الرئيسية / القرآن الكريم / أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

أسوار الأمان في صيانة المجتمع من الإنحراف على ضوء سورة الحجرات

08)منهج السورة

اشتملت السورة على القواعد والآداب الأخلاقية لتربية المجتمع الإسلامي ولكي تصل إلى هذه الأهداف التي رسمتها فقد انتهجت منهجاً خاصاً في تقرير آداب وضوابط المجتمع الإسلامي:

 

ولقد تعدّدت وسائل التوجيه التربوي في هذه السورة الكريمة، ولم يكن هذا التعدّد مجرّد تنويع لغرض التنويع، وإنّما غاية التوافق بين الغاية التربوية والطبيعة البشرية وفيما يلي إشارات لجملة من تلك الوسائل: 

أ- الترغيب والترهيب: إذا تأمّلنا مجموع الآيات التي ضمّت الآداب والضوابط المتقدّمة ظهرت لنا مجموعة من إشارات الترهيب والترغيب التي تذيّل تلك الآيات بحيث تعمل مجتمعةً على تحقيق منظومة متّزنة من الدوافع والموانع التي تدفع الفرد المسلم والمجتمع نحو السلوك المرغوب فيه وتحجزه عن السلوك المرغوب عنه.

 

 

فعلى صعيد الترهيب تجد قوله تعالى: ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾, تحذير وترهيب من عواقب الافتئات[1] على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي مقابل ذلك قوله تعالى ترغيباً في حال الملتزمين بأدب التوقّف بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

 

ب- التذكير بنعمة الله وفضله: وهذا التذكير بالفضل مدعاة الالتزام بالهدي الإلهي والوقوف عند توجيهاته، تأمّل على سبيل المثال، قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ فجعل العصيان والفسوق والكفر في مقابل نعمة الإيمان بحيث يُرغّب من استقر الإيمان في قلبه عن أن يجمع إليه من النقائض ما يكون كفراً بنعمة الله عزّ وجلّ.

 

ج- عواقب عدم التزام هذه الآداب: لقد جاءت الآيات في هذه السورة بجملة من التنبيهات على خطورة العواقب المترتّبة على ترك التزام منظومة الأخلاق القرآنية المعروضة، ففي سياق الأمر بالتثبُّت في الأخبار جاء التحذير من عاقبة الندم المترتّبة على التصرّف بغير علم وتثبُّت وتبيُّن، فقال تعالى: ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، وفي سياق النهي عن القبائح الاجتماعية – كالسخرية والتنابز واللمز- جاء التحذير من وقوع الظلم بين أفراد المجتمع نتيجة الاستهزاء بالغير والافتراء عليه ومبالغة الغير في الرد على تلك السخرية والافتراءات، فقال تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وهكذا…

 

د- تنمية الوازع النفسي للالتزام بهذه الأخلاق: إنّ أحداً لا يستطيع أن يفرض التزام مبدأ من المبادئ أو خلقاً من الأخلاق بقوةٍ خارجية أو سلطة قانون، فها

 

 

هي الدول اليوم تعيش تحت سلطة قوانين وضعية ونظم قضائية وشرطة وقوات عسكرية لكنّها لم تستطع أبداً أن تُحقّق أيّ التزامٍ حقيقي بالأخلاق – إن صحّ أن يُسمّى ما عندهم أخلاقاً – ولهذا كان لا بدّ من حلّ هذه الإشكالية في منظومة الأخلاق الإسلامية، وليس أقدر على ذلك من قوله تعالى في ختام هذه السورة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، إذ أنّ استشعار هذه الرقابة الدائمة من الله عزّ وجلّ كفيلٌ بتنمية الوازع النفسي في كلّ فردٍ بما يُحقّق التزامه بهذه الأخلاق والآداب ولو كان في خلوة من الناس أو معزل عن بطش السلطان وقهر السلطة والقانون، وبهذا فقط تنضبط منظومة الأخلاق في المجتمع.

[1]  افتأت عليه القولَ افتات، اختلقه، افتراه، رماه به كذبًا افتأت عليه الباطل ومن الكلمات القريبة إفتأت عليه الباطل: اختلقه. – إفتأت برأيه: انفرد واستبد به. إِفْتِرَاء، تضْلِيل، تَزْيِيف، تَلْفِيق، كَذِب.

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...