الرئيسية / الاسلام والحياة / منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد

هكذا كانت البداية مع الحسين – مصباح الهدى – كانت البداية.
ومع الحسين – سفينة النجاة – كان الشروع.
بداية لم أقصدها أنا، وإنما هي التي قصدتني، فوفقني الله لحسن استقبالها، وأخذ بيدي إلى عتباتها..
ذلك كان يوم ملك علي مسامعي صوت شجي، ربما كان قد طرقها من قبل كثيرا فأغضت عنه، ومالت بطرفها، وأسدلت دونه ستائرها، وأعصت عليه.
حتى دعاني هذه المرة، وأنا في خلوة، أو شبهها، فاهتزت له مشاعري ومنحته كل احساسي وعواطفي، من حيث أدري ولا أدري..
فجذبني إليه.. تتبادلني أمواجه الهادرة.. وألسنة لهيبه المتطايرة..
حتى ذابت كبريائي بين يديه، وانصاع له عتوي عليه..
فرحت معه، أعيش الأحداث، وأذوب فيها.. أسير مع الراحلين، وأحط إذا حطوا، وأتابع الخطى حتى النهاية..
تلك كانت قصة مقتل الإمام الحسين عليه السلام، بصوت الشيخ عبد
(٣١)
الزهراء الكعبي يرحمه الله، في العاشر من محرم الحرام من سنة 1402 للهجرة.
فأصغيت عنده أيما إصغاء لنداءات الإمام الحسين..
وترتعد جوارحي، مع الدمعة والعبرة، وشئ في دمي كأنه الثورة..
وهتاف في جوارحي.. لبيك، يا سيدي يا بن رسول الله..
وتنطلق في ذهني أسئلة لا تكاد تنتهي، وكأنه نور كان محجوبا، فانبعث يشق الفضاء الرحيب دفعة واحدة..
انطلاقة يؤمها الحسين، بقية المصطفى، رأس الأمة، وعلم الدين؟
انطلاقة الإسلام كله تنبعث من جديد، ورسول الله يقودها من جديد، بشخص ريحانته، وسبطه الحسين؟
وهذه نداءات الإسلام يبثها أينما حل، والجميع يعرفها! ولا يعرف للإسلام معنى في سواها؟
ومصارع أبناء الرسول؟!!
وتيار الانحراف يجرف الحدود، ويقتحم السدود؟!
وأشياء أخرى لا تنتهي…
وتعود بي الأفكار إلى سنين خلت، وأنا أدرج على سلم الدرس، لم أشذ فيها عن معلمي، فقلت: ليتني سمعت إذا ذاك ما يروي ضمأي..
ولكن، ما هو ذنب معلمي! إنه مثلي، كان يسمع ما كنت أسمعه، وليس إلا..
بل ليتها مناهجنا قد نالت شرف الوفاء لهذا العطاء الفريد..
ليتها مرت على فصول تلك الملاحم، ولو مرور العابرين! من غير تعظيم، أو تمجيد، أو ثناء..
فليس ثمة حاجة إلى شئ من هذا القبيل، فقد تألق أولئك الأبطال فوق ذروة المديح والثناء، فكأنني أنظر إلى منابر التبجيل والإطراء مهطعة تحدق
(٣٢)
نحوهم وهم يحلقون في قبة السماء!!
ثم أنت يا حلق الوعظ، ويا خطب الجمع ويا بيوتات الدين، أين أنت من هذا البحر اللا متناهي؟!
لقد صحبتك طويلا، فليتني وجدتك اتخذت من أولئك الأبطال، وتلك المشاهد أمثلة تحتذى في معاني اليقين والجهاد، أو الإقدام والثبات، أو التضحية والفداء، أو النصرة والإباء، أو الحب والعطاء أو غيرها مما يفيض به ميدان العطاء غير المتناهي ذاك، كما عهدتك مع نظائرها، وما هو أدنى منها بكثير!
وأين أنت أيتها الدنيا؟!
وعلى أي فلك تجري أيها التاريخ؟!
ألا تخشى أن يحاكمك الأحرار يوما؟
عتاب لاذع، وأسئلة لا تنتهي، والناس منها على طرق شتى..
فهي تمر على أقوام فلا يكاد يوقظهم صداها، ولا يفزعهم صخبها!!
ورأيتها تمر على آخرين فتكاد تنتزع أفئدتهم، من شدة ما لهم معها من هياج ونحيب، وأدمع تجري فلا تريد أن تكف..
ويلتهبون على الجناة غيظا ونقمة وحنقا..
فتمتلئ صدورهم من هذا وذاك بكل معاني الموالاة والبراءة..
موالاة لله وأوليائه، وبراءة من أعدائه..
ولم لا تنفطر الأكباد لفاجعة كهذه!
وبدلا من أن تهربي من ذكراها – أيتها الدنيا – في العام مرة، أولى بك أن تقفي عندها كل يوم ألف مرة، ولا تستكثري.
أكثير أن يحيا الحسين السبط بيننا على الدوام، وليس كثيرا أن يقتل بين يديك كل يوم ألف مرة؟!
(٣٣)
وعندما رحت أتعجب من هذا الانقسام، عدت مع هذه الواقعة إلى الوراء، فإذا الناس من حينها كحالهم الآن، فهم بين من حمل الحسين مبدءا، وتمسك به إماما وأسوة، ودليلا إلى طريق الفلاح، فوضع نفسه وبنيه دون أن يمس الحسين، وبين من حمل رأس الحسين هدية إلى يزيد!!
وبين هذا وذاك منازل شتى في القرب والبعد من معالم الحسين..
وأشياء أخرى تطول، فقد استضاءت الدنيا كلها من حولي، وبدت لي شاخصة معالم الطريق..
فرأيت الحكمة في أن أسلك الطريق من أوله، وأبتدئ المسيرة بالخطوة الأولى لتتلوها خطى ثابتة على يقين وبصيرة..
وابتدأت، وإن كانت الأيام تشغلني بين الحين والحين بما يصد المرء عن نفسه وبنيه، إلا أني أعود إذا تنفست فأتابع الخطى.
وقد حملت الصفحات الآتية أهم تلك الخطى، ولم أكن أفقد احساسي بمدد الله تعالى وتوفيقاته ما دمت أشعر بالقرب منه جل جلاله..
وهو حسبي..
* * *
(٣٤)

ندعوكم لدعم موقع الولاية الإخبارية ماديا

رابط الدعوة تليجرام:https://t.me/+uwGXVnZtxHtlNzJk

رابط الدعوة واتساب: https://chat.whatsapp.com/GHlusXbN812DtXhvNZZ2BU

رابط الدعوة ايتا :الولاية الاخبارية
سايت اخباري متنوع يختص بأخبار المسلمين حول العالم .
https://eitaa.com/wilayah

شاهد أيضاً

“ثلاثة يُدخلهم الله الجنّة بغير حساب: إمامٌ عادل، وتاجرٌ صدوق، وشيخٌ أفنى عمره في طاعة الله”-11

الدرس الحادي عشر: الوسيلة إلى الله     النصّ القرآني: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا ...