لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم “النساء” في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.
الحجاب وأصل الحريـّة الاعتراض الّذي أُخذ على الحجاب، أنّه يسلب حقّ الحريّة الذي هو حقٌّ طبيعيٌّ للإنسان، ويُعتبر نوعاً من الإهانة للكرامة الشخصيّة للمرأة. ويزعمون أنّ مسألة الاحترام لكرامة الإنسان وشرفه تُشكِّل إحدى موادّ لائحة حقوق الإنسان وأنّ كلَّ إنسان هو حرٌّ وشريف، بغضِّ النظر عن لونه وجنسه وجنسيّته أو مذهبه، وأنّ فرض الحجاب على المرأة هو إغفال لحقِّ الحريّة وامتهان لكرامتها الإنسانيّة، وبعبارة أخرى: إنّه ظلم فاحش بحقِّ المرأة وعزّتها وكرامتها وحقِّ حريّتها، وكذلك أنّ الحكم المطابق للعقل والشرع يرفض حجز أحدٍ أو أسر حرّيّته، كما أنّه لا يقبل إلحاق الظلم بأحدٍ بكافّة أسبابه وأشكاله وتحت كافّة الذرائع، ويجب رفع الظلم عنه.
الجواب: يلزم التذكير ثانية بالفرق بين حبس المرأة في المنزل وبين إدراكها ما يتوجّب عليها حين تواجه الرجل الأجنبيّ، وهو أنْ تكون مُحجّبة.
إنّ مسألة سجن المرأة أو أَسرِها لا وجود لها في الإسلام. الحجاب في الإسلام هو وظيفة تقوم بها المرأة عند مقابلتها أو مواجهتها للرجل.
فعليها حينما تتعامل مع الرجل أنْ تُراعي أسلوباً خاصّاً في لباسها. وهذه المسؤوليّة لم يُحمِّلها الرجلُ للمرأة! وليس أمراً يتناقض مع كرامتها الإنسانيّة، كما لا تُعدّ هذه المسؤوليّة تجاوزاً لحقوقها الطبيعيّة التي منحها الله إياها.
إذا كانت رعاية بعض المصالح الاجتماعيّة تؤدّي إلى تحديد حريّة الرجل أو المرأة، كالتزامها بأسلوب خاصّ في التعامل، واتباعها شكلاً خاصّاً في الحركة، بحيث لا تُربك الآخرين، ولا تفقد التوازن الاخلاقيّ، فلا يُمكن تسمية ذلك سجناً أو عبوديّة، كما لا يُمكن اعتباره منافياً للكرامة الإنسانيّة والحريّة.
هناك في دول العالم المتمدِّن مثل هذه التحديدات في وقتنا الحاضر، سواء للرجل أو للمرأة. فإذا خرج الرجل عارياً أو خرج بلباس النوم إلى الشارع فسوف تُلقي الشرطة القبض عليه، لأنّه ارتكب عملاً يتناقض وقيم المجتمع.
حينما تقضي المصالح الاجتماعيّة والأخلاقيّة بإلزام الفرد برعاية أسلوب خاصّ في التعامل كأنْ يُمنع من الخروج بلباس النوم، فمثل ذلك لا يُعدّ عبوديّة ولا حبساً، ولا يتناقض مع الحريّة والكرامة الإنسانيّة، وليس بظلم، ولا يُعدّ بالتالي متعارِضاً مع حكم العقل.
بل الأمر عكس ذلك، فستر المرأة في الحدود الّتي قرّرها الإسلام يُفضي إلى رفع كرامتها وتعزيز احترامها، إذ يُحرزها ويصونها.
إنّ الشرف الإنسانيّ للمرأة يقتضي حين الخروج من المنزل أنْ تكون وقورة تُثقل الأرض بمشيتها، وأنْ تتجنّب كلَّ ممارسة تستهدف الإثارة، فلا تدعو الرجل لنفسها عمليّاً، وأن لا تلبس اللباس الحاكي وتمشي المشية الناطقة، وأنْ لا تعتمد الحديث المثير. فمشية الإنسان تحكي، وأسلوبه في الحديث يحكي أمراً آخر غير الكلام نفسه.
خُذِ الضابط العسكريّ مثالاً، فالآمر حينما يستعرض جنوده، وهو يحمل على كتفيه وصدره الرتب والميداليّات والأوسمة العسكريّة، يتبختر في مشيته، ويتنفّس الصعداء، ويعلو صوته متهدّجاً فخماً، فهو يحكي بكلِّ هذا الوضع دون لسان ينطق فيقول: ارهبوني، وليتّخذ الرعب موقعاً في قلوبكم.
والحال كذلك بالنسبة للمرأة، فمِنَ الممكن أنْ تلبس لوناً من الثياب أو تمشي بطريقة خاصّة، بحيث يحكي لباسها ومشيتها، فتدعو الرجل بصوت مرتفع لمتابعتها والّلقاء والتغزّل بها، وإظهار الحبّ والعشق.