وبالعودة إلى وصية الإمام الصادق عليه السلام نقول: إِنَّ المتأمّل في أحكام الشريعة بشكلٍ عامّ يجد أَنَّ المولى سبحانه وتعالى قد وضع المؤمن في حالة من الجهاد دائم، فلا تكاد تخلو حالة من أحوال المؤمن لا يكون فيها على جهاد في سبيل الله، فالمؤمن إمّا مشغولٌ بالجهاد الأكبر ومنكبٌّ على محاربة نفسه التي بين جنبيه، وإمّا هو مجاهد في خدمة الدين والمجتمع والإخوان، وينبغي أنْ نلتفت إِلَى أَنَّ المؤمن لا يجدر به أن يتهاون في بعض مسائل الشريعة استصغاراً منه لها، أو ظناً بأنّها أصغر من غيرها شأناً وأقل منها قيمة وأثراً في نظر المولى تعالى، فإنَّ هذا خطأٌ
كبيرٌ سببه الجهل بأحكام المولى تعالى، ووقوع المؤمن فيه شيءٌ خطيرٌ، قد يؤدّي به فيما بعد إلى ما لا تحمد عقباه، وفي
أقل الأحوال يكون خارجاً عمّا شرّعه له مولاه ومخالفاً له في ما يحبه له ويريده منه، فضلاً عمّا فيه من مفاسد أخرى قد
تطال الفرد والمجتمع.
ومن جملة هذه الأبواب العظيمة التي جعلها الله تعالى سبباً ومغنماً في الدنيا، وتوجب لمن عمل بها الأمن والنجاة في الآخرة، هي مسألة قضاء حوائج المؤمنين.
ولذا جاء التأكيد عليها في الكثير من الروايات منها: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “احرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السّرور عليهم ودفع المكروه عنهم فإنّه ليس من الأعمال عند الله عزّوجلّ بعد الإيمان
أفضل من إدخال السّرور على المؤمنِين” .
وهذه المسألة من ضمن المسائل التي كانت عرضة للغفلة والتهاون، حيث يغفل المؤمنون عن أهميتها أحياناً أو يقع منهم التهاون بها, ظناً منهم أَنَّ غيرها من الأمور العبادية قد تفوقها أهمية بحسب نظرهم القاصر، فاحتاج أهل البيت عليهم السلام إلى التنبيه على أهمّيتها والحثّ عليها، فجعلوها في ضمن وصاياهم التي تركوها للأمة, إشارة منهم إلى ضرورة عدم خلو المجتمع الديني منها، وبيّنوا عظيم الأثر والثواب المترتّب عليها، وعظيم الخطر والفساد المترتّب على تركها, لأنَّ أحكام الشريعة المقدّسة يكمّل بعضها بعضاً فلا تحصل النتيجة الكاملة المرجوة منها فيما لو وقع التهاون والإهمال في بعضها، فالمداومة ـ مثلاً ـ على الصلاة والصوم والحج من جهة، وإغفال قضايا الناس وحوائجهم من جهة أخرى، يُعطي نتيجة ناقصة في مجال تطبيق الشريعة، وهذا خلاف غرض الله تعالى من جعل التكاليف.
فقد روى الكليني قدس سره عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: “كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَانَ سَأَلَنِي الذَّهَابَ مَعَهُ فِي حَاجَةٍ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَكَرِهْتُ
أَنْ أَدَعَ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام وَأَذْهَبَ إِلَيْهِ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ إِذْ أَشَارَ إِلَيَّ أَيْضاً فَرَآهُ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام فَقَالَ يَا أَبَانُ إِيَّاكَ يُرِيدُ هَذَا، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ: هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، قُلْتُ: فَأَقْطَعُ الطَّوَافَ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ طَوَافَ الْفَرِيضَةِ، قَالَ: نَعَمْ…” .
ومن هنا ينبغي للمؤمنين إعادة النظر فيما قد يصدر عنهم في هذا المجال مما قد يكون مصداقاً لهذه الشبهة، فكثيراً ما نشاهد ونسمع من بعض المؤمنين أنّهم قد يعتذرون عن خدمة إخوانهم، فيعطّلون قضاء حوائجهم بمثل الانشغال بالصلاة أو الاعتكاف أو الزيارة وما شاكل ظناً منهم أَنَّ هذا أهمّ من ذاك، في حين أَنَّ رضا الله تعالى في هذه الحالات كان في غير ما توهّموه بحسب ما ورد في الرواية، فكيف بمن يعتذر ويتعلّل بما هو أقلّ من ذلك، فيهمل حوائج إخوانه طلباً للراحة والرخاء مثلاً ؟!!