الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم
7 أيام مضت
زاد الاخرة
27 زيارة
إن الحياة الإجتماعية ليست بالامكان أن تنتظم بجهود الفرد كفرد بل بجهود الفرد منظماً إلى
المجموعة ليصل الجميع إلى هدفهم المنشود .
والتكافل يريده الإسلام ، ويحث عليه لأنه صورة شفافة يعبر عن الرحمة والحنو والعطف
والشفقة ، وقد أراد االله ذلك لعباده لأنه سبحانه المنبع الحقيقي للرحمة ، والشفقة والسماحة .
فهو رحيم ، ويحب الرحمة ، ويوصي بالرحمة .
والإنسان هو الصورة المثالية لصنع االله في هذه الأرض الواسعة ، وقد ميزه عن بقية
مخلوقاته بالعقل والادراك ، ومنحه من الطاقات الجبارة ما به تظهر عظمته في هذا الكون لذلك
أراد االله أن يحذو حذوه لتعبر الصورة عن قدرة المصور ومكانتة ، وقد إختاره ليكون الشاشة
الواضحة ليعرض عبرها كل الصفات الخيرة تلك الصفات التي أراد أن يتصف بها العبد .
ومن هنا نقول إن هذه الحياة بما هي مكان يعيش في رحابها هذا الحشد من البشر لابد لها من
نظام تكافي ينظم للأفراد حياتهم ومتطلباتهم ، يظللهم شعورهم بالمسؤولية « فكلكم راع وكلكم
مسؤول عن رعيته » ، كما يقول أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) .
وعلى ضوء هذا النظام تزدهر الحياة ، وعلى تطبيقه يشق المجتمع طريقه نحو الرقي والرفعة
.
ـ وكما قلنا ـ إن التكافل الإجتماعي له مظاهر متنوعة ، ولم يقتصر على مظهر واحد ، بل
هو مجموعة صور عديدة قيمة .
===============
( ٢١ )
ومن بين هذه الصور تنألق صورة الانفاق في سبيل االله ، ومد يد العون إلى الضعفاء
والمعوزين ليجد هؤلاء من يحنو عليهم ، ومن ينتشلهم من براثن الفقر ، ويبعد عنهم صوره
المرعبة وبذلك تتوازن القوى ، ويتجه كلهم نحو بناء مجتمع مثالي في كل عصر ، ومع كل جيل
.
وحديثنا في هذا البحث عن التكافل في الإنفاق لان المال وتوزيعه على شكل يؤمن للغني غناء
، وللفقير حقه هو من القواعد الأساس لعملية التكافل لذلك رتب الإسلام نظاماً للإنفاق لئلا يسرف
الإنسان في ذلك ، أو يقتر .
. (١) ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط )
وقبل أن نبدأ في البحث عن كيفية هذا النظام ، والحديث عنه نقف لنجيب عما نطالب به من
إيضاح حول ما يوجه من الاعتراض عن مشكلة الفقر وابتلاء البعض من الناس بالفقر والعوز مع
أن االله سبحانه هو الخالق خلائق ورازقهم هو الذي قدر بينهم معايشهم :
. (٢) ( وما من دابة في الأرض إلاّ على االله رزقها )
. (٣) ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا )
. (٤) ( ولقد مكّنّاكم في الأرض وجعلنا لكم فيه معايش )
____________
(١) سورة الأسراء | آية : ٢٩ .
(٢) سورة هود | آية : ٦ .
(٣) سورة الزخرف | آية : ٣٢ .
(٤) سورة الاعراف | آية : ١٠ .
===============
( ٢٢ )
وإذا كان الرزق من االله ، وهو الذي يقدر معايش العباد فلماذا لم يمنح الفقير ما يغنيه ليجعل
العباد كلهم على حد سواء ، أو لا أقل من أن يكفي الفقير ان لم نقل بالتساوي ؟ وحينئذٍ فيمنحه ما
يرفع عنه الاتكال على ما تجود به قريحة الغني وتعود حياته رتيبة تسير على نحو من الكفاف ،
وبذلك يستغنى عن قانون فرض الضرائب المالية على الأغنياء الزامياً ، أو تبرعياً ، ولا داعي
لهذه الصورة من التكافل بل تبقى للتكافل صوره الأخرى مما يحتاجه لهذه الحياة .
والجواب عن ذلك : إن االله ليس بعاجز عن أن يجعل عباده في مستوى واحد من حيث الغناء
والرفاه المالي فقد نوه القرآن الكريم في آيات كثيره من أن االله هو الرازق :
. (١) ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل االله )
. (٢) ( هل من خالق غير االله يرزقكم من السماء والأرض )
ولكنها المصالح التي تعود إلى البشر ، والتي تقضيها طبيعة الحياة العلمية في واقعها الخارجي
هي التي تدعوا لأن يكون هذا التمايز .
ذلك لأن الحاجة أساس العمل والعمل يخلق الانتاج ، وإذا كان الكل في صف واحد فمن يعمل
، وكيف يحصل الانتاج ؟ .
وعلى سبيل المثال : فلوا فرضنا أن بلداً كل أفراده أغنياء ،
____________
(١) سورة سبأ | آية ٢٤ .
(٢) سورة فاطر | آية ٣ .
===============
( ٢٣ )
ويتمتعون بثروات مالية فمن منهم يحضر لينزل إلى الحقل ليحرث ويزرع ، ومن منهم يبني ،
ومن منهم يحرك الآلة ، ومن منهم يقوم بما تتطلبه هذه الحياة من أعمال ؟ .
ان الحاجة هي التي تدعوا العامل أن ينشد إلى رب العمل ، ورب العمل إلى العامل ، وهكذا ،
ومن جراء ذلك تؤمن متطلبات الحياة ، وما يحتاج إليه الفرد من طعام وكساء وسكن .
على أن هناك نقطة دقيقة كشف عنها القرآن الكريم ، وأوضح أن االله سبحانه ينزل الارزاق
حسب موازين مظبوطة وإنه أعلم بعباده ، وكيف أن بعضا منهم لو أغناه ووسع عليه لكفر .
يقول سبحانه :
( ولو بسط االله الرزق لعباده لبغوا في الارض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير
. (١) بصير )
وختام الآية « إنه بعباده خبير بصير » يعطينا أن التقدير الذي يقدره االله لعباده نابع عن خبرة
، وبصيرة بشؤون العباد إنه يعلم لو وسع على العباد في الرزق على حسب ما يطلبونه ،
ويرغبون فيه لبغوا في الأرض ، والبغي في اللغة ، هو « الظلم والجرم والجناية ، والباغي هو
. (٢) الظالم ، والعاصي على االله »
ولكن « ينزل بقدر ما يشاء » ، وعلى قدر صلاحهم ، وما تقتضيه مصالحهم ، وقد جاء عن
النبي ( صلى االله عليه وآله ) عن جبرائيل عن االله سبحانه :
____________
(١) سورة الشورى | آية : ٢٧
(١) أقرب الموارد | مادة بغي
===============
( ٢٤ )
« إن من عبادي من لايصلحهُ إلى السقم ، ولو صححته لأفسده ، وإن من عبادي من
لايصلحهُ ألا الصحة ، ولو سقمته لأفسده ، وأن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقرته
لأفسده ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ، ولو أغنيته لأفسده ، وذلك إني أدبر عبادي
. (١) لعلمي بقلوبهم »
وبعد كل هذا فإن الإحاديث الواردة عن النبي ( صلى االله عليه وآله ) ، وأهل البيت ( عليهم
السلام ) تتناول هذه المشكلة . وتدفع الأشكال على نحو الجزاء والأجر للفقير على ما قسمه االله له
من فقره .
فعن النبي ( صلى االله عليه وآله ) انه قال :
« يؤتى بالعبد يوم القيامة ، فيعتذر االله إليه كما يعتذر الرجل إلى الرجل في الدنيا » .
فيقول :
« وعزتي وجلالي ما زويت الدنيا عنك لهوانك عليّ ولكن لما أعددت لك من الكرامة
والفضيله أخرج يا عبدي إلى هذه الصفوف فمن اطعمك فيّ أو كساك فيّ يريد بذلك وجهي فخذ
بيده فهو لك ، والناس يومئذ قد الجمهم العرق فيتخلل الصفوف وينظر من فعل ذلك بيده فيأخذ
. (٢) بيده ويدخله الجنة »
وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
« إنه قال : لرجل أما تدخل السوق أما ترى الفاكهة تباع ،
____________
(١) مجمع البيان والدر المنثور للسيوطي في تفسيرهما للآية ٢٣ من سورة الشورى .
(٢) المحجة البيضاء ٧ | ٣٢٣ .
===============
( ٢٥ )
والشيء مما تشتهيه : فقال : بلى .
. (١) قال ( عليه السلام ) : أما إن لك بكل ما تراه فلا تقدر على شرائه حسنة »
بهذا النوع من الأجر والتقدير يقابل الفقير ليجبر االله له ما يعانيه في هذه الدنيا من تبعات الفقر
.
وهنيئاً له و االله .
يعتذر إليه أو هو شبيه بالمعتذر كما في بعض النسخ ، ويتوالي التكريم من االله سبحانه لعبده
الفقير فتعطينا الأحاديث مرة أخرى صوراً متلألئةً تضفي اشعاعاً خاصاً على الفقير يميرة عن
بقية الناس .
فقد جاء في بعض الأحاديث ان االله سبحانه أوصى لنبيه اسماعيل قائلاً :
« اطلبني عند المنكسرة قلوبهم من اجلي .
فقال : اسماعيل من هم ؟
. (٢) قال : الفقراء الصادقون »
والفقراء بعد كل هذا صفوة االله من خلقه .
« فعن النبي محمد ( صلى االله عليه وآله ) يقول االله تعالى يوم القيامة :
أين صفوتي من خلقي ؟
____________
(١) المحجة البيضاء ٧ | ٣٢١ .
(٢) المحجة البيضاء ٧ | .٣٢٥
===============
( ٢٦ )
فتقول الملائكة ، ومن هم يا ربنا ؟
فيقول : فقراء المسلمين القانعون بعطائي الراضون بقدري أدخلوهم الجنة فيدخلوهم ويأكلون
. (١) ويشربون ، والناس في الحساب يترددون »
وفي مورد آخر يقارن االله بين الفقراء والأغنياء فيجعل الكفة تميل لصالح الفقراء ، جاء ذلك
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
« ان االله يقول يحزن عبدي المؤمن ان قترت عليه ، وذلك أقرب له مني ، ويفرح عبدي
. (٢) المؤمن ان وسعتعيله ، وذلك أبعد له مني »
ومرة أخرى نعود لصلب الموضوع في البحث لنتكلم عن الانفاق بقسميه الإلزامي والتبرعي .
____________
(١) المحجه البيضاء ٧ | ٣٢٥ .
(٢) المحجه البيضاء ٧ | .٣٢٦
2025-02-14