نزول القرآن عن طريق الوحي
تلقَّى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم القرآن الكريم عن طريق الوحي، ونظراً إلى أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتلقَّى الوحيَ الإلهيّ من جهةٍ عُليا معنويَّةٍ، وهي الله سبحانه. لذا يقال إنَّ القرآن نزل عليه، للإشارة إلى علوِّ الجهة التي اتَّصلَ بها النبيُّ عن طريق الوحي، وتلقَّى عنها القرآن الكريم: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾9.
والوحيُ لغةً هو: الإعلام في خفاء. أي الطريقة الخفية في الإعلام، وقد أطلق هذا الَّلفظ (الوحي) على الطَّريقة الخَّاصة التي يتصل بها الله تعالى برسوله، نظراً لخفائها ودقتها وعدم تمكُّن الآخرين من الإحساس بها. ولم يكن الوحي هو الطَّريقةُ التي تلقَّى بها خاتم الأنبياء وحده كلمات الله، بل هو الطريقة العامة لاتصال الأنبياء بالله وتلقّيهم الكتب السماوية منه تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ﴾10.
صور الوحي
يبدو من القرآن الكريم أنَّ الوحيَ هذا الاتصال الغيبيّ الخفيَّ بين الله وأصفيائه، له صور ثلاث:
الأوّل: إلقاءُ المعنى في قلب النبيّ أو نفثه في روعه بصورة يحس بأنه تلقاه من الله تعالى.
الثاني: تكليمُ النبيّ من وراء حجاب، كما نادى الله موسى من وراء الشجرة وسمع نداءه.
الثالثة: هي التي متى أطلقت، انصرفت إلى ما يفهمه المتديِّنُ عادةً من لفظة الإيحاء، حين يلقي ملك الوحي المرسل من الله إلى نبيٍّ من الأنبياء ما كُلِّفَ إلقاؤه إليه، سواء أُنزل عليه في صورةِ رجلٍ أم في صورته الملكيَّة، وقد أشير إلى هذه الصُّور الثلاث في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾11.
وتدلُّ الرِّوايات على أنَّ الوحي الذي تلقَّى النّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن طريقه الرِّسالة الخاتمة
9- سورة الشورى، الآية: 7.
10- سورة النساء، الآية: 163.
11- سورة الشورى، الآية: 51.
وآيات القرآن المجيد، كان بتوسيط الملك في كثير من الأحيان، وبمخاطبة الله لعبده ورسوله من دون واسطة في بعض الأحيان، وكان لهذه الصُّورة من الوحي التي يستمع فيها النبيّ إلى خطاب الله من دون واسطة أثرَها الكبير عليه. ففي الحديث أنَّ الإمام الصادق عليه السلام سئل عن الغشية التي كانت تأخذ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أكانت عند هبوط جبرائيل عليه السلام فقال: لا، وإنما ذلك عند مخاطبة الله عز وجّل إيَّاهُ، بغير تُرجمانٍ وواسطة12.