تحدث في هذا العالم أمور لا تكون ضمن حساباتنا واختياراتنا. لقد اعتمدت تلك الدول التي أشعلت نار الحرب بين العراق وايران على الحسابات المادية في لعبتها، ظناً منها أن هذه الحسابات هي الحاكمة. لكنهم خسروا في الواقع، ولهذا أرادوا بعد فشلهم استرجاع قواهم بخلق مشاكل أخرى.لقد أظهر الواقع عكس ما كانت تقضي به حساباتهم العقلية المنطقية.
أقطاب العالم اليوم يسعون لضرب نفس تلك القوة التي جهزوها هم لضرب الجمهورية الاسلامية. في الواقع لقد أرادوا جعل العراق فزاعة يستفيدون منها في أي حين لضرب الآخرين. لكن ما جرى لم يطابق حساباتهم العقلية والمادية. إن حسابات العقل والمادة تقول إن 313 شخصاً (في غزوة بدر)، ليس لديهم إلاّ القليل من العتاد وبعض الخيل والجمال إضافة إلى كونهم جائعين، يجب أن يخسروا الحرب مقابل جيش يتألف من ألف شخص مجهز بسيوف وخيول وكافة ما يلزم من عتاد حربي إضافة إلى قوى احتياطية. لكن هذه الحسابات لم تصدق. فقد استشهد القليل من ال 313 شخصاً وانتصر الباقي. هذا هو الحساب الحقيقي! والحسابات المادية ليست هي الصحيحة في هذه الحياة.
لكن هل يعني ذلك أن نتوقف عن التفكير حيث إنه لا فائدة من الحسابات المادية لأن نتائجها ليست بأيدينا؟ وعلى سبيل المثال أن المصباح الذي يضيئ لنا لا ينفع لرؤية الأجزاء الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة، ولا يكشف ما خلف الجدار، فهل نستطيع القول إنه ولضعف إمكانات هذا المصباح يجب إطفاؤه؟؟
إن ما يستنتج من هذا الأمر شيء آخر: إن ما وراء هذا العالم المادي عوالم أخرى، لكن لا يمكننا القول بأنه لا يوجد نظام في هذا العالم وفي ظواهره أو أن كل ما فيه يحدد واقعه من نفسه.
المسألة التي ينبغي أن نلتفت إليها هي القدرة والارادة الإلهية المحيطة بهذا العلم الطبيعي. إن ما وراء عالم المادة عالم معنوي وملكوتي. وكم يحدث أن تتجلى الإرادة الإلهية في الطبيعة. فقوة القلب لدى شخص أو مجموعة، وإن كانت تبدو أمراً طبيعياً مادياً، إلاّ أن من أوجد هذه الحالة هو الله، إنها إرادة الله تتجلى في هذا العالم. كثير من الأمراض والأسقام والمشاكل التي تم الشفاء منها إنما عولجت بالدعاء وبالتعلق بالارادة الإلهية.
أثر الدعاء
لقد أصبحت بعض المسائل قطعية ويقينية بالنسبة إلي. فمثلاً من المسلّم لدي أن الإمام كان حياً لمدة عدة سنوات فقط من خلال دعاء الناس. فقد قال لي أحد أطباء الإمام إن ثلاثة أرباع قلب الإمام لا يعمل في حين أنه كان رضوان الله تعالى عليه يتمشى كل يوم ثلاث مرات لمدة نصف ساعة في كل مرة، وكان جسمه طبيعياً غير ضعيف رغم مسؤولياته الثقيلة. كان الإمام يطالع ويفكر أضعاف ما كان عند الأشخاص العاديين. فكيف يمكن أن يبقى شخص حياً بربع قلب؟!
هذه المسائل غير قابلة للحساب بالحسابات المادية، هي معاجز ترجع جميعها لسبب واحد غير قابل للحساب المادي.
انظروا لجميع أموركم بهذه النظرة وهي أنه وراء جميع حساباتكم يوجد مسبب آخر مؤثر للغاية في عاقبة الأمور وهو الإرادة الإلهية.
نحن نقرأ في الصلاة “إياك نعبد واياك نستعين”، وهذا يعني أننا نطلب أن تكون كل أمورنا تجلياً للإعانة الإلهية. فتوكلوا على الله، واطلبوا منه، واجعلوه فوق إرادتكم. اعلموا أن كل شيئ بيده ومنه وهو هادينا. هذه المسألة تتطلب من الذين يعرفونها أن يوثقوا ارتباطهم بالله، فالارتباط بالباري من المسائل الأساسية جداً ولكنه في نفس الوقت ليس أمراً صعباً. المطلوب أن نتوجه لذلك، فالصلاة وسيلة للإرتباط بالله كما أن الأدعية كذلك وخاصة الدعاء بعد الصلاة. نفس دعاء رجب بعد الفرائض اليومية هو وسيلة للارتباط بالباري. صلّوا النوافل واعتنوا بها، فهي مع التوجه وسيلة للارتباط.
إنكم شباب، ويجب أن تعلموا قيمة شبابكم، إن معرفة هذه القيمة تكون بمعرفة كل إنسان ـ أياً كان وضعه أو موقعية عمله ـ لقدراته الشخصية والاستفادة منها. إن عمر وزمان شباب الإنسان هو مركز ثقل قدراته.
اغتنام الشباب
أما كيف نعرف قيمة الأشياء، فإن ذلك يكون بتفعيل قدراتها والانتفاع منها قبل أن يأتي اليوم الذي قد نفقدها فيه. فالرياضة البدنية مثلاً هي نوع من معرفة قيمة القدرات البدنية للإنسان. أنتم تستطيعون معرفة قيمة القدرات البدنية للإنسان. أنتم تستطيعون معرفة قدرات أجسامكم بالرياضة وبها أيضاً تؤمنون قدراً من صحة أبدانكم، وإن تأخرتم في هذا الأمر فقد لا تحصلوا في المستقبل على النتيجة المرجوة منه.
أنتم الشباب عليكم أن تستفيدوا من كل قواكم أكبر الاستفادة وأكملها، فإن كان لديكم قدرة على المطالعة والتفكير فافعلوا، وان كنتم قادرين على الحفظ فاحفظوا المسائل المفيدة، فمثلاً أنا أحفظ الآن دعاء كنت قد حفظته من 30 أو 35 سنة وما زلت أتذكره وأقرأه، ولكن في هذا العمر أحفظ دعاءً أو شعراً عربياً وغير ذلك مثلاً ثم أنساه بعد أسبوع فقط. إن معرفة قيمة القدرات هو بكمال الاستفادة منها.
فلنفرض أن مجموعة قد اصطفت في مكان خاص والكل يمشون في خط معين ينتهي بعد مئة متر بأنواع الفواكه والنعم. فإذا قيل لهؤلاء أن باستطاعتهم الاستفادة من هذه النعم سيكون وضعهم مختلفاً، حيث سيكون الكل في حركة دائمة لا تتوقف ولو قليلاً. حتى إن الإنسان لا يستطيع تصور الوقوف لأن الجميع يسيرون في اتجاه واحد بهدف الوصول للتمتع بتلك النعم.
صلاة الليل
الآن وقت جمع النعم، اقرأوا، طالعوا، اعملوا جيداً، اقرأوا الدعاء، التزموا الرياضة والتزموا برياضة الروح أكثر، أي العبادة، لأن ثمرتها أكبر. صلوا صلاة الليل، صلوها بتوجه، لتكن صلاة ليل تعلمون فيها ما تفعلون، لا صلاة دون توجه لأنها تتطلب العناية والتوجه. وبذلك يكون تأثيرها فيكم أيها الشباب أكبر من تأثير صلاة الليل التي أصليها أنا. حافظوا على هذه التأثيرات، وتعلموا كل ما ينفع لغايتكم وكمالكم. اغتنموا الفرص والأيام فإنها لن تعود. إن فعلنا ذلك، ثم ألقينا نظرة أخرى بمنظار أوسع، سنجد حياتنا في هذه الدنيا مشعشعة ذهبية مع أنها لا تتجاوز الستين أو السبعين سنة. لقد كان لنا قبل هذه الحياة حياة أخرى، وكذلك فبعد هذه الدنيا سيكون لنا حياة أخرى. إن حياتنا التي قبل هذه الحياة هي حياة ضعيفة، وبعد الموت والرحيل عن هذه الدنيا سينقطع عنا بعض أشياء الحياة الآتية، وما هو مهم هو حياتنا في هذه الدنيا وكل ما نريد فعله. إن هذه الحياة هي الساحة التي يتطور فيها الإنسان، هذه الحياة هي التي تعطيك فرصة ذهبية للوصول إلى الكمال. إن الحياة الدنيا زمان حسن. اسعوا لكي تعرفوا قيمته ولا تخسروه.
اسمعوا لهذه النصائح التي قد ذكرتها مراراً واعملوا بها. فإن سمعتم ولم تعملوا فستعتادون على ذلك وسوف لن تسمعوا بعدها أبداً ولن تعملوا. اسعوا لمعرفة قيمة حاضركم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته