العقل والجهل في الكتاب والسنة – محمد الريشهري
يومين مضت
بحوث اسلامية
12 زيارة
ب – استخدامات ” العقل ” في نتيجة الإدراكات:
1 – معرفة الحقائق:
تستخدم كلمة ” العقل ” في النصوص الإسلامية – إضافة إلى استعمالها في مبدأ إدراكات الشعور لدى المدرك – في المدركات العقلية ومعرفة الحقائق المتعلقة بالمبدأ والمعاد، وأبرز مثال على ذلك هو الأحاديث التي تضع العقل إلى جانب الأنبياء وتصفه بأنه حجة الله الباطنة (1). كما أن الأحاديث التي تعتبر العقل مما يقبل التهذيب والتربية، وتصفه بأنه معيار لقيمة الانسان وبه يجازى ويثاب، أو تقسمه إلى عقل طبع وعقل تجربة، وإلى مطبوع ومسموع، إنما تقصد به عقل الوعي والمعرفة.
2 – العمل بمقتضى العقل:
تستخدم كلمة العقل أحيانا بمعنى العمل بمقتضى القوة العاقلة – من باب المبالغة مثل: زيد عدل – كالتعريف الذي روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معنى العقل من أنه: ” العمل بطاعة الله، وإن العمال بطاعة الله هم العقلاء ” (2). أو كما روي عن الإمام علي (عليه السلام) في قوله: ” العقل أن تقول ما تعرف، وتعمل بما تنطق به ” (3).
واستخدم الجهل أيضا – كاستخدام العقل – بمعنى العمل بمقتضى ما تمليه طبيعة الجهل، كما ورد في الدعاء ” وكل جهل عملته ” (4).
حياة العقل:
العقل حياة الروح، إلا أن للعقل أيضا – في نظر النصوص الإسلامية – حياة وموتا. والتكامل المادي والمعنوي للإنسان رهين بحياة العقل. ويقاس التجسيد
(١) راجع ص ٧٤ / حجية العقل.
(٢) راجع ص ١٠٦ / ح ٣٦١.
(٣) راجع ص ١٠٧ / ح ٣٧٠.
(٤) مصباح المتهجد: ٨٤٩.
(٢٢)
الأساسي للحياة العقلية للإنسان بمدى فاعلية القوة العاقلة لديه بما تعنيه من وازع أخلاقي. وهذا واحد من الغايات الأساسية الكامنة وراء بعثة الأنبياء. وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عند بيانه للحكمة من وراء بعثة الأنبياء في قوله:
” ويثيروا لهم دفائن العقول ” (1).
إن الانسان قادر بطبيعته على تفعيل فكره لكشف أسرار الطبيعة، غير أن إحياء العقل لمعرفة الكمال المطلق والتخطيط في سبيل الانطلاق على مسار الغاية العليا للإنسانية لا يتيسر إلا للأنبياء.
وكل ما ورد في الكتاب والسنة عن العقل والجهل وعن صفات العقل وخصائصه وآثاره وأحكامه إنما يختص بهذا المعنى من معاني العقل.
وحينما يبلغ الانسان أسمى مراتب الحياة العقلية في ضوء تعاليم الأنبياء، تتبلور لديه معرفة وبصيرة لا يجد الخطأ إليها سبيلا، وتبقى ملازمة له إلى حين بلوغه ذروة الكمال الإنساني. وفي هذا المعنى قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
” قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ومنزل الإقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه ” (2).
وبناء على هذا، وانطلاقا من التعريف الذي أوردناه في كتاب ” العلم والحكمة في الكتاب والسنة ” في معنى العلم الحقيقي والحكمة الحقيقية، يتضح لدينا أن النصوص الإسلامية طرحت ثلاث مفردات هي: العلم والحكمة والعقل، للتعبير عن قوة نورانية باطنية بناءة في وجود الانسان. وهذه القوة تسمى ب ” نور العلم ” من حيث إنها تقود الانسان إلى التكامل المادي والمعنوي، وتسمى ب ” الحكمة الحقيقية ”
(1) راجع: ص 79 / ح 201.
(2) راجع ص 137 / ح 608.
(٢٣)
من حيث ما تتسم به من تماسك وابتعاد عن الخطأ، وتسمى من ناحية أخرى ب ” العقل ” من حيث يدفع الانسان إلى فعل الخير ويمنعه عن الانزلاق فكرا وعملا، ويمكن البرهنة على هذا الزعم بكل جلاء من خلال استقراء مبادئ وصفات وآثار وآفات وعوائق العلم والحكمة (1) والعقل (2).
العقل النظري والعقل العملي:
هنالك رأيان في تفسير معنى العقل النظري والعقل العملي:
يذهب الرأي الأول إلى أن العقل هو مبدأ الإدراك، ولا يوجد في هذا الصدد أي فارق بين العقل النظري والعقل العملي، وإنما يكمن الفارق في الهدف، فإذا كان الهدف من إدراك الشئ هو معرفته لا العمل به، يسمى مبدأ الإدراك حينئذ بالعقل النظري، من قبيل إدراك حقائق الوجود، أما إذا كان الهدف من الإدراك هو العمل، فيسمى مبدأ الإدراك عند ذاك بالعقل العملي، من قبيل معرفة حسن العدل وقبح الجور، وحسن الصبر وقبح الجزع، وما إلى ذلك. وقد نسب هذا الرأي إلى مشاهير الفلاسفة. ويمثل العقل العملي – وفقا لهذا الرأي – مبدءا للإدراك وليس كمحفز أو دافع.
ويذهب الرأي الثاني إلى القول بأن التفاوت بين العقل النظري والعقل العملي تفاوت في الجوهر، أي في طبيعة الأداء الوظيفي لكل منهما، فالعقل النظري هو عبارة عن مبدأ الإدراك سواء كان الهدف من الإدراك هو المعرفة أم العمل، والعقل العملي مبدأ للدوافع والمحفزات لا الإدراك، ومهمة العقل العملي هي تنفيذ مدركات العقل النظري.
(١) راجع كتاب ” العلم والحكمة في الكتاب والسنة ” / ص 45 ” مبادئ الإلهام “، ص 157 ” حجب العلم والحكمة “، ص 183 ” ما يزيل الحجب ” و….
(2) راجع ص 79 ” ما يقوي العقل “، ص 91 ” علامات العقل “، ص 141 ” آفات العقل “، ص 155 ” أحكام العاقل “.
(٢٤)
2025-02-03