الرئيسية / شخصيات أسلامية / الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

المقدِّمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الاَمين وآل بيته الطيبين الطاهرين المنتجبين ، وصحبه الهداة المهديين .

فقد درجت الاُمم والشعوب منذ عهدها بالتدوين على تخليد قادتها ورجالاتها ، عرفاناً منها لما أسدوه لها من خدمات جليلة ، وبما زانوا مجدها وتأريخها بكل طارف وتليد . ونحن كأُمّة إسلامية لنا أعظم دين ، وأغنى تراث ، وأرقى حضارة ، ما كنّا بدعاً من الاُمم والحضارات في تخليد عظمائنا ورجالاتنا الذين شادوا مجد هذه الاُمّة ، وبنوا صرحها الشامخ . بل ، نحن أحق من غيرنا بذلك للعديد من الاعتبارات . .

وربّ تساؤل يقفز إلى ساحة الذهن ، بأنّهم كُثر أُولئك الذين كان لهم دور في عملية صياغة التاريخ ، وصناعة المجد ، وبناء الحضارة . . فمن من اولئك حقيق بالتخليد والذكر الجميل ؟ ثم ، كيف نُحيي تراثهم ، ونُعيد تأريخهم ؟ ولماذا . . ؟

وطبيعي أن يأتي الجواب بأن أي دراسة يجب أن تتناول النخبة الصالحة الرشيدة التي بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تحيا هذه الاُمّة على مبادئ رسالتها الخالدة ، وأن تشتمل تلك الدراسة على تاريخ حياة أولئك الاَعلام المضحين ، ومناهجهم في عملية البناء والتغيير ، وجهادهم وجهودهم المضنية في هذا المجال ، كما ينبغي تناول سيرتهم العملية وأقوالهم بالدرس والتحليل .
وأما الغرض من تدارس أحوال ومواقف أولئك العظام؛ فهو لاستلهام
9
مناهجهم في الحياة ، وفي البناء الحضاري ، وللاستنارة من فيض علومهم ومعارفهم الخلاّقة ، وإسهاماتهم في تبيين معالم الدين ، وتوضيح أصول الشريعة . . أضف إلى ذلك مكافحتهم للجهل ، ومقارعة الظلم والظالمين ، ونشر العدل ، وإحقاق الحق . . بل ، واتخاذهم منارات يُسترشد بهديهم لجميع الاَجيال البشرية على رغم تعاقبها مرّ الدهور .

ولا ريب بأن الاَحقّ بهذا التدارس والتعظيم ، هو شخص النبوة الكريم ، أشرف موجود ، وسيّد الكائنات وأقدسها . وهل أحد أحق من بعده غير أهل بيته المطهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس ، واختارهم قادة رساليين يُقتدى بهم ؟

حتى صار دورهم ملموساً ومتميزاً في بناء الاِنسان وصيانته وحفظ المجتمع وكيانه . ومن هنا أصبح تسليط الضوء على حياتهم المشرقة بالعطاء ـ بعد اختلاط الاَوراق ـ وفاءً لرسالة الاِسلام الخالدة باعتبارهم عليهم السلام قادتها الاَُمناء الحقيقيين .

فالاَئمة المعصومون الاثنا عشر من أهل البيت عليهم السلام الذين نصّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أحاديث صحاح ، هم محور الحياة الذي تدور عليه كلّ مكرمة وفضيلة ، فقد جعلهم الله حياة للاَنام ، ومصابيح الظلام ، ومفاتيح الكلام ، ودعائم للاِسلام . . ووصفهم أمير البيان عليه السلام بقوله : « هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم ، وصمتهم عن منطقهم ، وظاهرهم عن باطنهم . لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه ، فهو بينهم شاهد صادق » .

فدراسة حياة الاَئمة الميامين عليهم السلام يجب أن تنطلق من تلك الحقائق المهمة ، وينبغي التركيز على المنهج الاَصيل والدور الحقيقي والواقعي لهم عليهم السلام باعتبارهم وحدة متكاملة لا فرق بين القائم منهم بالسيف أو المتصدي بالدعاء أو الناشر للعلم أو غيرها من مناهج العمل والتغيير للوصول إلى الهدف المشترك للجميع . فهم عليهم السلام رغم تنوّع أدوارهم ، وفق
4
طبيعة المرحلة والظروف السياسية المحيطة بهم ، يحملون هدفاً مشتركاً واحداً لا يختلفون فيه ، ذلك هو حفظ الكتاب الكريم وسُنّة الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وطلب الاصلاح والهداية ، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ونحن على أعتاب مرور اثني عشر قرناً ( 1200 عام ) على شهادة الاِمام الجواد عليه السلام ، فالاَمل يحدونا أن تستطيع هذه الدراسة الموجزة من سيرة تاسع أئمة أهل البيت عليهم السلام إلقاء بعض الضوء على الدور الفاعل والكبير لتحرك الاِمام أبي جعفر الثاني الجواد عليه السلام في الاُمّة ، من خلال جسّ مواقع حركته التغييرية والاِصلاحية في الزمن القصير الذي عاشه .

ويمكن تلمّس تحرك الاِمام عليه السلام ، واستشفاف الحقائق الناصعة في أدوار حياته عبر الفصول الاَربعة التي اشتملتها هذه الدراسة .

فمروراً بالتعريف بظروف مولد الاِمام عليه السلام ، إلى التعريف بشخصه المبارك وبعض سماته ، ثم النصوص الدالّة على إمامته ، وأخيراً كان لنا بحث مقتضب حول مسألة العمر ومنصب الاِمامة ، كل ذلك تضمّنه الفصل الاَول .

أما الفصل الثاني : فقد عرض للمرحلة التالية من حياة الاِمام الجواد عليه السلام خاصة بعد شهادة أبيه ، وما رافق ذلك من إرهاصات انعكست مباشرة على حياة الاِمام . فكان لابدّ من استبيان الظروف والاَحداث السياسية خلال هذه الفترة الزمنية من عمر الاِمام ، خاصة ما كان من مقولة خلق القرآن ،

ثم علاقة الاِمام عليه السلام بالجهاز الحاكم الذي كان يتربّص به الدوائر للقضاء عليه . كما استعرضنا أحداث عقد قرانه عليه السلام على ابنة المأمون العباسي ثم زواجه منها ، وما رافق ذينك الحدثين من حوادث كان لها انعكاسات مباشرة على حياته عليه السلام . وفي خاتمة الفصل كانت لنا إطلالة على بعض الثورات
10
والانتفاضات التي كانت تصبّ في خط أهل البيت عليهم السلام وتدعو لهم .

وأمّا الفصل الثالث : فقد حاولنا أن نستجمع فيه عطاءه الفكري ودوره الرسالي ، ونشاطه في استقطاب الاَصحاب والوكلاء وتوجيه الاُمّة نحو المسار الاِسلامي الصحيح ، وممارسة دوره العلمي في إرساء قواعد التشريع الاِسلامي ، ومناظراته واحتجاجاته في الدين والعقيدة . ولم يفتنا اقتباس شذرات من أنوار كلمه النديّة ، كي نروّي بها صحراء نفوسنا المجدبة .

وأخيراً كان لنا فصل رابع بحثنا فيه عن كيفية استدعاء المعتصم العباسي للاِمام من المدينة إلى بغداد ، والاَسباب والدواعي التي دفعت مثلث الاغتيال إلى التآمر على الاِمام وتنفيذ عملهم الدنيء بقتله بالسم وهو في غضارة شبابه ، ثم عرجنا على من أشاد بشخصية الاِمام الجواد عليه السلام وأقرّ بفضله وتقدمه فانتقينا منهم ما يسمح لنا به سعة الكتاب .

وقبل الوداع كان مسك الختام جولة في رحاب شعر المديح والرثاء لجواد الاَئمة عليه السلام .

اللهمَّ فاجعلنا به مهتدين ، وبنوره مستوضحين طريق الحق ، وببركته مستمطرين خير السماء وبركاتها ، فإنّه حجتك العليا ، ومثلك الاَعلى ، وكلمتك الحسنى . . الداعي إليك ، والدالّ عليك ، الذي نصبته علماً لعبادك ، ومترجماً لكتابك ، وصادعاً بأمرك ، وناصراً لدينك ، وحجتك على خلقك ، ونوراً تُخرق به الظلم ، وقدوة تُدرك بها الهداية ، وشفيعاً تُنال به الجنّة . .

والحمدُ لله ربِّ العالمين

شاهد أيضاً

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠   ونقول: ...