روي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُول:” جُعِلَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي بَيْتٍ وَ جُعِلَ مِفْتَاحُهُ الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يَجِدُ الرَّجُلُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ حَتَّى لَا يُبَالِيَ مِنْ أَكْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَعْرِفَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا”.1
________________________________________
1- الكافي، الكليني، ج2، ص 128، باب ذم الدنيا والزهد فيها، ح2.
عصرنا بين الزهد والنزعة الدنيويّة
بيانٌ وتبيانٌ:
روي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام فيما ناجى الله عزّ وجلّ به موسى عليه السلام: “يا موسى، لا تركَنْ إلى الدّنيا ركونَ الظّالمين، وركون من اتّخذها أباً وأمّاً. يا موسى، لو وكَلتك إلى نفسك لتنظر لها، إذاً لغلب عليك حبّ الدّنيا وزهرتها. يا موسى، نافس في الخير أهله واستبقهم إليه، فإنّ الخير كاسمه، واترك من الدّنيا ما بك الغنى عنه، ولا تنظر عينك إلى كلّ مفتون بها وموكل إلى نفسه، واعلم أنّ كلّ فتنة بدؤها حبّ الدّنيا. ولا تغبط أحداً بكثرة المال، فإنّ مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق، ولا تغبطنّ أحداً برضى النّاس عنه حتى تعلم أنّ الله راضٍ عنه، ولا تغبطنّ مخلوقاً بطاعة النّاس له، فإنّ طاعة النّاس له واتّباعهم إيّاه على غير الحقّ هلاك له ولمن اتّبعه”1.
________________________________________1- سند الحديث مُرسل، وهو: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي يعفور، قال: سمعت…، ولكن على ما يظهر فإنّه لا يضرّ إرسال السّند في الأحاديث التي تُبيِّن للإنسان الحكمة والأخلاق وتعرض له الحقائق، كما إنَّه لا يشتمل على حكم فقهيّ حتّى يناقش الإنسان في حُجِّيته، ويقال بعدم جواز التّعبّد بالخبر المرسل، بل إنّ مؤدّى هذه الأحاديث حقائق ما إن ينظر إليها المرء حتّى يرى صحّتها وإتقانها واعتبارها مندرجاً في ذاتها. ومن الواضح أنّها إمّا من كلام المعصوم عليه السلام ، أو متّخذة من كلامه وحديثه عليه السلام. وعليه، فإنّ الإرسال في سند هذا الحديث لا يجب أن يثير أيّ شبهة أو ريب أو تردّد فيما يتعلّق بالأخذ بمضمونه.ومع ذلك، وباستثناء هذا الإرسال، فإنّ رجال السند هم من الثّقاة والمحدّثين جليلي القدر، فالأصحاب “عليّ بن إبراهيم” و”إبراهيم بن هاشم” غنيّان عن التّعريف، وكذلك ابن محبوب هو “حسن بن محبوب السرَّاد” من الثّقاة والعظماء، وعلى قولٍ هو من أصحاب الإجماع. أمّا “ابن أبي يعفور” فهو رجل جليل القدر يُنقَل عنه أنّه قال مخاطباً الإمام الصادق عليه السلام: “والله، لو فلقتَ رمّانة نصفين، وقُلتَ هذا حرام وهذا حلال، لشهدْتُ أنّ الذي قلتَ حلالاً حلالٌ، وأنّ الذي قلتَ حراماً حرامٌ. وهو نفسه من قال له الإمام الصادق عليه السلام مرّتين في جوابه عليه “رحمك الله”، وبعد وفاته كتب الإمام الصادق عليه السلام كتاباً إلى “المفضَّل” في الكوفة ليعطيه الوكالة التي كانت عند “عبد الله بن أبي يعفور” وفيها يُورِد الإمام في أكثر من موضع عبارة “صلوات الله عليه” بعد اسم “عبد الله بن أبي يعفور”.