الرئيسية / من / الشعر والادب / أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام

أدب الطّف أو شعراء الحسين عليه السلام

الحاج عبد الحسين الازري

المتوفى ١٣٧٤

رسول الاباء.

عش في زمانك ما استطعت نبيلا
واترك حديثك للرواة جميلا
ولعزك استرخص حياتك انه
أغلى والا غادرتك ذليلا
شأن التي أخلفت فيك ظنونها
فجفتك واتخذت سواك خليلا
تعطي الحياة قيادها لك كلما
صيرتها للمكرمات ذلولا
كالخيل ان عرفتك من فرسانها
جعلتك تعتقد اللجام فضولا
العز مقياس الحياة وضل من
قد عد مقياس الحياة الطولا
قل : كيف عاش ، ولا تقل كم عاش
من جعل الحياة الى علاه سبيلا
لا غرو ان طوت المنية ماجدا
كثرت محاسنه وعاش قليلا
* * *

ما كان للاحرار الا قدوة
بطل توسد في الطفوف قتيلا
بعثته اسفار الحقائق آية
لا تقبل التفسير والتأويلا
لا زال يقرؤها الزمان معظما
من شأنها ويزيدها ترتيلا
يدوي صداها في المسامع زاجرا
من عل ضيما واستكان خمولا
٧٨
أفديك معتصما بسيفك لم تجد
الاه في حفظ الذماركفيلا
خشيت أمية أن تزعزع عرشها
والعرش لولاك استقام طويلا
بثوا دعايتهم لحربك وافترى
المستأجرون بما ادعوا تضليلا
من أين تأمن منك ارؤس معشر
حسبتك سيفا فوقها مسلولا
طبعتك اهداف النبي وذربت
يدها شباتك وانتضتك صقيلا
فاذا خطبت رأوك عنه معبرا
واذا انتميت رأوك منه سليلا
أو قمت عن بيت النبوة معربا
وجدوا به لك منشأ ومقيلا
قطعوا الطريق ـ لذا عليك ـ والبوا
من كل فج عصبة وقبيلا
وهناك آل الامر اما سلة
أو ذلة فأبيت الا الاولى
ومشيت مشية مطمئن حينما
أزمعت عن هذي الحياة رحيلا
تستقبل البيض الصفاح كأنها
وفد يؤمل من نداك منيلا
فكأن موقفك الابي رسالة
وبها كأنك قد بعثت رسولا
نهج الاباة على هداك ولم تزل
لهم مثالا في الحياة نبيلا
وتعشق الاحرار سنتك التي
لم تبق عذرا للشجا مقبولا
* * *

قتلوك للدنيا ولكن لم تدم
لبني أمية بعد قتلك جيلا
ولرب نصر عاد شر هزيمة
تركت بيوت الظالمين طلولا
حملت ( بصفين ) الكتاب رماحهم
ليكون رأسك بعده محمولا
يدعون باسم ( محمد ) وبكربلا
دمه غدا بسيوفهم مطلولا
لو لم تبت لنصالهم نهبا لما
اجترأ ( الوليد ) فمزق التنزيلا
تمضي الدهور ولا ترى الاك في
الدنيا شهيد المكرمات جليلا
وكفاك تعظيما لشأوك موقف
أمسى عليك مدى الحياة دليلا
ما أبخس الدنيا اذا لم تستطع
أن توجد الدنيا اليك مثيلا
بسمائك الشعراء مهما حلقوا
لم يبلغوا من ألف ميل ميلا
الحاج عبد الحسين الازري (١) من شعراء العراق اللامعين حر

__________________

١ ـ لقب الشاعر بالازري من جهة اخواله الذين منهم الملا كاظم الازري المتوفى ١٢١٢.

٧٩
التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير وقد أصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول ولم يكن يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد ، وكان من المجلين في تلك الحلبة ، ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية ، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة ، ومن رباعياته التي يرددها الناس في معرض الامثال قوله :

عبث الختل بالطباع وكانت
كنبات ثماره الاخلاق
صاح لولا النفاق لم يعش النا
س ولولاهم لمات النفاق
وله ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث.

وترجم له البحاثة الطهراني في نقباء البشر وقال : كان يتقن اللغة التركية والفارسية مضافا الى الفرنسية وقرض الشعر وهو دون الخامسة عشرة فأجاد وأبدع على صغر سنه وتعاطى التجارة واشتغل بالسياسة وجال في عالم الصحافة.

أصدر جريدة الروضة في سنة ١٣٢٧ وكانت أدبية سياسية برز عددها الاول في ٢٢ حزيران ١٩٠٩ وعطلتها الحكومة بعد مرور اقل من سنة فأصدر في سنة ١٣٢٨ جريدة ( مصباح الشرق ) وكانت سياسية ظهر العدد الاول منها في الأول من آب ١٩١٠ واستمرت تصدر بانتظام سنة كاملة ثم عطلتها الحكومة. وكان يدير ادارة مجلة ( العلم ) التي أصدرها العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني في ١٣٢٨ = ١٩١٠ عندما أصدرها اول الامر في بغداد ، ثم اصدر جريدة المصباح في سنة ١٣٢٩ وكان سياسية ، وقد ظهر العدد الاول منها في سابع آذار سنة ١٩١١ ثم اصدر جريدة ( المصباح الاغر ) وبرز

٨٠
عددها الاول في ١٤ تشرين الثاني ١٩١١ واستمرت تصدر بانتظام حتى قامت الحرب العالمية الاولى فعطلتها الحكومة ونفت صاحبها الى الانضول. وفي سنة ١٣٤٣ اصدر مجلة ( الاصلاح ) شهرية صدر عددها الاول في غرة محرم الموافق ثاني آب ١٩٢٤ وكان نادي الاصلاح في بغداد يتولى ادارتها والانفاق عليها ، وقد توقفت بعد صدور العدد الثاني على الرغم من اقبال الناس عليها.

ولد الحاج عبد الحسين في بغداد سنة ١٢٩٨ ه‍ وترعرع في زمن كثرت فيه الانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد البالية ، من أجل ذاك نشأ وهو ثورة ادبية اجتماعية سياسية وعندما تقرأ ديوانه يرتفع بك الى جو مواج بهذه الالوان ، وفي سنة ١٩١١ م اصدر جريدة المصباح ثم عطلتها شؤون الحرب العامة الاولى ، وحيث أن الادب الافرنسي واسع الخيال وكان الشاعر يتقن الافرنسية فكان محلقا في خياله ومبدعا في أسلوبه القصصي كتب الشيخ علي الشرقي عنه فقال (١) : كنت أنا والفقيد الغالي نختلف على تلعة من تلعات بلد النجوم لبنان ، وذلك في صيف ١٩٥١ وكنا ننعم باستجلاء اجمل صور الماضي الاجتماعية والادبية. وفي يوم من أيام هذه الندوة ونحن نتناشد المختار من الشعر واذا بالشيخ يضع بين يدي ديوانا من شعره لا اشذ اذا قلت اني وجدته المختار من المختار ، وليس للاستاذ الازري ديوان واحد ولكن هذا المجموع كان الحبيب اليه من شعره. لم يبهرني ذلك الديوان بديباجته المشرقة ولا لانه مجموعة صور رسمتها ريشة خلاق بل لاني وجدته وعاء انيقا في قراراته روح الشاعر الشاعر ، وفي جنباته قلبه المشع وعاطفته الملتهبة ، وقال ثلاثة اجيال وآل الازري يطلعون في أفق الادب العراقي ثلاثة نوابغ : أولهم الشيخ كاظم الازري ، وآخرهم ولا أقول أخيرهم الاستاذ الفقيد ، وواسطة العقد هو الشيخ محمد رضا (٢) اما الشيخ كاظم فلم يكن في بغداد اشهر

__________________

١ ـ في مقال تحت عنوان : الاستاذ الازري الكبير نشر في مجلة العرفان ج ٤٢ / ٥٣٤.

٢ ـ ترجمنا لهم في هذه الموسوعة.

٨١
منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي ، كما انه كان في الطليعة من شعراء النجف ونوابغها على كثرة ما في تلك المدينة من النوابغ يومذاك مثل آل الفحام وآل النحوي وآل محيي الدين وآل الاعسم وبيت زوين ووو.

يتخيل البعض انه من أسرة الحاج كاظم الازري الشاعر الشهير والذي تقدمت ترجمته ـ وليس بين الاسرتين علاقة الا علاقة الادب دون النسب ، حدثني الصديق الاستاذ جعفر الخليلي أنه سمع من الحاج عبد الحسين الازري نفسه انه ينفي هذه النسبة عن طريق الآباء والامهات وليس في ذلك غرابة فلقب الازري نسبة الى بيع الازر وقد يشترك الآلاف من الناس بهذه المهنة دون أن تكون بينهم قرابة أو يكون هنالك نسب.

وكتب عنه الاستاذ الكبير جعفر الخليلي في موسوعة ( العتبات المقدسة ) فقال الحاج عبد الحسين الازري من شعراء العراق اللامعين ، حر التفكير والعقيدة ومن اوائل دعاة التحرير. وقد اصدر في العهد العثماني جريدة ببغداد، كانت من اوائل الجرائد ان لم تكن أول جريدة طالبت بحقوق العرب وحريتهم ، وقد نفاه الاتراك وحبس في الانضول ، ولم يكن أحد يعرف له هذه الشاعرية الفياضة الا القليل حتى ظهر لاول مرة بسوق عكاظ ببغداد ، وكان من المجلين في تلك الحلبة ثم اشتهر بعد ذلك كشاعر متحرر سلس العبارة محكم القافية ، ولشعره طابع خاص قل الذين يجارونه فيه عذوبة.

له ديوان شعر يصور فيه أفكار جيل كامل بكل نزعاته تصويرا غاية في البراعة ولكن ليس من هم بطبع هذا الديوان مع وجود المبلغ الذي رصده له المرحوم نفسه مما خلف من الميراث اذ انه هو الجامع لديوانه والناظم عقوده بيده.

ولد ببغداد سنة ١٢٩٨ للهجرة وترعرع في زمن كثرت فيه الثورات والانتفاضات على النظم السياسية وعلى العادات والتقاليد. والمطلع على ديوانه يطلع على سجل حافل بالتيارات الفكرية. فمن نوادره قوله :

٨٢
ان العراق وكان في
زمن من الازمان بحرا
حكم الوراثة موجب
في طبعه مدا وجزرا
متقلب كرياحه
ما بين آونة وأخرى
وقوله :

ليت السما تقوى فتنقذني
حتى افوز بمدفن عطر
فتراب هذي الارض قاطبة
قد دنسته جرائم البشر
ومن روائعه قصيدته في تأبين محمد جعفر ابو التمن.

تحولت بعدك الارياف والمدن
مآتما والمعزى فيهما الوطن
لو أن للموت عقل لافتداك بمن
أعمالهم دفنتهم قبلما دفنوا
ورائعته في فيصل الاول وأولها :

نعوا للعروبة عنوانها
ومن عين هاشم انسانها
وأخرى عنوانها ( في السينما ) أولها :

خلطاء من كل فج حضور
وصفوف كما تصف السطور
فكأني بهم قصيدة شعر
راق فيها التجنيس والتشطير
ومن روائعه ونوادره قوله :

في سغبي موتي فهل بعده
عندك ما يرهب أو يفزع
وانما يخشى على نفسه
عواقب الاحداث من يشبع
وقال :

ومن الذل أن تعيش بدار
كل يوم منها على الحر عام
عبث حبك البقاء طويلا
ان تعش مثلما تعيش السوام
٨٣
آثاره :

١ ـ بطل الحلة رواية عصرية.

٢ ـ البوران رواية عصرية.

٣ ـ قصر التاج.

٤ ـ ديوان شعر.

توفي رحمه الله في بغداد يوم الاحد ٢١ ربيع الثاني ١٣٧٤ ه‍ ونقل جثمانه الى النجف الاشرف بتشييع مهيب فدفن في وادي السلام ونعته الصحف العراقية والعربية ورثاه عارفوه وأبنوه.

يقول الازري في قصيدته ( ردوا ).

ردوا الى اريافكم ردوا
لا الكاس شأنكم ولا ( النرد )
لا تلهكم صور مزيفة
عنه كما يتزيف النقد
فالسم قد يبدو لشاربه
حلو المذاق كأنه الشهد
لا تحسبوا ان الحضارة في
سبط الشعور وشعركم جعد
ان النفوس على بداوتها
لكن تحضر دونها الجلد
خلوا الكهوف الى عناكبها
فلهن في حشراتها حشد
في كل زاوية لها شرك
متعدد الاشكال ممتد
تضدي ولا تنفك جائعة
مهما تكاثر حولها الصيد
لم تبلغ الاطماع حاجتها
منها وليس لحاجها حد
عاد الهواء بجوها نتنا
لا الطيب يخفيه ولا الند
شر الحواضر ما بتربتها
تشقى الجموع ويسعد الفرد
وفي قصيدته زوجوها … ايماءات اجتماعية دالة بادر الى توضيحها الازري عقب قيام أحد معارفه بالزواج من فتاة تصغره بمراحل وقد أثارته هذه الحادثة بشكل عجيب فأوحت اليه هذه الصور الحادة :

قدر أم بلاهة في أبيك
ضيعت رشده فطوح فيك
٨٤
لست أدري كيف ارتضاك لعات
عابث كل ليلة بفتاة
قد تراءى له بزي ثقات
رب ذئب يبدو بصورة شاة
وابن آوى مقلد صوت ديك

يا لخود كزهرة من بنفسج
تملأ الصبح بهجة ما تبلج
بينما قد تفتحت وهي تأرج
غالها آثم ولم يتحرج
فتوارت فالشمس بعد الدلوك

نمت والهر يا حمامة كامن
يرقب الفتك بالطيور الدواجن
انما الشرع قد حماك ولكن
مدع فيه من لصوص المدائن
أغفل النائمين من أهليك

ومنها ..

طوقتها يداه بالرغم عنها
والتوت مذ رأته بالقرب منها
كيف تأبى وحظها لم يعنها
تركته يرعى بها دون منهى
كحمار في روضة متروك

لم تجد وهي دونه من مفر
ينقذ الصيد من براثن هر
أرجعته الدنيا لارذل عمر
غرقت في لعابه وهو يجري
جري ماء من محقن مفكوك

سائلي الليل كم به من سرير
لف جذعا بغصن بان نضير
سائليه ويا له من خبير
أنعوش قد كللت بزهور
أم نطوع الى ضحايا النوك

٨٥
سمحوا للنفوس أن تتصبى
تسترق الحسان لهوا ولعبا
ومذ استيقنوا الشريعة تأبى
أن يتم الزواج قسرا وغصبا
قتلوها وباسمها قتلوك

ولعوا في تعدد الازواج
ولع الذئب بافتراس النعاج
والملذات ما لها من سياج
أطلقتهم من قيد كل زواج
واستخفت بآية العدل فيك

حكموك بالرق دون اعتراض
وهوى النفس حكمه فيك ماضي
هو في الوقت مدع وهو قاضي
وعلى حكمه وعقد التراضي
باعك المالكون من مشتريك

ليت شعري والحق كان جليا
لك مثل الذي عليك سويا
أهو العصر لم يزل جاهليا
أم هو الوأد قد تغير زيا
ليكف العقاب عن وائديك

قال قوم ما أنت الا متاع
تارة يشترى وطورا يباع
كل حق عند القوي مضاع
وجدوك ضعيفة فاستطاعوا
أن يسومونك ذلة المملوك

ومن قصيدته « صوني جمالك » هذا المقطع ..

كيف الحفاظ وأنت زدت
بريحك النار التهابا
وطلعت ثائرة على
الدنيا فأحدثت انقلابا
حتى ظفرت بما حلا
لك من مفاتنها وطابا
ورأيت أجمل من وشاحك
قامة غضت اهابا
فكشفت منها الجانبين
وعفت للوسط النقابا
٨٦
عبث حبك البقاء

ليس يجدي من الضعيف الكلام
يسمع الناس ما يقول الحسام
انما الحق سلوة العاجز الاعز
ل فيما لو جارت الاحكام
يتسلى به كما يتسلى
بحديث الصبابة المستهام
كل عيش يمر في ساحة العز
حلال وما سواه حرام
ومن الذل أن تعيش بدار
كل يوم منها على الحر عام
قل لثاو طوى على الذل كشحا
ما وراء الذي تحملت ذام
عبث حبك البقاء طويلا
ان تعش مثل ما تعيش السوام
أو يكن حظك الحثالة منها
انما حصة الكلاب العظام
وسواء اطال أم قصر الليل
اذا لازم النهار الظلام
ان اردت الحياة فاطلب بها العز
وان رمت غيره فالحمام
أرهفت نفسك الهواجس حتى
كثرت في سباتك الاحلام
كم تقاسي في كل يوم شقاء
لك يبقى وتذهب الايام
خاب من راح واثقا بالاماني
ما وراء السراب الا الاوام
يتمنى للداء منها علاجا
رب داء دواؤه الصمصام
وعجيب ممن يعيش خليا
ليس يدري ما الضيم وهو مضام
لم ينم في الهواء من كان يدري
أن للعز أعينا لا تنام
يا نداماي حسبكم ما شربتم
فرغ الكاس واستشف المدام
عظم الله أجركم بالحميا
والمسرات ما لهن دوام
اتركوا لي كأس الاسى ولغيري
ما حوى الكاس من طلى والجام
ان صفوي ما كدرته الاعادي
وصلاحي ما أفسد النمام
ليت أني علمت ما خبأ الدهر
لقومي وقدر العلام
أمل يبعث النفوس ولولا
ه تساوى الاقدام والاحجام
وبقايا مني يطاردها اليأس
فلا منعة ولا استسلام
أدلج الركب والطريق مخوف
حف فيه الغموض والابهام
خبريني عن الغمائم يا ريح
فعهدي بالخطب عهد قدام
جف ماء الوادي وكان جماما
وذوى فيه رنده والبشام
قطع الله ايديا منه جذت
خير نبت والنبت بعد تمام
٨٧
فرصة في زمانها اغتنمتها
واطمأنت اذ الرفاق نيام
انما آفة الورى طمع النفس
وداء الاطماع داء عقام
رب صعب القياد ذللّه المال
كما ذلل البعير الخطام
واذا لم ير العقوبة جان
فمن السهل عنده الاجرام
من حبته الفوضى بكاس دهاق
فمناه أن لا يسود النظام
كثر القانصون حولك فاحذر
وابتعد عن شراكهم يا حمام
ما عسى أن يؤثر الشعر فيمن
لم تؤثر به الخطوب الجسام
٨٨
الدخان

ظن الدخان بعرض الجو أن له
من المواهب ما للعارض الغادي
وليس صعبا عليه أن يباريه
فيما يفيض لرواد ووراد
اذا تمدد سد الافق صيبه
مزمز ما بين ابراق وارعاد
أو شاء أغدق من أطرافه مطرا
كالسيل يغمر سطح البلقع الصادي
وظل يختال تيها من تسنمه
متن الرياح على أرجاء بغداد
حتى تخيل كل القوم منتظرا
نداه من حاضر في الارض اوباد
و ما النسيم له الا كراحلة
تطوي الفضا بين اتهام وانجاد
وهكذا قد تناسى أن منشأه
من جوف حراضة أو كور حداد
ضاقت به فرمته من مداخنها
فراح يحدوه من ريح الصبا حادي
وبينما هو نحو الافق متجه
على جناح نسيم راكد هادي
هبت من الافق ريح صرصر عرضا
فشتته وأجلته عن الوادي
الحق أيقظه في صوت عاصفة
ايقاظه مجرما في سيف جلاد
من ظن أن له الايام خاضعة
فان أحداثها منه بمرصاد
ومن يطر بجناحي وهمه نصبت
له الحقيقة منها فخ صياد
٨٩
أوظار

تأتي الحياة فترتدينا برهة
وترد تخلعنا كثوب يسمل
وبحكم ألفتها ظننا أننا
هدف لها وكذا الظنون تعلل
ما نحن الا للحياة وسيلة
فبنا لاجل بقائها تتوسل
كل لاهداف الحياة مسخر
وبكل جارحة اليها يعمل
من ناطق فوق البسيطة عاقل
وبهيمة خرساء ليست تعقل
قد هيأت للنسل من شهواتهم
فيهم معامل ثم قالت : أنسلوا
فاذا تعطل عامل من بينهم
نبذته اذ لم يجدها المتعطل
كالنخل يبقى منه ما هو حامل
رطبا ويقلع منه ما لا يحمل
واذا أتم النحل لقح اناثه
لم يبق يصلح للحياة فيقتل
كمنت بزهرة كل نبت حاضر
لتهيئ النبت الذي هو مقبل
وتعود تكمن في خلايا بذرة
وتعاف من ثمراته ما يؤكل
تنميه حتى تستغل نشاطه
ما تستطيع وبعد ذلك يهمل
غرض البقاء يسوقها فلذاك من
جيل لآخر جهدها يتحول
غطت رحاب الارض في أوظارها
حتى اختفى منها الاديم الاول
تتعاقب الاجيال فوق خشاشها
والموت يكنس والحياة تزبل
لولا العلاقة بالحياة غريزة
لم يبق من لشقائها يتحمل
والمرء عبد للغريزة ما له
من رقها ما دام حيا موئل

شاهد أيضاً

“الهدهد”.. الثأر التاريخي

 أحمد فؤاد يحلو للكثيرين من المعلّقين على خطابات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن ...