03 وشجرة الجوز لم نحقق فيها النظر لنرى انها تسير أيضا نحو هدف معين من أول يوم
خلقتها ، وللوصول إلى ذلك الهدف جهزت بآلات خاصة تناسب سيرها التكاملي وقوتها
وضخامتها وهي في مسيرتها لا تتبع الطريقة التي اتبعتها الحنطة كما أن الحنطة لم تسر
سير الجوزة .
ان جميع ما نشاهده في الكون يتبع هذه القاعدة المطردة وليس لنا دليل ثابت على أن
الانسان شاذ عنها في مسيرته الطبيعية إلى هدفه الذي جهز بالآلات اللازمة للوصول
اليه بل الأجهزة الموجودة فيه أحسن دليل على أنه مثل بقية ما في الكون له هدف خاص
يضمن سعادته وتوفرت فيه الوسائل للوصول اليه .
وعليه فخلقة الانسان وخلقة الكون الذي ليس الانسان الا جزءا منه ، تسوقه إلى السعادة
الحقيقية ، وهي توحي اليه أهم وأحسن واثبت القوانين التي تضمن سعادته .
يقول تعالى : ( ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) ( 1 ) .
ويقول : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ( 2 ) ويقول : ونفس وما سواها . فألهمها فجورها
وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) ( 3 ) .
ويقول : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله
ذلك الدين القيم ) ( 1 ) .
ويقول : ( ان الدين عند الله الاسلام ) ( 2 ) .
ويقول : ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه ) ( 3 ) .
ومحصل هذه الآيات وآيات أخرى بهذا المضمون لم نذكرها أن الله تعالى يسوق كل واحد من
مخلوقاته – بما فيهم الانسان – إلى الهدف والسعادة الأسمى التي خلقهم لأجلها ،
والطريقة الصحيحة للانسان هي التي تدعوه اليه خلقته الخاصة ، فيجب أن يتقيد في
أعماله بقوانين فردية واجتماعية نابعة من فطرته السليمة ، ولا يتبع مكتوف اليد هواه
وعواطفه وما تمليه عليه ميوله وشهواته . ومقتضى الدين الفطري ( الطبيعي ) أن لا يهمل
الانسان الأجهزة المودعة في وجوده ، بل يستعمل كل واحدة منها في حدودها وما وضع له
لتتعادل القوى الكامنة في ذاته ولا تغلب قوة على قوة .
وبالتالي يجب أن يحكم على الانسان العقل السليم لا مطاليب النفس والعواطف المخالفة
للعقل ، كما يجب أن يحكم على المجتمع الحق وما هو الصالح له حقيقة لا انسان قوي
مستبد يتبع هواه وشهواته ولا الأكثرية التي تخالف الحق والمصالح العامة
ونستخلص من البحث الذي مضى نتيجة أخرى ، هي : أن تشريع الأحكام ووضع القوانين راجع
إلى الله تعالى ، وليس لأحد أن يشرع القوانين ويصنع المقررات غيره ، لأننا عرفنا من
البحث السابق أن الآداب والقوانين التي تفيد الانسان في حياته العملية هي المستوحاة
من خلقته الطبيعية ، ونعني بها القوانين والآداب التي تدعو إليها العلل والعوامل
الداخلية والخارجية الكامنة في خلقته ، وهذا يعني أن الله تعالى يريدها ومعنى أنه
يريدها أنه أودع في الانسان العلل والعوامل التي تقتضي تلك القوانين والآداب .
نعم الإرادة تنقسم إلى قسمين : قسم منها تجبر على ايجاد الشئ كالحوادث الطبيعية
التي تقع في كل يوم ، وهي المسماة ب الإرادة التكوينية ، والقسم الآخر يقتضي ايجاد
الشئ من طريق الاختيار لا الجبر كالأكل والشرب وأمثالهما ، وهي المسماة ب الإرادة
التشريعية .
يقول تعالى : ( ان الحكم الا لله ) ( 1 ) .
* * * وبعد وضوح هذه المقدمات يجب أن يعلم : ان القرآن الكريم مع رعايته للمقدمات الثلاث
المذكورة – وهي أن للانسان هدفا يجب أن يصل اليه طول حياته بمساعيه وأعماله ولا يمكن
الوصول إلى هدفه الا باتباع قوانين وآداب ،
شاهد أيضاً
[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ
[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...