وإياه أشكر شكرا لا يتناهى على إفاضة خيره وجوده، الذي من أتمه الاغتراف من مناهل (1) عدله، ومن أهمه الاغتراف بصدق رسله، ومن أجمله الإيمان بخلافة أوصيائه، ومن أكمله عرفان ما اختصهم به من صفات أنبيائه، ومن أعمه اعتقاد ما أنزل فيهم من الآيات المحكمات،
ومن أشمه نصوص نبيه عليهم في الروايات المشهورات، والاغراق فيما جاء من الله ورسوله في قيام خاتمهم، والاشراق بما أظهر الأيام من فضائح ظالمهم، والمجادلة لنصرة دينهم الذي هو الحق اليقين، والمحاولة لرد شبهات المنافقين، والتسرع إلى تخطئة أئمة الضلال، والتشرع في تصحيح شرائع خير الآل. فله الفضل الأشمل بما خلصنا من العلائق الدنيئة الجسمانية، ومنه الطول الأكمل بما نجانا من العوائق الرديئة الظلمانية، وبما أرسل على أرواحنا من شوارق أنواره، وبما أسجل على نفوسنا من بوارق آثاره إنه الكريم المفضال ذو العز والجلال.
أما بعد فلما كان كمال الإيمان بمعرفة أئمة الأزمان بمنطوق شريف القرآن،
وجب صرف الهمة إليها في كل أوان، لوجوب الاستمرار على الإيمان في كل آن وقد صنف علماؤنا رضوان الله عليهم في ذلك كتبا مقررة، وألف فضلاؤنا في الرد على مخالفيهم أقوالا محررة، وأجالوا في الحقائق والدقائق خواطرهم، وأحالوا عن العلائق والعوائق نواظرهم، ونصبوا في ذلك رايات المعقول والمسموع، وأوضحوا
1 – جمع المنهل – بالفتح – موضع الشرب في الطريق. (١)
آيات المستنبط الطبوع، غير حائدين (1) عن رواية الصدق المبين، وغير مائلين عن رعاية الحق اليقين، فيستضئ المتعرف بأنوار مصنفاتهم ويرتدي المتحرف بأسرار بيناتهم، فأحببت أن أضع في ذلك كتابا متوسطا بين الخفيف والثقيل، وأجمع من كتب الفريقين ما يغني عن التطويل،
وإن كان فيما وضعوا كفاية فهذا زيادة في الحسنى، وفيما صنعوا هداية فهو تأكيد للمعنى. وكيف لا تصرف العناية إلى قوم هم الأحبار الأشم والأبحار الأخضم أحد السببين اللذين من اعتلق بهما فاز قداحه، وثاني الثقلين اللذين من تعلق بهما أسفر من جميل السرى (2) صباحه،
ولايتهم نجاة في الأولى والعقبى، مودتهم واجبة (قل لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى) فما من شرف تمتد إليه الأبصار، ولا من طرف يرتفع لديه اقتباس الأقدار، ولا باب تعظم فيه الأخطار، ولألباب تقحم به الآثار إلا وقد جازته قادات الأطهار، وحازته سادات الأبرار، مع سعي المعاندين في إطفاء نورهم ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وبغي الجاحدين تطريدهم وتشتيت قبورهم ويريد الله أن يظهر حجته ومزبوره،
فهل قدم عليهم إلا من سمل (3) عين الإيمان، وهل تقدمهم إلا من شمل قلبه على الطغيان، وقد ضاءت مدائحهم ومتائحهم في كتاب رب العالمين، وجاءت لأعدائهم قبائحهم وفضائحهم ظاهرة للناظرين، فوضعت هذا الكتاب وسميته: الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم مهديا إليه كل ذي عقل سليم. مسلكا فيه كل ذي طبع قويم. وسأجمع فيه إن شاء الله من الأدلة العقلية والنقلية وأضع فيه من البراهين القطعية الجلية والآيات التي لا تحتمل شيئا من التأويل،
والروايات المغنية عن الفحص والتطويل، والأشعار المنشئة من كل 1 – حاد عنه – من باب نصر -: مال واعرض.
2 – السير بالليل. 3 – سمل عينه – من باب نصر – قلعها. (٢)
خبير نحرير، الكافية لكل ذي خبر وتحرير، ملحقا بها ما سنح لفهمي الضعيف وسمح به فكري النحيف، راجيا بوضعه الوصول إلى مراتب المؤمنين، مؤملا بجمعه الحصول على سعادة المخلصين، فمن تمسك بثراه طاب نشره ومن تمسك بعراه آب بشره. ولا أضمنه ما تمجه (1) الأسماع، ولا أودع فيه غالبا إلا ما شاع وذاع، بل أمرى لسامعه إخلاف رواية الخلف عن السلف، وأعرى له وجوده الأدلة عن شائن السخف والكلف، وأقرر فيه براهين بحكمة الأسباب، وأعتمد فيه على الكتاب المبين الناطق بالصواب، راجيا أن يعم أهل الوفاق نفعه، مؤملا أن يغم ذوي النفاق جمعه، راغبا إلى الله في النفع به في الدنيا والآخرة، راعيا أن يبقى لي عملا صالحا عند الكون في الحافرة، إنه الولي الكفيل وهو حسبي ونعم الوكيل. وأسأل الناظر فيه إذا اتهمني أن يراجع المصنفات التي كتبت منها، ويطالع المؤلفات التي نقلت عنها وأن لا يسارع إلي بالعيب حتى يعلم تخرصي على الغيب، فإن ذلك الاتصاف بالإنصاف والميل عن الاعتساف و الاعتاف، فإني نقلت ذلك بالمعنى ولعل بعض ما أضفت إليه لم يجده فيه من عثر عليه فليراجع ذلك من نسخة أخرى فإن ذلك بطلب اليقين أحرى. قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: من المتفق عليه من حديث ابن مسعود في قوله تعالى: (2) (ولقد رآه نزلة أخرى) قال رأى جبرائيل. قال الحميدي: (وليس ذلك في ما رويناه من النسخ) فجعل ذلك من المتفق على صحته عند مسلم والبخاري ولم يره فيهما. وزاد الحميدي أن البخاري أخرج حديثا ولم يخرجه صاحب الأطراف، وقال (أخرج مسلم زيادة في حديث أبي مسعود الدمشقي وليس ذلك فيما عندنا من كتاب مسلم) فيعتذر (3)؟ لهما ويعيرهما بأن يكون عندهم نسخة ناقصة ثم يخرجوا غيرها تامة فتختلف النسخ. ١ – مجه السمع – من باب نصر -: استكرهه. ٢ – سورة النجم: ١٣. 3 – في الأصل: فيتعذر لهما. (٣)
مقدمة في ذكر أشياء من الكتب التي عثرت عليها وأضفت ما نقلته إليها: 1 – كتاب الكشاف للزمخشري
2 – منهاج المحدثين للنووي
3 – بغية الطالبين للكنجي الشافعي
4 – الملل والنحل للشهرستاني
5 – الاستيفاء للشيخ الطوسي
6 – تلخيص الشافي للطوسي
7 – المفصح للطوسي
8 – الفرق للنوبختي
9 – المسترشد (دلائل الإمامة)؟ للطبري
10 – مجمع البيان للطبرسي
11 – تهذيب الأحكام للطوسي
12 – الاحتجاج للطبرسي
13 – مصالت القواضب للمازندراني
14 – كتاب القاضي النعماني
15 – بصائر الألسن للكيدري
16 – عقد الدرر لأبي بدر يوسف بن يحيى السلمي
17 – نهج البلاغة للشريف الموسوي
18 – شرحه لابن ميثم البحراني
19 – اللوامع للمقداد السيوري
20 – كتاب الشيخ حسن الصيرفي
21 – كتاب سليم بن قيس الهلالي
22 – الارشاد للمفيد
23 – العيون والمحاسن للمفيد
24 – كشف الالتباس ليحيى بن سعيد
25 – الطرائف لعبد المحمود (1)
26 – الطرف لابن طاوس
27 – نقض الرسالة العثمانية لابن طاوس
28 – الاستيعاب ليوسف بن عبد البر
29 – الخصائص لابن البطريق
1 – هو السيد ابن طاوس رحمه الله.
(٤)
30 – تقدير الأحكام للمفيد
31 – مطالب السؤل لابن طلحة
32 – الكر والفر جواب مسائل ابن مقاتل
33 – خصائص يوم الغدير
34 – عيون أخبار الرضا لابن بابويه
35 – كشف معايب المتصوفة
36 – الغرر والدرر لأبي القاسم
37 – المسائل البغدادية لأبي القاسم
38 – المسائل الفاخرية للمرتضى
39 – مراصد العرفان لابن قوطة
40 – ذخر البشر ليحيى بن طئ
41 – استقصاء النظر لابن مطهر
42 – نهج الحق لابن مطهر
43 – الألفين لابن مطهر
44 – منهاج الكرامة لابن مطهر
45 – كشف اليقين لابن مطهر
46 – الرسالة السعدية لابن مطهر
47 – مقتضب الأثر لمحمد بن عبد الله بن عياش
48 – الخرائج للراوندي
49 – الماء والخضرة والوجه الحسن لعباس بن أحمد
50 – المعالم للرازي
51 – افعل لا تفعل لمؤمن الطاق
52 – نهج الإيمان لابن جبر وقد ذكر في ديباجته أنه جمعه بعد الوقوف على ألف كتاب أو ما يقاربها وكتابنا هذا يشتمل إن شاء الله تعالى عليه وعلى غيره، والمشتمل على المشتمل على شئ مشتمل على ذلك الشئ، فإني سأحتلب دررها من أصدافها لأحلي بها إخواني المؤمنين وأحتلب دررها من اخلافها لأغذي بها طالبي النجاة يوم الدين، وما توفيقي إلا بالله الرب المبين عليه أتوكل وبه أستعين.