الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني 31
24 أبريل,2023
الاسلام والحياة, زاد الاخرة
1,113 زيارة
31
وأما مع الالتفات إلى حفرته الأحدية التي كل بعيد عندها قريبٌ ، وكلّ صعبٍ عندها سهلٌ ، ونسبة الأشياء إليها على سواء ، ومقتضاها الرأفة والرحمة فأين الهمّ والغمّ ؟.. ولماذا يكون الأسف والحزن؟..
فإن كان على ما فات لا يعود ، فهو يخلفه بأضعافٍ مضاعفة ، فربما كان فوته تجارة لا خسارة ، حيث فاتك واحد وعُوّضت عنه بألف ، أو بالآلاف ، أو بما لا عداد له ولا نهاية.
فيا أخي !.. لا راحة للقلب حقيقة إلا عند ذكر الله ، ولا اضطراب له إلا عند التفات النفس إلى عالم الضيق ، والحرص والبخل ، واليأس من الروح والراحة.
فالإعراض عن الهموم يكون باعثاً على التوجّه إلى الحيّ القيوم ، أو يكون منبعثاً عن التذكر الفارج للهموم ، والكاشف للغموم.
فأقلّ ما يتوسّل به إلى تحصيل الرضا بالقضاء ، هو إلقاء الهموم والغموم عن القلب ، وتفريغ البال للتوجّه إلى حضرة ذي الجلال.
فعند ذلك نشاهد ألطافه الخفية والجليَّـة ، وضمانه لعبده الكفاية في الأمور الكلية والجزئية ، وهو قوله عزّ وجلّ :
{ أليس الله بكافٍ عبده } . الزمر/36..
فلا تجد مناصاً عن إيكال الأمور إلى قضائه ، فإنّ الله عزّ وجلّ وإن أمر بالأسباب ، لكنه لم يأمر مطلقاً ، بل بشرط عدم الاعتماد عليها ، وترْك الاتكال عليها ، فيكون الإتيان بالأسباب حينئذٍ امتثالا لأمره ، فإن أثّرتْ فبأذنه عز وجل ، وأن لم تؤثّر فالعبد قد امتثل ، وفرغ عن عهدة التكليف ، وعلى الحكيم أن يفعل ما تقتضيه حكمته ، وعلى العبد أن يَكِل الأمر إلى قضائه ، فيصبر له ، أو يسلّم ، أو يرضى.
فالقضاء إن كان بالمحبـوب فهو المحـبوب ، وإن كان بما تكـره النفس فالواجب على العبد أن يسلّي نفسه بأنـه ربما اتسع المضيـق ، ورب للتكفير في هذا المقام بقرينة المقام ، وربما ضاق الفضاء وهو أيضاً كثير.
فالحكيم لا بدّ أن يقلّب على عبده الأحوال ، لئلا يطمئن إلى حال ، ومراده أن يكون منقطعاً إليه في كل الأحوال .
حيث أنه في حال اليسر لا يأمن تبديله في كل دقيقة ، فلا بد في كل دقيقة من الانقطاع إليه في تلك الدقيقة ، وهكذا. (3)
(3)من هذا البيان يُعلم أن المؤمن الذي يستثمر البلاء في جهة الانقطاع إلى الله تعالى ، لا يستوحش من البلاء فحسب ، بل يرحب بمثل هذا البلاء الذي يسوقه نحو مولاه سوقاً حثيثاً وهذا هو السبب في عدم اضطراب سرّ الأولياء في أحلك الظروف ، بل هذه من المقامات والحالات التي لا يستوعبها أهل الدنيا فضلاً عن إدراكها( المحقق )
وكذلك في حال العسر والانقطاع ، يكون العبد إليه أحوج لعجزه وضعفه عن تحمل البلاء.
فإن كان لا بدّ من تقليب الأحوال على هـذا العـبد ، فلا بدّ من تسلية النفس بأنّ هذه الأحوال لا تـدوم ، وكثيرٌ فيها التقلب والتبديل ، فينبغي أن لا يعتد بفرحها ولا يؤثـر من فرحها ، وذلـك قوله عزّ وجلّ :
{ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم } . الحديد/23..
ويضاف إلى هذا في التسلية ، بأنّ أكثر هذه الابتلاءات اختبارات .. فإذا انكشف حال العبد إما بالصبر ، أو بالعجز ، أو بالضجر ، وعرف من نفسه ذلك رفع الله عنه ذلك ، وجعل عاقبة أمره يسرا (4)
(4)هذه بديعة من بدائع المؤلف ، فقد جعل للبلاء إحدى الثمار المذكورة ، ثم بعث الأمل في النفوس – التي لا تريد دوام البلاء – قائلاً بأنه إذا حصلت الثمرة وتحققت النتيجة ، فإن الله تعالى سيرفع البلاء الذي استهدف إحدى الثمار المذكورة ومعنى ذلك أن من طُرُق تحصيل العافية ، هو تحقيق تلك الثمار قبل البلاء وذلك بالمجاهدة الباطنية ، وكثرة التأمّل في أحوال النفس ، والاعتراف بين يدي الله تعالى بالمسكنة والضّعف
( المحقق )
الشيخ البحراني الشيخ الكاظمي الطريق إلى الله 2023-04-24