19) الأمثال العربية – محمد رضا المظفة
شرح بعض الأمثال في سورة هود:
10 – شرح الآية 24 من سورة هود:
(مَثَلُ الفَريقَين كالأعمى والأصم وَالبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُون).
المثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بحال الأول، والأمثال لا تغير عن صورتها كقولك للرجل (أطرى انك ناعلة) وكذلك يقال للكافر: هو أعمى أصم أي هو بمنزلة الذين قيل لهم هذا القول، ويجري هذا في كل كافر يأتي من بعد.
و(الواو) في قوله ” كالأعمى والأصم ” قيل في دخولها قولان: أحدهما – العموم في التشبيه أي حال الكافر كحال الأعمى وكحال الأصم وكحال من جمع العمى والصمم. الثاني – أن المعنى واحد، وإنما دخلت الواو لاتصال الصفة الأولى بعلامة. وكما هو معلوم في علم (المعاني والبيان)، فإِنّه من أجل تجسيم الحقائق العقلية وتوضيحها وتبييّنها لعامّة الناس تشبه المعقولات بالمحسوسات دائماً.
والقرآن الكريم اتبع هذه الطريقة بكثرة، وبيّن كثيراً من المسائل الدقيقة وذات الأهمية البالغة بأمثلة جليّة وأخّاذة، وبيّن حقائقها في أحسن صورة!
البيان السابق من هذا القبيل، لأنّ أحسن الوسائل التي لها أثرها في معرفة الحقائق الحسية في عالم الطبيعة هي ،العين والأذن، ولذلك لا يمكن أن يُتصور أن أفراداً يُولدون صمّاً وعمياناً يستطيعون أدراك مواضيع هذا العالم بصورة صحيحة، فهم يعيشون في عالم غامض ومجهول.
كذلك حال منكري الوحي، فبسبب لجاجتهم وعدائهم للحق ووقوعهم أسرى بمخالب التعصب والأنانية وعبادة الذات، فقدوا بصرهم وسمعهم للحقيقة البيّنة، فلا يستطيعون إدراك الحقائق المرتبطة بعالم الغيب، وتأثير الإِيمان، والتلذذ بعبادة الله، وعظمة التسليم لأمره.
هؤلاء الأفراد يعيشون أبداً عمياناً صمّاً في ظلام مطبق وسكوت مميت .. في حين أنّ المؤمنين الصادقين يرون كل حركة بأعين بصيرة، ويسمعون كل صوت بآذان سميعة، وبالتوجه إِلى طريقهم يكون مصيرهم السعادة.
فالمؤمن الصالح ثمرة من شجرة الإيمان كما إن التسليم والانقياد والخضوع والاطمئنان لما وعد الله من آثاره أيضاً.
فالمؤمن هو الذي يسمع آياته ويبصرها في سبيل ترسيخ الإيمان في قلبه وأثماره. ثمّ إنّه مثّل الكافر و المؤمن بالتمثيل التالي، وقال: (مَثَلُ الفَريقَين كالأعمى والأصم وَالبَصير وَالسَّميع هَلْ يَسْتَويان مَثلاً أَفَلا تَذَكَّرُون ).
أي مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع. ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم، لاَنّ المؤمن ينتفع بحواسه بأعمالها في معرفة المنعم وصفاته وأفعاله، والكافر لا ينتفع بها فصارت بمنزلة المعدومة.
ثمّ إنّه وصف الوضع بين الأعمى والأصم كما وصفها بين البصير والسميع، وذلك لإفادة تعدّد التشبيه بمعنى:
أنّ حال الكافر كحال الأعمى.
وحال الكافر أيضاً كحال الأصم.
كما أنّ حال المؤمن كالبصير.
وحاله أيضاً كالسميع.
وحاصل الكلام: انّه لا يستوي البصير والسميع مع الأعمى والأصم، والمؤمن والكافر أيضاً لا يستويان.