وليعلم أنه يمكن تطهير الفطرة بعد تلوثها . وما دام الانسان في هذه النشأة فالخروج من تصرّف الشيطان له مقدور وميسور ، والورود في حزب ملائكة الله التي هي جنود رحمانية الهية له ميسّر . وحقيقة جهاد أعداء الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الخروج من تصرف جنود ابليس والورود تحت تصرّف جنود الله ، فأول مرتبة الطهارة هي التسنّن بالسنن الالهية والائتمار بأوامر الحق .
والمرتبة الثانية هي التحلي بفضائل الاخلاق وفواضل الملكات . والمرتبة الثالثة هي الطهور القلبي وهو عبارة عن تسليم القلب إلى الحق تعالى ، وبعد هذا التسليم يصير القلب نورانيا بل يكون القلب نفسه من عالم النور ومن درجات النور الالهي ، ويسري نور القلب إلى سائر الاعضاء والجوارح والقوى الباطنية وتكون المملكة كلها نورا ونورا على نور وينتهي الامر إلى حد يكون القلب الهيا ولاهوتيا ،
وتتجلى حضرة اللاهوت في جميع مراتب الباطن والظاهر، وفي هذه الحال تفنى العبودية كل الفناء وتختفي ، فتظهر الربوبية وتبين . ويحصل لقلب السالك في هذه الحال الطمأنينة والانس ويصير جميع العوامل محبوبا له وتحصل له الجذبات الالهية وتغفر له الخطايا والزلاّت وتستتر في ظلّ التجلّيات الحبّيّة وتحصل له بدايات الولاية ويليق بالورود على محضر الانس ، وللسالك بعد هذا منازل لا يناسب هذه الاوراق ذكرها .)