04 الدرس الثالث: أمراض القلوب
أهداف الدرس
1- أن يتعرف الطالب إلى وسائل تهذيب النفس.
2- أن يكتشف أسباب الإعراض عن تهذيب النفس.
3 – أن يتعرف إلى طريقة معرفة أمراض القلب.
4- أن يحصل دواعي التصميم على معالجة أمراض النفس.
تمهيد
بعد أن أدركنا أن تهذيب النفس أمر أساسي في عملية التزكية، وأنه يمثل المرحلة الأولى من مراحل تزكية النفس، نشير إلى أنه في مرحلة التهذيب يجب علينا القيام بثلاثة أمور:
أ – تهذيب النفس من العقائد الباطلة والأفكار الفاسدة والخرافات.
ب – تهذيب النفس من الرذائل والأخلاق السيّئة.
ج – ترك المعاصي والذنوب التي أرشدنا الشارع المقدس إلى مفاسدها ونتائجها الوخيمة.
مشكلة وحل
ومع أننا ندرك بالفطرة مساوىء هذه الأمور التي يجب تطهير النفس منها، ومع أن الأنبياء عليهم السلام عرفونا بها وبطرق علاجها، إلا أننا غالباً ما لا نهتمّ بهذا الجانب، ولا نرى أنفسنا أسيرة للشيطان وللنفس الأمارء بالسوء!
أسباب المشكلة
يتوقف علاج المشكلة – كما في كل مشكلة – على معرفة أسبابها، وتعود هذه
المشكلة إلى سببين رئيسيين.
الأوّل: عدم علمنا بأننا مرضى، لجهلنا بأمراضنا الأخلاقيّة، كمن يعلم بأن هناك مرضاً ولا يعلم بأنه مريض به.
الثاني: استصغارنا للأمراض والذنوب والرذائل الأخلاقيّة.
هذان الأمران هما السبب في غفلتنا عن نسبة الأمراض هذه إلى أنفسنا، فنحن ندرك جيّداً الأمراض في الآخرين، ولكننا لا نلتفت إلى الأمراض الموجودة فينا، ولهذا لا نتحرّك في الغالب لإصلاح أنفسنا وتهذيبها.
حلّ المشكلة
الأوّل: بالتعرّف على أمراضنا الأخلاقيّة والنفسيّة.
الثاني: بالتصميم على علاجها.
أولاُ: طرق الكشف عن أمراض القلب
لا بدّ من توضيح الطرق التي نستطيع من خلالها أن نتعرف على أمراضنا كمقدمة لعلاجها، وهذه الطرق هي:
1- العقل: وهو ما يميّز الإنسان عن الجماد والحيوان، وهو منشأ التفكير والإدراك، وله موقع مميز في النصوص الإسلاميّة .
قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ 1، وقال تعالى: ﴿وَيَجْعَلُ الرجْسَ عَلَى الذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾2.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: “لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبِل. فأقبَل، ثم قال: أدبِر، فأدبَر، ثم قال: وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحب
1- الحج : 46
2- يونس : 100
إلي منك، ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما وإنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى، وإيّاك أعاقب، وإيّاك أثيب”3.
أ- للتعرّف على الله وصفاته وأنبيائه: فنطيعهم، وعلى الميعاد فنتجهز له، وبه نتعرّف على محاسن الأخلاق ومساوئها.
وبذلك يتضح أن للعقل دوراً مهمّاً في إيصال الإنسان إلى كماله، وذلك فيما لو استطاع أن يسيطر على الغرائز من خلال كبح جماحها.
ب – للتفكّر:وهو التفكر بعواقب الأمور ونتائجها الحسنة أو السيّئة دنيويّاً وأخرويّاً قبل القيام بها، وقد جاءت الأحاديث لتؤكد ذلك، فقد روي أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أوصني، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: “فهل أنت مستوصٍ إن أوصيتك؟” حتى قال ذلك ثلاثاً في كلها يقول الرجل نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فإني أُوصيك إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن يكُ رشداً فامضه، وإن يكُ غياً فانتهِ عنه”4.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “إنما أهلك الناس العجلة، ولو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد”5.
2- التأمل بالنفس: فإن الإنسان إذا تأمل في نفسه سوف يعرف ما فيها من أمراض وعيوب.
قال تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ 6.
وإذا حكمنا على أنفسنا فغالباً ما ننحاز لصالحها، لأنّنا ننظر إليها دون
3- الكليني – الكافي – دار الكتب الإسلاميّة، آخوندي – الطبعة الثالثة ج1، ص10
4- المجلسيّ-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -، ج 71 ، ص 339
5- الحر العاملي-وسائل الشيعة-مؤسسة آل البيتلإحياء التراث-الطبعة المحققة الأولى-ج27-ص169
6- القيامة : 14 – 15
عيوب ونواقص في الأقوال والأفعال، إنها النفس الأمارة بالسوء التي تزين القبيح حسناً وتدعونا لحسن الظن بها.
قال تعالى: ﴿أَفَمَن زُينَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِن اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ 7.
وأحسن طريق عندئذٍ لإصلاح النفس هو ألا نحسن الظن بأنفسنا، بل ينبغي أن نتهمها ونسيء الظن بها، لكي تتكشف عيوبها ونسعى في إصلاحها.
يقول الإمام علي عليه السلام: “إن المؤمن لا يصبح ولا يمسي إلا ونفسه ظنون عنده فلا يزال زارياً8 عليها ومستزيداً لها”9.
3- مراجعة الطبيب الروحيّ: فإن من أهم الأمور التي تساعد على معرفة عيوب النفس وأمراضها، مراجعة العالم بالأخلاق الإسلاميّة، فيستطيع الإنسان مراجعة عالم صالح خلوق استطاع تهذيب نفسه من أجل أن يساعده في اكتشاف عيوب نفسه.
4- مصاحبة الصديق العالم المحبّ للخير: فإن الصديق إذا كان عالماً، يميّز بين الصفات الحسنة والصفات السيّئة، وكان ناصحاً ومحبّاً للخير فيمكن الاستعانة به من أجل معرفة عيوبنا، فإن المؤمن يستطيع أن يساعد أخاه المؤمن ليرى نفسه فيه، إذا كان ناصحاً مشفقاً حريصاً على سمعة أخيه وحرمته.
قال الإمام الصادق عليه السلام: “أحبُّ إخواني إلي مَنْ أهدى إلي عيوبي”10
5- أخذ العبرة من عيوب الآخرين: وهذه إحدى الوسائل لمعرفة العيوب
7- فاطر : 8
8- زارياً أي عائباً لنفسه
9- نهج البلاغة ، خطبة 176
10- الحراني – ابن شعبة – الوفاة : ق 4- تحف العقول- الطبعة : الثانية – مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، ص 385
النفسيّة، وطالما رأى الإنسان النقطة الصغيرة من عيوب الآخرين، ولا يرى القبائح الكبيرة من نفسه، والعاقل إذا رأى عيباً في الآخرين يدرك قبحه، ويعتبر من ذلك، فيرجع إلى نفسه فإن وجد فيها ذاك العيب أصلحه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “السعيد من وعُظ بغيره”11.
7 – الاستفادة من النقد: فيمكن للإنسان أن يستمع إلى نقد الآخرين، فيرجع إلى نفسه، فإن صح النقد أصلحها وشكر نقدهم، وإن لم يصح، يكن قد علم خلوها من العيب فيشكر ربه على ذلك.
8 – التعرُّف على علامات العيوب: فإن بعض الأمراض البدنيّة تعرف بعلامات تظهر في أعضاء البدن، فإن ضعف أداء وظيفة العضو مثلاً علامة على مرضه، وكذلك النفس وميولاتها الفطرية. فالإنسان مفطور على التوجّه إلى الله سبحانه وحبّه وعشقه وشكره وعبادته وطاعته، فإذا رأينا ضعف ذلك في أنفسنا فإن هذا علامة على مرض قلوبنا، واذا رأى الإنسان أنه يتحاشى قراءة القرآن والدعاء والتوسّل إلى الله سبحانه، أو أنه يحبُّ الدنيا والمال والجاه، ولا يرى في خدمة الناس لذّة، ولا يتأثر بمعاناة المظلومين، ولا ينفعل لآلامهم وحاجاتهم، فإن هذا يعني أن صفاته الحيوانية أقوى من صفاته الإنسانيّة، وهذا من أكبر عوارض مرض النفس.
ثانياً: التصميم على العلاج
لا بدّ من التصميم على العلاج، فبعد معرفة العيوب والأمراض ينبغي أن لا نستصغرها، وأن نبادر بعزم على علاجها، فنحذر مكر الشيطان الذي يحاول
11- المجلسيّ-محمّد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة -، ج 71، ص 324
بشتّى الوسائل أن يثنينا عن القيام بمهمتنا، فقد يوحي لنا الشيطان بأن هذا العيب موجود في الآخرين، حتى يقلل لنا من أهميته، في حين أن مرض الآخرين لا يبرر أن أكون مريضاً مثلهم، بل قد يسوّل لنا الشيطان بأن السوء الفلانيّ هو ممّا اعتدنا عليه، أو أن الله سوف يغفره، في حين أن العادة قابلة للتغيير والتبديل، ففي مثل هذه الحالات علينا أن لا نأبه لأيّ وسوسة شيطانيّة، بل لا بدّ من المبادرة فوراً لعلاج العيوب، والسعيّ بعزم أكيد لتهذيب نفوسنا، وإذا ما سارع الإنسان إلى العلاج وأصر على التغلّب على النفس الأمارة بالسوء، وذلك بإخضاعها لإرادة العقل والشرع معاً، اللذين يأخذان بيد الغرائز الحيوانية نحو الاعتدال والتوازن، فعندئذٍ تأمن حياة الإنسان دنيا وآخرة، وتعمر بالسعادة الكاملة الحقيقية.
أما كيف نهذب نفوسنا ونطهرها من الأخلاق السيّئة والمعاصي والذنوب؟ وما هي الوسائل المساعِدة على ذلك؟ فهذا ما سنبينه في الدروس القادمة إن شاء الله.
خلاصة الدرس
1 – تهذيب النفس يكون من أمور ثلاثة:
أ – من العقائد الباطلة.
ب – من الأخلاق السيّئة.
ج – من الذنوب والمعاصي.
2 – من الأسباب التي تحول دون تهذيب نفوسنا، جهلنا بأمراضنا. ولذلك لا بدّ من الالتفات إلى أمراضنا كمقدّمة لعلاجها.
3- طرق علاج الامراض القلبيّة بأمرين:
أ- معرفة الامراض كمقدمة للعلاج عبر طرق عديدة منها:
العقل، والتفكّر بعاقبة الأمور، وسوء الظنِّ بالنفس، مراجعة الأطبّاء الروحيّين، ومصاحبة الصديق العالِم، وأخذالعبرة من الآخرين، والاستفادة من النقد، ومعرفة عوارض المرض.
ب- إن الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، لن يتركانا وعملنا، فعلينا الاستعداد لمواجهتهم بالتصميم على تهذيب نفوسنا.
للمطالعة
وعد بالجنّة
يقول أبو بصير أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام: كان أحد أعوان وعمّال السلاطين جاراً لي، كانت كلّ أمواله من الحرام، ومنزله مركز فساد ولهو ولعب ورقص وغناء، كنت أتأذّى من جيرته، نصحته مراراً دون فائدة، ذات يوم أصريت عليه كثيراً فقال: لقد أصبحت أسيراً للشيطان، اعتدت على اللهو والمعصية ولا أستطيع تركها، مريض ولكنّي لا أستطيع معالجة نفسي. أنت جار جيّد ولكنّي لك جار سيّء، ماذا أفعل، أنا أسير الهوى ولا أستطيع أن أجد طريقاً للنجاة، إذا زرت الإمام الصادق عليه السلام أخبره بحالي لعله يرشدني إلى طريق النجاة، يقول أبو بصير: تأثرت لكلامه، صبرت برهة حتى قصدت الإمام الصادق عليه السلام في المدينة، عندما تشرفت بلقائه ذكرت له القصّة، فقال له الإمام: إذا ما رجعت إلى الكوفة قل له: يقول لك جعفر بن محمّد: “أخرج ممّا أنت فيه وأنا أضمن لك الجنّة”. يقول أبو بصير: بعد أن انتهيت من كلّ أعمالي رجعت إلى الكوفة. كان الناس يأتون لزيارتي إلى أن جاءني الرجل زائراً، بعد سؤاله عن أحوالي اعتذر هامّاً بالانصراف، أشرت له بالبقاء لوجود أمر أريد التحدّث بشأنه، عندما فرغ المنزل من الزائرين قلت له: ذكرت قصتك للإمام الصادق عليه السلام، فطلب منّي إيصال سلامه إليك وأن أبلغك بعبارته: “اخرج ممّا أنت فيه وأنا أضمن لك الجنّة”.
دخل كلام الإمام عليه السلام إلى قلبه فبدأ بالبكاء، ثم أقسم علي للتأكّد من صحّة الحديث فأقسمت. قال: هذا كافٍ ثم خرج ولم أسمع عنه شيئاً لأيّام خلت.
بعدها أرسل خلفي، فذهبت إليه وطرقت الباب فأجابني من خلف الباب: يا
أبا بصير أعدت كلّ الأموال الحرام لأصحابها، وحتى الألبسة التي كانت لدي وأنا الآن عارٍ، يا أبا بصير لقد عملت بحسب أمر الإمام الصادق وتركت كلّ المعاصي، يقول أبو بصير: تأثّرت لكلامه وتوبته وتعجبت لمدى تأثير كلام الإمام فيه، عدت إلى منزلي وجهّزت له شيئاً من الطعام وبعض اللباس وأخذتها له. بعد مدّة أرسل خلفي فذهبت، لأجده مريضاً عليلاً، بقيت أعوده مدّة من الزمن، لم ينفع العلاج معه في شيء، حتى اشتدّ المرض عليه وبدأت علامات الاحتضار واضحة عليه. جلست بِقُرْبِهِ وكان غائباً عن الوعي، وفجأةً فتح عينيه وقال: يا أبا بصير لقد وفى الإمام الصادق عليه السلام بوعده. قال هذا وفارق الدنيا. بعد مدّة وفّقت للحجّ وزرت الإمام الصادق عليه السلام، مجرد أن وطأت عتبة داره ناداني سلام الله عليه وقال: “يا أبا بصير لقد وفيت وعدي لجارك وأعطيته الجنّة التي وعدت”.
منتهى الآمال,ج2, ص86