الرئيسية / القرآن الكريم / تَارِيخ القُرآنِ الدكتور محمد حسين علي الصغير

تَارِيخ القُرآنِ الدكتور محمد حسين علي الصغير

بسم الله الرحمن الرحيم 

مقدمة
هذه دراسة تكتسب أهميتها من أهمية موضوعها الذاتية في التشريع والتأريخ والتراث .
وموضوع هذه الدراسة يتصل بصميم القرآن نصا ومفهوما ، ويتعلق بجوانبه الإيحائية والتدوينية والشكلية أثرا ومعاناة وتأريخا ، وهو يحوم حول جزئيات متناثرة ، يجمع شتاتها ، ويوجد متفرقاتها ، بعيدا عن الفهم التقليدي حينا ، وعن التزمت الموروث حينا آخر ، في استيعاب القضايا المعقدة ، وارتياد المناخ المجهول ، وسوف لا تلمس فيه للتعصب أثرا ، ولا تصطدم بالمحاباة منهجا ، الهدف العلمي يطغى فيه على الهوى النفسي ، ليلتقي من خلال ذلك الغرض الفني في النقد والتمحيص ، بالغرض الديني في الاستقراء والمعرفة ، لم أكن فيه متطرفا حد الإفراط ، ولا متسامحا حد التهاون ، بل اتخذت بين ذلك سبيلا .
ومفردات هذه الدراسة تتناول « تأريخ القرآن » بكل التفصيلات الدقيقة ، والأبعاد المترامية الأطراف ؛ ابتداء من ظاهرة وحيه ، ومرورا بنزوله ، وجمعه ، وقراءاته ، وشكله ، وانتهاء بسلامته وصيانته ، فكان أن انتظم عدة فصول هي كالآتي :
الفصل الأول : وحي القرآن ؛ وقد تكفل بالحديث عن ظاهرة الوحي القرآني ، ورعاية الوحي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شأنه بذلك شأن من تقدمه من الرسل ، وكان ميدانا لتفسير الظاهرة وتعليلها نفسيا وعلميا وقرآنيا ، مع معالجة مجموعة التقولات والاجتهادات التي تناولت الوحي حينا ، والكشف والإلهام والروحية حينا آخر ، بما ميزنا به حالة الوحي عن سواها ، وتأثيرها

 

 

(6)
الخارجي عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكيف يفسر بعض المستشرقين ذلك عنادا وتمويها ، فخلص للظاهرة مردودها الخارجي البعيد عن حالات اللاوعي المزعوم ، ذلك المردود الذي أعطى نتائج طبيعية لشدة وقع الوحي في استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لحقيقة جديدة مستقلة عن كيانه وشعوره وإرادته ، تأمر وتنهى وتقرر ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يستمع ، وينفذ ، ويبلغ ، وكان ذلك هو الوحي ، وكان هذا الوحي قرآنا عجبا ، عبرت العرب عن حيرتها أمام تياره المتدفق ، وأخفقت تخرصاتها المتناقضة في وصفه .
الفصل الثاني : نزول القرآن ، وقد تناول بالبحث المركز : بداية النزول ، وزمن النزول ، والنزول التدريجي والجملي وأسرار تنجيم القرآن الكريم ، ومرحلية النزول ، وتأريخية السور القرآنية مكيها ومدنيها ، وضوابط هذين القسيمين ، وأسباب النزول وتأريخيته ، وما نزل بمكة وما نزل بالمدينة ، بما يعتبر فصلا نموذجيا مكثفا ، أعقبناه بترتيب إحصائي لسور القرآن وعددها ، وعدد آياتها ، ونزولها الزماني والمكاني .
الفصل الثالث : جمع القرآن ، وقد تناول بالبحث الموضوعي : روايات الجمع في تأريخها وتناقضها ، وتتبع شذراتها هنا وهناك وغربلتها ، وذهب إلى أن القرآن كان مجموعا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلموسلم، وكانت أدلة جمعه متعاقبة في الروايات المعتبرة ، وتوافر مصاحف الصحابة ، وعملية الإقراء القرآني والتعليم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودليل الكتابة ووجود الكتاب ، وأدلة أخرى قطعية استنتاجية وروائية ، وتساءل عن مصير مصحف أبي بكر (رض) وبحث المواقف المترددة في الأمر ، وعقبها بالرأي النهائي ، وتحدث عن مصحف عثمان في أطواره كافة ، واعتبره النص القرآني الكامل .
الفصل الرابع : قراءات القرآن ، وقد تناول بالبحث الاتجاهات الرئيسية في أسباب ومؤثرات وعوامل نشوء القراءات القرآنية ، وناقش حديث الأحرف السبعة ، وعرض موضوع اختلاف القراءات وتعددها منذ عهد مبكر ، وكان مصدر القراءات مستهدفا الاتجاهات كافة ، باعتبار شكل المصحف العثماني ، وطريق الرواية الشفوية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واختلاف لهجات العرب ، قضايا ذات أهمية متكافئة في نشوء القراءات ، ثم بحث

 

 

(7)
وجوه القراءات ، ثم عرض باختصار لعدد القراء وتضارب الآراء في منزلتهم ، وحقق القول في السبعة منهم ، واعتماد قراءاتهم كأصل يرجع إليه ، وكان الاختلاف في هذه القراءات لا يعدو الشكل غالبا ، ولا يتجاوزه إلا نادرا ، ووثق القراءات السبع ، وفرق بين القراءة والاختيار ، وأورد اعتبار البعض القراءة سنة ، وضعف الشاذ منها ، وأبان شروط القراءة المعتبرة في ضوء مقاييس النقد والقبول ، وبين الاختلاف في نسبة التواتر في القراءات ، أهو للقراء أم هو للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى الفرق بين حجية هذه القراءات ، وبين جواز الصلاة فيها .
الفصل الخامس : شكل القرآن ، وتناول بالبحث : ما هو المراد من شكل القرآن ، وكراهة الأوائل للزيادات التوضيحية في الرسم القرآني ، وبداية إعجام القرآن ونقطه على يد أبي الأسود وتلامذته ، فكان الرائد الأول ، وتبعه الخليل بن أحمد الفراهيدي في ابتداع أشكال الحركات . وبحث بعد النقط والحركات مظاهر الهمز والتشديد والروم والأشمام ، وما أحدث على الشكل عموما بغية التطوير ، وجعلوا لذلك قواعد للتمييز بين النص ومحسناته ، ثم تناول مسألة الرسم المصحفي ، وما صاحبها من مغالاة وتقديس لا تمت إلى الذائقة الشرعية بصلة ، ونفى ادعاء كون الخط المصحفي توقيفيا ، وذهب إلى أنه مما تواضع عليه الكتبة ، ولا مانع من أن يكتب بأي خط كان ، وعزا اختلاف الخطوط ، ومغايرتها لأصول الإملاء العربي ، إلى اشتباه الكتاب ، ولا ضير عليهم في ذلك إذ هو مدى ما يعرفون . وكان شكل القرآن متجاوبا مع العصور في تطوير خطوطه حتى طباعته في الغرب وفي مصر وفي أجزاء أخرى من الوطن العربي .
الفصل السادس : سلامة القرآن ، وقد تناول بالبحث توثيق النص القرآني ، وعدم وقوع التحريف فيه . وعالجنا القول بالتحريف من كل وجوهه وافتراضاته ، فكان مبنيا على ادعاءات ، وافتراضات ، وروايات ، واتهامات ، وشبهات ، ومحاولات .
عرضنا لها جميعا بشيء من المناقشة والحجاج والسرد ، انتهينا من خلالها جميعا إلى سلامة القرآن وصيانته من التحريف .
وكانت مصادر هذه الدراسة ومراجعها تعتمد ما كتب القدامى في

 

 

(8)
علوم القرآن ، والتفسير ، وأسباب النزول ، والقراءات ، والرسم ، والحديث ، وما حققه المحدثون من إنجاز في المجالات نفسها ، وإن كان متضاءلاً ، وما كتبه المستشرقون في تأريخ القرآن ، ونظمه ، وتأليفه ، وشكله ، وكتابته ، وقراءته ، ومراحله ، ومكيه ، ومدنيه ، وغيرها .
ولم يكن ضروريا موافقة من كتب ، أو متابعة من اجتهد ، فطالما اختلفنا في وجهات النظر المتغايرة ، وربما انتقدنا وذهبنا بالنقد كل مذهب ينتهي إلى الحقيقة ، وربما اتفقنا مع جملة من الآراء . وإزاء هذا وذاك ، احترمنا كل رأي ، مصيبا كان أم مخطئا ، مع إقرارنا للصواب ومناقشتنا للخطأ ، سواء أخذنا بذلك أو لم نأخذ ، فالطريق العلمي أحق أن يتبع ، والاستنتاج القائم على أساس المقارنة بين النصوص ، والممايزة بين الاجتهادات ، أجدر بالاحترام المنهجي ، وقدسية الأثر الديني المتمثل في القرآن الكريم أسمى من كل الاعتبارات الهامشية التي لا تمت إلى المنطق بصلة ، والأسماء وإن كانت لامعة إلا أنها قد تختفي بأضواء الحقائق العلمية .
هذا ما انتهجته هذه الدراسة في الرأي والكشف والاجتهاد ، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
الدكتور
محمد حسين علي الصغير

شاهد أيضاً

مع اية الله العظمى الامام الخامنئي والاحكام الشرعية من وجهة نظره

رؤية الهلال س833: كما تعلمون فإن وضع الهلال في آخر الشهر (أو أوّله) لا يخلو ...