الرئيسية / تقاريـــر / في رحاب الملحمة الحسينية 10- عبد الستار الجابري

في رحاب الملحمة الحسينية 10- عبد الستار الجابري

اثار ثورة الامام الحسين (عليه السلام) 2

 

الثاني: التحول في واقع العراق السياسي
تحول العراق الى مركز للثورات والانتفاضات ضد الحكم الاموي ومن بعده العباسي في حالة لم يعشها اي بلد اخر بالمستوى الذي عاشه العراق وكان من ابرزها ثورة زيد الشهيد (رضوان الله عليه) وثورة معاوية بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب (رضوان الله عليه)، ولم تقف ثورات المجتمع العراقي عند فئة خاصة او جماعة معينة، بل في بعض الاحوال يشترك العراقيون على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم ضد السلطة الجائرة كما حصل في ثورة الكوفيين ضد الحجاج بن يوسف الثقفي واشتراكهم مع يوسف بن عمر ومن بعده مع عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ضد البلاط الاموي، وقد اسهمت ثورات العراقيين اسهاماً كبيراً في اضعاف الحكم الاموي ومن ثم اصبحت الامر ممهداً اما العباسيين للانقضاض على الحكم الاموي والقضاء عليه.
الثالث: تصحيح الانحراف الفكري
نزل القرآن الكريم لبيان الاسس الحضارية التي يجب ان يكون عليها المجتمع الاسلامي، وابرز تلك الاسس هي اخلاص العبادة لله تبارك وتعالى (وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون) واخلاص العبادة لله يتمحض باتباع تعاليم الكتاب العزيز واتباع النبي (صلى الله عليه واله) (ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم) و (ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
وهذان المحوران يقتضيان اتباع التعاليم القرآنية والتعاليم النبوية، وما عداهما يكون من الخروج عن الاسس التي حددها الله تعالى للمجتمع المسلم.
ابتلي المجتمع المسلم في القرن الاول بمجموعة من الابتلاءات التي عند النظر اليها من جهة السنن المجتمعية التي تتعرض لها كافة المجتمعات البشرية، اذ من طبيعة المجتمع البشري تحميل ارادته على ارادة الله، واهدافه المصلحية الآنية على المصلحة العليا التي يريدها الله تعالى، وهذه السنن الاجتماعية هي السبب الاساسي في الانحراف عن قيم الحضارة الدينية التي نزلت بها الشرائع السماوية، وليس المجتمع المسلم بدعاً من تلك المجتمعات، فهو مجتمع كغيره من المجتمعات البشرية، جرى فيه ما جرى في غيره وقد اخبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة الاجتماعية في قوله تعالى (ولتركبن طبقاً عن طبق)، وعند ملاحظة مسار التاريخ البشري في التعاطي مع القيم الحضارية التي جاءت بها الاديان الكبرى، نجد تطوراً في التعاطي مع تلك القيم، ففي مجتمعات ما قبل الطوفان تحول المجتمع البشري من مجتمع توحيد الى مجتمع شرك مطبق، وفي مجتمعات ما بعد التوحيد اختلف التعاطي مع الواقع الديني بين مجتمعات الشرك المطبق كمجتمع سدوم وثمود وعاد والمجتمع الفرعوني في مصر، ومجتمعات لم تبلغ حد الشرك المطبق فلم يهلكها الله تعالى كمجتمع بابل في عهد النبي ابراهيم (عليه السلام) والمجتمع العربي في جزيرة العرب بعد ان ادخلت خزاعة عبادة الاوثان في جزيرة العرب، ومجتمعات شرق الكرة الارضية واوربا.
اما مجتمع بني اسرائيل الذي كان مجتمعاً موحداً رغم تاثره بالافكار المنحرفة للمصريين حتى طلب من موسى (عليه السلام) ان يجعل لهم آلهة وانطلت عليهم دعوة السامري بعبدوا العجل، فانه تحول من مجتمع توحيد خالص الى مجتمع شبهات عقائدية، تركت آثارها في فكر بني اسرائيل العقائدي والعملي بعد قيام دولة التوحيد على يد النبي يوشع (عليه السلام)، فالمراجع للقصص بني اسرائيل التي حدث عنها القرآن الكريم يجد ذلك واضحاً، حتى انهم بسبب انحرافهم عن المنهج الالهي تحول المحاور المؤثرة في مجتمع بني اسرائيل الى ثلاث محاور السلطة ويديرها ملوك بني اسرائيل بعد ان تم الانقلاب السياسي على انبياء بني اسرائيل وعزلهم عن المنصب الاعلى في ادارة شؤون البلاد، والاحبار وهم من تولى مسؤولية ادارة الشؤون الدينية في الدولة وكان لهم دور سيء في تحريف القيم الدينية ولي ادلة التشريع بما يخدم منافعهم الشخصية او الفئوية، والانبياء وهم المبلغون عن الله تعالى وقد عاشوا كافراد عاديين في المجتمع محاربين من قبل كهنة المعابد والسلطة الجائرة.
وعند دراسة الواقع الاجتماعي للمجتمع المسلم منذ فتح مكة وحتى اواخر الامبراطورية العباسية فإن ما وقع في مجتمع بني اسرائيل تكرر بكل حذافيره في المجتمع المسلم، فحكم الملوك الذين تسموا ظلماً وعدوانا بالخلفاء وامراء المؤمنين، واصبح للدولة فقهاء يفتون على ضوء هوى الحكام ويعملون على التأسيس لمنهجية فكرية لم ترع الاصلين الاساسيين في اصول الفكر الحضاري الاسلامي مما جر الويلات على المجتمع المسلم، فحول السلاطين وفقهاء البلاط الدين الى وسيلة لتحقيق غاياتهم وتثبيت سلطانهم وتصفية اعدائهم، فشاع وضع الاحاديث كذباً على رسول الله (صلى الله عليه واله) بعد ان منع تدوين السنة النبوية لفترة طويلة باعذار واهية، واصبح الاجتهاد في مقابل سلعة رائجة، واصبحت اراء الحكام ديناً يتبع وان خالفت صريح القرآن والسنة، وابتليت الامة بالسلاطين الذين تمذهبوا وارادوا فرض تمذهبهم على المجتمع المسلم فصادروا حق الانسان في المعرفة وطلب الحقيقة واتباعها، ومورست مختلف الطرق في التنكيل بالمخالفين الفكريين والسياسيين وحوصر ائمة الصلاح والتقى وشرد بهم وسجنوا وقتلوا فكانت القرون الثلاث الاولى من اسوأ الحقب الزمنية على صعيد الحرية الفكرية والسياسية، وفي ضوء تلك الظلمات كان للملحمة الحسينية حضورها الفاعل في وجدان الامة، لان اثرها السياسي الذي تمثل في انطلاقة الثورات ضد الظلم السياسي والاجتماعي ترك اثره الواضح على الصعيد الفكري ايضاً، فسلب القدسية عن منهج التدجين الفكري الذي كان يقوم به فقهاء البلد وجهازه الاعلامي، مما انتج فكراً موازياً لفكر السلطة يقترب من الحقيقة ويجانبها احياناً لانه في الغالب فكر بشري يصيب ويخطأ وقد ادرك اصحاب تلك الاتجاهات ما هم فيه ولكن النوازع الذاتية كانت تصد اولئك النفر المتصدين لقيادة الحراك الفكري عن الاخذ من المنبع الصافي الذي لا يعتريه الباطل، الا انهم مع ذلك كانوا جزءاً من الحراك الفكري للمجتمع الذي اضعف مشروع مصادرة الامة فكرياً، وقد تطور ذلك الحراك مع الزمن حتى رأينا اليوم من يدعو الى الرجوع الي القرأن الكريم والسنة الثابتة لاعادة قراءة التراث الاسلامي الذي تعرض للتشويه على مدى قرون من الزمان، وكل ذلك من آثار ثورة سيد الشهداء التي اثارت في احرار الفكر روح العودة الى الحقيقة.

شاهد أيضاً

صفي الدين: مسيرات عملية “يوم الأربعين” وصلت إلى أهدافها والعدو حائر أمام خياراته الواهية

أكد رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، أن المجاهدين يخوضون المعركة ...