85 ـ أبومصطفى الأمجدي
ولد في محافظة كربلاء المقدسة عام1955م، بجوار سيد الشهداء أبي الأحرارعليهالسلام ومنه تعلم دروس الجهاد والتضحية والثورة على الظالمين.
بعد أن أنهى دراسة المرحلة الإعدادية في مدينة كربلاء، دخل كلية الإدارة والاقتصاد — قسم الإحصاء جامعة بغداد — وتخرج عام1977م، وكان خلال سني حياته الدراسية وبجميع مراحلها مثالا للطالب الرسالي الملتزم، يدعو إلى الله عزّ وجل بالحكمة والموعظة الحسنة.
كثيرون هم الذين يولدون بجوار أئمة الهدى ولكن قليل من يستفيد من هذا الجوار المبارك ويتزود من هذا المعين الذي لاينضب، لكن رياض استفاد غاية الفائدة من جواره لسيد الشهداءعليهالسلام وأصبح قدوة يُحتذى بها، وشعلة وهاجة وحركة دؤوبة بلا كلل ولاملل،
وكانت حياته المباركة التي قضاها في الإعدادية والجامعة كلها عملا وتبليغا للإسلام العزيز وقادته الميامين، فاضحا الظالمين، كاشفا عن جرائمهم وألاعيبهم، وبما أنه يحمل ثقافة إسلامية عالية ويملك أسلوبا عذبا، استطاع بجهودٍ مباركة أن يهدي إلى الطريق القويم الكثير ممَن غرر بهم حزب البعث الكافر، ولتحركه ونشاطه الكبير كان مرصودا من قبل جلاوزة النظام وعبيده؛ وكيف لا؟ وهو لم يهدأ له بال من أجل تعريف الناس بقادتهم الحقيقيين وهم أهل البيتعليهمالسلام ومن سار على نهجهم من العلماء العاملين كالسيد الإمام الخميني والشهيد الصدر قدساللهسرهما، ولذا قامت السلطة الجائرة باعتقاله سنه 1980م لمدة شهر ثم أطلق سراحه بعد أن حمل في جسده نياشين التعذيب بروحية ثائرة لاتعرف الخنوع والهوان، ليواصل دربه رغم سياط الجلادين.
قرر الهجرة إلى إيران في محرم الحرام/1403ه.ق، المصادف26/10/1982م، عن طريق كردستان العراق — منطقة قلعة دزه — ليطوي المسافات مشيا على الأقدام تاركا تلك الحياة المأساوية (حياة الخدمة الإلزامية في الجيش العراقي) ويتطلع إلى حياة جديدة يتخلص فيها من أولئك الذين لايعرفون سوى العبث واللهو والفجور، ومع خطواته كان يرفع يديه إلى السماء ليصل إلى الجمهورية الإسلامية يوم1/11/1982م، ليعيش بكنف الحرية والطمأنينة.
بعد وصوله إلى إيران التحق بجبهة الحق واشترك مع مجاهدي قوات الشهيد الصدر في عدة واجبات جهادية.
ثم التحق بالمجاهدين في قوات بدر بتاريخ7/8/1985م، واشترك في كل العمليات التي خاضها أبناء الإسلام الغيارى في الأهوار وفي غيرها، وأبلى فيها بلاء حسنا، ولم يقتصر دوره فيها على القتال فقط بل كان مربيا ومعلم أخلاق وموجها ذا همة عالية فكان المجاهدون من صغار السن من أمثال الشهيد أبي مفيد البغدادي وأبي داود الواسطي وغيرهما من الشهداء، ملتفين حوله مستنيرين بتوجيهاته متعلمين منه كل فضيلة، فكانت حياته الجهادية تعكس الولاء الحسيني الذي يحمله في أعماقه.
كانت كل مواقفه في ساحات الجهاد تدل على عمق إيمانه وإخلاصه لقضيته وتضحيته في سبيل الله، فهو يحرص على أن يجمع إخوته المجاهدين قبل العمليات ويقرأ عليهم القصائد الحسينية، ويبدأ بتذكيرهم بموقف سيد الشهداء ويؤكد لهم أن هذا هو الامتحان الحقيقي، ميدان إثبات القول الذي نردده (يا ليتنا كنا معكم). فكانت أحاديثه وقصائده تشحن المجاهدين وتبث فيهم روح التضحية التي تسترخص الموت بإقدام لايعرف التردد والشك، ومن كلماته وأشعاره — التي قدم لها قبل إلقائها بـ(هذا هو نشيد الثوار، هذا هو نشيد المجاهدين في سبيل الله الذين باعوا أنفسهم وجعلوا أرواحهم على أڪفهم ليقاتلوا أعداء الله وأعداء الإسلام — هذه القصيدة:
والشايل روحه بچفه صافي الگلب والنية
والراضع من حب الدين عنده إسلامه القضية
والبايع روحه الربه ما يخاف أعظم رزية
والثائر من أجل الحق عنده الدنيا مگضية
عرسه يتخضب بالدم شمحله الروح المبنية
شنهو الأهل شنهو المال شما عدنه من ملكية
نفديه لأجل الإسلام فالتحيا البندقية
لازم نزحف للغاصب نفني فلوله المخزية
لو نصر ويعم الكون انخلي اعدانه مدحية
لو نستشهد لأجل الحق والشهادة المبغية
ما نقبل بالذل والعار واحنه الجند الثورية
عزم حسين النه بارود ومنه ناخذ روحية
احنه جنود الخميني وكل احنه خمينية
اشحده اليگرب من حدنه يگصد لينه الأذية
لازم نسحگ روح الشر شرقية لو غربية
لازم يتحرر الإنسان من نير العبودية
وأصوات الفكر الثائر بعمق الدهر مدوية
والحجة بن الحسن يمته يشهر ماضية
يمته تكمل أنصاره 13 وثلثمية
نرتوي بعد العطش من أنواره القدسية
هذا نور الله الموعود بالثورة الإسلامية
نسحگ جيش الاستكبار وأفكاره الشيطانية
ما يبقى أبدا طاغوت يدعي الإلوهية
وتعيد أمجاد الإسلام بعد ألف واربعمية
يتعله نهج القران فوگ الکرة الأرضية
*****
لقد كان الشهيد في حياته وفيا جدا لإخوته الشهداء الذين سقطوا قبله في درب الشهادة، حيث كان دائم الذكر لهم مواظبا على زيارة قبورهم، ولقد كانوا يعيشون معه دائما ويحدث إخوته عنهم، وكان يدعو الله مخلصا أن تكون خاتمة أمره مثلهم، فاستجيب دعاؤه بنيله وسام الشهادة.
ما تميز به هو حبه الشديد وعشقه لسيد الشهداء بشكل منقطع النظير، فزيارة عاشوراء أصبحت يومية وتقرأ جماعة في فوجه، ذلك الذي ضم مجموعة من الشهداء لم يُر ولم يسمع بمثلهم إلا في أصحاب الحسينعليهالسلام فكان ذلك الفوج يسمى فوج عاشوراء لكثرة ما عُرف عن أفراده من المواظبة على هذه الزيارة، وكان يقرأ التعزية بنفسه في وسط الزيارة أو بعد انتهائها، ولم تكن هذه المراسم مقتصرة على الخطوط الخلفية بل كان يقيمها حتى في الخط الأول أثناء العمليات، وكان لايغفل عن ذكر الحسين عليهالسلام فهو حقا كعابس جُن في حب الحسين.
كان يتوقع الشهادة في كل لحظه قضاها في الجبهة، حتى رزقه الله إياها على مشارف البصرة بتاريخ25/1/1987م، بعد أن أبلى بلاء حسنا ذودا عن حياض الإسلام. ملتحقا بركب سيده الحسين عليهالسلام والصفوة، الشهداء الأبرار من أصحابه.
ومن وصيته رحمهاللهتعالى (بسم الله الرحمن الرحيم
قال سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام
﴿ خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة﴾، وقال شعرا
﴿وإن تكن الأبدان للموت أنشأت فقتل امرئ بالسيف في الله أجمل﴾
وها هي الشهادة أمامنا تستصرخنا فلماذا لانلبي النداء؟ مادام جميعنا يحث الخطى نحو الموت والفناء، ولو كنا في بروج مشيدة، وأمير المؤمنين ويعسوب المتقين علي بن أبي طالب ينادي عبر أغوار التاريخ ﴿لألف ضربة بالسيف أحب إليَّ من ميتة على فراش﴾.
أحبائي في كل مكان: ثقوا إنها لأول مرة أواجه فيها كتابة وصية أوصي بها لما بعد حياتي الدنيوية الفانية، ولما أخذت القلم وأردت درج أسطرها لأعلم أين أنا وما هو موقفي؟ وكم أنا دائن أو مدين؟…إذا بي وأنا في غفلة من أمري مدين قبل كل شيء، مدين بحياتي وروحي التي بين جنبي للذي ائتمنني إياها. كانت صحيفة بيضاء كلها نقاء وصفاء لاغلّ فيها ولانقطة سوداء… والآن كيف أرجع تلك الأمانة وكلها آثام وعلل كأداء، وتذكرت قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾، ثم قلت مخاطبا نفسي: فأين كدحك يامسكين وماذا أعددت غدا عند السؤال وأهوال الموقف والمقال، عندئذ تيقنت حق اليقين بأن لاسبيل إلى إيصال هذه النفس وهي بهذه الصورة القاتمة من الذنوب والآثام والخطايا إلى بارئها نقية طاهرة، إلا بجلائها بدماء الشهادة ليس إلا، وإلا فهي مخلّدة في دركات الجحيم والعذاب المهين المقيم…
… ويبدأ شريط الذكريات والأحاسيس سريعا، ويذهب بي الفكر إلى الوراء عندما غادرت أرض بلادي في شهر محرم الحرام/1403ه.ق والمصادف 26/10/1982م، وعندما كنت أحد أفراد الجيش العفلقي، وكيف كنت أصارع نفسي وضميري وأرفع رأسي إلى السماء بحيث لايشعر بي أحد، ثم أنطلق بكل حواسي وكياني في رحاب الله سبحانه مخاطبا إياه في خشوع جارف ودموع حرى، بأن ينجيني من هذه العيشة النكدة والحياة المريرة، فليس مكاني هنا بين هؤلاء الذين لامعنى من حياتهم سوى العبث واللهو والفجور، كما وصفهم أمير المؤمنينعليهالسلام بأنهم ﴿كالدابة المربوطة همها علفها﴾ …أتَذَكَر الآن ذلك الموقف الذي يسر الله سبحانه وتعالى لي الهجرة بعد وقتٍ قصير من دعائي، في حين لم يعلم ذلك الكثيرون، فأردد من أعماق قلبي (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) … فها هي جبهة الحق بكل روعتها وإشراقها وبمدرستها، وتلك جبهة الباطل بكل كفرها وتعاستها وبؤسها ووزرها، … فأعظم بها من نعمة وشرف وفضل وتوفيق قد حبانا به الباري جل وعلا، وجعل نفوسنا في أمن وطمأنينة وسعادة وسكينة، بعد ما كانت تقبع في حمئة من تقريع الضمير، على جرفٍ هار من سطوة السعير…
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾)
سلام عليك أبامصطفى يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا
الشهيد أبومصطفى الامجدي مع قوات الشهيد الصدر- الثاني على اليمين من الواقفين