03 الدرس الثاني: القلب
أهداف الدرس
1– أن يتعرف الطالب إلى حقيقة القلب ودوره.
2– أن يبين خطورة أمراض القلب.
3– أن يتعرف من هم أطبّاء القلوب.
4– أن يعدد مراحل تزكية النفس.
1- القلب في القرآن الكريم
للقلب مكانة خاصّة في القرآن الكريم، والمراد به ذلك الشعور والاحساس الذي ترتبط به إنسانيّة الإنسان، فهو عبارة أخرى عن النفس الإنسانيّة، ولذا تنسب إليه الأعمال النفسيّة، من قبيل التعقّل والإيمان والكفر والنفاق والهداية والرحمة والغفلة وغيرها من الحالات التي وردت في القرآن الكريم.
قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾1.
﴿أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾2.
﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾3.
سلامة القلب ومرضه
إن كلّ أعمال الإنسان تنبع من قلبه، ولذا هو مفتاح السعادة، ومن الضروري أن يُعتنى به، لأنه قد يُصاب بالمرض، يقول تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً﴾4.
1- الحج : 46
2- المجادلة : 22
3- التغابن : 11
4- البقرة : 10
والأمراض التي تصيب القلب كثيرة كالكفر والنفاق، والتكبّر، والحقد، والغضب، والخيانة، والعُجْب، والخوف، وسوء الظنِّ، وقول السوء، والتهمّة، والغيبة، والظلم، والكذب، وحبِّ الجاه، والرياء، والقساوة، وغير ذلك من الصفات السيّئة. قال تعالى: ﴿وَأَما الذِينَ فِي قُلُوبِهِم مرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ 5، وقد يكون القلب سليماً من هذه الأمراض، يقول تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾6.
ولا بدّ من التأكيد على أن أمراض القلب ذات أثر خطير، لأنه إذا كانت أمراض البدن يقتصر ضررها على الدنيا، فإن أمراض القلب يعمّ ضررها الدنيا والآخرة معاً، وتوقع الإنسان في الشقاء الأبديّ: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُو فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾7.
إن الإيمان والعمل الصالح وحسن الأخلاق، كلّ ذلك ينير القلب ويدفع عنه أمراضه، في حين أن الكفر والعمل السيءّ وسوء الأخلاق، كلّ ذلك يؤدّي إلى اسوداد القلب وإصابته بالآفات.
2-القلب في الأحاديث
ركزت الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام على مسألة القلب، فعن الإمام الباقر عليه السلام: “القلوب ثلاثة: قلب منكوس لا يعتبر على شيء من الغير وهو قلب الكافر، وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر يعتلجان8، فما كان منه أقوى غلب عليه، وقلب مفتوح فيه مصباح يزهر فلا يُطفأ نوره إلى يوم
5- التوبة : 125
6- الشعراء : 88-89
7- الإسراء : 72
القيامة، وهو قلب المؤمن”9.
وما يستفاد من هذا الحديث هو أن القلب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- قلب الكافر: قلب انحرف عن فطرته فلا خير فيه، ولم يعد له من هدف إلا الدنيا، وأعرض عن ربِّه فأصيب بالعمى وغشيته الظُلْمَة.
2- قلب المؤمن: قلب قِبْلَتهُ الله، أضاء فيه مصباح الإيمان، يرغب في العمل الصالح ومكارم الأخلاق، عيناه مبصرتان بنور إيمانه.
3- القلب المنكّت: وهو قلب فيه من نور الإيمان، لكن فيه أيضاً من سواد المعصية، وخيره وشره في حال صراع، فما غلب منهما سيطر على هذا القلب.
قساوة القلب
يكون القلب في بداية الأمر مستعدّاً للإستجابة لنداء الفطرة، فإن لبى النداء أصبح قلباً نورانيّاً، يضيء فيه مصباح الإيمان، أما إذا تجاهل نداء فطرته، وخالف ميول الخير لديه، فإن هذا القلب سوف تخيِّم عليه الظلمة، وتعرض عليه القسوة شيئاً فشيئاً.
ويتحدّث القرآن الكريم عن هذا الأمر فيقول: ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَينَ لَهُمُ الشيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾10.
نعم إن لقسوة القلب آثاراً خطيرة جداً في الدنيا وفي الآخرة، حيث يصبح قلباً مقفلاً لا يصدر منه الخير، ويظهر في الآخرة بأبشع الصور.
8- (أي يتصارعان)
9- المجلسيّ-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -، ج 70 ، ص 51
10- الأنعام : 43
أطباء القلوب
إذا أردنا أن نحافظ على سلامة قلوبنا ونتجنب الأمراض، فلا بدّ من الطبيب الحاذق، أما أطباء القلوب فهم الأنبياء عليهم السلام، لأنهم العارفون بحقيقة القلوب وما يصلح لها وطرق علاجها، ولذا يتحدّث أمير المؤمنين عليه السلام عن خاتمّ الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: “طبيب دوار بطبِّه قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه11، يضع من ذلك حيث الحاجة إليه”12.
تهذيب النفس وتكميلها
بعد أن علمنا أن لتزكية النفس أهمية خاصّة في الإسلام، وأن لها نتائج خطيرة في الدنيا والآخرة، وأنه لا بدّ للإنسان أن يسعى لتزكية نفسه ما دام أن هناك صراعاً حقيقيّاً بين بُعدَيهِ الإنسانيّ والحيواني، نشير هنا إلى أن عملية تزكية النفس تتمُّ في مرحلتين: مرحلة التهذيب، ومرحلة التكميل.
المرحلة الأولى: ويعمل فيها على تصفية القلب والنفس من الأمراض والأخلاق السيّئة وآثار الذنوب.
المرحلة الثانية: ويعمل فيها على تكميل النفس وتربيتها بالمعارف الحقّة ومكارم الأخلاق والعمل الصالح.
والسالك إلى الله تعالى يجب أن يقوم بالأمرين معاً، وإلا لن يبلغ درجات القرب، لأنهما يكملان بعضهما، وسوف نتحدث عن هاتين المرحلتين في الدروس القادمة.
11- مواسمه جمع ميسِم وهو المكواة، يُجمع على مواسم ومياسم
12- نهج البلاغة ، خطبة 108
خلاصة الدرس
1- المراد بالقلب الشعور والاحساس الذي ترتبط به إنسانيّة الإنسان، وهو تعبير آخر عن النفس الإنسانيّة.
2- كما أن البدن يتعرّض للمرض فإن القلب أيضاً يتعرض للأمراض.
3- المرض الذي يصيب القلب ذو أثر خطير، لأن نتائجه لا تقف عند حدود الدنيا.
4- قسمت روايات المعصومينعليهم السلام القلب إلى ثلاثة أقسام: قلب المؤمن، قلب الكافر، والقلب المنكّت.
5- تزكية النفس تكون بأمرين:
أوّلاً: تصفية القلب، وخصوصاً من مرض القسوة.
ثانياً: تكميل النفس بالمعارف الحقة، والأخلاق الحسنة، والعمل الصالح.
للمطالعة
علاج المفاسد الاخلاقية
إن أفضل علاج لدفع المفاسد الأخلاقيّة، هو ما ذكره علماء الأخلاق وأهل السلوك، وهو أن تأخذ كلّ واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك، وتنهض بعزم على مخالفة النفس إلى أمد، وتعمل على عكس ما تروّجه وتتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة.
وعلى أيّ حال، اطلب التوفيق من الله تعالى لإعانتك في هذا الجهاد، ولا شك في أن هذا الخُلُق القبيح سيزول بعد فترة وجيزة. ويفرُّ الشيطان وجنوده من هذا الخندق، وتحلُّ محلّهم الجنود الرحمانية.
فمثلاً من الأخلاق الذميمة التي تسبب هلاك الإنسان وتوجب ضغطة القبر، وتعذِّب الإنسان في كلا الدارين، سوء الخلق مع أهل الدار والجيران أو الزملاء في العمل أو أهل السوق والمحلة، وهو وليد الغضب والشهوة، فإذا كان الإنسان المجاهد يفكّر في السمو والترفع، عليه عندما يعترضه أمر غير مرغوب فيه، حيث تتوهج فيه نار الغضب لتحرق الباطن، وتدعوه إلى الفحش والسيّء من القول، عليه أن يعمل بخلاف النفس، وأن يتذكر سوء عاقبة هذا الخُلُق ونتيجته القبيحة، ويبدي بالمقابل مرونة، ويلعن الشيطان في الباطن ويستعيذ بالله منه.
إنِّي أتعهد لك بأنك لو قمت بذلك السلوك، وكررته عدّة مرات، فإن الخُلُق السيّء سيتغير كليِّاً، وسيحل الخُلُق الحسن في عالمك الباطن.
ولكنك إذا عملت وفق هوى النفس، فمن الممكن أن يبيدك في هذا العالم نفسه. وأعوذ بالله تعالى من الغضب الذي يهلك الإنسان في آنٍ واحد في كلا
الدارين، فقد يؤدّي ذلك الغضب لا سمح الله إلى قتل النفس. ومن الممكن أن يتجرأ الإنسان في حالة الغضب على النواميس الإلهيّة. كما رأينا أن بعض الناس قد أصبحوا من جراء الغضب مرتدِّين، وقد قال الحكماء: “إن السفينة التي تتعرض لأمواج البحر العاتية وهي بدون قبطان، لهي أقرب إلى النجاة من الإنسان وهو في حالة الغضب”
الإمام الخميني قدس سره ” الأربعون حديثاً”