الرئيسية / القرآن الكريم / التقوى في القرآن – دراسة في الآثار الاجتماعية والوجودية

التقوى في القرآن – دراسة في الآثار الاجتماعية والوجودية

نشأة الابتلاء : تأسيساً على ذلك، كيف يمكن للانسان أن يحقّق هذا الهدف، وما هو الطريق الموصِل إلى لقاء الله سبحانه وتعالى؟
الجواب: أنّ الانسان خُلق في نشأة الابتلاء والامتحان، لم يستثنِ الله أحداً من ذلك، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)( [5]) وقال: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الاَْرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)( [6])، وقال أيضاً: (إِنَّا خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً)( [7]).

 
فكلّ شيء في هذه النشأة لاجل امتحان الانسان. من هنا وضعه الله على مفترق الطريق ليختار لنفسه الاتجاه الذي يريد، قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)( [8])، وقال: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)( [9]). فإذا استطاع الانسان أن يقف على الطريق الذي يوصله إلى الهدف الذي خلق من أجله فهو المهتدي، وإلاّ كان من الضالّين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)( [10]). قال الراغب في المفردات: «الضلال: العدول عن الطريق المستقيم، ويضادّه الهداية، قال تعالى: (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) ويقال الضلال لكلّ عدول عن المنهج عمداً كان أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً»( [11]).

 
إذن «فالضلال والاهتداء ـ وهما معنيان متقابلان ـ إنّما يتحقّقان في سلوك الطريق لا غير، فالملازم لمتن الطريق ينتهي إلى ما ينتهي إليه الطريق، وهو الغاية المطلوبة التي يقصدها الانسان السالك في سلوكه. أمّا إذا استهان بذلك وخرج عن مستوى الطريق، فهو الضلال الذي تفوت به الغاية المقصودة. فالآية تقدّر للانسان طريقاً يسلكه ومقصداً يقصده، غير أنّه ربّما لزم الطريق فاهتدى إليه، أو فسق عنه فضلّ»( [12]).

 
انطلاقاً من هذه الحقيقة يدعو الانسان ربّه مرّات عديدة في صلواته اليومية (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)( [13])لانّ أفضل الطرق وأحسنها وأقصرها للوصول إلى الهدف هو الصراط المستقيم، وإذا لم يوفّق الانسان لسلوك هذا الطريق فهو ضالّ لا محالة، ولا تزيده سرعة المشي في غير الصراط المستقيم إلاّ بُعداً عن الهدف. إلى هذا أشار الامام الصادق (عليه السلام) بقوله: «ال
عامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة المشي إلاّ بُعداً»( [14]).

 
وإذا اهتدى الانسان هنا إلى الصراط المستقيم، فإنّه سيهتدي في الآخرة إلى جنّات النعيم، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)( [15]). وإذا ضلّ عن الصراط في هذه النشأة، فإنّه سيضلّ عن الطريق الموصل إلى رحمة الله ورضوانه في تلك النشأة. قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ)( [16]).

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...