فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني
ساعتين مضت
بحوث اسلامية
6 زيارة
مرة أخرى فيقول: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته عليكم (1).
والأعجب من ذلك في أمر أبي حفص هو منعة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحبسه الصحابة في المدينة ومنعهم من الخروج منها، ونهيه المبعوثين من قبله إلى الأقطار بأن لا يحدثوا الناس عن السنة النبوية، وحرقه للكتب التي كانت بأيدي الصحابة وفيها أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ألم يفهم عمر بن الخطاب بأن السنة النبوية هي تبيان للقرآن الكريم؟ أو لم يقرأ قوله سبحانه وتعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [النحل: 4]. أم أنه فهم من القرآن ما لم يفهمه صاحب الرسالة الذي أنزل عليه القرآن؟
وهذا ما يحاوله بعض المهوسين الذين يقولون بأن القرآن كثيرا ما ينزل موافقا لآراء عمر، ومخالفا لآراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنهم لا يفقهون.
وكنت دائما أتعجب عندما أقرأ في البخاري رفض عمر قبول رواية عمار بن ياسر بخصوص تعليم النبي له كيفية التيمم، كما أتعجب من قول عمار: إن شئت لا أحدث به.
مخافة من عمر، فيتبين بوضوح بأن عمر بن الخطاب كان شديدا على كل من يروي أحاديث الرسول فيلحقه الأذى.
وإذا كان الصحابة من قريش يخافون من الخليفة فلا يخرجون من المدينة وحتى الذين يخرجون منها يمتنعون عن نقل الأحاديث النبوية، ثم يحرق لهم كتبهم التي جمعوا فيها الأحاديث فلا يتكلم منها أحد، فما قيمة عمار بن ياسر الغريب البعيد والبغيض لقريش لوقوفه مع علي بن أبي طالب وحبه إياه؟
(1) وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجة على جواز الخلافة للموالي وخالف بذلك الصريح من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الخلافة لا تكون إلا في قريش، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبو حنيفة عندما استولوا على الخلافة وسموا أبا حنيفة الإمام الأعظم.
(٥١)
وإذا ما رجعنا قليلا بالبحث، وبالضبط يوم الخميس الذي سبق وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والذي سماه ابن عباس يوم الرزية، وذلك عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحاضرين أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، نرى في ذلك اليوم أن عمر بن الخطاب هو الذي اعترض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتهمه بالهجر – أي الهذيان – والعياذ بالله، وقال:
حسبنا كتاب الله يكفينا وقد أخرج هذه الحادثة البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم من المؤرخين كثير.
فإذا كان عمر يمنع رسول الله من كتابة أحاديثه وبمحضر كثير من الصحابة وأهل البيت ويتهمه بالهجر بتلك الجرأة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا، فليس غريبا ولا عجيبا أن يشمر عن ساعديه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليمنع الناس من نقل أحاديث الرسول بكل جهوده وهو الخليفة القوي الذي يملك الحول والطول، ولا شك أن له في الصحابة أنصارا كثيرين من سراة قريش الذين لهم نفوذ في القبائل والعشائر والذين كانوا يصحبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما طمعا أو خوفا أو نفاقا، وقد رأينا هؤلاء على كثرتهم يؤيدون قولة عمر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهجر ويشاركونه في منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة الكتاب، وأعتقد بأن ذلك كان هو السبب الرئيسي في سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكتابة لأنه علم بوحي ربه بأن المؤامرة قوية وقد تهدد مسيرة الإسلام بكامله إذا ما كتب ذلك الكتاب.
ذلك الكتاب الذي أراد به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحصين أمته من الدخول في الضلالة فإذا بالمتآمرين يقلبون الموقف ويصبح ذلك الكتاب (إذا ما كتب) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام.
فكيف لا يغير رسول الله – بأبي هو وأمي – وهو على تلك الحال من المرض على فراش الموت رأيه وبوحي من ربه الذي يرن في أذنيه، ويملأ قلبه حسرة وأسى على أمته المنكوبة قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم على
(٥٢)
أعقابكم ولم تنزل هذه الآية عفوية بل هي نتيجة حتمية لما علمه الله سبحانه من دسائسهم ومؤامراتهم ومكرهم فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور – والذي يعزي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ربه أعلمه عن كل ذلك وسلاه وأجزاه خير ما يجزي نبي عن أمته ولم يحمله مسؤولية ارتداد الأمة وانقلابها – بل قال له مسبقا: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا [الفرقان:
27]. والذي لا مفر منه في هذا البحث هو النتيجة المؤلمة التي وصلنا إليها، وهو أن أبا سفيان ومعاوية ما كانا ليتجرءا على صاحب الرسالة لولا مواقف عمر السابقة وجرأته على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبحضرته صلى الله عليه وآله وسلم.
وخصوصا إذا بحثنا مواقفه طيلة حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعارضته إياه في كثير من المواقف.
والاستنتاج الذي لا بد منه هو أن هناك مؤامرة كبرى حيكت للنيل من شخصية الرسول الأكرم وانتقاصه وتصويره للناس الذين لم يعرفوه بأنه شخص عادي أو أقل من ذلك فقد تأخذه العاطفة ويميل مع هواه ويزيغ عن الحق كل ذلك ليموهوا على الناس بأنه ليس معصوما والدليل أن عمر عارضه عدة مرات والقرآن ينزل بتأييد ابن الخطاب حتى وصل الأمر بأن يهدد الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيبكي ويقول: لو أصابنا الله بمصيبة لم ينج منها إلا ابن الخطاب (1) في قضية أسري بدر.
أو أن عمر كان يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يحجب نساءه ولم يكن
١) البداية والنهاية لابن كثير نقلا عن مسلم والإمام أحمد وأبي داود والترمذي وكذلك في السيرة الحلبية والسيرة الدحلانية: 1 / 512.
(٥٣)
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك حتى نزل القرآن بتأييد عمر، وأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يحجب نساءه (1) أو أن الشيطان لا يخاف من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه يخاف ويهرب من عمر (2) إلى غير ذلك من الروايات المخزية التي تحط من قيمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وترفع من قيمة الصحابة ولكن عمر ضرب الرقم القياسي في هذا الصدد حتى رووا (أخزاهم الله) بأن رسول الله كان يشك في نبوته وذلك لحديث يروونه بأنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما أبطأ عني جبرئيل إلا ظننت أنه ينزل على عمر بن الخطاب!!.
وأنا أعتقد بأن هذه الأحاديث وأمثالها وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان لما أعيته الحيلة في طمس حقائق علي بن أبي طالب فلجأ إلى إطراء أبي بكر وعمر وعثمان واختلاف الفضائل لهم كي يرفعهم في نظر الناس على مقام علي ويرمي من ذلك إلى هدفين:
الهدف الأول تصغير شأن ابن أبي طالب (أبو تراب) كما يسميه هو للتمويه على الناس واعتبار الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه أفضل منه. والهدف الثاني لوضعه الأحاديث هو لكي يتقبل الناس تجاوز أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصاياه في أمر الخلافة في أهل بيته خصوصا الحسنين عليهما السلام اللذين كانا يعاصران معاوية – فإذا كان من الممكن أن يتجاوز الثلاثة أوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام لم لا يمكن أن يتجاوز معاوية (الرابع) أوامره صلى الله عليه وآله وسلم في أولاد علي عليه السلام.
وقد نجح ابن هند في مخططه نجاحا كبيرا والدليل أننا اليوم عندما نتحدث عن علم علي وشجاعته وقرابته وأفضاله على الإسلام والمسلمين يقف في وجوهنا من يقول:
قال رسول الله لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي
١) صحيح البخاري: ١ / 46 باب خروج النساء إلى البراز.
(2) البخاري: 4 / 96 و ج 8 / 161.
بكر لرجح إيمان أبي بكر ويقف في وجوهنا من يقول: عمر الفاروق هو الذي يفرق بين الحق والباطل ويقف في وجوهنا من يقول: عثمان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن.
والمتتبع لهذه الأبحاث يجد أن عمر بن الخطاب أخذ نصيب الأسد في باب الفضائل وليس ذلك من باب الصدفة، كلا ولكن لمواقفه المعارضة والمتعددة تجاه صاحب الرسالة.
أحبته قريش. وخصوصا للدور الذي لعبه عمر في إقصاء أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة وإرجاع الأمر إلى قريش تتحكم فيه كيف شاءت ويطمع فيه الطلقاء والملعونين من بني أمية، وقريش كلها وعلى رأسهم أبو بكر يعرفون بأن الفضل كله يرجع لعمر في تسلطهم على رقاب المسلمين. فعمر هو بطل المعارضة لرسول الله وعمر هو المانع لرسول الله بأن يكتب الخلافة لعلي، وعمر هو الذي هدد الناس وشككهم في موت نبيهم حتى لا يسبقوه بالبيعة لعلي، وعمر هو بطل السقيفة، وهو الذي ثبت بيعة أبي بكر، وعمر هو الذي هدد المتخلفين في بيت علي بأن يحرق عليهم الدار بمن فيها إن لم بايعوا أبا بكر، وعمر هو الذي حمل الناس على بيعة أبي بكر بالقوة والقهر، وعمر هو الذي كان يعين الولاة ويعطي المناصب في خلافة أبي بكر، بل لسنا مبالغين إذا قلنا بأنه هو الحاكم الفعلي حتى في خلافة أبي بكر نفسه فقد حكى بعض المؤرخين بأن المؤلفة قلوبهم لما جاؤوا لأبي بكر لأخذ سهمهم الذي فرضه الله لهم جريا على عادتهم مع سول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكتب لهم أبو بكر بذلك فذهبوا إلى عمر ليتسلموا منه فمزق الكتاب وقال: لا حاجة لنا بكم فقد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم فإن أسلمتم وإلا فالسيف بيننا وبينكم. فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا له أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله تعالى وأمضى ما فعله عمر (1).
1) كتاب الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي: 1 / 164.
(٥٥)
2025-08-25