الرئيسية / القرآن الكريم / مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) – الشيخ جعفر السبحاني – ج ١٠

مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) – الشيخ جعفر السبحاني – ج ١٠

المعدل الإلهي وفيه فصول

الفصل الأول العدل الإلهي في الكتاب العزيز آيات الموضوع 1 –

* (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) *. (1) 2 –

* (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) *. (2) 3 –

* (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *. (3) 4 –

* (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. (4) 5 –

* (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

* فأصابهم سيئات ما عملوا) *. (5) 6 –

* (وما الله يريد ظلما للعباد) *. (6)

(١) آل عمران: ١٨.
(٢) آل عمران: ١٨٢.
(٣) النساء: ٤٠.
(٤) التوبة: ٧٠.
(٥) النحل: ٣٣ – 34.
(6) المؤمن: 31.
(١٣)

وقبل أن نخوض في تفسير الآيات، نشير إلى مقدمة، وهي:

إن العدلية تصف الله سبحانه بالعدل بالمعنى المتفق عليه بين العقلاء، وبرهانها على ذلك هو أن العقل قادر على تمييز الحسن عن القبيح، والعدل عن الظلم، والله سبحانه بما أنه حكيم لا يجور أبدا، فهاهنا دعويان:

الأولى: أن العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وأن التحسين والتقبيح من الأمور المنوطة بقضاء العقل.الثانية: إذا تبين أن العدل حسن والظلم قبيح فالله سبحانه موصوف بالعدل، نزيه عن فعل الظلم. وإليك بيان كلا الدعويين.

أما الدعوى الأولى فتدل عليها أمور:

الأول: التحسين والتقبيح من الأمور البديهية إن التحسين والتقبيح من الأمور البديهية التي يدركها كل إنسان سليم الفطرة، فمثلا يدرك أن العمل بالميثاق حسن، والتخلف عنه قبيح، أو أن جزاء الإحسان بالإحسان جميل، وجزاءه بالسيئ قبيح. وهكذا سائر الأفعال التي توصف بالحسن والقبح.

وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هو هو، سواء أكان الفاعل واجبا أم ممكنا، خالقا أم مخلوقا، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.
وبعبارة أخرى: كما أن مسائل الحكمة النظرية تنقسم إلى نظرية وبديهية، ويستنبط حكم الأولى من الثانية، ولذلك عدوا مسألة امتناع اجتماع النقيضين أو
(١٤)

ارتفاعهما من المسائل البديهية في الحكمة النظرية.
فهكذا الأمر في الحكمة العملية فمسائلها تنقسم إلى بديهية وغير بديهية، ويستنبط حكم الثانية من الأولى.

والتحسين والتقبيح من المسائل البديهية في الحكمة العملية، وقد حازتا على اهتمام واسع نظرا لدورهما في استنباط سائر مسائل الحكمة العملية.

ولأجل إيضاح المراد نقول: إن تحسين بعض الأفعال وتقبيحها من الأمور البديهية للعقل، ويدلك على ذلك اتفاق عامة العقلاء مع اختلاف ثقافاتهم وبيئاتهم على وصف أفعال بالحسن، وأفعال أخرى بالقبح، نظير:

أ: حسن العدل وقبح الظلم.
ب: حسن العمل بالميثاق وقبح نقضه.
ج: حسن جزاء الإحسان بالإحسان وقبح جزائه بالسيئ.
د: حسن الصدق وقبح الكذب.
ه‍: حسن أداء الأمانة وقبح الخيانة بها.

إلى غيرها من الأمور التي لا يختلف فيها اثنان، وهذا يدل على أن تلك الأفعال موصوفة بالحسن والقبح بالبداهة، وإلا لما اتفق عليه العقلاء كافة، ولذلك قلنا: إن التحسين والتقبيح أمران عقليان.

* الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقا لقد أنكرت الأشاعرة قابلية إدراك العقل حسن الأفعال وقبحها، وذهبوا إلى أن القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكل ما أخبر بحسنه فهو حسن،

(١٥)

وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنهم غفلوا عن أنهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقا حتى مع تصريح الشرع، وذلك لأنه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسن شئ وقبحه،

فمن أين نعلم أنه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض أن العقل عاجز عن درك حسن الأول وقبح الثاني؟ فلا يصح إثبات حسن شئ أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلا أن يثبت قبلا أن الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت أنه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشئ أو قبحه سدى.

* الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شئ أو قبحه، وذلك لأن القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يقول: إن حكمته سبحانه تصده عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته.

وأما إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحا على مصراعيه، وليس هنا دليل يرد هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.

وهذه الأدلة الثلاثة التي سردناها على وجه الإيجاز، تشرف القارئ على القطع بأن العقل له المقدرة على درك الحسن والقبح. هذا كله حول الدعوى الأولى.

(١٦)

 

شاهد أيضاً

من ديوان السيد حيدر الحلي – السيد حيدر الحلي – ج ١

ولقد حاز على قصب السبق من جراء ذلك في هذا الميدان الطويل الذي جرى فيه ...