الرئيسية / مقالات متنوعة / قادتنا كيف نعرفهم (١)

قادتنا كيف نعرفهم (١)

الباب الاول: على و نسبه

الإمام أمير المؤمنين وسيد الوصيّين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لويّ بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان.

جده:

عبد المطلب شيبة الحمد، وكنيته أبو الحرث، وعنده يجتمع نسبه بنسب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وكان مؤمناً باللَّه تعالى، ويعلم بأنّ محمّداً سيكون نبيّاً.
روى محمّد بن سعد بأسناده «قال عبد المطلب لأمّ ايمن- بنت أبي طالب- وكانت تحضن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: يا بركة لا تغفلي عن ابني، فإني وجدته مع غلمان قريباً من السّدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أنّ ابني هذا نبي هذه الأمّة، وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا قال عليّ بابني، فيؤتى به إليه، فلما حضرت عبد المطلّب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وحياطته …
مات عبد المطلب، فدفن بالحجون، قالت أم أيمن: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يومئذٍ يبكي خلف سرير عبد المطلب» «1».


(1) الطبقات لمحمّد بن سعد كاتب الواقدي طبعة ليدن سنة 1322 هجرية، ج 1، ص 74.
(١٩)

قال ابن أبي الحديد: «وقد نقل النّاس كافة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إنّه قال: نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية» «١».

والده:

عبد مناف، وقيل: عمران، وقيل شيبة، كنيته أبو طالب، فهو ابن عبد المطلّب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي، ولد أبو طالب بمكة قبل ولادة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بخمس وثلاثين سنة، وكان شريك والده عبد المطلب في كفالة النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، ولمّا توفي عبد المطلب انفرد أبو طالب بكفالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وانتهت إليه بعد أبيه عبد المطلب الزعامة المطلقة، وكان يروي الماء وفود مكة كافة، لأن السقاية كانت له، ورفض عبادة الأصنام فوحّد اللَّه سبحانه، ومنع نكاح المحارم وقتل الموؤدة والزنا وشرب الخمر وطواف العراة في بيت اللَّه الحرام، ونزل بأكثرها القرآن وجاءت السنّة بها.
قال البلاذري: «فكان منيعاً عزيزاً في قريش … وكانت قريش تطعم، فإذا أطعم أبو طالب لم يطعم يومئذٍ أحد غيره» «2».
وقال ابن سعد: لمّا توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إليه، فكان يكون معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان يحبّه حبّاً شديداً لا يحبّه ولده، وكان لا ينام إلّا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه، وصبّ به أبو طالب صبابةً لم يصب مثلها شي ء قطّ، وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله


(١) شرح نهج البلاغة، الطّبعة القديمة، ج ٣، ص ٣١٥.
(٢) انساب الأشراف، بتحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي، ج 2، ص 23.
(٢٠)
وسلّم شبعوا، فكان إذا أراد أن يغذيهم قال كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فيأكل معهم، فكانوا يفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعوا، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك، وكان الصبيان يصبحون رمضاً شعثاً ويصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم دهيناً كحيلًا …
وروي أن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا … وما زالوا كافّين عنه حتّى مات أبو طالب- يعني قريشاً عن النبي عليه السّلام-
وكان أبو طالب يحفظه ويحوطه ويعضده وينصره إلى أن مات» «١».
وروى ابن الأثير عن ابن عبّاس: «لما نزلت «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «٢» خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، فصعد على الصفا فهتف يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال: يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج بسفح الجبل، أكنتم مصدّقي؟ قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب تباً لك! أما جمعتنا إلّا لهذا، ثم قام، فنزلت «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» «3» السورة …
فقال أبو طالب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: ما أحبّ إلينا معاونتك وأقبلنا لنصيحتك وأشدّ تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنّما أنا أحدهم، غير أنّي أسرعهم إلى ما تحبّ، فامض لما امرت به، فو اللَّه لا أزال أحوطك وأمنعك … الحديث، وقال:
(١) الطبّقات، ج ١، ص ٧٥، ٧٧، ٧٩.
(٢) سورة الشعراء: ٢١٤.
(٣) سورة المسد: ١.
(٢١)

واللَّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسّد في التراب دفينا
فانفذ لأمرك ما عليك غضاضة فكفى بنا دنياً لديك ودينا
ودعوتني وزعمت أنك ناصح فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت ديناً قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا «١»

فقال أبو لهب: هذه واللَّه السوأة، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: واللَّه لنمنعنّه ما بقينا» «2».
وقال في النهاية: «لما اعترض أبو لهب على النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم عند إظهاره الدعوة، قال له أبو طالب: يا أعور، ما أنت وهذا؟ لم يكن أبو لهب أعور، ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وامه أعور، وقيل: إنهم يقولون للرديّ من كلّ شي ء من الأمور والأخلاق أعور» «3».
وروى الخوارزمي بإسناده عن محمّد بن كعب، قال: «رأى أبو طالب النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يتفل في فيّ علي عليه السّلام فقال: ما هذا يا محمّد؟ فقال:
إيمان وحكمة، فقال أبو طالب لعلي عليه السّلام: يا بني، انصر ابن عمك ووازره» «4».
وروى السيوطي بأسناده عن أنس، إن أبا طالب مرض فعاده النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: «يا ابن أخي ادع ربّك الذي تعبد أن يعافيني، فقال: اللهم اشف عمي، فقام أبو طالب- كأنّما نشط من عقال- قال: يا ابن أخي، إنّ ربك
(١) ديوان شيخ الأباطح ص ١٢.
(٢) الكامل في التاريخ طبعة بيروت ١٣٨٥ هجرية، ج ٢، ص ٦٠، ٦١.
(٣) النّهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الاثير، ج ٣، ص ٣١٩.
(٤) المناقب المطبعة الحيدريّة سنة 1385، ص 78.
(٢٢)

الذي تعبد ليطيعك قال: وأنت يا عمّاه لئن أطعت اللَّه ليطيعنّك» «١».
وروى الحاكم النيسابوري بأسناده عن أبي إسحاق قال: «قال أبو طالب أبياتاً للنجاشي يحضّهم على حسن جوارهم والدفع عنهم:
ليعلم خيار الناس أن محمّداً وزير لموسى والمسيح بن مريم
أتانا بهدي مثل ما أتيا به فكلّ بأمر اللَّه يهدي ويعصم
وإنكم تتلونه في كتابكم بصدق حديث لا حديث المبرجم
وإنك ما تأتيك منها عصابة بفضلك إلا أرجعوا بالتكرّم «٢»

وروى ابن أبي الحديد عن أبي بكر بن أبي قحافة «إن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، والخبر مشهور: إن أبا طالب عند الموت قال كلاماً خفيّاً، فأصغى إليه أخوه العبّاس ثم رفع رأسه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فقال: يا ابن أخي، واللَّه لقد قالها عمّك ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته» «3».
وفي الحديث المشهور «إن جبرئيل عليه السّلام قال له ليلة مات أبو طالب:
أخرج منها، فقد مات ناصرك» «4».
وروى الحاكم النيسابوري «إن عثمان بن عفان حدّث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهما، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقّاً من قلبه فيموت إلا حرّم على النار، فقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ولم يخبرناها، فقال عمر بن الخطاب: أنا أخبرك بها هي كلمة
(1) الخصائص الكبرى للسيّوطي، بتحقيق محمّد خليل هراس، ج 1، ص 310.
(2) المستدرك على الصحّيحين، ج 2، ص 623.
(3) شرح نهج البلاغة الطّبعة القديمة، ج 3، ص 316.
(4) نفس المصدر والصفحة.
(٢٣)

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...