– برّ الوالدين يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾1 ________________________________________ 1- سورة الإسراء، الآيتان: 23 24. تمهيد يقول أمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خُطبه: “فما خُلقتُ ليشغلني أكلُ الطيّبات كالبهيمة المربوطة همُّها علفُها، أو المرسلة شغلها تقمّمها تكترش من أعلافها وتلهو عمَّا يُراد بها”2 وهو الذبح. إنَّ الله تعالى لم يخلق السماوات والأرض عبثاً ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾3، وكذلك الإنسان، بمعنى أنَّ هذا الإنسان غير متروك ليحيا حياته بطريقة عبثيّة، بل هو مسؤول ويُسأل عن أفعاله. يقول تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾4. كلّ الناس مسؤولون عن أفعالهم، نعم، هناك استثناءات كالصبيّ والصبيّة غير المكلَّفين، والمجنون. أمّا الكلام هنا فعمّن تتوفّر فيهم الصفات الّتي حدّدها الإسلام للإنسان المسؤول؛ البالغ العاقل، الّذي وقع عليه قول ربّ العزّة سبحانه وتعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾5، أي عن عملهم بالتكاليف الإلهيّة، و﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ ________________________________________ 2- نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج 3، كتاب رقم 45،ص 72. 3- سورة الأنبياء، الآية: 16. 4- سورة الصافات، الآية: 24. 5- سورة الحجر، الآيتان: 92 93. وُسْعَهَا﴾6 و﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾7. وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيَّته”8. فالأمير على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيّته. وربّ الأسرة راعٍ ومسؤول عن أهل بيته. والمرأة راعية أولادها، وهي مسؤولة عنهم، وهكذا كلّ منّا مسؤول بحسب موقعه من هذه الحياة. وفي كلام آخر لأمير المؤمنين عليه السلام: “اتقوا الله في بلاده وعباده، فإنَّكم مسؤولون عن البقاع والبهائم”9. وهذا ما نسمّيه اليوم: الثروات الطبيعيّة والحيوانيّة. ومسؤوليّة الإنسان متعدّدة الاتجاهات: فهناك مسؤوليّات تجاه نفسه وبدنه وحاجاته الجسديّة، وتجاه روحه وحاجاته الروحيّة والنفسيّة. وهناك مسؤوليّة تجاه عائلته والأقرباء، وأهل قريته ووطنه، ومسؤوليّة تجاه البشريّة. وهناك مسؤوليّة تجاه الدِّين والقيَم.. ويجب أن يتحمّل الإنسان مسؤوليّته بقدر ما يستطيع، لأنّ الله لا يُكلّف نفساً إلّا وسعها، أي لا يأمرها بشيء إلّا دون طاقتها وإمكاناتها وقدرتها على الامتثال، وهذا من لطف الله تعالى على العباد. مسؤلية الإنسان: 1ـ أن يعرف الإنسان تكليفه والمسؤوليّات الملقاة على عاتقه. 2ـ أن يعرف شكل وروح المسؤوليّة ليبادر ويعمل ويتحمَّل ويجاهد في تحمّلها. 3ـ أن يعمل ما تقتضيه هذه المسؤوليّة، حتّى إذا سُئل يوم القيامة تكون أجوبته كفيلة بأن تُدخله الجنّة، يقول سبحانه: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾10. ________________________________________ 6- سورة البقرة، الآية: 286. 7- سورة البقرة، الآية: 185. 8- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 72، ص 38. 9- نهج البلاغة، ج 2، خطبة رقم 167، ص 80. 10- سورة آل عمران، الآية: 185.