الرئيسية / مقالات متنوعة / لأكون مع الصادقين د. محمد التيجاني

لأكون مع الصادقين د. محمد التيجاني

وكما ذكرت في مستهل الكتاب فإنني سوف لن أتطرق إلا إلى بعض الأمثلة بغية الاختصار، وعلى من يريد البحث والاستزادة أن يغوص في أعماق البحر لاستخراج ما يمكنه من الحقائق الكامنة والجواهر المخفية!
يتفق أهل السنة مع الشيعة في القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين للمسلمين كل أحكام القرآن وفسر كل آياته، ولكنهم اختلفوا فيمن ينبغي الرجوع إليه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بغية التعرف إلى ذلك البيان والتفسير، فذهب أهل السنة إلى الاعتماد على الصحابة – دون تمييز – ومن بعدهم الأئمة الأربعة وعلماء الأمة الإسلامية، أما الشيعة فقالوا: أن الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم المؤهلون لذلك وصفوة من الصحابة المنتجبين، فأهل البيت (عليهم السلام) هم أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالى بالرجوع إليهم في قوله عز وجل: * (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) * (1) وهم الذين اصطفاهم الله تعالى وأورثهم علم الكتاب في قوله عز وجل: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * (2)، ولكل ذلك جعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدل القرآن والثقل الثاني الذي أمر المسلمين بالتمسك به فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
” تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ” (3).
وفي لفظ مسلم كتاب الله أهل بيتي – أذكركم الله في أهل بيتي قالها ثلاث مرات (4).
(١) النحل: آية ٤٣، تفسير الطبري ج ١٤ ص ١٠٩ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٧٠.
(٢) فاطر آية ٣٢.
(٣) أخرجه الترمذي في صحيحه ج ٢ ص ٣٢٩ والنسائي والإمام أحمد.
(٤) صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦٢ باب فضائل علي بن أبي طالب.
(١٢)

ومن المعلوم أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا أعلم الناس وأورعهم وأتقاهم وأفضلهم، وقد قال فيهم الفرزدق:
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم وأسوق هنا مثالا واحدا للتذكير بطبيعة الرابطة بين أهل البيت (عليهم السلام) والقرآن الكريم، فقد قال تعالى: * (فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهرون) * (1) فهذه الآيات تشير بدون لبس إلى أن أهل البيت (عليهم السلام) – وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – هم الذين يدركون معاني القرآني الغامضة، لأنا لو أمعنا النظر في القسم الذي أقسم به رب العزة والجلالة لوجدنا ما يلي: إذا كان الله تعالى يقسم بالعصر وبالقلم وبالتين وبالزيتون فعظمة القسم بمواقع النجوم بينة لما تنطوي عليه من أسرار وتأثير على الكون بأمره سبحانه، ونلاحظ تعزيز القسم في صيغة النفي والإثبات، فبعد القسم يؤكد سبحانه: أنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون، والمكنون ما كان باطنا ومستترا، ثم يقول عز وجل: * (لا يمسه إلا المطهرون) *، و (لا) هنا للنفي، ويمسه تعني يدركه ويفهمه وليس المقصود بها لمس اليد، فهناك فرق بين اللمس والمس. قال تعالى: * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) * (2)، وقال أيضا عز من قائل: * (والذي يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * (3)، فالمس هنا يتعلق بالعقل والإدراك لا بلمس اليد، وكيف يقسم الله سبحانه وتعالى بأن لا يلمس القرآن (باليد) إلا من تطهر، والتاريخ يحدثنا بأن بعض الجبارين قد عبثوا به ومزقوه، وقد شاهدنا الإسرائيليين يدوسونه بأقدامهم – نستجير بالله – ويحرفونه عندما
(1) الواقعة: آية 75 – 76.
(2) الأعراف: آية 201.
(3) البقرة: آية 275.
(١٣)

احتلوا بيروت في اجتياحهم سئ الصيت، وقد نقلت أجهزة التلفزة عن ذلك صورا بشعة ومذهلة. فالمدلول لقوله تعالى هو أنه لا يدرك معاني القرآن المكنون إلا نخبة من عباده الذين اصطفاهم وطهرهم تطهيرا، والمطهرون في هذه الآية اسم مفعول أي وقع تطهيرهم، وقد قال عز وجل: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * (1).
فقوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * معناه: لا يدرك حقيقة القرآن إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته (عليهم السلام)، ولذلك قال فيهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
” النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ” (2).
وما يذهب إليه الشيعة في ذلك يستند إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المروية حتى في صحاح أهل السنة كما وجدنا.
(1) الأحزاب: آية 33.
(2) أخرجه الحاكم في مستدرك ج 3 ص 149 عن ابن عباس وقال هذا حديث صحيح الإسناد.
(١٤)

إقرأ المزيد ..

الإمام الخامنئي: عملية طوفان الأقصى كانت ضربة قاصمة للكيان الصهيوني

 الإمام الخامنئي يوجه رسالة إلى الطلاب الجامعيين في أمريكا المدافعين عن غزة

الإمام الخامنئي: الإعلام أكثر تأثيراً على العدو من الصواريخ والمسيّرات

شاهد أيضاً

مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم 12

في نبذة من حقوقه علينا ومراحمه إلينا (عليه السلام) الباب الثالث في نبذة من حقوقه ...