الرئيسية / شخصيات اسلامية / مجهولة في الأرض معروفة في السماء

مجهولة في الأرض معروفة في السماء

( أميرة قم )
قالت ذات يوم: اذكروني في مجالسكم… من التي نطقت بهذه العبارة؟ إنها سيدة عش آل محمد (صلى الله عليه وآله) .. إنها الأم الرؤوم الرحوم الحانية على من جاورها.. أنها السيدة التي تفدّاها أبوها العبد الصالح موسى بن جعفر(عليه السلام) حينما قال لها ثلاثاً : فداها أبوها كما تفدى جدها المصطفى أمها فاطمة الزهراء(عليها السلام)..

إنها السيدة التي بشّر ثلاثةُ أئمة معصومين ((لمن زارها الجنة)) .. إنها السيدة التي أعطاها الله عز وجل منزلة الشفيعة عنده يوم القيامة كما ورد في زيارتها (يا فاطمة اشفعي لي في الجنة).. إنها السيدة التي لُقّبَت بلقبِ كريمةِ أهل البيت(عليهم السلام), حينما توسل آية الله السيد محمود المرعشي النجفي بحضرة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لكي يدلّه على قبر فاطمة الزهراء(عليها السلام), وبعد الدعاء والتوسل أربعين صباحاً شاهد الإمام عياناً قائلاً له: إذا أردت أن تنال فضل زيارة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فعليك بزيارة قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر((كريمة أهل البيت)) إنها حفيدة الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليهم السلام) الذي تنبأ بمدفنها ببلدة قم وكذلك بتسميتها باسم جدتها فاطمة الزهراء(عليها السلام) حينما قال: وإن لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي اسمها فاطمة…..إلخ
ما سر هذا الوجود؟ ما سر هذا النور؟ هذا هو شأنها وهذا هو جاهها وهذه هي منزلتها عند الله وأهل بيته, فلماذا قالت: اذكروني في مجالسكم؟!
قالت هذه العبارة وكنت في موسم التبليغ قبل خمس سنوات فجاءتني في عالم الرؤيا وأنا جالس جلسة الصلاة متوجهاً نحو القبلة وإذا بصوتها الحاني والحزين وفيه نبرة الغربة والأسى موصلة رسالة أليمة:( أذكروني في مجالسكم ), أيها المؤمنون أيتها المؤمنات هل ترون هذا النداء المعصومي يخاطبني وحدي؟ كلا , إنه بصيغة الجمع ولكن ما شأني وما قيمتي حتى تطلب مني كريمة أهل البيت وسيدة هذا المصر أن أذكرها في مجالسنا! إنه صوت المظلوم.. إنه صوت الغريب.. لقد دخلت بلدتها أول مرة فأرخيت عينَيَّ بالدموع .. وقلبي بالخشوع واقشعر الجلد لعظمتها, أحسست بغربتها, لقد كنا في عينها ترعانا تارةً وتمد لنا العون تارةً أخرى ..
نقل سماحة العلامة السيد عادل العلوي في كتابه((قبسات عن حياة سيدنا الأستاذ)) عن أستاذه آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي حيث قال: في أيام الشباب حينما حفّت بي المشاكل والصعاب وأردت تزويج ابنتي ,ولم أملك من المال شيئاً, ولا يروق لي أن أسأل أحداً سوى الله سبحانه وتعالى, فأتيت حرم السيدة المعصومة كريمة أهل البيت(عليهم السلام) معاتباً ودموعي تسيل على الوجنات وقلبي مفجوع [ يقول السيد عادل العلوي نقلاً عن أستاذه المرعشي: فللت طرفاً من عمامتي وربطتها في الضريح ووضعت عباءتي على رأسي كما يضع أهل القرى والأرياف عندما يدخلوا في الأضرحة المقدسة ] وقلت مخاطباً: سيدتي ومولاتي كأنما لا تهتمين بي ولا تبالين بأمري فكيف أزوج ابنتي ولا شيء عندي ؟ ثم أتيت الدار محزوناً فأخذتني الغفوة فرأيت في عالم الرؤيا أنه قد دُق الباب فلما فتحته رأيت شخصاً قال: السيدة تريدك, فسرعان ما تشرفت بزيارتها(عليها السلام) , وحين الدخول في الصحن الشريف رأيت ثلاث إماءٍ يكنسن الرواق الذهبي فسألتهن عن السبب فأجبن: الآن تأتي السيدة ,

وبعد برهة رأيت مولاتي السيدة المعصومة وكانت نحيفة الجسم, صفراء اللون, شمائلها شمائل سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام), كما رأيتها من قبل ثلاث مرات فتقدمت وقبلت يدها- إذ هي عمتي في النسب- فقالت: يا شهاب متى لم نبال بأمرك حتى تعاتبنا وتشكونا؟! فمنذ دخلت قم وأنت في رعايتنا, فتفطنت وعلمت أني أسأت الأدب فاعتذرت منها ثم استيقظت فأتيت الحرم الشريف زائراً معتذراً وسرعان ما انقضت حاجتي وسهل الله أمري[يقول السيد عادل العلوي(حفظه الله):هذا ما حدثني به الأستاذ وقد حدّث والدي القصة من قبل أيضاً وأضاف أنه حينما دخل الحرم ليشكر السيدة ويعتذر, وبعد خروجه في الإيوان جاءه رجل فقبل يده وأعطاه ظرفاً فيه نقود وقال: هذه هدية خالصة لكم وذَهَبَ, فجاء إلى زوجته وقال لها: اشتر ما شئت من جهاز العرس لابنتك, وقد وضع النقود في جيبه من دون أن يعدّها, فاشتروا ما يحتاجونه وقالوا له اشترينا ما كان ضرورياً فأخرج الظرف من جيبه فلم يجد فيه شيئاً. هكذا نقل لي.] . ثم حدثني عن مقام السيدة المعصومة الشامخ وعظمتها ومنزلتها الرفيعة عند أهل البيت(عليهم السلام) وأنه من زارها عارفاً بحقها وجبت له الجنة, ثم قال: دخلت قم (عش آل محمد(( صلى الله عليه وآله وسلم)) ) ولا أملك إلا القباء والرداء واليوم كل ما لدي هو من بركات وكرم هذه السيدة الطاهرة أرواحنا فداها.
هذه قطرة من بحر جودها الذي تفيضه على من حولها. ولعل السائل يسأل من الذي جاء بها إلى قم وهي حجازية المولد؟ وكيف توفيت؟ أقول: أنه عشق الإمامة, والولاء المطلق لإمام زمانها وشقيق روحها. إنها قصة حبٍ وولاء مقتبسة من قصة حب وولاء الحوراء زينب لأخيها الحسين(عليهما السلام) حيث أبعد الأعداء أخاها الإمام الرضا(عليه السلام) إلى ((مرو)) مقر الدولة العباسية في زمن المأمون العباسي(لعنه الله) فطلب منها الإمام المجيء إليه فهو لا يحتمل فراقها وكان يحبها حباً جماً, وهي يكاد يتقطع قلبها لفراق إمامها وأخيها الإمام الرضا(عليه السلام) فجاءت تقطع الطريق اشتياقاً لأخيها وسارت القافلة العلوية المسالمة إلى أن وصلت((ساوة)) فهاجمها الأعداء فقتلوا إخوتها وشتتوا جمعها, وقيل إنها طعنت بخنجر مسموم أو أنها مرضت, عندئذٍ تحققت نبوءة جدها الإمام الصادق(عليه السلام) حيث سألت من كان بقي في القافلة الجريحة: كم تبعد قم؟ قيل لها: عشرة فراسخ , فتوجَهَت إلى عش آل البيت(عليهم السلام)

وكان في بلدة قم الشيعة والمحبين لأهل البيت(عليهم السلام) فعندما سمع موسى الأشعري بمجيئها رمى عمامته على الأرض واحتفى القدمين وخرج حاسراً متوجهاً لسائق ناقة السيدة المعصومة فهوى على يديه يقبلهما باكياً فاستنكر سائق الناقة هذا الفعل لكون موسى الخزرجي زعيم عشيرة الأشعريين آنذاك وسيدهم فسأله ما السبب في ذلك, فقال له موسى: أعطني زمام الناقة كي أتشرف باستقبال السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (عليهما السلام) فاستقبلها وأنزلها في داره والتي هي اليوم أسمها (بيت النور) حيث بقيت فيها السيدة المعصومة سبعة عشر يوماً تتعبد لربها حتى قضت نحبها غريبة وفي قلبها ألمٌ ولوعةٌ , حيث أنها لم تر إمام زمانها الإمام الرضا(عليه السلام). وكأني بها وهي في آخر لحظات حياتها تلتفت يميناً وشمالاً علّها ترى وجه الإمام كي تودعه ,

حيث لا أم ولا أب ولا أخ ولا أخت , فماتت مهمومة مغمومة غريبة محتسبة ومسلّمة أمرها إلى الله عز وجل راضيةً بقدره وقضائه, ثم شيعوها إلى مثواها الأخير في بستان(بابلان) وهو بستان أوقفه موسى الأشعري لدفن السيدة المعصومة, فاحتاروا بمن ينزلها إلى ملحودتها فلا محرم موجود لكي ينزلها بأبي هي وأمي, بينما هم كذلك وإذا بفارسَين جاءا من جهة القبلة متجهَين نحو الجنازة ملثمين بلثام أبيض, فنزل أحدهما إلى القبر وقام الآخر بحملها إليه فأنزلها ثم ذهبا بعيداً ولم يكلمهما أحد, وكل يقيننا أن صاحب الغيرة والمروءة إمامنا الرضا جاء لدفنها بمعية الإمام الجواد (عليهما السلام)….
وانطفأت شمعة أخرى من شموع آل محمد مخلفةً أنواراً ساطعة يستضيء بها الكون وينهل منها العارف ويهدأ بها المهموم وينام بها الطفل آمناً في أحضان أمه وفي أحضان سيدة قم.
إنها سيدة عش آل محمد(صلوات الله عليهم أجمعين)…. إنها أميرة قم.

فراس الحلفي- العراق