الشهيد والشهادة – رسالة الشهيد
8 مايو,2024
الشهداء صناع الحياة
108 زيارة
رسالة الشهيد، تبدأ من حيث الشهادة! فبالشهادة، قد يحقق الشهيد هدفه السياسي، وهذا لا يعني انتهاءه، فآثار الشهيد ستبقى حيَّة، تستثير الضمائر الحرّة، والقلوب الواعية.
وقد تؤول إلى صناعة أجيال ثائرة، تحمل هموم الشهداء، وتعمل لتحقيق أهدافهم.
ولعلَّ أبرز دليل على هذه الحقيقة، قضية سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام، الذي قام منتفضاً من أجل اللَّه وإصلاح المجتمع، وتحقيق الحضارة الإسلامية ضد الجاهلية، وبذل دماءه ودماء أصحابه لإيقاظ ضمير الأمة واستنهاضها.
فعلى أثر تلك الدماء الزكية التي سالت على رمضاء كربلاء، ظلماً وعدواناً، تشكلت حركات رسالية سارت على نهج الحسين عليه السلام، تبغي أهدافه، فما دامت دماء الشهداء، قضية مرتبطة بمبدأ، فإنها تشكل بصمات على طريق الرسالة، فالشهيد لا يموت بموته، بل تبقى دماؤه نبراساً ومعلماً تشير إلى رسالة معيّنة تركها الشهيد، فما هي هذه الرسالة؟
6- مقصود، الشهيد حمزة.
7- ن.م، ص2013، ح9812.
يقول القائد دام ظله:
“ما هي الرسالة التي كان يحملها هؤلاء الشهداء ويفترض بنا استلهامها منهم؟
رسالتهم هي أن من يبتغي مرضاة اللَّه، ويطمح لأن يكون وجوده نافعاً في سبيل اللَّه على طريق تحقيق الغايات الإلهية السامية في عالم الوجود، فعليه أن ينكر ذاته في مقابل الأهداف ذات الطابع الإلهي، وليس هذا من نوع التكليف الذي لا يطاق.
حيثما تمسكت فئة مؤمنة بهذه السمة (الإيثار) انتصرت كلمة اللَّه، وحيثما ارتعدت فرائص المؤمنين، كانت الغلبة بلا جدال لكلمة الباطل.
… كل موضع انعدم فيه عنصر الإيثار، كما هو الحال في كل بقعة خلت منه، وكما هو الحال على امتداد التاريخ، وكذلك في عهد الإمام الحسين حين تنصّلت الأكثرية العظمى من المؤمنين والخواص عن واجبها، ونكلت وتراجعت، انتصرت حينها كلمة الباطل، وتسلط يزيد على الرقاب واستمر الحكم الأموي تسعين سنة، وجاء عهد بني العباس ودامت حكومتهم بين خمسة وستة قرون. وكان السبب الأساسي لكل هذا هو انعدام الإيثار. وكانت النتيجة أن المجتمعات الإسلامية كابدت الكثير من العناء، وذاق المؤمنون أمرَّ أنواع الظلم.
إن الساحة واضحة غاية الوضوح. وعصرنا هذا يا أعزائي شبيه بمعركة أحد، فإن أحسنّا ستكون الهزيمة من نصيب العدو، ولكن إذا وقعت أبصارنا على الغنائم ولاحظنا بضعة أشخاص يتكالبون على جمع الغنائم، وغلبتنا مشاعر الطمع وتركنا مواضعنا وانهمكنا في الاستحواذ على الغنائم، تنعكس المعادلة حينذاك.
أنتم تعلمون كيف انعكست القضية في معركة أحد، ولقد تكررت معركة أحد على مدى التاريخ الإسلامي، القائد الرّباني الذي يرى بصفاء قلبه صفحة الحقيقة انتدب لذلك الموضع فئة من المسلمين وأوصاهم بعدم مغادرة أماكنهم، وأن يحرسوا هذه الجبهة، ولكن ما أن وقعت أبصارهم على الغنائم وشاهدوا أفراداً يحوزون الغنائم، زلزلت القلوب طمعاً.
ولو استنطق كل منهم لقالوا: نحن أيضاً بشر، وقلوبنا تهوى مستلزمات العيش الرغيد، هذا صحيح، ولكن لاحظتم النتائج التي أدى إليها هذا الخنوع أمام الأهواء البشرية التافهة، فقد كسر ضرس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصيب بجراح وغُلبت جبهة الحق، وانتصر العدو واستشهد الكثير من أكابر المسلمين. نداء الشهداء يدعو إلى عدم الانصياع لهواجس الغنائم، هذا هو نداؤهم لي ولكم، ولجميع من يكرِّم هذه الدماء الطاهرة المسفوكة ظلماً.
لا تنظروا إلى من يعصي ويتجه إلى جمع الغنائم “لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم”، عليكم بأنفسكم ولا يشغلنكم من اختار طريق الغواية، هذا ما يأمر به الإسلام وما تدعوا إليه دماء الشهداء، يوم استشهد هؤلاء الأعزاء في الجبهة، كان بعض المخلّفين منهمكين في الكسب، وبعضهم الآخر غارق بجمع الأموال، وآخرون منكبين على انتهاز الفرص، وبعضهم الآخر كان منغمساً في الخيانة، أما الشهداء فقد ساروا صوب الجبهات بدون الالتفات إلى هؤلاء. وكانت النتيجة هي أنهم استطاعوا حفظ النظام الإسلامي، وغدا كل واحد منهم اليوم كوكباً منيراً ونجماً ساطعاً.
وعلى هذا يكون النداء الأول، هو: نكران الذات أمام اللَّه تعالى، وأمام عباده، وأمام الإرادة الإلهية، ويجب علينا استيعاب هذا النداء، يا أعزائي، لا يمكن التغافل عن هذه الحقائق والمرور عليها مرور الكرام، إنها تستدعي من الإنسان العزم والإرادة”.
هذه هي رسالة الشهيد الأولى، أما رسالته الثانية، فيقول القائد دام ظله:
“النداء الثاني في مقابل أعداء اللَّه، ومعناه الصمود والثبات المطلق بوجه العدو وعدم خشيته، وعدم التهيّب منه، أو الانفعال أمامه، ومن المهم جداً أن لا ينفعل المرء مقابل عدوّه.
واليوم تتركّز جميع مساعي العالم المادي المستكبر أي
الدول الاستكبارية الممسكة بزمام شؤون الاقتصاد والتسليح في العالم، والتي تهيمن في كثير من الحالات أيضاً على ثقافة الكثير من البلدان على تحطيم أية مقاومة حيثما كانت، عن طريق إثارة انفعالها، الانفعال أمام العدو من أفدح الأخطاء القاتلة.
العدو يجب أن يؤخذ في الحسبان من حيث عدائه، أي الاستعداد له، وعدم الاستهانة به، ولكن لا ينبغي خشيته ولا الوقوع تحت طائلة تأثيره، ولا اتخاذ مواقف انفعالية إزاءه.
العدو يحرص على إثارة انفعالات المجتمعات الأخرى، وهو اليوم أكثر ما يعوّل على هذا الجانب في الأبعاد الثقافية والسياسية.
تارة يثيرون الصخب حول قضية المرأة، ويحدثون ضجّة حول حقوق الإنسان تارة أخرى، أو يتحدثون عن الديمقراطية، أو يؤججون في وقت آخر زوبعة حول حركات التحرر، وغرضهم من كل هذا هو إثارة انفعال الطرف المقابل، ومن أكبر الأخطاء أن نتحدث في القضايا التي يثيرون حولها الضجيج الإعلامي، بشكل يوحي وكأننا نريد استرضاءهم، هذا هو الانفعال.
من الخطأ أن نتحدث في مضمار حقوق الإنسان بأسلوب الاسترضاء لهم، لأنهم هم الذين لا يعيرون
أية قيمة لحقوق الإنسان بمعناها الحقيقي، إلا أنهم جعلوا منها هراوة يلوحون بها في بعض بقاع العالم التي يبغون مهاجمتها.
أصبحت أمريكا على رأس دعاة حقوق الإنسان في العالم! قبل اندلاع الحرب المفروضة كانت أمريكا تدرج الحكومة العراقية في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. (1983 82م) حيث استطاع مقاتلونا البواسل سحق العدو وإخراجه من أراضينا اضطر العدو البعثي إلى استخدام الأسلحة الكيماوية وأسلحة الدمار الشامل ضدنا، مرتكباً بذلك جريمة حربية.
في تلك الظروف كانت الحكومة الأميركية تعي ضرورة توفير الدعم للجبهة العراقية، ليكون بوسع الحكومة البعثية أداء دورها التأمري ضد نظام الجمهورية الإسلامية. في تلك السنوات استخدمت الحكومة البعثية الأسلحة الكيماوية، فرفعوا حينها اسم العراق من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب!
هذا هو أسلوبهم في الدفاع عن حقوق الإنسان… أجل النداء الثاني للشهيد وهو ما طبقه عملياً هو التمسك بالاستقلالية الإسلامية والصمود، وأن لا تذوب الإرادة في إرادة العدو، وعدم خشيته أو تهيّب قوته الجوفاء، وإدراك أهميّة الاتكال على الذات والتوكل على اللَّه في جميع الأمور الحياتية”.
2024-05-08