الرئيسية / الاسلام والحياة / السنن الإلهية في بناء المجتمع

السنن الإلهية في بناء المجتمع

بادر إِلَى طلب المؤاخاة
(وَاطْلُبْ مُؤَاخَاةَ الأَتْقِيَاءِ)…
لا تنتظر الفرصة حتّى تسنح، فربما تؤخذ على حين غرّة، والوصية المذكورة تطلب بصراحة من المؤمن أنْ يسعى في طلب الأتقياء والبحث عنهم، وأنْ يجدّ في ذلك، فإنّ الغرض نبيل، وهو العمل على إيجاد رابطة معنوية وعلاقة روحية بينه وبين الأتقياء.

أيُّها الأحبة!
لقد وصف الله العلاقة بين المؤمنين عامّة بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ ، إِنَّها
علاقةٌ يجب أن تكون عند توفّر الإيمان ولو بحدّه الأدنى.

وهذه العلاقة المذكورة لقربِ تحقّق حصولها، وسهولة الوصول إليها، فكأنّ الله أخذها أمراً مفروغاً عنه في الأوساط المتديّنة، فأخبر عنها بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾.

وأمّا المؤاخاة مع الأتقياء
فإنّها درجة رفيعة، لا ينالها الشخص بمجرّد أنْ يدخل في رِبقة الإيمان, فإنّ المؤاخاة المقصودة: أشبهُ بعقدٍ يلتزم به طرفان،
كلّ واحدٍ يؤاخي الآخر، فيسعى التقيّ ليكون قدوةً في العمل، ومناراً في الفكر، وناراً يقتبسُ منها الأخُ جذوةً تنير له درب الحياة الشائكة، والمتلوِّنة حالاً بعد حال.

ويسعى الأخُ الطالب للمؤاخاة: أنْ يضبط إيقاع دقّات قلبه على حبّ الله، ونظرات عينه على ما حلّله الله، وحركات جوارحه على طاعة الله، وطرز فكره على ما يحقّق له الفوز بالجنّة، والنجاة من النار، قال تعالى ذكره: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ .

فالناس أجناسٌ… ومعادن كمعادن الذهب والفضّة والحديد… فمنهم من يطلب الدنيا ببيع الآخرة، ومنهم من يطلب الآخرة ببيع الدنيا، ومنهم من يرى أَنَّ الدنيا بُلغةُ الآخرة، وقنطرةٌ موصلةٌ للسعادة الأبدية، وأنّ محلّه ينبغي أن يكون مع الأتقياء والأولياء.

فَلْنَسْعَ لنكونَ مع هؤلاء لأجل مؤاخاتهم.

لماذا الأتقياء دون غيرهم
بصراحةٍ لأنّ الأتقياء دون غيرهم مشاعِل عالم الأنس، وقادةُ قافلة الوجود، وحلقة الربط بين المادة وما وراءها.
هم العلماءُ الَّذِين تذكّرك رؤيتهم بالله، فما دُمتَ بينهم… معهم… فأنت مع النُّور السرمدي الأبدي، في حياةٍ لا غفلة فيها عن المعبود: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ .

وبكلمةٍ جامعةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام في بيان وصف المتقين: “لِلْمُتَّقِي هُدًى فِي رَشَادٍ وَتَحَرُّجٌ عَنْ فَسَادٍ وَحِرْصٌ فِي إِصْلَاحِ مَعَاد” .

فالمتقي:
1- له هدى ممزوج برشاد وحكمة ومعرفة.
2- يتحرّز ويتجنّبُ الفساد.
3- كما أَنَّه حريصٌ على إصلاح معاده، وإصلاح يومٍ تُرْجَعُ فيه النفوس إِلَى بارئها.

المشاق في سبيل الهدف الأسمى
(وَلَوْ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ)…
ما أعظم هذه المؤاخاة للأتقياء، حتى صرتَ مأموراً بطلبها على كلّ حال,
– حتى لو كان الأتقياء في ظلمات الأرض ومتوارين عن الأنظار.
– أو كان طلبك لهم يستلزم منك أن تقطع ظلمات الأرض.

فإنّك إذا قمتَ بهذا الطلب عن نيّةٍ سليمةٍ وقلب سليم، وعن إرادة منك للوصول إِلَى الحقيقة المطلقة، فإنّ كلّ هذه المشاق لمّا كانت واقعة في صراط الطاعة, فإنّ كلّ نَفَسٍ وخطوةٍ وعمل يقوم به سيكون مكتوباً عنده تعالى في سجلّ الحسنات.

والسبب في ذلك يُعزى لأحد أمرين:
الأوّل: أَنَّ الشروع في المقدمات التي يتوقّف عليها المستحب، يعدُّ في الحقيقة
شروعاً في المستحب نفسه عند العرف. لأجل هذا سيؤجر على البحث عن الأتقياء وطَلَبِهم الَّذِي هو مقدمة للمؤاخاة.

الثاني: أَنَّ العمل الواحد, تارةً: يقع في الخارج من البعض دون مشقات، كمن يحجّ وهو من أهل مكة. وأخرى: لا بدّ من تحمّل مشقاتٍ كالحج من مكانٍ بعيد.

لا شكّ أَنَّ الحاج من مكان بعيد يؤجر أكثر من الآخر عادة, لقاعدة: (أَنَّ أفضل الأعمال أحمزها)، وهكذا من يطلب مؤاخاة الأتقياء، وكلّفه ذلك صَرْف الجهد، وبذل المال، وتحمّل المشاق، فإنّ كلّ ذلك يؤجر عليه، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ .

شاهد أيضاً

ليلة القدر .. بين اصلاح الماضي و رسم المستقبل

أشار العالم الديني و استاذ الاخلاق الزاهد الفقيد الراحل سماحة آية الله مجتبي طهراني ، ...