منذ بداية العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن أثيرت عدة نقاط حول أهمية البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، وأهمية البحث عن الدور الإسرائيلي في العدوان والهدف من هذا القصف العشوائي المستمر بالرغم من إنهاء العدوان وفق البيان السعودي الذي أعلن قبل أيام
لكن نقطة هامة من العدوان في أهدافه الحقيقية ما زال الحديث عنها ضمن الإطار الضيق على المستوى الإعلامي، إذا أن آل سعود يسعون في واقع الأمر لتنفيذ عملية توطين للقاعدة في اليمن بما يخدم نقل الجهاديين إلى البلاد لتدخل في الفوضى الطويلة الأمد الضامنة لسير العمليات السعودية في اليمن وفق التوجيهات التي تمنح للمملكة من قبل مشغليها الأساسيين، فالحديث عن رؤية استراتيجية ومنطقة لدى السعوديين ضرب من الخروج عن النص المنطقي لمسار الحدث في المنطقة العربية، فالتاريخ خير شاهد على واقع تبعية آل سعود وبقية الكيانات الخليجية للقرار الأمريكي، وتلاقي المصالح بين هذه الكيانات والاحتلال الإسرائيلي أمر لا يأتي من باب المصادفة.
في توطين القاعدة أو الجهاديين عموماً في اليمن تجد الدول المستفيدة الحجة الكافية للإبقاء على وجود قوات عسكرية أمريكية في اليمن بحجة حفظ الأمن، وقد تكون هذه القوات بشكل “قوة حفظ سلام دولية” تقودها واشنطن، ليصار لاحقا إلى استنزاف مقدرات الدولة اليمنية من جهة، والحفاظ على خليج عدن بعيداً عما تسميه كل من الرياض وتل أبيب “خطر التمدد الإيراني”، وفي ذلك طمأنة أمريكية لكل الكيانين “السعودي والإسرائيلي”.
واقع الأمر يشير إلى أن كل من الرياض وتل أبيب تسعيان في جزئية من الصراع اليمني إلى تقسيمه إلى أكثر من دويلة، فالوصول إلى مرحلة الهدوء واجب في مرحلة نهائية من استنزاف اليمن على المستويين العسكري والسياسي، وبالتالي لابد من ضمان بقاء الدولة اليمنية مقسمة حتى ضمن الكيانات المراد رسمها، بمعنى أنه وفي حال تمت عملية إعادة اليمن إلى ماكان عليه قبل الوحدة في العام 1990، فإنه من الضروري الحفاظ على حالة الصراع الداخلي ضمن كل من الدولتين المراد الوصول إليهما، ليكون من السهل على السعودية أن تتحكم بمجريات الحدث الداخلي لكل من هاتين الدولتين ( اليمن الشمالي – اليمن الجنوبي)، وعلى ذلك يضمن آل سعود لنفسهم المكانة الاستثمارية على المستويين السياسي والعسكري من خلال توظيف القاعدة وداعش في عمليات اغتيال سياسي لتصفية كل القيادات الرافضة للوجود السعودي أياً كان شكله داخل الأراضي اليمنية، وبذلك يكون لإسرائيل تمددها في جهتي مضيق باب المندب بعد تواجدها في جيبوتي و إثيوبيا، فالواقع يثبت أن العلاقة ما بين الحكومتين الإسرائيلية والسعودية باتت علاقة تكامل في المصالح.
في توطين القاعدة وداعش داخل اليمن مخرج أساسي من أزمة الجهاديين المتواجدين في الداخل السعودي، ولعل هذه النقطة من أكثر النقاط إلحاحاً في حسابات آل سعود، فالتنظيمات التكفيرية التي تعد المملكة رحمها الخصب لا يمكن المراهنة على بقاءها تحت سيطرة المخابرات السعودية، وبالتالي فإن المناخ الخصب بواقع انتشار الوهابية كمذهب رسمي في المملكة فرض على السعوديين أن يبحثوا عن دولة جديدة لتصدير الجهاديين إليها، واليمن من أفضل هذه الدول بكونه قريب من المملكة، ولا تعد التنظيمات الجهادية فيه ضعيفة أو معرضة لمعارك عنيفة كما هو حال هذه التنظيمات في العراق وسوريا، وفي حسابات الجهاديين إنهم يذهبون إلى حرب تكسبهم العيش الرغيد لا الموت السريع، وأن يتمتعوا بنعيم الأرض، فالجنة وفق معتقداتهم مضمونة بمجرد انتمائهم إلى التنظيمات الجهادية، ووفق هذا التصور تعمل السعودية على إظهار الصراع في اليمن على إنه صراع مذهبي وحرب دينية بامتياز من خلال الترويج لمصطلح “الدفاع عن الحرمين الشريفين”، وبذلك يعمل السعوديون والإسرائيليون على إيجاد مكان ضمن الخارطة الديمغرافية الطبيعية في اليمن لكل من داعش والقاعدة، ليكون من السهل التحكم باليمن كدويلات مقسمة على أساس طائفي ومذهبي.