33)
فرق الآداب عن الأخلاق:
الآداب ليست هي الأخلاق، فالأخلاق هي الملكات الراسخة التي تتلبّس بها النفوس، والآداب هي هيئات حسنة مختلفة تتلبّس بها الأعمال الصادرة عن الإنسان عن صفات مختلفة نفسية، وبين الأمرين بون بعيد.
فالآداب من منشئات الأخلاق، والأخلاق من مقتضيات الاجتماع بخصوصه بحسب غايته الخاصة. فالغاية المطلوبة للإنسان في حياته هي التي تُشخّص أدبه في أعماله، وترسم لنفسه خطّاً لا يتعدّاه إذا أتى بعمل في مسير حياته والتقرّب من غايته.
5- الأدب الإلهي:
وإذ كان الأدب يتبع في خصوصيته الغاية المطلوبة في الحياة فالأدب الإلهي الذي أدّب الله سبحانه به أنبياءه ورسله عليهم السلام هو الهيئة الحسنة في الأعمال الدينية التي تحاكي غرض الدين وغايته، وهو العبودية على اختلاف الأديان الحقّة بحسب كثرة موادها وقلتها وبحسب مراتبها في الكمال والرقي.
والإسلام لمّا كان من شأنه التعرّض لجميع جهات الحياة الإنسانية بحيث لا يشذّ عنه شيء من شؤونها يسير أو خطير دقيق أو جليل فلذلك وسع الحياة أدباً، ورسم في كل عمل هيئة حسنة تحاكي غايته.
وليس له غاية عامة إلا توحيد الله سبحانه في مرحلتي الاعتقاد والعمل جميعاً، أي أن يعتقد الإنسان أنّ له إلهاً هو الذي
منه بدأ كل شيء وإليه يعود كل شيء، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا، ثمّ يجري في الحياة ويعيش بأعمال تحاكي بنفسها عبوديته وعبودية كل شيء عنده لله الحقّ عزّ اسمه، وبذلك يسري التوحيد في باطنه وظاهره، وتظهر العبودية المحضة من أقواله وأفعاله وسائر جهات وجوده ظهوراً لا ستر عليه ولا حجاب يغطيه. فالأدب الإلهي – أو أدب النبوة – هي هيئة التوحيد في الفعل[1].
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “الآداب حُللٌ مجدّدة”[2]. ومعنى كلامه عليه السلام أن الآداب حُللٌ مجدّدة “اى لا يبلى، بل يزداد بكثرة التجارب والممارسة كلّ وقت جدّة. وعنى بالآداب هاهنا آداب الشرع الَّتى هي مكارم الاخلاق”[3].
والمحصّل من كلامه كما أنّ الشخص يتزيّن بالحلل كذلك يتزيّن بالآداب مثل العلم وما يتبعه من حسن المجاورة والمعاشرة وأمثالها.
[1] ينظر: تفسير الميزان، محمد حسين الطباطبائي، ج6، كلام في معنى الأدب، وهو بحث تفصيلي حول الأدب الذي أدب الله به أنبياءه ورسله عليهم السلام ويقع في عدة فصول، ص 256- 297.
[2] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص 40.
[3] معارج نهج البلاغة، علي بن زيد البيهقي، ص 399.