الرئيسية / المرأة في الإسلام / ٥٧ سبباً لترك الحجاب

٥٧ سبباً لترك الحجاب

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
ما تغطّي به المرأة رأسها، ويسمّى «المقنعة»[1]، وربّما يسمّونه«النصيف»[2]. و«الجِلباب» كما سبق تفسيره: ثوب أوسع من الخِمار، دون الرداء، تغطّي به المرأة رأسها وصدرها[3].

ويدلّ على ذلك أيضًا، ما جاء في حديث عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «… وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ…»[4].

فقد كانت النساء تغطّي رأسها، وقد كان ذلك أمرًا طبيعيًّا مفروغًا منه، إلّا أنّها إذا أسدلت الجِلباب ولم تجمعه، أو وضعت الخِمار خلف أذنها، لم يتمّ ستر جميع الجسد، ولم تكن قد سترت بدنها بشكل كامل، حيث ستبدو معه- حينئذٍ- آذانهنّ وأقراطهنّ ونحورهنّ وقلائدهنّ وبعض الرأس وأطراف الجيب؛ أي الصدر…[5].

والشواهد على ذلك عديدة:

[1] الزبيديّ، تاج العروس، ج 6، ص 366.

[2] ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 257.

[3] الفراهيديّ، العين، ج 6، ص 132؛ ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 272؛ الزبيديّ، تاج العروس، ج 1، ص 373؛ الطريحيّ، مجمع البحرين، ج 2، ص 23.

[4] الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 521.

[5] انظر: الطريحيّ، مجمع البحرين، ج 2، ص 28، مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 11، ص 78.

45

30
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ﴾[1]؛ (أي لا تخرجن على عادة النساء اللاتي في الجاهلية، ولا تظهرن زينتكن، كما كن يظهرن ذلك)، قال مقاتل بن سليمان

[1] سورة الأحزاب، الآية: 33.

46

31
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
(م. 150 ه): المراد بالتبرُّج أن تلقي المرأة الخمار على رأسها، ولا تشدّه فتواري قلائدها وقرطَيها، فيبدو ذلك منها[1].

وفي ذيل قوله تعالى: ﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ﴾[2]، قال الزمحشريّ (م. 538 ه): كانت جيوبهنّ واسعة تبدو منها نحورهنّ وصدورهنّ وما حواليها، وكنّ يسدلن الخُمُر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة، فأُمِرْنَ بأن يسدلنها من قِدَّامهنّ حتّى يغطّينها[3].

وقال الفخر الرازيّ (م. 606 ه): قال المفسرون: إنّ نساء الجاهلية كُنّ يشددن خُمرهنّ من خلفهن، وإنّ جيوبهنّ كانت من قِدَّام فكان ينكشف نحورهنّ وقلائدهنّ، فأُمرنَ أن يضربن مقانعهنّ على الجيوب ليتغطّى بذلك أعناقهنّ ونحورهنّ وما يحيط به من شعر وزينة من الحليّ في الأذن والنحر وموضع العقدة منها[4].

وقال الغرناطيّ (م. 741 ه): الجيوب هي التي يقول لها العامّة أطواق، وسببها أنّ النساء كنّ في ذلك الزمان يلبسن ثيابًا واسعات الجيوب، يظهر منها صدورهنّ، وكنّ إذا غطينّ رؤوسهنّ بالأخمرة[جمع خمار]، سدلنها من وراء الظهر، فيبقى الصدر والعنق والأذنان لا

[1] انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 8، ص 155، ونقله عن مقاتل أيضًا السيوطي في الدر المنثور، ج 5، ص 197، وأضاف فيه: عنقها، ولاحظ أيضًا: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 3، 491.

[2] سورة النور، الآية: 31.

[3] الزمخشري، تفسير الكشاف، ج 3، ص 63.

[4] الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 23، ص 206.

47

32
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
ستر عليها، فأمرهنّ اللَّه بلَي الأخمرة على الجيوب ليستر جميع ذلك[1].

فقد جاءت الآيات- إذًا- لتعالج هذا الخلل القائم، فطلبت من المرأة أن تضرب بالخِمار على الجيب، بمعنى أن تُلقي وتُسدل الخِمار الذي غطّى رأسها على الجيب، فتستر به الصدر والنحر. وهذا لا يعني أنّها لم تؤمَر بستر الرأس والشعر، بل معناه أنّها أُمرت بستر الرأس والشعر وزيادة؛ أي بقيّة ما هو واجب من الجسد، باستثناء ما ظهر منها.

وكذلك يقال في الجِلباب، فقد كانت المرأة تضعه على رأسها ثمّ تتركه بشكل مفتوح قد يظهر معه بعض جسدها، فأمر الله النساء أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ؛ أي أن يقرّبنها من أجسادهنّ فيستترن بها، فلا تظهر جيوبهنّ وصدورهنّ للناظرين، فقول القائل: اُدْنُ عليك ثوبك، معناه قرّبه منك بحيث تجعله على بدنك؛ ما يعني الستر.

ثانيًا: إنّ القول إنّ الآية لم تأمر سوى بستر الجيوب أو الصدور، يخالف المعنى الظاهر من الآية نفسها، حيث إنّ الباء تدل على أنّ ستر الجيب أو الصدر يكون بوساطة الخمار نفسه الذي يغطي الرأس؛ ﴿وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾، ما يعني التأكيد على ستر الرأس أيضًا، نظير قوله تعالى: ﴿ٱضرِب بِّعَصَاكَ ٱلبَحرَ﴾[2] حيث دلّت على أن الضرب يكون بوساطة العصا لمكان الباء.

[1] الغرناطي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، ج 2، ص 67.

[2] سورة الشعراء، الآية: 63.

49

33
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
وكذلك الكلام في الآية الأخرى: ﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ﴾، فقد حثّت على ستر البدن بوساطة إدناء الجلباب نفسه الذي يستر الرأس، ما يعني التأكيد على ستر الرأس أيضًا.

ثالثًا: لو تماشينا مع كلام هذه المرأة، فلا بدّ من أن نقول: إنّه ليس في الآيات أيضًا ستر الذراعين ولا ستر البطن ولا ستر الفخذ أو الساقَين! فهل يُقال إنّ القرآن لم يوجب سترها أيضًا؟!

51

34
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
الحجاب لأجل التفريق بين الحُرّة والأَمة:

الأصل في هذه الشبهة التي استغلّها بعض من أنكر وجوب الحجاب أيُّما استغلال، هو ما جاء في أحاديث منقولة عن الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب أنّه كان ينهى الإماء عن ارتداء الحجاب، بل ويضربهنّ عليه، وينهاهنّ عن التشبّه بالحرائر[1].

وقد تمسّك بعضهم بأمثال هذه الروايات ليقول إنّ الستر والحجاب لم يكن لأجل عفّة المرأة وصيانتها وحفظها، أو غير ذلك ممّا يُذكر من حِكَم وغايات، بل علّته هي التفريق بين المرأة الحُرّة والأَمة في تلك الفترة الزمنيّة، حيث كان كفّار قريش يتعرّضون للإماء ولا يتعرّضون للحرائر، فجاء فرض الحجاب للتمييز بينهما كعادة اجتماعيّة في ذلك الوقت!! ثمّ استمرّت حال المرأة على هذا الأمر حتّى بعد زوال ظاهرة الإماء؛ جريًا على ما اقتضته العادة لا أكثر، إلى أن جاء بعض أفذاذ العصر مِن مدّعي الرأي والاجتهاد ليكشفوا هذا السرّ العظيم الذي غاب عن هذه الأمّة طوال هذه القرون والأعوام، وقالوا إنّ الحكم يدور مدار العلّة وجودًا وعدمًا، وإذا كانت علّة الحجاب هي التمييز بين الحرائر والإماء، فإنّ هذه العلّة قد انتفت الآن لعدم وجود

[1] انظر على سبيل المثال: الكوفيّ، ابن أبي شيبة، المصنّف، ج 2، ص 134؛ الصنعانيّ، عبد الرزّاق، المصنّف، ج 3،

ص 136؛ المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج 15، ص 486؛ السيوطيّ، الدرّ المنثور، ج 5، ص 221؛ وغيرهم.

52

35
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
إماء في العصر الحاليّ.

ولم يكتفِ هؤلاء بهذا، بل أخذ بعضهم يبرّر الحملات ضدّ الحجاب وما قامت به بعض بلدان الغرب من منع ارتدائه في المدارس والجامعات وأماكن أخرى، بدعوى أنّها عمليّة تنظيم لمسألة الحجاب، وإنّ أوّل من سبقهم إلى ذلك هو الخليفة عمر!

•| الجواب |•

تناول عدد من الباحثين هذه الشبهة بالنقد والتفنيد وأجابوا عنها. ونحن نلخّص هنا أهمّ ما يمكن قوله تعليقًا على هذا الكلام:

أوّلًا: لا شكّ في أنّ للحجاب والستر بُعدًا اجتماعيًّا، إلّا أنّه لا يقف عنده، بل يتعدّاه إلى كونه تعبيرًا عن هويّة المرأة المسلمة وعنوان شخصيّتها.

والهدف من حصره بالأمور الاجتماعيّة وربطه بها، هو جعله في معرض التغيّر تبعًا للظواهر الاجتماعيّة المتغيّرة بمرور الزمان.

لكنّ هذا فيه تغافل عمّا سيأتي توضيحه، من الجوانب الثابتة في شخصيّة المرأة، والتي لا تختلف باختلاف المجتمعات والأعراف والأزمنة.

ثانيًا: إنّ القول بحرمة الحجاب على الأَمة، أو عدم مشروعيّة الحجاب عليها، لا يدلّ عليه

54

36
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
شيء من الآيات، ولا ورد في سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته[1] (عليهم السلام).

فالآيات الكريمة- حتّى آية الأحزاب كما سنشير إليه- والرواياتُ الشريفة مطلَقة في هذا المجال، وشاملة للحُرّة والأَمة على سواء. نعم، استُثني من ذلك جواز كشف الأَمة رأسها في الصلاة، فقد رُخّص لها ذلك كحكم تخفيفيّ عليها، كما في روايات أهل البيت [2] (عليهم السلام).

وأمّا منع الخليفة عمر هذا الأمر، فذاك بسبب فهمه ورأيه الخاصَّين! أو كأمر إجرائيّ يرتبط بطريقة إدارته لحكمه، وليس كحكم إلهيّ تشريعيّ، وهو ليس ملزِمًا لنا على أيّ حال.

ثالثًا: إنّ القول بكون العلّة في الحجاب هي التمييز بين الحُرّة والأَمة لا دليل عليه. فعِلَل الأحكام الشرعيّة إذا لم تكن منصوصةً ومذكورةً من قبل الشريعة

[1] وقد جاء في بعض الاستفتاءات المطابقة لرأي المرجع الدينيّ السيّد علي السيستانيّ حفظه الله، سؤال وجواب حول هذا الموضوع، وهو: لماذا حجاب الأَمة (العبدة) نصف حجاب الحُرّة، وعورتها بنصف عورة الحُرّة؟

فكان الجواب: لا يصحّ ما ذكر، فحجابها كحجاب الحُرّة، وعورتها كعورتها. نعم، لا يجب عليها ستر الرأس والشعر والرقبة في الصلاة، ولعلّه تخفيفٌ عليها، حيث إنّها غير مسلمة في الأصل، وتسلم غالبًا تحت تأثير ضغط المجتمع الإسلاميّ بعد الاسترقاق. (انظر: موقع السراج في الطريق إلى الله، قسم الاستفتاءات، الاستفتاء رقم 591).

[2] انظر: الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، باب 29 من أبواب المصلي، ج 3 ص 297.

56

37
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
نفسها، لا يمكن الاطلاع عليها والقول بها، وكل ما يقال- حينئذٍ- لا يعدو كونه احتمالًا وظنًّا، و﴿إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ ٱلحَقِّ شَي‍ًٔا﴾[1].

[1] سورة يونس، الآية: 36.

57

38
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
وأمّا قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾[1]، ففيه وجه من وجوه الحكمة. والراجح من معنى الآية مع ملاحظة ما فيها من طلب الستر بإدناء الجِلباب، هو أن يكنّ معروفات بالستر والصلاح، فلا يؤذيهنّ أهلُ الفسق بالتعرّض لهنّ، فإنّ الفاسق إذا عرف المرأة بالستر والصلاح فلا يتعرّض لها[2]. وأمّا كونهنّ معروفات بمعنى تمييزهنّ عن الإماء، فلا دليل عليه من الآيات الكريمات.

ويؤيّده ما جاء في تفسير «القمّيّ» من سبب نزولها: إنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا كان باللّيل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء والغداة، يقعد الشبّان لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ، فأنزل الله: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾[3].

رابعًا: لو سلّمنا أنّ الغاية من الحجاب والستر هي التمييز بين الحُرّة والأَمة، لئلّا تؤذى الحُرّة بالتعرّض لها، إلّا أنّ هذا لا يغيّر من وجوب الستر والحجاب شيئًا. فهذا الزمان- مع

[1] سورة الأحزاب، الآية: 59.

[2] الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 16، ص 339-340.

[3] المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 101، ص 33، عن تفسير القمّي لعليّ بن إبراهيم القمّي.

58

39
الفصل الأوّل: أسباب دينيّة
ما فيه مِن شدّة الفساد وتعدّد طرقه وأساليبه، وخروج النساء إلى الحياة الاجتماعيّة- لهو أشدّ حاجة لدى المرأة إلى الستر، والخوف فيه من تأذّي المرأة والتعرّض لها أكبر وأعظم.

خامسًا: إنّ هذا الاستثناء للأمة- لو قيل به، ونحن لا نقول به- ليس مختصًّا بها، بل هناك موارد أخرى لاحظت الشريعة المصلحة في التخفيف فيها عن المكلّفين، كما في القواعد من النساء مثلًا، حيث رُخِّص لهنّ أن يضعن من ثيابهنّ[1].

كما أنّ هذا الحكم على الأَمة- عند القائل به- إنّما هو لأجل التخفيف عنها، كونها من الطبقة الاجتماعيّة التي تزاول أعمال الخدمة وتتعرّض للبيع والشراء، وذلك كلّه لا بدّ أن يكون في الموارد التي ليس فيها تلذّذ وريبة، وإلّا فيحرم النظر إليها.

ثمّ إنّ معظم هؤلاء الإماء كنّ كافرات وأُخِذْنَ من السبي، وهو أمر فرضته الأعراف التي كانت قائمة آنذاك في الحروب. وقد لاحظت الشريعة هذه الحالة وأخذتها بالاعتبار، فجعلت لهؤلاء النساء مجموعة من الأحكام التخفيفيّة. وقد كان السبي بالنسبة إليهنّ أشبه بدورة تدريبيّة وتهيئة بيئة إيمانيّة للوصول إلى الالتزام الدينيّ الكامل. وهذا ما يناسبه التخفيف والتدريج، بخلاف المرأة الحُرّة التي يتوفّر لها الجوّ الدينيّ والثقافيّ المختلف؛ ما يجعل تكليفها أشدّ.

[1] سورة النور، الآية 60.

59

40

شاهد أيضاً

الكبائر من الذنوب

الله عليهم) من الكبائر “. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ” من ...