قال بشیر بن خزیم الأسدی (١٢) ونظرت إلى زینب ابنت علی علیهالسلام یومئذ ، فلم أر خفرة قط أنطق منها ، کأنها (١٣) تفرغ من لسان أمیر المؤمنین علیهالسلام ، وقد أومأت إلى الناس أن اسکتوا (١٤) ، فارتدت الأنفاس وسکنت الأجراس ، ثم قالت :
الحمد لله ، والصلاة على جدی (١٥) محمد وآله الطیبین الأخیار.
أما بعد ، یا أهل الکوفة ، یاأهل الختل والغدر ، أتبکون؟! فلا رقأت (١٦) الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلکم کمثل التی نقضت غزالها من بعد قوة أنکاثاً ، تتخذرون أیمانکم دخلاً بینکم.
ألا وهل فیکم إلا الصلف والنطف (١٧) ، والصدر والشنف ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء؟! أو کمرعى على دمنة ، أو کفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لکم أنفسکم أن سخط الله علیکم وفی العذاب أنتم خالدون.
أتبکون وتنتحبون؟! إی والله فأبکوا کثیراً ، واضحکوا قلیلاً ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها (١٨) ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سلیل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسید (١٩) شاب أهل الجنة ، وملاذ خیرتکم ، ومفرغ نازلتکم ، ومنار (٢٠) حجتکم ، ومدرة سنتکم.
ألاساء ما تزرون ، وبعداً لکم سحقاً ، فلقد خاب السعی ، وتبت الأ یدی ، وخسرت الصفقة ن وبؤتم بغضب من الله ، وضربت علیکم الذلة والمسکنة.
ویلکم یا أهل الکوفة ، أتدرون (٢١) أی کبد لرسول الله فریتم؟! وأی کریمة له أبرزتم؟! وأی دم له سفکتم؟! وأی حرمة له انتهکتم؟! لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء (٢٢).
وفی بعضها : خرقاء شوهاء ، کطلاع الأرض وملاء السماء.
أفعجبتم أن مطرت (٢٣) السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا یستخفنکم المهل ، فانه لا یحفزه البدار ولا یخاف فوت الثار ، وإن ربکم لبالمرصاد.
قال الراوی (٢٤) : فوالله لقد رأیت الناس یومئذ حیارى یبکون ، وقد وضعوا أیدیهم فی أفواههم.
فقال لها الإمام السجاد (علیه السلام): (اسکتی یا عمة، فأنت بحمد الله عالمة غیر معلمة، فهمة غیر مفهمة)(٢٥).
فقطعت (العقیلة) الکلام، فأدهشت ذلک الجمع المغمور بالتمویهات والمطامع، واحدث کلامها أیقاظا فی الأفئدة ولفتة فی البصائر وأخذت خطبتها من القلوب مأخذاً عظیماً وعرفوا عظیم الجنایة فلا یدرون ما یصنعون!!
__________________
عمه الحسین بن علی إلى العراق ، وکان فیمن قدم به دمشق مع علی بن الحسین ، ولد محمداً وانقرض ولده ، وکان رجلاً ناسکاً من أهل الصلاح والدین.
(١٢) ر : شبیر بن خزیم الاسدی.
فی مستدرکات علم الرجال ٢ / ٣٧ : بشیر بن جزیم الأسدی ، لم یذکروه ، وهو راوی خطبة مولاتنا زینب علیها السلام بالکوفة.
(١٣) ر : کأنما.
(١٤) ر : اسکنوا.
(١٥) ب.ع : أبی.
(١٦) ر : فلا رقت.
(١٧) ر : والظلف.
(١٨) ب : وسنآنها.
(١٩) ب : خاتم الأنبیاء وسید.
(٢٠) ر : ومعاذ.
(٢١) ر : ویلکم أتدرون یا أهل الکوفة.
(٢٢) ر : عنقاء سواآء فقماء ناداء.
(٢٣) ب : قطرت.
(٢٤) الراوی ، من ع.
(٢٥) – احجاج الطبرسی ص١٦٦ ط النجف.