إيباك؛ غرفة القيادة لقمع صحوة الطلاب في الجامعات الأمريكية
الوقت- تستمر الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية التي يمارسها هذا الكيان في قطاع غزة، حيث قامت قوات الشرطة بضرب واعتقال الكثير من الطلاب في الأيام والساعات الأخيرة، وتشتد هذه الصحوة في حين تلتزم منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان في الغرب الصمت في الغالب أمام هذا الكم غير المسبوق من العنف والثكنات في البيئة الجامعية، والتي اعتبرت تصرفات الشرطة مثالا على خلق السلام والأمن في المجتمع المدني والجو العلمي في أمريكا.
وفي غضون ذلك، أصبحت جامعة كاليفورنيا مرة أخرى مركزا للاحتجاجات الكبيرة ضد الصهيونية ومؤيدها الرئيسي، بمعنى آخر، اندلع بركان الاحتجاجات في هذه الجامعة الأمريكية أكثر من الأيام الماضية.
ماذا يحدث في جامعة كاليفورنيا؟
ومع اتساع نطاق احتجاجات أنصار فلسطين في جامعة كاليفورنيا، تحاول سلطات هذه الجامعة إيصال عنوان معاكس تماما لهذه الاحتجاجات واسعة النطاق، وقالت ماري أوساكو، نائب رئيس الاتصالات الإستراتيجية في جامعة كاليفورنيا، في هذا الصدد: إن “هذا الوضع تغير عندما تجاوز بعض المتظاهرين الحاجز الذي أنشأته الجامعة للفصل بين المجموعتين”، وفي هذه الأثناء، خطط أعضاء مركز هارييت توبمان للعدالة الاجتماعية لدعم حق الطلاب في الاحتجاج، فيما حاول أعضاء حملة “الوقوف من أجل الطلاب اليهود” بالتعاون مع المجلس الأمريكي الإسرائيلي (إيباك) معارضة ذلك من خلال ما أسموه “الكراهية ومعاداة السامية”.
تستر “إيباك” على وحشية الشرطة الأمريكية
وهنا نلاحظ الدور المميز للوبي إيباك في قمع الاحتجاجات الطلابية في أمريكا، ومنذ بداية حرب غزة، كانت إيباك مسؤولة عن قيادة وإدارة الخطوط التحليلية والإخبارية الرئيسية لوسائل الإعلام وتيارات السلطة في أمريكا والأفكار مثل الاعتقالات الجماعية للطلاب وإقامة حملة للوقوف على دعم الطلاب اليهود!، وكلها نشأت من إستراتيجيات هذا اللوبي.
وخلال الأسبوعين الماضيين، امتدت احتجاجات أنصار فلسطين إلى الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة بعد الاعتقال الجماعي لمئات الأشخاص في جامعة كولومبيا، ومنذ ذلك الحين، ألقي القبض على مئات المتظاهرين من كاليفورنيا وتكساس إلى أتلانتا وبوسطن بتهمة تقليد مخيمات الخيام التي يستخدمها طلاب جامعة كولومبيا للفت الانتباه إلى الأزمة الإنسانية في غزة، ويعتبر لوبي “إيباك” المنتج الرئيسي للقانون الذي يساوي بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية وتجريمها في أمريكا (ومن ثم في أوروبا).
وخلال الاحتجاجات الطلابية واسعة النطاق الأخيرة، كانت التعليمات الأساسية التي يوجهها اللوبي “إيباك” إلى مديري الجامعات هي التأكيد على معاداة السامية وتجنب استخدام كلمات مثل “إبادة جماعية” أو “جريمة” في غزة، وتم تنفيذ هذه التعليمات من قبل سلطات الجامعات الأمريكية، وعلى سبيل المثال، قال مسؤولون أكاديميون في الولايات المتحدة، بما في ذلك مديرو جامعة كولومبيا، إن هذه الاحتجاجات، باعتبارها أعمالاً غير مصرح بها، تنتهك قواعد الجامعة، وتعطل عملية التعلم، وأصبحت سبباً للمضايقات ومعاداة السامية.
المطالب التي فاجأت إيباك
وفي الوقت نفسه فإن المطالب التي رفعها الطلاب المحتجون لم تعد تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، بل تشمل قضايا أكثر أهمية مثل سحب أموال الجامعة من الشركات المرتبطة بالجيش الإسرائيلي ووقف المساعدات العسكرية الأمريكية لكيان الاحتلال الصهيوني، ومن الإجراءات التي اتخذها لوبي إيباك في الجامعات الأمريكية (وخاصة في ظل الاحتجاجات) وجود أشخاص من خارج الجامعات وسط التجمعات وتشجيعهم على ترديد شعارات معادية لليهود (بدلاً من الشعارات المناهضة للصهيونية) والاستغلال الإعلامي والدعائي لها، وهذا الإجراء يتماشى مع السياسة العامة نفسها لإيباك التي تم ذكرها.
وفي أحدث حملة قمع ضد الاحتجاجات الطلابية المتحمسة في أمريكا، تم اعتقال أكثر من 200 شخص في عدد من الجامعات، بما في ذلك جامعة واشنطن في سانت لويس، ومن بين المعتقلين جيل أوستن، المرشحة الرئاسية الأمريكية لعام 2024 عن حزب الخضر، ووصف في بيان هذا القمع بالمخزي، لكن جو بايدن، ودونالد ترامب، وروبرت كينيدي، المرشحين الثلاثة الآخرين لانتخابات الرئاسة الأمريكية، أخذوا في الاعتبار الخطوط الحمراء التي حددتها لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية (إيباك) والتي تم إبلاغها لقادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وأقرت إبادة غزة.
هؤلاء اعتبروا الاحتجاجات الطلابية نقطة مظلمة في التاريخ العلمي الأمريكي! وفي الوقت نفسه، يشعر جو بايدن بالقلق من فقدان دعمه، وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي في مقابلة مع بي سي نيوز: إن الرئيس يعترف بأن العديد من الأمريكيين لديهم مشاعر قوية بشأن الحرب في غزة! يتم تقديم هذا الادعاء الوقح في حين أن بايدن ليس مسؤولاً فقط عن الإدارة العملياتية والنصية لحرب غزة إلى جانب نتنياهو، ولكنه أعطى أيضًا الشرطة الفيدرالية السلطة الكاملة لقمع الاحتجاجات الطلابية، ومن ناحية أخرى، ترك الرئيس الأمريكي أيدي الجماعات القليلة المؤيدة للصهيونية في جامعات هذا البلد مفتوحة دفاعاً عن جرائم “إسرائيل”.
فشل مشروع “اللوبي اليهودي”
إن المدارس والجامعات الأمريكية هي الأماكن التي تحدد قادة المستقبل والسياسيين، ولهذا السبب، أنفق اللوبي الصهيوني دائمًا مليارات الدولارات سعيًا إلى توجيه النظرة العالمية للطلاب الأمريكيين، وخاصة حول تاريخ ظهور “إسرائيل” ونشأتها، والصراع بين الصهاينة والفلسطينيين، لكن الأحداث الأخيرة كشفت الفشل التام لسياسة غسيل الدماغ الممنهجة هذه في كيان التعليم، ولهذا السبب لم تكن هذه القضية سهلة الهضم لدى قيادات تل أبيب المتطرفة، وأبدوا ردود فعل قوية على هذه العملية الاحتجاجية.
إن مطالب الطلاب الأمريكيين في هذه الحركة واضحة، حيث طلبوا من الجامعات الامتناع عن الاستثمار بكثافة في شركات تصنيع الأسلحة أو غيرها من الصناعات التي تدعم حرب الكيان الصهيوني في غزة وبالتالي منع الإبادة الجماعية.
ويحاول اللوبي الصهيوني أن يجعل هذه الحركة الطلابية تبدو متطرفة ويسارية متطرفة ومؤيدة لحماس من خلال تسميات كهذه، مع معاينة وسائل الإعلام الرئيسية التي اخترقت الصهيونية نسيجهم (مثل مجموعة مردوخ الإعلامية العملاقة) وقمع هذه الموجة الاحتجاجية ومنعها من أن تصبح حركة وطنية، وفي الواقع، أدت حركة دعم غزة إلى العديد من القضايا الاجتماعية الأخرى التي تتجاوز حدود الجامعة، من شعار “حياة السود مهمة” إلى إصلاح الهجرة، وحقوق الإنسان، والحرب في الشرق الأوسط.
لقد أعلن الطلاب الأمريكيون عن تضامنهم التاريخي مع الشعب الفلسطيني وعبروا عن غضبهم من أن الولايات المتحدة كانت عميلة للتطهير العرقي التاريخي للفلسطينيين، ومهما كان الأمر، فقد أعادت الانتفاضة الطلابية إشعال روح النشاط السياسي وعززت التحالفات بين الأجيال كنموذج جديد لمعارضة السياسات المتعجرفة التي ينتهجها البيت الأبيض، والعديد من الطلاب المحتجين في الجامعات الأمريكية، وهم مواطنون من بلدان مختلفة، يفهمون جيدًا تاريخ الاستعمار الأمريكي في بلدانهم ويستغلون الآن هذه الفرصة للتعبير عن احتجاجهم لمسؤولي البيت الأبيض.