مكيال المكارم – ميرزا محمد تقي الأصفهاني – ج ١
11 أغسطس,2025
زاد الاخرة
17 زيارة
مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام) تأليف العالم العامل والزاهد المجاهد الحاج ميرزا محمد تقي الموسوي الأصفهاني أبو عبد الله قدس سره تحقيق العلامة السيد علي عاشور منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت – لبنان
(١)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
يا من حارت في كبرياء هويته دقائق لطائف الأوهام، وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام، يا من عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب لعظمته، ووجلت القلوب من خيفته، رب أنت في الدارين رجائي، جل قدسك عن ثنائي، سبحانك لا أبلغ حمدك، ولا أحصي ثنائك، أنت كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون. أحمدك على تظافر نعمائك، وتكاثر آلائك، وأصلي وأسلم على خاتم أنبيائك، وأفضل أصفيائك محمد وآله المعصومين، حججك وأمنائك، ولا سيما المدخر للانتقام من أعدائك، الذي بفرجه فرج أوليائك. واللعنة الدائمة المضاعفة على أعدائهم وأعدائك.
أما بعد: فيقول العبد المذنب الضعيف الخاطئ المهجور اللهيف الغريق في بحر الأماني محمد تقي ابن العالم الرباني والحبر الصمداني مولاي الميرزا عبد الرزاق الموسوي الأصفهاني عفى الله عن جرائمهما، وجمع الله تعالى بينهما وبين إمامهما.
إن أحق الأمور وأوجبها عقلا وشرعا أداء حق من له حق عليك، ومكافأة من أحسن إليك، ولا ريب أن أعظم الناس حقا علينا (1) وأوفرهم إحسانا إلينا، وأكثرهم مننا ونعما لدينا، من جعل الله تعالى معرفته تمام ديننا، والإذعان له مكمل يقيننا وانتظار فرجه أفضل أعمالنا، وزيارته غاية آمالنا، أعني ” صاحب الزمان ” وحامل راية العدل والإحسان، وماحي آثار الكفر والطغيان، الذي أمرنا بمتابعته، ونهينا عن تسميته، ثاني عشر الأئمة المعصومين، وخاتم الأوصياء المرضيين، القائم المنتظر الرضي ابن الزكي الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه، وسهل مخرجه، ولا فرق بيننا وبينه في الدنيا والآخرة.
لمؤلفه:
1 – في الكافي عن أبي عبد الله ما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الدنيا حتى ألزم رقاب هذه الأمة حقنا، الخبر لمؤلفه.
(١١)
بنفسي من من هجره أنا ضائل * ومن للواء الفتح والنصر حامل بنفسي إماما قائما غاب شخصه * وليس له في العالمين مماثل بنفسي من يحيي شريعة جده * ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل ويجتث أصل الظالمين وفرعهم * ويحيى به رسم العلى والفضائل فيا رب عجل في ظهور إمامنا * وهذا دعاء للبرية شامل وحيث إنا لا نقدر على أداء حقوقه على التحقيق، وشكر وجوده وجوده كما يليق، وجب علينا الاستباق إلى الميسور، فإنه لا يسقط بالمعسور، وأفضل الأمور في زمان غيبته انتظار فرجه، والدعاء له، والمسابقة إلى ما يسره، ويزلف لديه ويتقرب به إليه.
وقد ذكرت في الباب الثامن من كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات نيفا وثمانين فائدة من الفوائد الدنيوية والأخروية المترتبة على الدعاء لفرجه صلوات الله عليه.
سبب تأليف الكتاب: رؤية الإمام (عليه السلام) في المنام وأمره ثم سنح لي أن أفرد لذلك كتابا يشتمل على تلك الفوائد، وينظم فيه تلك الفرائد، فعاقني عن ذلك نوائب الزمان، وتوارد الأحزان، حتى تجلى لي في المنام من لا أقدر على وصفه بالقلم والكلام أعني مولاي وإمامي المنتظر، وحبيب قلبي المنكسر.
وقال لي ببيان أبهج من وصل الحبيب، وأهيج من صوت العندليب، ما لفظه: ” أين كتابرا بنويس وعربي هم بنويس ونام اورا بگذار مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم “.
فانتبهت كالعطشان، وأسفت أسف اللهفان، وعزمت إطاعة أمره الأعلى وقلت كلمة الله هي العليا، ثم لم يساعدني التوفيق حتى سافرت في العام الماضي (1330 ه ش) وهي السنة المتممة للثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة إلى البيت العتيق، ولما تآطم هنالك الوباء، وتلاطم اللأواء عاهدت الله جل جلاله وعم نواله أن يخلصني من المهالك، ويسهل لي إلى وطني المسالك، أشرع في تصنيف ذلك فمن علي بالسلامة مما كنت أخاف، وكم له لدي من المواهب والألطاف، فشرعت فيه امتثالا لقوله عز من قائل: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * وقوله المطاع الأعلى * (أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) *.
فدونك كتابا * (كجنة عالية قطوفها دانية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية، لها أبواب ثمانية، لنجعلها لكم تذكرة، وتعيها أذن واعية) * ونختمه بخاتمة فوائدها دائمة * (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) * ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ولمثل هذا فليعمل العاملون.
(١٢)
في وجوب معرفته (عليه السلام) الباب الأول في وجوب معرفته صلوات الله وسلامه عليه وأنه لا يتحقق الإيمان بدون معرفة إمام الزمان ويدل على ذلك العقل والنقل.
أما الأول: فلأن العلل المحوجة إلى وجود النبي (صلى الله عليه وآله) هي المحوجة إلى وجود الوصي (عليه السلام) بعد وفاة النبي، والجهة الموجبة للرجوع إلى النبي هي الموجبة للرجوع إلى الوصي بعينها، فيجب على الله تعالى نصبه وعلى الناس معرفته لتوقف اتباعه على معرفته (1).
١ – فإن قيل: فرق واضح بين المقامين، لأن العلة الموجبة لبعث النبي حاجة الناس في أمور معاشهم ومعادهم إلى قانون يعملون بمقتضاه في جميع الأمور، فإذا جاء النبي بما يحتاجون إليه وبين لهم القواعد والأحكام وعرفوها عملوا بها فيرتفع الحاجة، ويكفي في بيان تلك القواعد والأحكام وجود العلماء والكتب المعمولة لبيان ما يحتاج إليه الناس في أمر المعاش والمعاد.
قلنا: لا ريب في فساد هذا الإشكال من وجوه:
الأول: أن النبي إنما بين القواعد الكلية، والأحكام التي تعم بها البلية كما هو واضح لمن لاحظ الأحاديث النبوية ولم يرتفع الحاجة بهذا المقدار بالكلية، بل نرى كثيرا من المسائل قد اختفت أحكامها على الأوحدين من العلماء الكاملين فضلا عن غيرهم، فلا بد في كل زمان من وجود إمام معصوم يرجع إليه الناس فيما يحتاجون إليه، ولم يصل إليهم خبر عن النبي (صلى الله عليه وآله)، نعم لا ريب في أن النبي (صلى الله عليه وآله) أودع جميع الأحكام والعلوم عند وصيه، الذي هو الإمام بعده، وكذا أودعه كل إمام عند وصيه، إلى أن انتهت النوبة إلى إمام زماننا عجل الله تعالى فرجه وظهوره، فهم يبينون الأحكام الإلهية التي أخذوها عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا ريب أيضا في أن هذا المبين لأحكام النبي لو لم يكن معصوما لما حصل للناس الوثوق بقوله، فينتقض الغرض من البعثة.
الثاني: إنه لا ريب في وقوع الخلاف والتنازع بين الناس بمقتضى جبلتهم وأهويتهم، كما يشاهد بالوجدان ويرى بالعيان، فمقتضى اللطف الإلهي أن ينصب فيهم من يكون عالما بما هو الحق، الواقع في كل زمان ويكون هذا الشخص مرجعا لهم في مرافعاتهم وواقعاتهم، حتى يصل الحق إلى صاحبه، ويتسرى العدل الإلهي فيهم، وهذا الشخص هو الإمام الذي أمر الناس جميعا باتباعه، والرجوع إليه، والاعتماد عليه فيما يحتاجون إليه.
فإن قلت: إن الأئمة في زمن حضورهم لم يكونوا يحكمون إلا على طبق القواعد الظاهرية التي يحكم العلماء في زمن الغيبة بمقتضاها فكيف تدعي أن مقتضى اللطف نصب الإمام ليحكم بما هو الحق الواقعي في علمه المختص به.
قلت: إن المانع من الحكم بمقتضى علمهم الواقعي إنما كان من قبل الناس كما أن المانع من ظهور الإمام من قبلهم أيضا، فإذا كانوا هم السبب في ذلك فلا حجة لهم ولا نقض في قاعدة اللطف المحكمة المسلمة، ويدل على ذلك الروايات الكثيرة المصرحة بأنه لو ثنيت لهم الوسادة وأعطوا الرئاسة، وحصل لهم بسط اليد، حكموا بحكم آل داود والأحكام الواقعية التي أستودعها من الخالق المعبود.
منها ما في أصول الكافي: (2 / 397) عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد (عليه السلام) حكم بحكم داود وسليمان (عليهما السلام) لا يسأل بينة. وفيه في الصحيح عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، ولا يسأل بينة، يعطي كل نفس حقها. وفيه بسند صحيح إلى عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): بما تحكمون إذا حكمتم؟
قال: بحكم الله وحكم داود فإذا ورد علينا الشئ الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس.
وفيه بإسناده عن جعيد الهمداني عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: سألته بأي حكم تحكمون؟ قال حكم آل داود فإن أعيانا شئ تلقانا به روح القدس.
أقول: ويأتي في حروف الحاء المهملة من الباب الرابع ما يدل على المطلوب إن شاء الله.
الثالث: أنا لو فرضنا كون العلماء عالمين بجميع الأحكام فلا يكفي وجودهم عن الإمام، لأنهم ليسوا بمعصومين عن السهو والخطأ في كل مقام فلا بد في كل زمان من وجود شخص معصوم عن الخطأ والنسيان ليكون مرجعا للأنام، ويبين لهم حقائق الأحكام، وليس ذلك إلا الإمام.
فإن قيل: فما الفرق بين عدم الإمام ووجوده غائبا عن أبصار الأنام.
قلنا: أولا: لما كان المانع من ظهوره عليه السلام ناشئا عن قبل الأنام لم يكن ذلك منافيا للطف الخالق العلام ولم يكن دليلا على عدم الحاجة إلى وجود الإمام، بل يجب عليهم رفع موانع ظهوره لكي يستضيئوا بكمال نوره وينتفعوا بأنواع علومه.
وثانيا: أنا لا نسلم غيبته في جميع الأزمان عن أبصار جميع أهل الإيمان بل اتفق لكثير من الأعلام التشرف بلقائه عليه السلام وقصصهم مضبوطة في كتب علمائنا الكرام وذكرها خارج عن المقصود في هذا المقام وهي بسبب تواترها تفيد العلم القطعي بالمرام.
وثالثا: أن منافع وجوده المبارك غير منحصرة في إفادة العلوم بل جميع ما يصل إلى الخلائق من مبدأ الفيض، إنما هو ببركات وجوده، وسيأتي بعض ما يدل على المقصود في الباب الثالث إن شاء الله تعالى (لمؤلفه).
(١٣)
2025-08-11