنجاز مشروع ما وتطلق أيديهم بالإنفاق على هذا المشروع بسخاء ويستغرق المشروع عشرات الأعوام فمن البديهي أن تكون النتيجة دراسة متخصصة عميقة في هذا الجانب. ولو تسنى لعلماء المسلمين اليوم مثل هذه الإمكانات المادية والأجواء العلمية لأبدعوا أكثر من هؤلاء بكثير وما نراه من آثار سلفنا الصالح في شتى مجالات المعرفة لدليل على صحة ما أقول على الرغم أن أغلب آثارهم العلمية كانت بجهود فردية.

ولما كان الاستشراق بهذه الخطورة في حرب الإسلام ، وتشويه صورته في نفوس من يتعرف على الإسلام من خلال كتاباتهم رغبت في نشر هذا الكتاب

١٦

الذي كان أطروحتي لدرجة الدكتوراة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبإشراف أستاذي الكبير الدكتور مصطفى مسلم محمد ليستفيد منه أبناء الإسلام ويعرفوا هذه الفئة على حقيقتها.

ومما يجدر الإشارة إليه أني قد تناولت كتاباتهم بمحض الموضوعية ولم أنزل لأسلوبهم المليء بالإسفاف والحقد على الإسلام العظيم ..

والله ولي التوفيق

المؤلف

د. عمر رضوان.

 

١٧
١٨

الباب التمهيدي

الاستشراق

١٩
٢٠

الباب التمهيدي

الاستشراق

المبحث الأول

أ ـ تعريفه

ب ـ نشأة الاستشراق

المبحث الثاني

دوافع المستشرقين وأهدافهم

المبحث الثالث

وسائل المستشرقين

المبحث الرابع

اليهود والاستشراق

المبحث الخامس

طوائف المستشرقين

المبحث السادس

المناهج وميزان البحث عند المستشرقين

٢١
٢٢

الباب التمهيدي

الاستشراق

المبحث الأول

أ ـ تعريفه :

كلمة الاستشراق لفظة مولدة من لفظ (استشرق) المأخوذ من مادة «شرق» أي مستشرق.

استعملها المحدثون ترجمة لكلمة (Orientalism) التي تدل على معنى (مستشرقون) ، أما المحققون فيستعملون بدلا منها (علماء المشرقيات) ولكن كلمة (مستشرقون) أكثر شيوعا خاصة في الآونة الأخيرة (١).

فالمستشرق هو : عالم غربي اهتم بالدراسات الشرقية عقدية كانت أو تاريخية أو أدبية أو حضارية .. إلخ.

فالاستشراق إذن هي دراسة الغربيين عن الشرق من ناحية عقائده أو تاريخه أو آدابه .. إلى غير ذلك.

وكان أول ظهور لكلمة «مستشرق» في اللغة الإنجليزية سنة ١٧٧٩ م كما دخلت في معجم الأكاديمية الفرنسية سنة ١٨٣٨ (٢) م.

ب ـ نشأة الاستشراق :

اختلف المفكرون كثيرا في بداية حركة الاستشراق على أقوال عدة وإن كان قول من أرجعه للقرن السادس عشر الميلادي أكثر وضوحا ولا يمنع أن يكون هناك محاولات غير منظمة ظهرت قبل هذا التاريخ من القرن العاشر الميلادي منذ

__________________

(١) الاستشراق نشأته وتطوره وأهدافه ـ إسحاق موسى الحسيني ص ١.

(٢) فلسفة الاستشراق. د. أحمد سمايلوفتش ص ٣٠ ، والاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ـ محمود زقزوق ، ص ١٨.

٢٣

أن عم الإسلام بلاد الأندلس ، وانهزمت أمامه جيوش الغرب العسكرية وبأن عوار تأخره ثقافيا وحضاريا ، فما كان منه إلا أن وجه كل اهتمامه للتعرف على هذه القوة التي قهرته وتغلغلت في أرضه حتى دكت أبواب دوله وعواصمه. فأرسل طلابه ينهلون من العلوم الإسلامية في معاقل العلم في ديار الإسلام ، فترجموا كثيرا من كتبه وعلى رأس ذلك القرآن الكريم للتعرف على هذا الدين العظيم كما طلبوا مدرسين يعلمونهم في مراكز العلم عندهم إلى غير ذلك من الأمور التي تدل على اهتمامهم بالشرق الإسلامي من وقت مبكر.

فمن هذه البعثات الدراسية التي جاءت تنهل العلم من ديار الإسلام.

١ ـ البعثة الفرنسية برئاسة الأميرة «إليزابيث» ابنة خالة «لويس السادس» ملك فرنسا.

٢ ـ البعثة الإنجليزية برئاسة الأميرة (دوبان) ابنة الأمير جورج صاحب مقاطعة (ويلز).

٣ ـ البعثة الأسبانية التي كانت سنة ١٢٩٣ م والتي بلغ تعداد طلابها (٧٠٠) طالب وطالبة (١) وكان من بين هؤلاء الطلاب بعض الرهبان فرجع هؤلاء لبلادهم يحملون علوم الشرق الإسلامي الباهرة.

وكان من بين الدعاة المتحمسين الذين طالبوا بضرورة تعلم لغات الشرق لغرض التنصير «روجر بيكون» (١٢١٤ ـ ١٢٩٤ م) و «رايموندلول» (١٢٣٥ ـ ١٣١٦ م) وكان لهذين المستشرقين الأثر الكبير في إنشاء كراسي تدريس اللغة العربية في الجامعات الغربية على أثر قرارات مجمع (فينا) الكنسي في عام ١٣١٢ م الذي وافق على أفكارهما واقتراحاتهما بذلك فأنشأ خمسة كراسي جامعية في خمس جامعات غربية لتعليم اللغة العربية منها : باريس ، اكسفورد ، بولونيا ، سلمنكا (٢).

__________________

(١) الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار ـ البهي الخولي ، ص ٥٣٢.

(٢) تراث الإسلام ـ لجنة الجامعيين لنشر العلم بحث الأدب ـ جب ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٢٤

والعوامل التي كونت نشأة الاستشراق متعددة : دينية ، وسياسية ، واقتصادية ، وعلمية ، وغير ذلك.

فالعامل الديني واضح لا غموض فيه وهو يهدف إلى نشر الديانة المسيحية وتبليغ دعوتها ، وتصوير الإسلام تصويرا يثبت فضل المسيحية ورجحانها عليه ، ويبعث في الطبقة المثقفة إعجابا بالمسيحية وحرصا عليها ويحول بين أفرادهم والدخول في الإسلام ، لذا ركزوا على إثارة الشبهات والأباطيل حول القرآن خاصة والإسلام عامة لهذا الغرض نفسه. ولذلك نرى أن «الاستشراق والتبشير» يسيران في أغلب الأحوال معا. وأن عدد المستشرقين الأكبر أساقفة ، وعددا منهم يهود ديانة وجنسا.

أما العامل السياسي فواضح كذلك فقد كان المستشرقون روادا لدولهم الغربية في الشرق ، ومن واجبهم أن يمدوها بمددهم العلمي ليتعرف الغرب ـ عن قرب ـ على الشرق في كل شئون حياته ، ويتسنى له أن يبسط نفوذه وسلطته على الشرق وأن يحسن التعامل مع أهله ، ويتسنى له قيادهم والتحكم فيهم.

أما العامل الاقتصادي فكثير من المثقفين اتخذ الاستشراق تجارة رابحة ، ومهنة ناجحة. فشجعوا نشر الكتب التي تدور حول الإسلام والعلوم الشرقية ، وأشرفوا على نشرها لما يرون لها من سوق نافقة في أوربا وآسيا وغيرهما من بلاد العالم اليوم.

وأما العامل العلمي المحض فهو محدود وقد كان من عدد قليل من المثقفين الذين اهتموا بالدراسات الشرقية لشغفهم العلمي (١).

هذه العوامل وغيرها كانت من الأسباب الرئيسية في نشأة الاستشراق ودفع عجلته للأمام وكان من أوائل من اهتم بالدراسات الاستشراقية الراهب الفرنسي «جوبرت» الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام (٩٩٩ م) بعد تعلمه في

__________________

(١) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية لأبي الحسن الندوي ص ١٨٧ وما بعدها (بتصرف).

٢٥

مدارس الأندلس وعودته إلى بلاده ، و «الراهب بطرس» المحترم (١٠٩٢ ـ ١١٥٦ م) ، والراهب «جيراردي كريمون» (١١١٤ ـ ١١٨٧ م) وفردريك الثاني ملك صقلية سنة (١٢٥٠ م) ، و «الفونس» ملك قشتالة ، و «جوبرت» الراهب الفرنسي ، وغيرهم.

وعند ما عاد هؤلاء الرهبان من الأندلس إلى بلادهم نشروا ثقافة المسلمين وعلومهم ومؤلفات أشهر علمائهم في تلك البلاد ، وأخذوا يدرسونها في معاهدهم آنذاك. وقد استمروا بالاعتماد على هذه الكتب قرابة ستة قرون. ولما جاء القرن الثامن عشر العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته نبغ عدد من علماء الغرب في الاستشراق نبوغا ملحوظا.

وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام (١٨٧٣ م) وتتالى عقد المؤتمرات التي تلقى فيها الدراسات عن الشرق وأديانه وحضاراته حتى يومنا هذا.

فبناء على ما تقدم تكون بداية الاستشراق بشكل واضح منذ أن دقت جيوش الفتح الإسلامي أبواب أوربا وعواصمها ؛ مما دفع أوربا الغارقة في الجهل والتخلف الحضاري يومئذ للبحث عن أسباب نهضة المسلمين ، وعن سبب بلوغهم هذا المجد العظيم الذي بلغوه ؛ لذا درسوا علوم هؤلاء الفاتحين لعلهم يوقفون مدهم وزحفهم عن بلادهم ، ولعلهم يكتسبون منهم ما ينفعهم في إنقاذهم من تخلفهم الحضاري ، لذا كان الاستشراق هو باب الأمل المنشود لهم (١).

ولما انتهت الحروب الصليبية بالهزيمة الساحقة لجيوش الغرب النصراني ، وضعت الخطة لغزو المسلمين بوسائل أخرى غير الحرب بالأسلحة المادية واقتضت خطة الغزو الجديد التوسع في الدراسات الاستشراقية ؛ لتكون تمهيدا للغزو الفكري الرهيب وإعدادا لشروطه الفكرية والنفسية. وانطلق المهتمون بالدراسات

__________________

(١) أجنحة المكر الثلاثة عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ص ١٢٠ ـ ١٢١. والمستشرقون والإسلام إبراهيم اللبان ، ص ١١.

٢٦

الشرقية يعملون لهذا الهدف فأخذوا يترجمون إلى لغاتهم كثيرا من كتب المسلمين ويعملون عليها الدراسات المتعددة فيضعونها بين أيدي ساسة الغرب ليتسنى لهم إخضاع الشرق لهم فكريا ، وتوجيهه سياسيا حسب خططهم المرسومة.

من هنا زاد اهتمام هؤلاء الساسة لحركة الاستشراق وتوجيهها ودعمها لدراسة الشرق من جوانب متعددة : لغوية ، ودينية ، واجتماعية ، وتاريخية ، وسياسية ، وغير ذلك. وقد كان كثير من هؤلاء المستشرقين من منسوبي الكنيسة. لذا التقت في الاستشراق أهداف جمعيات التبشير وأهداف الدوائر الاستعمارية ، ثم توسعت الحركة الاستشراقية ونمت بشكل كبير خاصة عند ما انتقلت إلى مقاعد الدراسة ومراكز العلم حيث أسست للاستشراق معاهد ومقاعد جامعية ، وتألفت له جمعيات تهتم به وبدراساته وتنشر هذه الدراسات في صحف ومجلات لها اهتمام بهذا الجانب ومن دراساتهم التي نشرت بعض المخطوطات العربية ووضع الفهارس الشاملة لبعض الكتب الإسلامية ووضع بعض المعاجم المفهرسة (كالمعجم المفهرس لألفاظ الحديث) وتأليف (المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم). وكتفصيلهم آيات القرآن الكريم حسب الموضوعات إلى غير ذلك ..

ومن الجامعات التي اهتمت بالاستشراق فأنشأت له كراسي جامعية جامعة السوربون في فرنسا ، وجامعة لندن في بريطانيا ، وغيرهما. وقد بلغ بهذه الجامعات أن أخذت تعطي شهادات في الدراسات الشرقية عامة والإسلامية خاصة. ومما يؤسف له أن بعض هذه الجامعات تدعم من قبل بعض الدول العربية. ظنا منهم أن في دعمهم لها تعريفا للغرب على الإسلام. ورأى اليهود في الاستشراق بابا يحقق أغراضهم وأهدافهم فدخلوه باهتمام بالغ حتى وصل بعضهم لرئاسة بعض هذه الأقسام واحتلال كثير من كراسيها الجامعية مثل جولد تسيهر وغيره.

كما أن الدول الأوربية الشرقية بعد نجاح الثورة الشيوعية في بلادهم اهتمت بالحركة الاستشراقية لاستخدامها في حرب الإسلام الذي يقف سدا منيعا في طريق انتشارها.

٢٧

وهكذا نجد أن الاستشراق ولد في حضن التبشير وكبر في حضن الاستعمار والصهيونية والشيوعية.

شاهد أيضاً

الأذان بين الأصالة والتحريف – للسّيّد علي الشهرستاني

الأذان بين الأصالة والتحريف / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠ مجريات الأحداث، ومنها الوقوف على صحّة ...