یقولون أنّهم یحاربون لإقامة دولة إسلامیة، لکنّ أفعالهم تحکي عن قصّة مختلفة.. بالمعاملة الوحشیة ضدّ المدنیین وإرتکاب جرائم حرب، ینتهك التکفیریون المتطرّفون في سوریة أبسط مبادئ الشریعة التي یدّعون أنّهم یحاربون من أجل تطبیقها.
یوم الخمیس، الموافق 16 کانون الثاني / ینایر 2014، أعلن مسؤولون في الأمم المتّحدة من أنّ التکفیریین یقومون بتنفیذ عدد من الإعدامات تدخل ضمن تصنیف جرائم حرب. وقد أعلنت وکالة الأسوشیتیدبرس الآتي:
” أعلنت مفوّضة حقوق الإنسان في الأمم المتّحدة، نافي بلاي، أن مکتبها إستلم خلال الاسبوعین الماضیین تقاریر عن إعدامات متوالیة للمدنیین والمقاتلین الذین إمتنعوا عن مواصلة القتال في حلب وإدلب والرقّة، علی أیدي مقاتلین متطرّفین في سوریة، وعلی الأخصّ علی أیدي مقاتلي دولة الإسلام في الشام والعراق المرتبطة بالقاعدة.
وبإدّعائهم أنّهم یحاربون لإقامة ” دولة إسلامیة” بینما یرتکبون جرائم حرب فظیعة، فانّهم في الحقیقة یشنّون جهاداً ضدّ الإسلام!
مؤخّراً، کنتُ أحاور ” مایکل بارینتي ” ، شخص علماني ناقد لجمیع الأدیان، في برنامجي الإذاعي. وحینما أشرتُ إلی حقیقة مفادها أنّ الإسلام أکثر دین متسامح من بین الأدیان الإبراهیمیة الثلاثة، ومقدّماً أمثلة تاریخیة عن حمایة المسلمین لتعدّد الأدیان، ردّ عليّ “بارنتي” قائلاً:
” نعم، ربّما کان هذا صحیحاً في الماضي، ولکن انظر إلی المسلمین الآن! انظر إلی مایقومون به في سوریة!”
حاولتُ أن أوضّح أنّ التکفیریین المتطرّفین في سوریة لایمثّلون العالم الإسلامي. ولکن طالما أنّ التکفیریین یسیئون إستخدام صفة ” إسلامي ” ویحصلون علی الدعم من العربیة السعودیة، القیّمة علی الحرمین الشریفین، فأفراد من شاکلة “مایکل بارینتي” یستخدمون التکفیریین کأمثلة علی التطرّف المزعوم في الإسلام.
ما هو الإسلام الذي یؤیّد نزع قلب عدوّ میّت ویقضمه أمام الکامیرا؟ ما هو الإسلام الذي یسمح بتجمیع النساء من أجل إقامة علاقات جنسیة غیر شرعیة مع المقاتلین؟ ما هو الإسلام الذي یتغاضی عن الإعدامات الجماعیة للمدنیین بسبب کوْنهم مسیحیین أو مسلمین معتدلین؟
رغم أنّ الحرب دمویة وعمل غیر مُستساغ ومقبول، إلا أنّ القادة والجنود المسلمین معروفون تاریخیاً بفروسیّتهم وعطفهم وسیطرتهم علی تصرّفاتهم. حینما دخل النبي محمد (ص) مکّة وواجه أعداءه الذین إضطهدوه هو ومؤیّدیه بشدّة ، إبتعد عن الإنتقام وأمر بالرأفة. فقد کان دخول مکّة بمثابة فتح دون إراقة دماء لا مثیل له في تاریخ الحروب.
فانموذج النبي محمد (ص) تحوّل إلی مصدر إلهام للعدید من الأمثلة للبطولة الإسلامیة، أو ما یسمّی بـ” الفتوّة ” في التاریخ. في الواقع، فقد کانت فتوّة المحاربین المسلمین في إسبانیا عبارة عن کیاسة وإنکار الذات والعطف ، هؤلاء الفرسان الذین إستطاعوا عن طریق تعاملهم الطیّب وخلقهم الدمث مع النساء أن ینتشر صیتهم في أوروبا حیث ساهم في نشر البطولة والرجولة والعشق البرئ واللطیف في قارّة أوروبا.
وعلی النقیض،فقد کانت هند، زوجة ابي سفيان، ألد أعداء الإسلام، وهي التي قطّعت کبد حمزة وأکلت من القطع في أرض المعرکة. والتکفیري ، آکل لحوم البشر، الذي أکل قلب جندي سوري کان یعلن للعالم أجمع بطریقة رمزیة أنّه عدو للإسلام، کما کانت هند في صدر الإسلام. أغلب المسلمین یعلمون هذه الحقیقة. لکنّ غیر المسلمین في أرجاء العالم الذین یتابعون مثل هذه الفظاعات والأعمال الوحشیة ، ربّما یعزونها إلی الإسلام دون قصد، أو إلی التطرّف الإسلامي.
یرتکب التکفیریون المزید والمزید من الفظائع، لیس ضدّ القوّات الحکومیة السوریة والمسیحیین والمسلمین المعتدلین فحسب، ولکن ضدّ بعضهم البعض أیضاً. وفقاً للتقاریر الخبریة، فانّ الإقتتال الداخلي بین داعش والمجموعات التکفیریة الأخری ومعارضي الحکومة أدّی إلی مقتل المئات من الأفراد خلال الاسبوعین المنصرمین.
إعتاد التکفیریون علی إعدام الأشخاص الذین لایشارکونهم تفسیرهم المتطرّف الخاطئ عن الإسلام. هذا العمل لا یمتّ إلی الإسلام بصلة. فعبر التاریخ، إستمتع المسلمون بحمایة أتباع الدیانات الأخری.
مثال یستحقّ الإشارة: حینما قرّر المسیحي المتعصّب القدّیس فرانسیس، الذي يحمل البابا الحالي للفاتيكان، أن یصبح شهیداً، سافر إلی أراضٍ إسلامیة کي یدعو إلی المسیحیة ويساجل ضدّ الإسلام! توقّع فرانسیس أن یقوم المسلمون بقتله، کما کان المسیحیون سیقتلون أيّ مسلم یهاجم المسیحیة علی أراضیهم، ولکن لم ینجح القدّیس فرانسیس في إثارة غضب المسلمین کي یجنحوا للعنف، بل علی العکس دخل في حوارات ونقاشات مطوّلة حول الإسلام والمسیحیة مع أحد القادة المسلمین لعدّة لیال، وفي النهاية، فشل کلّ منهما في إقناع الآخر بالتحوّل إلی دین الآخر.
أمّا الیوم، فانّ الصفحات الأولی للصحف ونشرات الأخبار، مغطّاة بأخبار من هم علی شاکلة القاعدة الذین یدّعون أنّهم یدافعون عن الإسلام، ولکن في الحقیقة ما یقومون به هو هجمة مضادّة على الإسلام.
والمسلمون العادیون وقعوا في وسط المعمعة بین من یسمّون بـ” المسلمين الإرهابیين” وين من يسمون انفسهم بـ”المسلمين المعتدلين”، الذین علی إستعداد لبیع ایمانهم ومعتقداتهم والسکوت علی الحرب القائمة ضدّ الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من أیلول / سبتمبر 2001. إنّه نظام عالمي مثل کماشة صُمّمت لإضعاف الإسلام وجعل العالم مکاناً آمناً للربا والصهیونیة والمادّیة.
لحسن الحظّ، فانّ مسلمي العالم یتحدّثون جهاراً ضدّ التکفیریین بصفة عامّة، وإضطهاد المسیحیین بصفة خاصّة. مجموعة تُسمّی “مبادرة العهد” تطلب من المسلمین التوقیع علی مذکّرة للشهادة علی العهد الذي تمّ توقیعه بین النبي محمد (ص) ومسیحیي العالم.
الإسلام الأصیل معتدل ویتلاقی مع الجمیع في منتصف الطریق، ولیس متطرّفاً وغیر متسامح أو أنّه دین عنیف وقاس. فالحقیقة هي دفاع الإسلام الأصيل ضدّ التکفیریین ومموّلیهم الجدد من قادة النظام العالمي الجدید. وکما قال النبي محمد (ص): ” افضل الجهاد کلمة حق عند سلطان جائر”.