اعلم أن الانسان مادام في عالم الطبيعة ومنزل مادة الهيولانية فهو تحت تصرفات جنود الهية وجنود ابليسية . والجنود الالهية هي جنود الرحمة والسلامة والسعادة والنور والطهارة والكمال ، وجنود ابليس مقابلاتها ، وحيث أن الجهات الربوبية غالبة على الجهات الابليسية فللانسان في مبدأ الفطرة نور وسلامة وسعادة فطرية الهية كما صرّح بذلك في الاحاديث الشريفة وأشير اليه في الكتاب الشريف الالهي ، وما دام الانسان في هذا العالم فهو بقدر الاختيار يستطيع أن يجعل نفسه تحت تصرّف أحد هذين الجندين ،
فاذا لم يكن لابليس من أول فطرة الانسان إلى آخرها تصرّف في فطرته فهو انسان الهي لاهوتي ، وهو من قرنه إلى قدمه نور وطهارة وسعادة فقلبه نور الحق ولا يتوجّه لغير الحق وقواه الباطنية والظاهرية نورانية وطاهرة ولا يتصرف فيها سوى الحق وليس لابليس فيها حظ ولا لجنوده فيها تصرّف. ومثل هذا الموجود الشريف طاهر مطلقا ونور خالص وما تقدم من ذنبه وما تأخّر فهو مغفور له ، وهو صاحب الفتح المطلق وواجد لمقام العصمة الكبرى بالاصالة وبقية المعصومين واجدون لذاك المقام تبعا لتلك الذات المقدسة
{ 121 }
وهو صاحب مقام الخاتمية الذي هو الكمال على الاطلاق ، وحيث أن أوصياءه مشتقون من طينته ومتصلون بفطرته فهم أصحاب العصمة المطلقة بتبعه ولهم التبعية الكاملة . وأما بعض المعصومين من الانبياء والالياء عليهم السلام فليسوا أصحاب العصمة المطلقة ولم يكونوا خالين من تصرّف الشيطان ، كما أن توجّه آدم عليه السلام إلى الشجرة كان من تصرفات ابليس الكبير ابليس الابالسة مع أن تلك الشجرة الجنة الالهية ومع ذلك كانت له الكثرة الاسمائية التي تنافي مقام الادمية الكاملة ،
وهذا أحد معاني الشجرة المنهي عنها أو أحد مراتبها و إذا تلوّث نور الفطرة بالقذارات الصورية والمعنوية فبمقدار التلوّث يبعد عن بساط القرب ويهجر من حضرة الانس حتى يصل إلى مقام ينطفئ فيه نور الفطرة بالكلّية وتصير المملكة شيطانية كلها ويكون ظاهرها وباطنها وسرّها وعلنها في تصرّف الشيطان فيكون الشيطان قلبه وسمعه وبصره ويده ورجله وتكون جميع أعماله شيطانية ، واذا وصل أحد – والعياذ بالله – إلى هذا المقام فهو الشقّي المطلق ولا يرى وجه السعادة أبدا ، وبين هاتين المرتبتين مقامات ومراتب لا يحصيها الا الله وكل من يكون إلى أفق النبوة أقرب فهو من أصحاب اليمين وكل من كان إلى أفق الشيطان أقرب فهو من أصحاب الشمال .